المُخ الإنساني هو مركز العقل، وليس القلب


مجيد البلوشي
2016 / 3 / 11 - 15:08     

المُخ الإنساني هو مركز العقل، وليس القلب


بقلم: الدكتور مجيد البلوشي
[email protected]

يطرح علينا العديد من أصدقائنا فكرة الكتابة بصورة منتظمة كأحد كُتاب الأعمدة، يوميًا أو أسبوعيًا، في إحدى الجرائد المحلية، وردّنا على ذلك دائمًا يكون بالنفي، وذلك لأن كتابة العمود الصحفي اليومي أو الأسبوعي – في رأينا - ليست أمرًا سهلاً ألبتة، بل هي اِلتزام يأخذه كاتب العمود على عاتقه ويتقيّد به مهما كان الأمر، بمعنى آخر يجب على كاتب العمود أن يكتب وبالضرورة شيئاً ما في عموده اليومي أو الأسبوعي. فتراه يكتب أي شيء، المهمّ أن يكتب ويؤدي "واجبه". وقد يكون ما يكتبه شيئاً مهماً يستفيد منه القارئ ويستنير به، أو قد يكون شيئاً لا معنى له إطلاقًا، بل قد يكون تشويهًا للحقيقة ومناقضًا للواقع.

وهذا الأمر الأخير هو الذي قام به أخونا الأستاذ سلمان الحايكي بعنوان "القلب مركز العقل" في جريدة "أخبار الخليج" الغراء الصادرة بتاريخ 9 أكتوبر 2015 م، وفي باب "قضايا وآراء" (صفحة 17). فهكذا بجرّة قلم أصبح القلب لدى أخينا سلمان الحايكي مركزًا للعقل! متحدّيًا بذلك علم الأحياء، وعلم التشريح، وعلم الوظائف (وظائف أعضاء الجسم الحي)، ناهيكم عن الطب وما تعلمناه في الثانوية العامة.

إن وظيفة القلب، عزيزنا سلمان، ليست العقل أو التعقّل بأي شكل من الأشكال، بل وظيفته هي ضخّ الدم الذي يحمل الأكسجين والغذاء لكل خلية من خلايا أعضاء الجسم الحي المختلفة، بما فيها خلايا العضو "المهيب" ذي التركيبة عالية التطوّر، ألا وهو المُخ (الدماغ) الذي يتحكم هو في نبضات القلب ودقّاته ويشرف على وظيفته ويديرها كما يتحكم في وظائف سائر أعضاء الجسم ويشرف عليها ويديرها بصورة تلقائية، وذلك عن طريق الخلايا العصبية والعصبونات الدقيقة المنتشرة في جسم الكائن الحي. فالقلب يدقّ ومع كل دقّة يقوم بضخ الدم والأغذية إلى جميع أعضاء الجسم عن طريق الأوعية الدموية المنتشرة في جميع أنحاء الجسم، وبذلك يكون الجسم حيًا، ولكن كل ذلك يتمّ بإيعاز من العضو المهيب المُخ. فالمُخ هنا هو الآمر والناهي، والقلب هو المأمور.

ونقول "الكائن الحي" بصورة عامة، أي قد يكون هذا الكائن الحي دودةً أو نملةً أو فأرًا أو فيلاً أو حوتًا... أو إنسانًا، لا فَرْق ألبتة. ولكن يجب أن نعرف أن العقل أو التعقّل أو الفهم أو الإدراك أو التصوّر أو التخيّل ... أو ما نسمّيه فلسفيًا "الوعي" ما هو إلاّ وظيفة المُخ (الدماغ) الإنساني فقط. فالإنسان هو الكائن الوحيد – على كوكبنا الأرضي - الذي يتميز بالوعي بصورة مطلقة. وبفضل هذا الوعي استطاع الإنسان أن يسود على كائنات هذا الكوكب، ويجعلها خاضعة لإرادته، فمنها ما يربّيه ليشرب حليبه، ومنها ما يأكل بيضه، ومنها ما يذبحه ليأكل لحمه، ومنها ما يستخدمه لركوبه ونقل أمتعته، ومنها ما يضعه في الأقفاص ليتفرّج عليه ويستأنس به ... إلخ، وذلك بالرغم من أن معظم هذه الكائنات أضخم من الإنسان وأقوى منه من الناحية البدنية والعضلية كالحمار، والحصان، والفيل، والأسد، والنمر، والفهد، والحوت، والدُلفين. وبفضل هذا الوعي استطاع الإنسان أن أن يغيّر وجه كوكبنا الأرضي تمامًا باِكتشافاته واختراعاته التي لا حدّ لها ولا حصر، بل هي في تزايد مستمر يومًا بعد يوم.

وإذا افترضنا مجازًا أن أبانا آدم – أبا البَشر - زار كوكبنا الأرضي في عصرنا هذا، فلا بدّ أنه سيُجنّ، بل يُغمى عليه ويقع أرضًا، لو قلنا له أن هذا الكوكب الأرضي هو نفس الكوكب الذي نزل عليه هو وزوجته حوّاء!

فما يتميز به الإنسان، وهو أشرف المخلوقات وأعظمها إطلاقًا، هو أنه يحمل في جمجمته مادةً هي من أعقد المواد تركيبةً من الناحية الفيزيولوجية الموجودة على كوكبنا الأرضي، وهي المُخ (الدماغ) الإنساني، وما أدراك، عزيزي سلمان، ما هو المُخ الإنساني؟ إنه، وباِختصار شديد، المركز الرئيسي للتحكّم في سائر أعضاء جسم الإنسان، "حيث يستقبل المعلومات الواردة من أعضاء الحسّ عمّا يجري داخل الجسم وخارجه، ويحللّها بسرعة فائقة، ويرسل الرسائل الملائمة التي تنظّم حركة الجسم ووظائفه. وهو المسؤول عن الأحاسيس الخمس: الإحساس البصري، والإحساس اللمسي، والإحساس السمعي، والإحساس الذوقي، والإحساس الشمّي.

ويقوم الدماغ أيضًا بتخزين المعلومات الخاصة بالخبرات السابقة، ممّا يساعد الفرد على التعلّم والتذكّر، كما أنه يُعد مصدرًا للأفكار والأمزجة والانفعالات. وذلكم بالإضافة إلى تكوّن الدماغ البشري من بلايين الخلايا المتصلة والمتداخلة التي تمكّن الإنسان من استخدام اللغة وحلّ المشكلات المعقدة وإبداع الأعمال الفنية. (راجع: الموسوعة العربية العالمية، الطبعة الثانية، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية، 1999 م).

أمّا قولك، عزيزي سلمان، بأن " ... هذا المخلوق الجبار [أي الإنسان، وهو جباّر فعلاً بعقله] إذا توقّف عقله عن التفكير لا يموت" هو اعتراف ضِمنيّ بأن "عقل" الإنسان هو مركز التفكير، والأصحّ مُخّه (دماغه)، وليس قلبه. وتتابع قائلاً : " لكن بمجرد أن يتوقف القلب عن النبض يموت الإنسان، وعلى هذا الأساس يكون القلب مركز الحركة الإنسانية ..."، وهذا استنتاج غير صحيح، فقلب الإنسان الحي لا يتوقف عن النبض إلاّ إذا فصلنا "الصلة" بينه وبين المُخ، وماهذه الصلة إلاّ الأعصاب الحسّية والعصبونات المنتشرة في جميع أرجاء الجسم الإنساني بما فيه القلب. فإذا قطعنا رقبة الإنسان، مثلاً، فهذا يعني أننا قطعنا الاتصال بين المُخ وسائر أجزاء الجسم، بما فيها القلب، ويبقى الجسم كله يتحرك – ومن ضمنه القلب – حتى تموت الخلايا تدريجيًا في كل جزء من أجزائه، وتنتهي الحياة.
وعليه، فإن المُخ (الدماغ) الإنساني هو مركز العقل والتعقّل، وليس قلبه.


* * *

تمّ نشر هذا المقال بجريدة "أخبار الخليج" البحرينية بتاريخ 3 نوفمبر 2015 م.