يومٌ أمَمِيّ للمَرْأة


السموأل راجي
2016 / 3 / 7 - 23:59     

عن أيّ hمرأةٍ نتَحَدَّث؟

فِي شهر تمُّوز/يُولِيُو 1889 ، احتَضَنت العاصِمَة الفرنسِيّة بارِيس اجتِـمَاعًا تارِيخِيًّا سيكُون لهُ صدًى فِي المُستقبَل بِــبَادِرةٍ من الفَيْلسُوف والمُنظِّر والـمُناضِل الألمانِيّ فرِيدِيرك إنجلس ، كَان الهدفُ منهُ تأسِيس الأمَمِيّة الاشتِراكِيّة التِي عُرِفت فِيما بعد بالأُمَمِيّة الثّانِيَة بعد أن لم تَتَمَكّن الأولَى من أن تُعَمِّر إلاّ 13 سنَة امتدَّت بين أيلُول سبتمبِر 1864 و1877 ؛ فِي ما كَانَت اللِّجان التّحضِيرِيّة تنتَظِر تقرِيرًا من كلارَا زتكِين الـمُناضِلة الـماركسيّة وعُضوة الحِزب الإشتِراكِيّ الدِّيمُقراطِيّ الألمانِيّ حول أوضَاع المرأة العامِلة الألمانِيّة ، أعلَنَت كلاَارَا من منصّة الـمُؤتمَر أمام مُمَثّلِي كُلّ الوُفُود أنّ لم تُجَهِّز ما طُلِب منها اعتِبارًا لأنّ ذات وضعِيّة عمل الرّجُل هِي وضعِيَّة شرِيكته العامِلة ، لكنّهَا سَـتَـتَحَدَّث عن مبدَأ عمَل المرأة فِي حدِّ ذاتِهِ وعن الدَّوْر الواجِب أن تتَوَلاّهُ فِي الصِّراع الطبقِيّ.

ذَكَرت فِي تقرِيرِها أنّ :"المَرْأةَ مُتَحَرِّرَةً من تبعِيّتها الإقتِصادِيّة للرَّجُل ، تحوَّلَت العامِلة إلى وضعِيّة الـمُهَيْمَن عليهَا من الرّأسـمَالِيّ ، من أمَةٍ لِزوْجِها أصْبَحَت عَبْدَةً لِمُشَغِّلِهَا ؛ ربِحَت طبْعًا أثنَاء هذَا التحوُّل ، إذ على الصّعِيد الإقتِصادِيّ لم تعُد كائِنًا أقلّ شأنًا مُرتَبِطًا بالزَّوْجِ ، بل هِي مُتسَاوِيَةً معهُ".
وَجَّهَت كلاَرَا انتِقادَهَا للحركَة النِّسْوِيّة البُورجوازِيّة حيثُ فَضَحَت جَوْهَر الصِّراع لتُؤكِّد أنّ الـمِلْكِيّة الخاصَّة بعِيدة عن أيادِي العامِلاَت وتقُول فِي هذَا الصَّدَد للـمُكْتَفِين بالدّعوَة لِمنح المرأة حقّ الإقتِراع وتبَوُّأ الوظَائِف الكُبْرَى فقَط دُون إقامَة الفارِق الطّبقِيّ بين وضعِيّة المَرأة البُورجوازِيّة والمَرأة العامِلَة :" فِي الأقطَار التِي يتوَاجد بِها اقتِراعٌ يُسَمّى عامًّا ، حُرًّا ومُباشِرًا ، لا شَيْء يُشكِّل فعليًّا فارِقًا جِذْرِيًّا . فالتَّصْوِيت الإنتِخَابِيّ بدُون تحَرُّرٍ اقتِصادِيّ ليْسَ إلاّ صَــكًّا بِلا رصِيد ؛ وإذَا ما كَان الإنعِتاق الإجتِمَاعِيّ تابِعًا للحُقُوق السِّياسِيَّة ومَشْرُوطًا بِها ، فلَن تُوجَد قضِيَّةً اجتِماعِيَّة في الأقطَار التِي يتَوَاجدُ فِيها اقتِراع عامٌّ ، إنّ إنعِتاق المَرْأة وعُمُوم الجِنْس البشَرِيّ لن يكُون يومًا حقِيقِيًّا إلاّ عِندَمَا يتَحَرّر العمَل من قَيْد الرّأسْــمَـال".

وخِلال نَفْسِ الخِطاب ، خَتَمَت كلمتَها بالقَوْل :" خِلال مَسِيرتهنّ يدًا بِيَد الحِزب الإشتِراكِيّ الدِّيمُقراطِيّ (الشُّيُوعِيّ لاحِقًا) ، يُثْبِتن أنهنّ على استِعدادٍ لِتقاسُم كُلّ آلاَم وتضحِيات الكِفَاح ، لكنّهُن وبِنفس العزِيمة والحَزْم يُطالِبْن بِكُلّ الحُقُوق التِي تعُود لهُنّ إثْر النَّصْر".
أثَّر هذَا الخِطاب فِي الــمُؤتَمِرِين بِمَا جعَل الأُمَمِيّة تُوجِّهُ تعمِيمًا بإلحَاق النِّساء بِصفّ الصِّراع الطبقِيّ ، وفِي نَفس السَّنَة قامَت فِي ألمانِيَا مُظاهرات أدّت إلى إيقاف العَمَل بالقوانِين الـمُناهِضة للاشتراكِيّة فِي 1890 و التِي أقرّها البرلمَان بِدَفعٍ من الـمُستشار الإمبراطُورِيّ بِيسمارك ابتِداءً من أكتُوبر/تشرِين الأوّل 1878 مَا جعَل كلارَا زتكِين تعُود لألمانِيا سنَة 1891 بعد طردِها منهَا فِي 1880 ، لتُؤَسِّس سنة 1892 صحِيفتها الأبْرَز Die Gleichheit التِي تعنِي "مُــسَـاوَاة" وظَلّت تَصدُر إلى سنة 1923 وسُرعَان ما تحوّلَت إلى أَدَاة دِعايَة فعّالَة ووسِيلةً إعلامِيّة يتمّ تداوُلها فِي صُفُوف العامِلات أمام مصَانع التّعدِين والآلاَت ومعامِل تَكْرِير الفَحم والتّبغ وصُنِّفَت من قِبل الأمن الألمانِيّ على أنّهَا :"أدَاة تحرِيضٍ وسبب من أسبَاب اضرابَات العامِلات" وصَار عدَد مُشتركِيها 70 ألف امرأة ؛ لِتَــتَــهَيْكَل سرِيعًا حركَة مُنَظّمَة اشتِراكِيّة دِيمُقراطِيّة (شُيُوعِيّة) نِسْوِيّة تبَلْوَرَت عبر إنشَاء مُنظّمَة نِسائِيّة صُلب الحزب الإشتراكِيّ الدِّيمُقراطِيّ فِي سريّة كامِلة بِسبب القوانِين المانِعة لنِّساء للالتِحاق بالأحزاب ،ومن أشهَر عُضواتها رُوزا لكسمبُورغ وأنِيتا أوغسبُورغ ولِيلِي براون ، وضَمّت لوائِح المَطالِب والبيَانات الصّادِرة التّساوِي فِي المُعاملَة وتَشْرِيع مُرَاعَاة المرأة الحامِل وتخفِيض ساعات عمَل المَرْأة الأُمّ . وفِي خِضَمّ مُواصلَة الصِّراع ضِدّ خَطٍّ يتبنّى مَوَاقِف رجعِيّة أو على الأقلّ مُحافِظَة ضدّ المَرأة وآخر أكثر تقدُّمِيَّة أشهر مُنظِّرِيه أوغست بِيبل عبر كِتابِه المرأة والإشتراكِيّة الصّادِر من السِّجن في 1878 ، دَعَت كلارَا زِتكِين إلى مُؤتمَر أُمَمِيّ للمرأة الإشتِراكِيّة وانعَقَد فِي شتُوتغارت الألمانِيّة يوم 17 آب/أغسطُس 1907 شامِلاً 59 مندُوبٍ حاضِرِين عن 15 بلد مُختلف وكَان أحَد أبرَز قرارات المُؤتمر الأُمَمِيّ اعتِبار جرِيدة مُساوَاة اللِّسان المركزِيّ لأمَمِيّة المرأة الإشتِراكِيّة مع اقرَار النِّضال من أجل الإقتِراع العامّ دُون فَوَارِق جنسِيّة .
فِي شهْر آب/أغسطُس 1910 ، وفِي مدِينة كُوبنهاغن الدّانماركِيّة انعَقَد المُؤتمر الثّانِي لأمَمِيّة المَرأة الإشتِراكِيَّة ،خِلال المُداولاَت ، تقَدَّمَت كلارَا زتكِين مع الرُّوسيّة ألكسندرَا كُولُّونتَاي بمُقترَح :"اليَوم العَالمِيّ للمَرأة" كمُناسبَة للنِّضال عبر مُظاهرَاتٍ فِي سبِيل حقّ المَرْأة فِي المُساوَاة المِهَنِيّة وحقّهَا فِي عملٍ لائِق وعلى دَرْب الإشتِراكِيَّة ؛ وأوّل مَسِيرَة نِسائِيّة نَظّمتها أمَمِيّة المَرأة الإشتِراكِيّة كانَت يوم 19 مارِس/آذَار 1911 ، وكَان يومًا أقمت فِيه العمِلات الفارِق الطّبقِيّ فِي نِضالهِنّ مع المَطَالِب النّسوِيّة البُورجوازِيّة ، وأكثَر من مليُون مُتظاهِر فِي ذلك اليوم جابُوا شوارِع كُبرَى مُدُن ألمانِيا والنِّمسَا وسوِيسرَا والدّانمَارِك ؛ فِي ذات السّنَة ، ويوم 25 مارِس/آذَار احترَقت لِحدّ التفَحُّم 140 عامِلة فِي مصنَع نسِيج في نيُويورك أغلبهُنّ من الـمُهاجِرات ، هذِه المأسَاة سُرعان ما تحوّلَت ليومٍ تكرِيمِيٍّ للعامِلات اقتَرَن بعد ذلِك بِحراكٍ سلمِيٍّ ضِدّ الحَرْب العالمِيّة الثّانِية التِي تُهدِّد بالأساس البرُولِيتارِيا وأهمّ مُظاهراتٍ نَدَّدَت بِها كانت يوم 8 مارِس/آذار 1914 ؛ أمّا فِي رُوسِيا ، وبعْد مقتَل 2 مليُون جُندِيّ وتفشِّي المجاعَة ، خَرَجت مجمُوعة نِساء يوم 23 فبرايِر/شباط (بالتّقوِيم الرُّوسيّ أي 8 مارِس/آذَار بالتّقوِيم الغرِيغُورِيّ) فِي مدِينة سان بتراسبُورغ مُطَالبَةً بِـــــ:"الخُبز والسَّلاَم" وهُو ما أشعَل بِدايَة الثّورة الرُّوسيّة ؛ بَعد ذلِك بأربعة أيّام ، وخَوفًا من تفجُّر الأوضَاع ، منحَت الحُكُومة القَيْصرِيّة حقّ الإقتِراع للنِّساء ، هذِه المُظاهرَة التِي اعتُبِرَت من قِبل لِينِين ورفاقه الشُّعلة المُباشِرة للثَّوْرَة البلشَفِيّة ، كُرِّمَت عبر إعلاَن لِينِين يوم 08 مارِس/آذَار 1921 يومًا أُمَمِيًّا للمَرْأة ، وابتِداءً من 1946 تحوَّل ليوم عُطلة فِي أقطار الكُتلة الشّرقِيّة حيثُ تحكُم أحزاب شيُوعِيّة ؛ ولَقَد حاوَل البَعض ربطهُ بإحياء ذِكرى عُمّالِيّة أمرِيكِيّة حدثَت يوم 08 مارِس / آذار 1857 إلاّ أنّ ما ذُكِر لم يحدُث أساسًا وحتّى ذلِك اليوم كان يوم أحَد لا عمَل فِيه ؛ ولم تَتَبنّاهُ الأمم الـمُتّحِدة إلاّ فِي سنة 1977 .


يومٌ كهَذَا وجَب فِيه التّذكِير بتضحِيات المرأة العامِلة والـمُفقّرة ، وجَب فِيه القَوْل أنّ الطبقِيّة هِي ذاتها بين الرّجُل والمرأة ، وجَب فِيه القَوْل أنّ المرأة فِي مراكِز اللِّيبرالِيّة المُتوَفِّية بِظُهُور النّيُوليبرالِيّة أصبَحت سلعةً تُباع وتُعرَض وتُشترى وتحوّل جَسَدها لمَصْدر تجمِيع أموَال ، وجَب فِيه بلا جدال القَوْل أنّ هذا اليوم ليسَ لزوجة سلمان آل سعُود وبناته ولا هُو لصاحِبات الملايِين وبنَات المُستبدِّين ولا هُو مادّةً لإعادة شحنِه بمطالِب بُورجوازِيّة بائِسة يُقصَد منها تحوِيل الأنظَار عن أمّهَات القَضَايَا وهِي الحقّ فِي الخُبز ، والتحرُّر الدِّيمُقراطِيّ الثّورِيّ والكرامَة الوطنِيّة الحقِيقِيّة والتّضامُن الأُمَمِيّ بعِيدًا عن بَثّ مقُولات تشوِيهِيّة تَقرِن التحرُّر بالتعهُّر وتُعَقْلِن اللاّمعقُول وتعبِث بلُقمَة العَيْش ، لا فَرْق بين نائِبة في برلمانٍ بخلفِيّة شبه حِزبيّة تُدافع عن مصالح مافِيا ووزِيرةٍ فِي حُكومةٍ لا وطنيّة وبين مُستبِدٍّ أو رجعِيّ مُتخلِّف يضرِب زوجته بالسِّياط ويحتفِل بتعدّد الزّوجَات الموجُود فِي أقطارٍ تحكُمها رجعِيّاتٍ وفِي أوروبا وامرِيكا حيثُ تنتشِر دُور الدّعارَة وملاهِي التعرِّي.
يومٌ كهذَا تُكَرّم فيه الأمّ والأخت والزّوجَة وتُحَيَّى فِيه بِلا حُدُود الرّفِيقة حامِلة رايَة المنجَل والمطرقَة ونجمة الأمَمِيّة ، يومٌ للعامِلاتِ حَصْرًا والمُعطّلات والمُزارِعَات والشُّيُوعيّات وليسَ للبُورجوازِيّة الصُّغرَى ، اليَوم الأمَمِيّ للمَرْأة هُو فقَط لِمَن يستحِقُّه.