لبنان _ مجلس التعاون الخليجي والتدخل في شؤون الآخرين..!!؟(*)


باقر الفضلي
2016 / 3 / 4 - 17:06     


من المفارقات الغريبة أن تنبري البعض من الدول، وبصرف النظر عن دورها فيما يدور في المنطقة التي توجد فيها، من نشاطات سياسية، على المستويين الإقليمي والدولي، أن تنبري لتقييم وتوصيف الحياة السياسية لغيرها من الدول، التي تتمتع بألإستقلال والسيادة، وبعضوية الأمم المتحدة، فتوجه لبنائها السياسي، الإتهامات والنعوت، التي تضع ذلك البناء في مصاف المنظمات الإرهابية، مما يخل بالحياة السياسية في تلك البلدان، بل وقد تترتب على تلك الإتهامات تداعيات لها من الخطورة، ما يقوض وحدة النسيج الوطني، ويدفع بإتجاه التصادم الداخلي، بل وقد يدفع، حتى الى الحرب الأهلية، والى تقويض دعائم السلم والأمن في البلد المعني والمنطقة...!؟



فليس بعيداً عن ذلك ما أقدمت عليه مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي، من إجراء إقل ما يمكن القول فيه، بأنه مس العلاقات الأخوية العربية بين تلك المجموعة ودولة تتمتع بالسيادة والإستقلال، و بعضوية الأمم المتحدة، في وقت جاء فيه إجراء الدول الخليجية ليمس بناء دولة لبنان السياسي، وذلك بتوجيه الإتهام لأحد كيانات لبنان السياسية، وهو حزب الله، ونعته من قبل دول المجلس المذكور بإعتباره وكل ما له علاقة به بأنه منظمة إرهابية، سيتم إتخاذ العقوبات المناسبة بحقها من قبل دول مجلس التعاون، وذلك دون إعتبار لطبيعة العلاقات القائمة بين تلك الدول ودولة لبنان..!!؟



ليس مهماً أن يوجه الإتهام الى حزب الله كمنظمة لبنانية سياسية، بل المهم أن يولى إهتمام أكبر؛ الى أن حزب الله، ليس مجرد حزب في الساحة السياسية اللبنانية حسب، بقدر ما يمثله هذا الحزب من كيان جماهيري محسوس على الساحة السياسية اللبنانية والإجتماعية، وله من الجماهيرية، ما لا يحتاج الى سوق البراهين والدلالات لإثبات ذلك، كما وأنه على الصعيد الجماهيري لم يثبت وجوده من خلال نشاطات وصفت بأنها إرهابية كما شاءت دول التعاون، أو كما سبق وأن وصفتها دولة إسرائيل بذلك، بل وسبقت دول التعاون الخليجي بهذا الوصف منذ وقت طويل...!؟



إن حزب الله بما له وما عليه، كيان سياسي له وزنه السياسي والإجتماعي في لبنان وعلى صعيد المنطقة والعالم، ويحسب لوجوده ونشاطه السياسي الداخلي، لما يمثله من شريحة سكانية كبيرة على الصعيد اللبناني، ألف حساب؛ فوجوده الديموغرافي، مؤثر لدرجات كبيرة في حسابات الفصائل الإجتماعية والسياسية الأخرى، والطوائف التي يتكون منها النسيج الإجتماعي اللبناني، بشكل عام، ولعل في تأثيره المتميز على الأحداث في لبنان والمنطقة ما يقرن بكثير من الحسابات النهائية على صعيد النظام البرلماني والرئاسي داخل الدولة اللبنانية، بحيث لا يمكن تجاهله من قبل أي طرف أو طائفة من الأطراف والطوائف الأخرى، بأي حال من الأحوال..!



وعلى صعيد الدولة اللبنانية، فإن حزب الله، يمثل كيان مستقل بذاته من كيانات البناء السياسي المعترف به للدولة، وبالتالي فإن المساس به من قبل أطراف أخرى لا تمت للدولة اللبنانية بصلة، يدخل في مصاف التدخل بشؤون الدولة اللبنانية الداخلية، إذ كيف يمكن لدولة مثل لبنان، أن تسمح لنفسها بوجود كيان سياسي ضمن بنائها السياسي، وهو يتميز بصفة الإرهاب، على حد وصف دول التعاون الخليجي، وكيف يتسنى لدول كدول التعاون الخليجي أن تقيم علاقات مع دولة ترتضي لنفسها وجود كيانات سياسية إرهابية في بنائها السياسي والبرلماني.. أو كيف ياترى، يتحول حزب وطني في ليلة وضحاها، من حزب عربي مقاوم، الى حزب إرهابي..!؟



فمن المفارقات العجيبة، أن تكيل دولاً مثل دول مجلس التعاون الخليجي، تهمة الإرهاب الى حزب لبناني، له شأن معروف ومشهود بوطنيته في النضال الوطني العربي، وله باع طويل في الدفاع عن الشأن العربي في لبنان، بعد الغزو الإسرائيلي، والغريب أن يحدث ذلك في وقت تتعرض فيه المنطقة العربية الى هجمة إرهابية عدوانية، شملت في أبعادها دولاً عربية مثل سوريا والعراق ولبنان والجزائر وليبيا، بل والإغرب من كل ذلك، أن توجه الإتهامات الى بعض دول الخليج العربي بمساهمتها في الدعم اللوجستي لتلك القوى العدوانية الإرهابية..!؟



والأغرب من كل ذلك أن يندفع وزراء الداخلية العرب وكأنهم على موعد مع بيان مجلس التعاون الخليجي، ليصدروا بيان التأييد للبيان، رغم طابعه السياسي، ورغم أن الأمر لا يتعلق بمهام وزراء داخلية الجامعة العربية، وهذا ما تفهمه وزيرا الداخلية العراقي واللبناني، اللذين تحفظا على بيان وزراء الداخلية العرب..!(1)



إن بيان مجلس التعاون الخليجي بشأن حزب الله، جاء بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، فطابعه الإستفزازي، قد دفع بإتجاه توتير الإحتقان السياسي في المنطقة، كما ساعد على دفع الإستقطاب العربي درجات كبيرة بإتجاه التصعيد، ناهيك عن الإستقطاب الطائفي، أما المستفيد الوحيد من كل ذلك، فلا يخرج من دائرة الجهات والأطراف المموله والتي تقف وراء موجة الإرهاب الدولية التي تجتاح المنطقة، وبالذات الدول العربية المستهدفة، ولا يستبعد المرء بالذات دولاً مستهدفة مثل سوريا والعراق ولبنان، بألإضافة الى تأزيم التوتر في منطقة الخليج، وخاصة ما يتعلق بالعلاقات بين الدول الخليجية وإيران، كما وليس من المنطقي أن يستبعد المرء دولة اليمن العربية التي باتت تقع في قلب التأزم، الذي يجتاح المنطقة، والتي تكتسحها حرب الأخوة المنسية من قبل الأشقاء منذ شهور، أما ردود الفعل على بيان مجلس التعاون الخليجي فلا تقل أهمية في مدلولاتها عن تأكيد المخاطر التي يمكن أن تنطوي على تداعيات البيان نفسه..!؟(2)



خلاصة القول؛ فإذا ما جرد المرء بيان مجلس التعاون الخليجي من جميع خلفياته ودوافعه السياسية، ومن تداعيات الصراعات الداخلية والإقليمية في المنطقة، وخلفية الأحداث التي تعرضت لها بعض البلدان العربية، وبالذات وعلى وجه الخصوص ، دولة لبنان، فإنه سيجد بأن محتوى البيان المذكور، لا يصب في خدمة تعزيز أواصر الأخوة بين البلدان العربية، ولا يساعد على حل الأزمات التي تنتاب العلاقات فيما بينها، كما ولا يساعد على التخفيف من التأزيم في العلاقات الإقليمية بين دولها، بقدر ما يعمق من خنادق أزمات المنطقة، بل وعلى العكس مما إستهدفه بيان المجلس من شد الخناق على الإرهاب الذي بات يستهدف جميع دول المنطقة، فإنه وفي هذا الوقت المأزوم، إنما يفكك كل ما يتمناه المرء من تقارب في لحمة الدول العربية، وتعزيز أواصر العلاقات فيما بينها، ووحدة النسيج الوطني لبلدانها، بل وعلى العكس من ذلك، فهو أبعد ما يكون من تجفيف منابع الإرهاب، إن لم يكن أحد روافده المغذية ..!(3)

باقر الفضلي/ 2016/3/3

________________________________________________________________

(*) http://www.islamicnews.org/page/public/news_details.aspx?id=147601#.VtiP-5zhC70

(1) http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2016/03/160302_hezbollah_arab_ministers

(2) http://www.aps.dz/ar/monde/26878-

(3) http://www.amad.ps/ar/?Action=Details&ID=113314