الحزب البلشفي وحركة التحرر الوطني


أحمد أحمد حرب
2016 / 3 / 1 - 18:19     

موجز تاريخ الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي، دار التقدم موسكو 1970، ص 106 – 109 **

دعم حزب البلاشفة حركة التحرر الوطني منذ تأسيسه. فقد تسلح بالبرنامج الدقيق الذي أقره المؤتمر الثاني في عام 1903 بشأن المسألة القومية، ورفع عاليا راية النضال في سبيل القضاء على الاضطهاد القومي والاستعماري في بلده وفي العالم كله. وعندما مزق الامبرياليون الصين اربا اربا في مستهل القرن العشرين، احتج لينين بشدة ودعا عمال روسيا الى النضال ضد النهب الامبريالي. وعندما انفجرت الثورة في ايران، ساندها البلاشفة بنشاط.

وقد اكتسبت صحة طرح المسألة القومية في ظروف الامبريالية اهمية خاصة. فقد شددت الامبريالية الاضطهاد القومي وسعرت نيران العداوة القومية. وحاولت ان تشق صفوف الطبقة العاملة وان تحول دون انشاء جبهة موحدة للنضال الثوري الذي تخوضه البروليتاريا وحركة التحرر الوطني.
لم يساند زعماء اغلبية الاحزاب المنتسبة الى الاممية الثانية حركة التحرر الوطني في المستعمرات والبلدان التابعة، واخذوا يبررون بسفور متزايد ابدا سياسة الامبرياليين الاستعمارية، سياسة السلب والنهب. وفي روسيا، وقف التصفويون والتروتسكيون وذوو الميول القومية من كل شاكلة وطراز ضد برنامج الحزب بصدد القوميات.

وعوضا عن دعوة الشعوب المظلومة الى النضال المشترك مع العمال ضد العدو المشترك اي ضد القيصرية، اقترحوا تركيز الجهد على القضايا الثقافية وحدها، اي على انشاء المدارس واصدار الكتب والجرائد باللغة القومية، وحق الراحة وفقا للعادات القومية لا في يوم واحد مشترك. وتقدموا ببرنامج الاستقلال الذاتي القومي الثقافي. ويتلخص كنه هذا البرنامج في تمكين كل مواطن، بصرف النظر عن محل اقامته، من اعلان انتسابه الى هذه القومية او تلك. وينبغي لهذه الامة المؤلفة على هذا النحو المصطنع ان تملك الحق في فرض الضرائب على جميع مواطنيها وتؤسس برلمانا لها لأجل حل قضايا الثقافة القومية اي قضايا المدرسة واللغة.

كان هذا البرنامج من حيث الجوهر برنامجا برجوازيا، مزينا وخاليا من اشكال الاضطهاد القومي السافرة. وقد ترك للقيصرية امر البت بجميع قضايا السياسة والاقتصاد اي انه ترك السلطة كلها في يد حكومة الطبقات السائدة. وقسم العمال بصورة مصطنعة، وشق جبهة النضال البروليتاري الموحدة، لأنه طالب بانضمام العمال الى هذه الاموة او تلك بصرف النظر عن محل اقامتهم وعملهم. وهذا يعني اخضاع الحركة الثورية للمصالح القومية الضيقة. ولا غرابة اذا كانت البرجوازية لم تعترض على هذا البرنامج.

بيد ان البلاشفة فضحوا الطابع البرجوازي للاستقلال الذاتي الثقافي القومي. بديهي ان المدرسة و اصدار الكتب باللغة القومية امران على درجة خارقة من الاهمية، وقد ناضل الحزب البلشفي في سبيل هذين المطلبين، ولكن البلاشفة برهنوا ان الشعوب المظلومة لن تتمكن من نيل الحرية التامة ومن القضاء حقا وفعلا على الاضطهاد القومي الا بالنضال المشترك مع العمال في سبيل تحويل المجتمع تحويلا ثوريا. فان مصالح العمال وكذلك مصالح الشعوب المظلومة لا تقتضي تفريق العمال من ابناء جميع شعوب البلد، بل تقتضي دمجهم في منظمات بروليتارية واحدة موحدة، سياسية ونقابية وتعاونية وتثقيفية، ولأجل انتصار الحركة العمالية وكذلك لأجل انتصار حركة التحرر الوطني، لا ينغي فصل اهداف احداهما عن اهداف الاخرى ومعارضة احداهما بالأخرى، بل ينبغي نضالهما المشترك ضد العدو المشترك. وقد علم حزب البلاشفة ان الامم المظلومة لن تنال الحق في تقرير مصيرها وفي التطور الحر، وفي المساواة التامة في الحقوق، وفي التعاون الاخوي بين جميع الامم كبيرها وصغيرها، الا بالسبيل الثوري.

وهكذا تصادمت على المكشوف في المسألة القومية خطتان، سياستان : التعصب القومي البرجوازي الذي تدعمه البرجوازية وجميع احزاب البرجوازية الصغيرة، والاممية البروليتارية التي غدت راية العمال على اختلاف اممهم. السياسة الاولى تعتبر ان المطالب القومية الضيقة هي التي تشغل المرتبة الاولى، وليس النضال المشترك من اجل القضاء على السبب الاساسي للاضطهاد، اي على الامبريالية.

ان هذه السياسة كان من شأنها ان تؤدي، من حيث جوهر الامر، الى صيانة سيطرة الدول الاستعمارية. اما السياسة الثانية، فان أهم شيء بنظرها هو التضامن الطبقي العالمي بين العمال وجميع الكادحين المظلومين في النضال من اجل الحرية والاشتراكية ومن اجل القضاء على الاضطهاد القومي.

وقد أثبتت الحياة صحة رأي البلاشفة، فاثر البروليتاريا ، اشتركت الشعوب المظلومة في النضال المشترك من اجل اسقاط القيصرية.


------------------------------------------------

** تجدر الاشارة الى أن نسخة الكتاب المقتبس منه هذا المقال ليست هي النسخة الأصلية لموجز تاريخ الحزب البلشفي الذي أشرف على صياغته مباشرة الرفيق جوزيف ستالين ، فقد تعرضت للتحريف في العديد من فصولها خصوصا دور الرفيق ستالين في بناء المجتمع الاشتراكي و المؤتمر العشرين للحزب وما بعده.للمزيد من التفصيل انظر مقال حسقيل قوجمان (كذبة خروشوف حول -موجز تاريخ الحزب-).