طريق اليسار - العدد 81


تجمع اليسار الماركسي في سورية
2016 / 2 / 29 - 19:44     


طريق اليســـــار
جريدة سياسية يصدرها تجمع اليسار الماركسي في سورية / تيم /
* العدد 81 شباط / فبراير 2016 - [email protected] E-M: *


* الافتتاحية *
الماركسيون السوريون

خلال القرن العشرين أثبت الحزب الشيوعي السوري بأنه من أهم ثلاثة أحزاب شيوعية عند العرب مع العراقي والسوداني،ولم تقتصر أهمية الحزب الشيوعي على ما استطاع لعبه في حلبة السياسة السورية منذ تأسيسه عام1924بل كانت له تأثيرات تجاوزت النطاق السوري من خلال نفوذ خالد بكداش الممتد إلى داخل الأحزاب الشيوعية في لبنان(بعد انفصال الحزبين الشيوعيين في سوريا ولبنان عام1964)والأردن بضفتيه والعراق،ومن خلال التأثيرات الفكرية- السياسية التي كانت لطروحات الحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي بعد انشقاق1972على المحيط الشيوعي العربي تجاه (الاستقلالية عن السوفيات)و(قضية مزج الماركسية مع الخصوصية المحلية).أيضاً كان لماركسيين تركوا الحزب الشيوعي السوري،مثل ياسين الحافظ والياس مرقص ،عام1957أوفصلتهما قيادة الحزب،تأثيرات فكرية – سياسية تجاوزت النطاق السوري وأحدها كان تأسيس(حزب العمال الثوري العربي)عام1965بحكم تأثيراتهما وهو الحزب الممتد في لبنان وسوريا والعراق عبر محاولته المزج بين الماركسية والفكر القومي العروبي.
رغم انشقاق 3نيسان1972بين(جناح بكداش)الموالي للسوفيات و(جناح المكتب السياسي)ثم انشقاق (منظمات القاعدة )بزعامة مراد يوسف عن بكداش عام1979 وانشقاق يوسف فيصل عنه أيضاً عام1986- فإن الشيوعيين السوريين ظلوا أقوياء تنظيمياً من حيث الإنتشار والعدد وكان لهم نفوذ ثقافي في الحياة العامة فاق وزنهم السياسي- التنظيمي.في النصف الأول من السبعينيات انزاح الكثيرون بتأثير هزيمة5حزيران1967من (حركة القوميين العرب)و(حركة الاشتراكيين العرب)ومن(تنظيم23شباط لحزب البعث)باتجاه الماركسية ليؤسسوا(الحلقات الماركسية)التي كانت نواة(رابطة العمل الشيوعي)عام1976قبل أن تتحول عام1981إلى(حزب العمل الشيوعي)،كماأن (الحزب اليساري الكردي)،الخارج منذ عام1965عن (البارتي) بزعامة الملا مصطفى البرزاني،قد تحول منذ السبعينيات نحو تبني الماركسية في حركة شبيهة بانزياحات عروبيين نحو الماركسية وبفترة زمنية مقاربة.
ساهمت عملية مشاركة (جناح بكداش)في "الجبهة الوطنية التقدمية"،المعلن قيامها يوم7آذار1972والتي كانت سبباً مباشرأ لانشقاق الحزب بعد أربع أسابيع،في التضعضع المعنوي للشيوعيين وفقدانهم الكثير من تأثيرهم السياسي،كماأن الحملة الأمنية التي شنتها السلطة على(المكتب السياسي)عام1980،بمارافقها من مراهنات سياسية من قيادة(المكتب)على (الاخوان)وبعلاقة خفية مع العراق لم تنكشف لأعضاء الحزب إلافي عام2004،قد أضعفت هذا الحزب الذي كان القوة الأبرز مع (الاتحاد الاشتراكي)في (التجمع الوطني الديمقراطي) منذ قيامه في كانون أول1979، ثم شملت الضربات الأمنية منذ آذار1982الكثير من فصائل المعارضة مثل (حزب العمل الشيوعي)و(حزب البعث الديمقراطي- تنظيم23شباط) بالتوازي مع الانتصار الأمني – العسكري للسلطة على التنظيم المسلح ل(الاخوان المسلمون)في حماة شباط1982.رغم هذا ظل الماركسيون،وهم حاصل مجموع الشيوعيين المنبثقين عن حزب 1924بفصائله المختلفة مع الماركسيين المتمركسين بعد أن انزاحوا من أيديولوجيات أخرى،يملكون قوة مرموقة سياسياً وتنظيمياً وفكرياً وثقافياً،في الساحة السياسية السورية ولم يعيشوا حالة تلاشي القوة كاالتي شهدها الشيوعيون العراقيون منذ عام1978بعد أن كانوا قادرين على انزال حشود قاربت المليون ببغداد يوم1أيار1959 في بلد لم يكن سكانه أكثر من عشرة ملايين.
كانت الضربة الأكثر ايلاماً للماركسيين السوريين هي تفكك الاتحاد السوفياتي في الأسبوع الأخير من عام1991.شمل هذا بتأثيره من كان يقول عن السوفيات وينعتهم بلقب "الرفاق الكبار"مثل خالد بكداش وكل من كان معه يوم3نيسان1972ولوانشقوا عنه لاحقاً،وشمل هذا أيضاً الذين كانوا مختلفين مع (الماركسية السوفياتية)ومع موسكو في فصائل الماركسيين السوريين في (المكتب)و(العمل)و(العمال).ربما وللمفارقة كان الأقل تأثراً ولوظاهراً من تمسك بستالينيته ،من جناح خالد بكداش والخارجون عن هذا الجناح ،الذ ي ورثته زوجة بكداش ثم ابنه،مثل الدكتور قدري جميل عام2001 ،وقال بأن التجربة السوفياتية قد سقطت نتيجة "مؤامرة"و"انحرافات بدأت منذ نقد خروتشوف عام1956لستالين".في (جناح يوسف فيصل)،الذي توحد معه مراد يوسف عام1991،كان هناك ابتعاد أكثر عن الستالينية حيث قالوا بأن "السوفيات سقطت تجربتهم بسبب أخطاء في التطبيق وليس في الماركسية السوفياتية".إذا أردنا أن نتحدث عن غالبية عددية فإن أغلب من مرً أوكان في عضوية (المكتب السياسي)و(حزب العمل)و(حزب العمال)قد غادروا الماركسية في مرحلة1991-2007ومنهم قيادات مثل رياض الترك اتجهوا نحو أيديولوجية أخرى غير الماركسية ونحو مراهنات على الأميركي "ليقوم بالتغيير" في دمشق مثلما قام في بغداد9نيسان2003وهو ماشاركه في نفس التوجه العديد من القيادات في (العمل)و(العمال).لم يكن تأسيس (تجمع اليسار الماركسي)يوم20نيسان2007،اثباتاً فقط بأن هناك ماركسيون معارضون هم في الضفة الأخرى لشيوعيي "الجبهة الوطنية التقدمية"بل يمتد هذا للقول بأن الماركسية لم تمت في (حزب العمل)و(المكتب السياسي)إسوة بمن شاركهما بهذا التأسيس من (الحزب اليساري الكردي)و(هيئة الشيوعيين)الآتية من تنظيم قدري جميل و(التجمع الماركسي الديمقراطي- تمد)وهو مجموعة من المثقفين متمركزون في مدينة حمص،كماأن(تجمع اليسار الماركسي)كان النواة ل(الخط الثالث)مع ناصريي (الاتحاد الاشتراكي)بعد تركهم ل(اعلان دمشق)منذ الشهر الأول لعام2008ثم كان جسم وطريق(الخط الثالث)،بماعناه من خط يجمع الديموقراطية المعارضة مع خط وطني يرفض المراهنة التغييرية على الأجنبي،هو النواة الصلبة ومازال ل(هيئة التنسيق)التي تأسست في25حزيران2011بعد ثلاثة أشهر من بدء الأزمة السورية.
خلال مرحلة مابعد انفجار الأزمة السورية منذ درعا18آذار2011ثبت الماركسيون في (هيئة التنسيق)على خطهم الوطني الديموقراطي المعارض مع نزعة تسووية لحل الأزمة قامت الهيئة عليها منذ التأسيس. منذ منتصف عام2014اتجه الماركسيون في (حزب الإرادة الشعبية)،بقيادة الدكتور قدري جميل،نحو المعارضة.ثبت الحزبان الشيوعيان في (الجبهة)على خط الموالاة.الكثير من الماركسيين الأفراد الذين مازالوا متمسكون بماركسيتهم خارج التنظيمات تحكمت في نظرتهم للأزمة رؤية سياسية تقول أن البديل هو (الاسلاميون)وبالتالي نظروا إلى السلطة بوصفها "أهون الشرَين" وهو ماجعلهم عملياً في موقع أقرب للسلطة عند المرور بالممرات الثلاث التالية:(أسباب الأزمة- رؤية قوى الأزمة بالجانبين المتصارعين داخلياً وخارجياً- حلول الأزمة).
على الأرجح أن هذا التوزع بين الماركسيين ،فيمايخص الموقف من (الأزمة السورية)،لن يستمر إن نجح (جنيف3)في انتاج تسوية سورية في السيناريو الموضوع زمنياً لنهاية شهر تموز2016.من الأكيد أنه ستحصل هناك خريطة سياسية سورية جديدة إن نجحت التسوية:لن تبقى "الجبهة الوطنية التقدمية" في الوجود بحكم مفاعيل ونتائج التسوية الخاصة ب(جنيف3).لن يعود بعبع الرهاب من الاسلاميين متحكماً بنظرة الكثير من الماركسيين السوريين إلى الأمور.سيكون النفوذ الروسي،الذي من الواضح أنه برضا واشنطن، في سوريا القادمة عاملاً مساعداً على تعويم تيار ماركسي سوري يملك الكثير من عوامل القوة،مثلما أدى ويؤدي النفوذ الايراني في عراق مابعد صدام حسين إلى تعويم الأحزاب والقوى الشيعية العراقية.تأتي القوة القادمة للتيار الماركسي السوري،الذي يمكن أن ينتظم في تجمع يكون طريقاً إلى حزب واحد،من كونه عابراً للنسيج السوري دينياً وطائفياً وقومياً ومناطقياً عبر أيديولوجية حديثة ومن قدرته على التعبير عن المطالب الديمقراطية والتحديثية ومن حمله للقضايا الاقتصادية- الاجتماعية في مجتمع أصبح ثلاثة أرباع سكانه تحت خط الفقر.من الممكن للماركسيين السوريين أن يتحالفوا مع يساريين عروبيين وأكراد ومع علمانيين في تحالف جديد ،على غرار (هيئة التنسيق)التي هي حاصل جمع يسارات ثلاثة:عروبية وكردية وماركسية،في مواجهة الليبراليين والاسلاميين واليمينيين الأكراد الذين على الأرجح سيستمرون في تحالفهم القديم منذ (اعلان دمشق) عام 2005مروراً ب(المجلس)و(الائتلاف).ليس غريباً أن يؤدي (جنيف3)بتسويته إلى تزحزح خريطة مابعد18آذار2011باتجاه تغير اصطفافات الخمس سنوات الماضية بين الموالاةوالمعارضة وخاصة أمام مواضيع مثل (الهوية العربية )و(الفيدرالية)و(التموضع الدولي- الاقليمي للبلد)و(قضايا التحديث الدستورية والقانونية والتشريعية).
------------------------------------------------------------------------------------------------------

بيان ميونيخ (11-12شباط2016)


اجتمع يومي 11-12 شباط 2016 في ميونيخ أعضاء «المجموعة الدولية لدعم سورية»، وهم الجامعة العربية، الصين، مصر، الاتحاد الأوروبي، فرنسا، ألمانيا، إيران، العراق، إيطاليا، الأردن، لبنان، منظمة التعاون الإسلامي، عمان، قطر، روسيا، السعودية، تركيا، الإمارات العربية المتحدة، المملكة المتحدة، الأمم المتحدة، والولايات المتحدة، وقرروا تطبيق دخول المساعدات الإنسانية خلال أسبوع للمناطق المحاصرة، وتشكيل قوة مهام من المجموعة تقوم خلال أسبوع بوضع سبل فرض وقف الأعمال العدائية على امتداد سورية.
التزم أعضاء المجموعة بالإجماع بأن يعملوا على التسهيل الفوري للتطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي 2254 الذي تم إقراره بالإجماع بتاريخ 18 كانون الأول 2015. وأعادت المجموعة التأكيد على استعدادها لتنفيذ كل الالتزامات الواردة في القرار بما فيها: ضمان عملية انتقال سياسي بقيادة سورية ويملكها السوريون استناداً إلى بيان جنيف بكلّيته، والضغط باتجاه وضع حد لأي استخدام عشوائي للأسلحة، ودعم وتسريع الاتفاق وتطبيق وقف شامل لإطلاق النار، وتسهيل الدخول الفوري للمساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة والمناطق التي يصعب الوصول إليها، وإطلاق سراح الاشخاص المعتقلين اعتباطياً، ومكافحة الإرهاب.
ضمان وصول المساعدات الإنسانية
من أجل تسريع الوصول الفوري للمساعدات الإنسانية، فإن الإيصال المستدام للمساعدات سيبدأ هذا الأسبوع، جواً إلى دير الزور بالتزامن مع الفوعة وكفريا، وبراً إلى المناطق المحاصرة في ريف دمشق ومضايا والمعضمية وكفر بطنا، على أن يستمر ذلك طالما بقيت الحاجات الإنسانية له. إن وصول المساعدات الإنسانية لهذه المناطق الأكثر حاجة هو بمثابة خطوة أولى باتجاه وصول هذه المساعدات على نحو كامل ومستدام وغير متقطع على امتداد البلاد.
سيستخدم أعضاء «المجموعة الدولية لدعم سورية» نفوذهم مع كل الأطراف على الأرض لكي تعمل معاً بالتنسيق مع الأمم المتحدة بغية ضمان قيام الأطراف كلها بالسماح بوصول المساعدات الإنسانية الفوري والمستدام ووصولها للناس المحتاجين لها على امتداد سورية، ولا سيما في المناطق المحاصرة والمناطق عصية الوصول، كما يدعو لذلك قرار مجلس الأمن الدولي 2254. ولهذا الغرض ستضع الأمم المتحدة خطة لتشكيل قوة مهام إنسانية تابعة للمجموعة الدولية لدعم سورية، على أن تجتمع يوم 12 شباط، وفي الاسبوع اللاحق. وتضم قوة المهام هذه رئيسي «المجموعة الدولية لدعم سورية» (روسيا، الولايات المتحدة – قاسيون) والهيئات ذات الصلة التابعة للأمم المتحدة، وأعضاء المجموعة الدولية لدعم سورية المؤثرين على الأطراف التي يسمح لها وضعها بضمان وصول المساعدات الإنسانية.
تؤكد «المجموعة الدولية لدعم سورية» على وجوب ألا يكون وصول المساعدات الإنسانية لمصلحة جهة بعينها على حساب أخرى، بل ينبغي تقديمها من الأطراف كلها لكل من يحتاجها، ضمن التزام كامل بقرار مجلس الأمن الدولي 2254 والقانون الدولي الإنساني. وتطلب «المجموعة الدولية لدعم سورية» من الأمم المتحدة أن تقدم تقارير أسبوعية، نيابة عن قوة المهام حول التقدم الجاري في تطبيق الخطة المشار إليها أنفاً، بحيث أنه في حال تأخر وصول المساعدات، أو كان ثمة نقص في الموافقات يقوم أعضاء «المجموعة الدولية لدعم سورية» ذوو الصلة باستخدام نفوذهم للضغط على الطرف/الأطراف المعنية لتقديم موافقته/ موافقتها، وستكون هناك معالجة لحل أية مشاكل، بما يضمن تدفق الإغاثة على نحو فوري. وأية أسئلة عن وصول المساعدات أو تسليمها يجري حلها عبر قوة المهام.
يلتزم أعضاء «المجموعة الدولية لدعم سورية» كلهم بأن يعملوا سوياً، وعلى نحو فوري، مع الأطراف السورية لضمان عدم التأخير في منح الموافقات واستكمال كل الطلبات المقدمة من الأمم المتحدة والمعلقة لديهم لوصول المساعدات، طبقاً للفقرة 12 في قرار مجلس الأمن الدولي 2254.
يضمن رئيسا وأعضاء «المجموعة الدولية لدعم سورية» أن قوافل المساعدات تستخدم حصرياً لأغراض إنسانية. وتلعب المنظمات الإنسانية الدولية، ولا سيما الأمم المتحدة، دوراُ رئيسياً من خلال تواصلها مع الحكومة السورية والمعارضة والسكان المحليين، في ترتيب مراقبة توزيع المساعدات على نحو مستدام وغير متقطع.
تحقيق وقف شامل للأعمال العدائية
اتفق أعضاء «المجموعة الدولية لدعم سورية» على وجوب تطبيق وقف شامل للأعمال العدائية على نحو عاجل، بما ينطبق على أي طرف ينخرط حالياً في أعمال عدائية عسكرية أو شبه عسكرية ضد أية أطراف أخرى، باستثناء «داعش» و«جبهة النصرة» وغيرهما من المجموعات التي يصنفها مجلس الأمن الدولي كمنظمات إرهابية. ويلتزم أعضاء «المجموعة الدولية لدعم سورية» بممارسة نفوذهم بغية قيام انخفاض فوري وهام في مستوى العنف، باتجاه وقف شامل للأعمال العدائية.
قرر أعضاء «المجموعة الدولية لدعم سورية» اتخاذ خطوات فورية لضمان وجود الدعم الكامل من أطراف النزاع كلها لقيام وقف الأعمال العدائية، وأنشأوا بناءً عليه قوة مهام لوقف إطلاق النار تابعة للمجموعة تحت إشراف الأمم المتحدة، ويرأسها على نحو مشترك كل من روسيا والولايات المتحدة، وتضم مسؤولين سياسيين وعسكريين، وبمشاركة أعضاء المجموعة الذين يتمتعون بنفوذ لدى مجموعات المعارضة المسلحة أو القوات المقاتلة إلى جانب الحكومة السورية. وستؤدي الأمم المتحدة دور سكرتاريا قوة المهام المتعلقة بوقف إطلاق النار.
سيدخل وقف الأعمال العدائية حيز التنفيذ في غضون أسبوع بعد التأكيد عليه من الحكومة السورية والمعارضة، في أعقاب إجراء مشاورات ملائمة في سورية. وخلال ذلك الأسبوع تتولى قوة المهام التابعة للمجموعة الدولية وضع سبل تحقيق وقف الأعمال العدائية.
ومن ضمن مسؤوليات أخرى، ستواصل قوة المهام التابعة للمجموعة الدولية ما يلي: أ- تحديد المناطق التي تسيطر عليها داعش وجبهة النصرة وأية مجموعات أخرى يصنفها مجلس الأمن الدولي كمنظمات إرهابية، ب- ضمان وجود اتصالات فاعلة بين الأطراف كلها لتعزيز التزامها وعملها السريع لتخفيض مستوى التوتر، ج- حل مزاعم عدم الالتزام، د- تحويل سلوك عدم الالتزام المستمر من أي طرف لوزراء «المجموعة الدولية لدعم سورية»، أو من ينتدبونهم، لاتخاذ القرار حول الإجراء الملائم بحق تلك الأطراف، بما في ذلك استبعادها من ترتيبات وقف الأعمال العدائية والحماية التي توفرها.
وعلى الرغم من أن وقف الأعمال العدائية يستطيع أن يسهل وصول المساعدات الإنسانية، إلا أنه ليس شرطاً مسبقاً لهذا الوصول في أي مكان في سورية.
قررت «المجموعة الدولية لدعم سورية» أن الأعضاء جميعهم سيبذلون جهودهم الحثيثة والمخلصة لضمان وقف العمليات العدائية وإيصال المساعدات الإنسانية واتخاذ الإجراءات لوقف أية أنشطة تمنعها قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ذوات الأرقام 2170، 2178، 2199، 2249، 2253، و2254. وعبرت «المجموعة الدولية لدعم سورية» مرة أخرى عن قلقها حيال مأساة اللاجئين، والنازحين داخلياً، وحيال ضرورة إيجاد الشروط الكفيلة بعودتهم الآمنة، طبقاً لمبادئ القانون الإنساني الدولي، ومع الأخذ بالحسبان مصالح البلدان المضيفة.
الدفع قدماً بالانتقال السياسي
أعاد أعضاء «المجموعة الدولية لدعم سورية» التأكيد على ضرورة إشراك الأطراف كلها في المفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة في أقرب وقت ممكن، وذلك بالتزام صارم بقرار مجلس الأمن الدولي 2254. وأعادوا التأكيد على أن إقرار مستقبل سورية يعود للشعب السوري. وتعهد أعضاء «المجموعة الدولية لدعم سورية» ببذل كل ما في وسعهم بغية تسهيل حدوث تقدم سريع في هذه المفاوضات، بما في ذلك التوصل لاتفاق في غضون ستة أشهر على خطة عملية انتقال سياسي، من شأنها تأسيس حكم موثوق وشامل وغير طائفي، ووضع جدول زمني وعملية لوضع مسودة دستور جديد، وقيام انتخابات حرة وعادلة طبقاً له، تجري في غضون 18 شهراً، تحت إشراف الأمم المتحدة، بما يرضي الحكم (الجديد) ويلبي أعلى المعايير الدولية في الشفافية والصدقية، وبمشاركة السوريين كلهم المؤهلين للمشاركة، بمن فيهم الموجودون في الشتات.
إن التطبيق الكامل لهذه الأهداف سيتطلب من رئيسي «المجموعة الدولية لدعم سورية» وأعضائها، ومن الأمم المتحدة، والأطراف الأخرى، أن تعمل على نحو وثيق على الأبعاد السياسية والإنسانية والعسكرية.
-------------------------------------------------------------------------------------------------------

---النسخة العربية لاتفاق وقف اطلاق النار في سوريا (وقف الأعمال العدائية) .
النص الرسمي للبيان المشترك بين الولايات المتحدة و روسيا:

وزارة الخارجية الأمريكية
مكتب المتحدث الرسمي
22 شباط/فبراير 2016
بيان مشترك من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الإتحادية بصفتهما الرئيسين المشاركين للمجموعة الدولي لدعم سوريا، حول الهدنة - أو وقف الأعمال العدائية - في سوريا
إن الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الإتحادية، بصفتهما الرئيسين المشاركين للمجموعة الدولية لدعم سوريا(ISSG)، وسعياً منهما لتحقيق تسوية سلمية للأزمة السورية، مع الاحترام الكامل للدور الأساسي الذي تضطلع به منظمة الأمم المتحدة، عازمتان تماماً على تقديم أقوى دعم لديهما لإنهاء النزاع السوري وتهيئة الظروف لعملية انتقال سياسي ناجحة يقودها السوريون، بتيسير من الأمم المتحدة، لأجل التنفيذ الكامل لبيان ميونيخ الصادر عن المجموعة الدولية لدعم سوريا في الـ١١ من شباط/فبراير،٢٠١٦، وقرار مجلس الأمن الدولي ذي الرقم ٢٢٥٤، وتصريحات فيينا لعام ٢٠١٥ وبيان جنيف لعام ٢٠١٢.
في هذا الصدد، وتعزيزاً للقرارات التي اتخذتها المجموعة الدولية لدعم سوريا في الـ١١ من شباط، تعلن الولايات المتحدة وروسيا، بصفتهما الرئيسين المشاركين للمجموعة الدولية لدعم سوريا ومجموعة عمل وقف إطلاق النار، في الـ٢٢ من شباط/فبراير، ٢٠١٦، عن تبني شروط الهدنة في سوريا، المرفقة كملحق مع هذا البيان، وتقترحان ان يتم الشروع بوقف الأعمال العدائية في الساعة ٠٠:٠٠ ( بتوقيت دمشق) من يوم الـ٢٧ من شباط/فبراير،٢٠١٦. وسينطبق وقف الأعمال العدائية على أطراف الصراع السوري التي تعلن التزامها وقبولها بشروطه. وتمشياً مع قرار مجلس الأمن الدولي ذي الرقم ٢٢٥٤ وتصريحات المجموعة الدولية لدعم سوريا، فإن الهدنة لن تنطبق على "تنظيم داعش"، "جبهة النصرة"، أو أي منظمات إرهابية أخرى يحددها مجلس الأمن.
يقوم أي طرف منخرط في عمليات عسكرية أو شبه عسكرية في سوريا، بإستثناء "تنظيم داعش"، "جبهة النصرة"، أو أي منظمات إرهابية أخرى يحددها مجلس الأمن بالإعلان لروسيا الإتحادية أو للولايات المتحدة، بصفتهما الرئيسين المشاركين للمجموعة الدولية لدعم سوريا، عن التزامه وقبوله بشروط الهدنة في موعد لا يتعدى الساعة ١٢:٠٠ ( بتوقيت دمشق) من يوم الـ٢٦ من شباط/فبراير،٢٠١٦. ومن أجل تنفيذ وقف الأعمال العدائية بطريقة تعزز الإستقرار وتحمي الأطراف المشاركة فيه، فإن الولايات المتحدة وروسيا مستعدتان للعمل معاً لتبادل المعلومات ذات الصلة ( مثل: البيانات المجمعة التي تحدد الأراضي التي تنشط فيها المجموعات التي تعلن التزامها وقبولها بالهدنة، ومركز تنسيق لكل جانب، بغية ضمان التواصل الفعال) ووضع الإجراءات الضرورية لمنع تعرض الأطراف المشاركة في وقف الأعمال العدائية الى هجوم من قبل القوات المسلحة الروسية، التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش، القوات المسلحة التابعة للحكومة السورية والقوى الأخرى التي تدعمها، والأطراف الأخرى المشاركة في عملية وقف الأعمال العدائية. العمليات العسكرية، بما في ذلك الضربات الجوية من قبل القوات المسلحة التابعة للجمهورية العربية السورية، والقوات المسلحة الروسية، والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش ستستمر ضد تنظيم داعش وجبهة النصرة وأي منظمات إرهابية أخرى يحددها مجلس الأمن. كما أن الولايات المتحدة وروسيا الإتحادية ستعملان معاً، ومع الأعضاء الآخرين في مجموعة عمل وقف إطلاق النار، حسب الإقتضاء ووفقاً لقرار المجموعة الدولية لدعم سوريا الصادر في الـ١١ من شباط/فبراير، ٢٠١٦، لتحديد الأراضي الواقعة تحت سيطرة "داعش" و "جبهة النصرة" وأي منظمات إرهابية اخرى يحددها مجلس الأمن، والتي هي مستثناة من وقف الأعمال العدائية.
من أجل تعزيز التنفيذ الفعال لوقف الأعمال العدائية، تم تشكيل مجموعة عمل وقف إطلاق النار، التي تشترك في رئاستها الولايات المتحدة وروسيا، تحت إشراف الأمم المتحدة، والتي تضم مسؤولين سياسيين وعسكريين من الرئيسين المشاركين والأعضاء الآخرين في مجموعة العمل؛ ويتولى مكتب مبعوث الأمم المتحدة الخاص (OSE) مهمة السكرتارية العامة. المهام الأساسية لمجموعة العمل، كما ورد في بيان المجموعة الدولية لدعم سوريا في الـ١١ من شباط/فبراير، هي: أ) تحديد الأراضي الواقعة تحت سيطرة "تنظيم داعش" و"جبهة النصرة" و أي منظمات إرهابية أخرى يحددها مجلس الأمن الدولي؛ ب) ضمان التواصل بين جميع الأطراف لتعزيز الامتثال ونزع فتيل التوترات على وجه السرعة؛ ج) حل المزاعم المتعلقة بعدم الامتثال؛ و د) إحالة السلوك غير الممتثل على نحو مستمر من قبل أي من الأطراف إلى وزراء المجموعة الدولية لدعم سوريا، أو من يعينهم الوزراء، لتحديد الإجراء المناسب، بما في ذلك استثناء هذه الأطراف من ترتيبات الهدنة وما توفره لهم من حماية.
إن الولايات المتحدة وروسيا، بصفتهما الرئيسين المشاركين لمجموعة عمل وقف إطلاق النار وبالتنسيق مع بقية أعضاء مجموعة عمل وقف إطلاق النار التابعة للمجموعة الدولية لدعم سوريا، على استعداد لوضع آليات فعالة لتعزيز ومراقبة الامتثال لوقف إطلاق النار من قبل كل من القوات الحكومية للجمهورية العربية السورية والقوى الأخرى الداعمة لها، ومجموعات المعارضة المسلحة. ولتحقيق هذا الهدف وتعزيز وقف فعال ومستدام للأعمال العدائية، ستقوم روسيا الإتحادية والولايات المتحدة بإنشاء خط اتصالات ساخن و، حسب الضرورة والاقتضاء، فريق عمل لتبادل المعلومات ذات الصلة بعد أن تكون الهدنة قد دخلت حيز التنفيذ. وعند معالجة حالات عدم الامتثال، يجب القيام بكافة الجهود الممكنة لتعزيز التواصل بين جميع الأطراف بغية استعادة الامتثال ونزع فتيل التوترات على وجه السرعة، ويجب استنفاد الوسائل غير القسرية كلما أمكن ذلك قبل اللجوء الى استخدام القوة. وستقوم الولايات المتحدة وروسيا بصفتهما رئيسين مشاركين لمجموعة عمل وقف إطلاق النار التابعة للمجموعة الدولية لدعم سوريا بصياغة هذه الآليات الإضافية والإجراءات التنفيذية المعيارية التي قد تكون ضرورية لتنفيذ هذه المهام.
إن الولايات المتحدة وروسيا الإتحادية تدعوان معاً جميع الأطراف السورية، والدول الاقليمية والآخرين في المجتمع الدولي إلى دعم الوقف الفوري للعنف وإراقة الدماء في سوريا وللمساهمة بتنفيذ سريع وفعال وناجح لعملية الانتقال السياسي التي تيسرها الأمم المتحدة طبقاً لقرار مجلس الأمن الدولي ذي الرقم ٢٢٥٤، وبيان المجموعة الدولية لدعم سوريا الصادر في الـ١١ من شباط/فبراير، وتصريحات فيينا الصادرة عن المجموعة الدولية لدعم سوريا في عام ٢٠١٥، وبيان جنيف لعام ٢٠١٢.
الملحق
شروط الهدنةوقف الأعمال العدائية في سوريا
تسري الهدنة في عموم البلاد على أي طرف مشترك حالياً في عمليات قتالية، عسكرية أو شبه عسكرية، ضد اية أطراف أخرى باستثناء "تنظيم داعش" و "جبهة النصرة"، وأي منظمات إرهابية أخرى يحددها مجلس الأمن الدولي.
مسؤوليات المعارضة السورية المسلحة مبينة في الفقرة ١ أدناه. ومسؤوليات القوات المسلحة التابعة للجمهورية العربية السورية، وجميع القوى الداعمة لـ او المرتبطة بالقوات المسلحة التابعة للجمهورية العربية السورية مبينة في الفقرة ٢ أدناه.
١. للمشاركة في الهدنةوقف الأعمال العدائية، ستؤكد مجموعات المعارضة المسلحة – للولايات المتحدة الامريكية أو لروسيا الاتحادية اللتين ستشهدان على هذه التأكيدات لبعضهما البعض بصفتهما الرئيسين المشاركين للمجموعة الدولية لدعم سوريا في موعد لا يتعدى الساعة ١٢:٠٠ ( بتوقيت دمشق) من يوم الـ٢٦ من شباط/فبراير ٢٠١٦ – التزامها وقبولها بالشروط التالية:
• التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن ذي الرقم ٢٢٥٤، الذي تم اعتماده بالإجماع في الـ١٨ من كانون الأول/ديسمبر، ٢٠١٥، بما في ذلك الاستعداد للمشاركة في عملية المفاوضات السياسية التي تيسرها الأمم المتحدة؛
• وقف الهجمات بأي نوع من الأسلحة، بما في ذلك الصواريخ، ومدافع الهاون، والصواريخ الموجهة المضادة للدبابات، ضد القوات المسلحة التابعة للجمهورية العربية السورية، وأي قوات مرتبطة بها؛
• التوقف عن كسب او السعي إلى كسب أراض من الأطراف الأخرى المشاركة بوقف إطلاق النار؛
• السماح للمنظمات الإنسانية بوصول سريع وآمن ودون عراقيل في جميع أنحاء المناطق الواقعة تحت سيطرتها العملياتية والسماح فوراً بوصول المساعدات الإنسانية إلى كل من يحتاجها؛
• الاستخدام المتناسب للقوة ( أي ما لا يزيد عما هو مطلوب للتصدي لتهديد مباشر) إذا وعندما يكون الرد في حالة دفاع عن النفس.
٢. سيتم مراعاة الالتزامات المذكورة أعلاه من قبل مجموعات المعارضة بعد أن تؤكد القوات المسلحة التابعة للجمهورية العربية السورية ، وجميع القوات الداعمة او المرتبطة بالقوات المسلحة التابعة للجمهورية العربية السورية، لروسيا الاتحادية بصفتها رئيس مشارك للمجموعة الدولية لدعم سوريا، في موعد لا يتعدى الساعة ١٢:٠٠ ( بتوقيت دمشق) من يوم الـ٢٦ من شباط/فبراير، ٢٠١٦، التزامها وقبولها بالشروط التالية:
• التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن ذي الرقم ٢٢٥٤، الذي تم اعتماده بالإجماع في الـ١٨ من كانون الأول/ديسمبر،٢٠١٥، بما في ذلك الاستعداد للمشاركة في عملية المفاوضات السياسة التي تيسرها الأمم المتحدة؛
• وقف الهجمات بأي نوع من الأسلحة، بما في ذلك القصف الجوي من قبل القوة الجوية التابعة للجمهورية العربية السورية والقوات الجوية الفضائية الروسية، ضد مجموعات المعارضة المسلحة ( بحسب ما سيؤكد للولايات المتحدة أو لروسيا الاتحادية من قبل الأطراف المشاركة في الهدنة)؛
• التوقف عن كسب أو السعي إلى كسب أراض من الأطراف الأخرى المشاركة في وقف إطلاق النار؛
• السماح للمنظمات الإنسانية بوصول سريع وآمن ودون عراقيل في جميع أنحاء المناطق الواقعة تحت سيطرتها العملياتية والسماح فوراً بوصول المساعدات الإنسانية إلى كل من يحتاجها؛
• الاستخدام المتناسب للقوة ( أي ما لا يزيد عما هو مطلوب للتصدي لتهديد مباشر) إذا وعندما يكون الرد في حالة دفاع عن النفس.
إن روسيا الاتحادية والولايات المتحدة، بصفتهما رئيسين مشاركين للمجموعة الدولية لدعم سوريا و لمجموعة عمل وقف إطلاق النار التابعة للمجموعة الدولية لدعم سوريا، مستعدتان للعمل معاً من أجل ضمان التواصل الفعال ووضع الإجراءات اللازمة لمنع تعرض الأطراف المشاركة في الهدنة إلى هجوم من قبل القوات المسلحة الروسية، والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش، والأطراف الأخرى المشاركة في الهدنة.
كما تتعهد جميع الأطراف بالعمل على الإفراج المبكر عن المعتقلين، وخصوصاً النساء والأطفال.
يمكن لأي طرف توجيه انتباه مجموعة العمل الى حدوث أو احتمال حدوث خرق للهدنة أما من خلال مكتب مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا (OSE ) أو عبر الرئيسين المشاركين. سيضع مكتب المبعوث الأممي (OSE) والرئيسان المشاركان ترتيبات للتواصل مع بعضهما البعض ومع الأطراف، وسيقومان بالإعلام بشكل عام عن الكيفية التي يمكن من خلالها لأي طرف توجيه انتباه مجموعة العمل الى الخروقات.
تؤكد الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية بصفتهما الرئيسين المشاركين بأن تتم مراقبة الهدنةوقف الأعمال العدائية بطريقة حيادية وشفافة وتحت تغطية إعلامية واسعة.

هيئة التنسيق الوطنية
لقوى التغيير الديمقراطي
المكتب التنفيذي
بيان صحفي

بتاريخ 11 و12 شباط لعام 2016 صدر عن المجموعة الدولية لدعم سورية التي اجتمعت في مدينة ميونخ بيانا يتعلق بصورة رئيسة بوقف الأعمال العدائية على كامل التراب السوري وتوصيل الغذاء والدواء للمحتاجين في المناطق المحاصرة. درس المكتب التنفيذي البيان بصورة مستفيضة وعميقة ويثمن عاليا ما جاء فيه، وبصورة خاصة:
أ قرار مجموعة دعم سورية "تطبيق دخول المساعدات الإنسانية خلال أسبوع للمناطق المحاصرة، وتشكيل قوة مهام من المجموعة تقوم خلال أسبوع بوضع سبل فرض وقف الأعمال العدائية على امتداد سورية.
ب التزام أعضاء المجموعة بالإجماع بأن " يعملوا على التسهيل الفوري للتطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي 2254 الذي تم إقراره بالإجماع بتاريخ 18 كانون الأول 2015 " بما فيه "ضمان عملية انتقال سياسي بقيادة سورية".
ت تسريع الوصول الفوري للمساعدات الإنسانية بصورة مستدامة لكل من يحتاجها. ولهذا الغرض ستضع الأمم المتحدة " خطة لتشكيل قوة مهام إنسانية تابعة للمجموعة الدولية لدعم سورية، على أن تجتمع يوم 12 شباط لمباشرة عملها.
ث اتفاق أعضاء «المجموعة الدولية لدعم سورية» على وجوب "تطبيق وقف شامل للأعمال العدائية على نحو عاجل، بما ينطبق على أي طرف ينخرط حالياً في أعمال عدائية عسكرية أو شبه عسكرية ضد أية أطراف أخرى، باستثناء «داعش» و«جبهة النصرة» وغيرهما من المجموعات التي يصنفها مجلس الأمن الدولي كمنظمات إرهابية"، وتشكيل مجموعة متابعة لذلك ترأسها روسيا وأمريكا.
ويرى المكتب التنفيذي أن لا يتخذ من استثناء "داعش والقاعدة وغيرهما من المجموعات التي يصنفها مجلس الأمن الدولي كمنظمات إرهابية" ذريعة لقصف المعارضة السورية المسلحة القابلة بالحل السياسي من قبل القوات المسلحة السورية، أو الدولية.
ج- عدم الربط بين وصول المساعدات الإنسانية، ووقف الأعمال العدائية وعدم اعتبار وقف الأعمال العدائية شرطاً مسبقاً لهذا الوصول في أي مكان في سورية.
ح- وقف أية أنشطة تمنعها " قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ذوات الأرقام 2170، 2178، 2199، 2249، 2253، و2254".
خ- قلق «المجموعة الدولية لدعم سورية» حيال مأساة اللاجئين، والنازحين داخلياً، وحيال ضرورة إيجاد الشروط الكفيلة بعودتهم الآمنة، طبقاً لمبادئ القانون الإنساني الدولي، ومع الأخذ بالحسبان مصالح البلدان المضيفة.
د- تأكيد «المجموعة الدولية لدعم سورية» على ضرورة "إشراك الأطراف كلها في المفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة في أقرب وقت ممكن، وذلك بالتزام صارم بقرار مجلس الأمن الدولي 2254 ".
ذ- تعهد أعضاء «المجموعة الدولية لدعم سورية» ببذل كل ما في وسعهم بغية " تسهيل حدوث تقدم سريع في هذه المفاوضات"، بما في ذلك التوصل لاتفاق في غضون ستة أشهر على خطة عملية انتقال سياسي"، من شأنها تأسيس حكم موثوق وشامل وغير طائفي، ووضع جدول زمني وعملية لوضع مسودة دستور جديد، وقيام انتخابات حرة وعادلة طبقاً له، تجري في غضون 18 شهراً، تحت إشراف الأمم المتحدة، بما يرضي الحكم (الجديد) ويلبي أعلى المعايير الدولية في الشفافية والصدقية، وبمشاركة السوريين كلهم المؤهلين للمشاركة، بمن فيهم الموجودون في الشتات.
إن أهمية البيان تأتي أيضا من كون تنفيذ ما جاء فيه سوف يخضع للمتابعة والرقابة من قبل المجموعة الدولية وبصورة خاصة من قبل روسيا وأمريكا والأمم المتحدة . وإذ يشدد المكتب التنفيذي على ضرورة التزام جميع الأطراف بمضمون بيان ميونخ "لمجموعة دعم سورية" فإنه يعلن التزامه بالعمل مع الشركاء الآخرين في المعارضة لتنفيذ ما يتعلق بها من التزامات بموجب البيان المذكور.
دمشق في 13/2/2016م 4/جمادى الأولى/1437هـ
---------------------------------------------

هيئة التنسيق الوطنية
لقوى التغيير الديمقراطي
بيان صحفي

عُقد مؤتمر جنيف /3/ بدون أي جلسات تفاوضية بين الأطراف وبدون جدول أعمال واضح لسير المفاوضات.
وقد مارس وفد النظام سياسته المعهودة بالدفع باتجاه واحد حول محاربة الإرهاب، بينما كان ممثلو الهيئة العليا متمسكين بمطلب فصل المسار الإنساني عن المسار السياسي والأمني، كخطوة لا بد منها لضمان سير العملية التفاوضية في الاتجاه الصحيح، وفق ما ورد في قرار مجلس الأمن 2254- الفقرتين 12 و 13 وقد نجحت الهيئة العليا في ذلك، لكن لوحظَ غياب التوازن والانسجام في التصريحات الإعلامية للناطقين الإعلاميين للهيئة العليا، يشير إلى عدم وجود تنسيق بين ممثلي الأطراف المشاركة، مما دفع المسؤول الأممي إلى إجراء مباحثات غير رسمية بين كل وفد على حدة، وعندما وجد أن الطريق مسدود لعقد جلسة للمفاوضات أعلن تعليق عملية التفاوض إلى الخامس والعشرين من شهر شباط 2016.
وبعد ذلك سارعت المجموعة الدولية لدعم سوريا إلى عقد لقاء في ميونخ وكان من أنجح اللقاءات التي عقدت لهذه الغاية بعد لقائي فيينا حيث تم وضع جدول زمني وخطة عمل واضحة تناولت القضايا الإنسانية من رفع الحصار وإدخال المساعدات بمختلف أشكالها والعمل على تنفيذ القرارات الدولية ومراقبتها ووقف الأعمال العدائية ووضع ألية تشكيل قوة مهام تقوم بوضع سبل لفرض وقف هذه الأعمال وغيرها كما ورد في البيان.
وقد أيدت هيئة التنسيق الوطنية هذا البيان وأكدت على تنفيذ بنوده كاملاً مشيرة إلى أهمية العمل على انقاذ سوريا من الإرهاب والاستبداد معاً.
وفي الوقت الذي تتضافر فيه الجهود الإقليمية والدولية للوصول إلى حل سياسي في سوريا يوقف الحرب العبثية المدمرة للشعب و الوطن , وينقل البلاد إلى الحرية والعدالة والديمقراطية, تحاول بعض القوى الإقليمية، وفي مقدمتها حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا إعاقة هذا المسار، الذي بات حاجة ملحة بالنسبة إلى جميع السوريين، كما هو حاجة دولية وإقليمية.
إن المكتب التنفيذي الذي لا يرى بديلا عن الحل السياسي للأزمة السورية، وقد أكدت الخيارات الأخرى فشلها وتسببها في الحاق الدمار بسوريا وشعبها وتهديد وحدتها، يدين اعتداء حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا على الأراضي السورية في شمال سورية، ويطالب بالحرص على دماء الشعب السوري والحل السياسي للأزمة السورية وفق بيان جنيف /1/
يؤكد رفضه لأي أي تدخل خارجي أمريكي أو روسي أو إيراني، لا يخدم الحل السياسي، ويطال المدنيين الأبرياء، والمعارضة المسلحة الملتزمة بالحل السياسي ويساعد على عمليات التدمير والتهجير، وإطالة أمد الأزمة، ويهدد سوريا بفرض الأمر الواقع، وتجزئة الوطن على أساس أثني أو ديني أو طائفي وتمزيق نسيج المجتمع.
يؤكد على ضرورة سحب الجماعات المسلحة غير السورية التي جاءت لدعم النظام أو لدعم المعارضة المسلحة.
يرفض استمرار الحل الأمني العسكري وإلقاء البراميل المتفجرة من قبل القوات السورية, كما يرفض إرسال قوات عربية أو إسلامية إلى سورية إلا إذا اقتصر دورها على محاربة الإرهاب بقوات برية.
يرفض أية محاولة لتأجيج الصراع المسلح في البلاد، وخصوصا الدعوات المستجدة إلى مزيد من التدخلات العسكرية بغض النظر عن الجهة التي تدعو إليها. وتطالب جميع الدول المتدخلة في الشأن السوري، وذات التأثير، بالكف عن السياسات الرامية إلى تصعيد القتال في سورية، والعمل بكل إخلاص وجدية من أجل تطبيق قرارات المجتمع الدولي لإنهاء هذه الحرب المدمرة وإنقاذ ما تبقى من سورية وشعبها.
يؤكد بأن سورية الديمقراطية سوف تكون مختلفة عنها في ظل الاستبداد، وسوف تكون لجميع أبنائها يشاركون في حكمها، في إطار نظام سياسي يرتضونه يعترف بهوياتهم القومية ، وإن أية إجراءات تستند إلى مزاعم الأمر الواقع تفرض على السوريين خيارات لا يرتضونها) كخيار الفدرالية مثلاً( ترفضها هيئة التنسيق جملة وتفصيلاً.
دمشق 22/2/2016 المكتب التنفيذي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الطائفية والنص والطائفية كأقلياتية
الدكتور عزمي بشارة
"العربي الجديد"،31كانون ثاني2016

تجري، أخيراً، محاولات لفهم تنظيمات متطرفة، مثل تنظيم الدولة وغيره، بمراجعة الأفكار التي يستند إليها، بما في ذلك النصوص الدينية، وبعض الإنتاج الفقهي الفقير والسطحي الذي قد يؤثر فعلاً على بعض الغلاة، لكنه لا يشرح الظاهرة. وصحيح أن بعض ممارسات تنظيم الدولة يطبق حرفياً نصوص السلف، لكن الباحث يجد مثلها عند قراءة نصوص "سلفٍ" آخر في التلمود. إن المهم في فهم سلوك من يطبق هذه النصوص حرفياً هو ليس النصوص نفسها، بل العوامل التاريخية، السياسية والاجتماعية، التي أنشأت جماعاتٍ تقوم بمثل هذه التطبيقات للنصوص خارج تاريخها.
لا يمكن فهم ظاهرة داعش بدون الاحتلال الأميركي للعراق وحل الجيش ومؤسسات الدولة، وإمعان النظام الذي قام على أنقاض النظام السابق في النهج الطائفي الانتقامي، وتمدد النفوذ الإيراني، واجتماع سابق على الاحتلال بين الإسلاميين وبعض عناصر "البعث" في الحملة الإيمانية لتشجيع التدين والمظاهر الدينية في المجال العام، والتي أعلنها صدام حسين في ظل الحصار، وإلقاء عسكريين بعثيين وحركيين إسلاميين في سجون الاحتلال، ثم في سجون النظام الطائفي، والحرب على أفغانستان قبل احتلال العراق بعامين، وتشتت تنظيم القاعدة، وتدفق متطوعين عرب إلى العراق. هذه هي العوامل التاريخية التي أنجبت تنظيم الدولة الإسلامية وغيره من التنظيمات. فقد نشأ في ظل انهيار بنى قديمة، واستقطاب طائفي في المجتمع العراقي، في مقابل مليشياتٍ طائفيةٍ شيعيةٍ عملت في ظل الاحتلال على الانتقام من كل ما يمت للعهد السابق بصلة. ثم كثفت نشاطها الانتقامي في ظل النظام الطائفي. ومع وحشية النظام السوري وحلفائه، تعمّق الشعور بالمظلومية في العراق وسورية، والتقى مع مظلومياتٍ عربيةٍ عديدةٍ، تبحث عن متنفس عنيف لها عبر التضامن مع الشعب السوري.
هذه العوامل أكثر أهميةً لفهم الظاهرة من أي تفسيراتٍ وتأويلاتٍ للنصوص الدينية، وأكثر أهمية بما لا يقاس من بعض الإنتاج شبه الفكري لمنظري هذه الحركة من نوع "فقه التوحش" وغيره، مما جاء ليبرّر الممارسات دينياً. وقد مارس النظام السوري وبعض المليشيات الشيعية جرائم مماثلة، بتفسيراتٍ وتأويلات أخرى للنصوص، أو بدون نصوص كما فعل الخمير الحمر وغيرهم.
لا يقلل هذا الكلام من أهمية الإصلاح الديني. ولكن الإصلاح الديني حركة تاريخية كبرى، تؤثر على مجمل الثقافة ومجمل الدين. وبالتالي، على أخلاقيات السياسة في المجتمعات ككل، بما في ذلك المتدينون وغير المتدينين. ولكنه لا يؤثر بالضرورة على غلاة المتعصبين، ولا سيما في حالات الانقسام الطائفي. لقد عرفنا حالات تاريخية قاد فيها الإصلاح الديني إلى تعصبٍ أعنف على هوامشه. إن من ينادون بالإصلاح الديني كأنهم عثروا على حل للمشكلة لا يدركون أنهم يتحدثون عن موضوعٍ آخر تماماً. وهم يقللون من أهميته، حين يتعبرونه حلاً سحرياً لسلوك الغلاة.
أما من يكرّرون الحديث عن صراع سني شيعي فلا يدركون عما يتكلمون. ومحاولة أوباما وغيره، أخيراً، نشر سردية عن صراع طائفي عمره ألف عام، هي محاولة استشراقية بائسة.
لم يكن الشيعة في الماضي طائفة متماسكةً أو منظمة، أو واضحة الحدود، حتى حين احتدم الصراع على الزعامة بين قياداتٍ على الإمامة، صراعاً يفسر الآن بأثر تراجعي كصراع بين السنة والشيعة. وقد صيغت أسس المذهب الاثني عشري، في نهاية القرن الثالث الهجري وخلال القرن الرابع. وتبلور مذهباً له مؤسسة دينية في ظل الحكم الصفوي. وساهم الصراع الصفوي العثماني على العراق في تطييف ذلك البلد. ولكن هذا لم يجعل من الشيعة طائفةً واحدةً منظمة في أي وقت.
أما السنة، فلم يكونوا طائفة منفصلة أصلاً، ولا حتى في أي بلد على حدة. ونحن نشهد حالياً تحول السنة إلى طائفة. وهم لم يكونوا كذلك يوماً، ولم يتصرفوا كطائفة واحدة. كانت الطوائف حتى هذه المرحلة تنظيماً "أقلياتياً".
الوعي بالطائفة وضرورة تنظيمها في مقابل الدولة وبقية المجتمع هو شعور أقلياتي، حتى حين تشعر به الأغلبية. وتميل الأغلبية نحو التحول إلى طائفةٍ، إذا شعرت أنها أغلبية عددية، ولكنها أقلية، لناحية وضعها ومنزلتها في بلدها. وهذا بالطبع لا يحل المشكلة، بل يعممها.

العَلمَانية في سوريا*
ترجمة: يوسف سامي مصري

ينبغي في البداية شرح مصطلح العلمانية بتفصيل أكثر وخصوصاً في بيئة الشرق الأوسط ,حيث لدى كل من الأوربيين والمسلمين أفكارهم وتجاربهم عن فهمِهم لهذا المصطلح .أُنجِزَت العلمانية في أوربا عبرَ عملية طويلة من التطورات الفلسفية والاجتماعية ,ونجمت وعلى نحو واسع عن الأفكار الإنكليزية عندما تم وضع العقائد والتعاليم الدينية تحت سلطة العقل وهزموا بشجاعة سلطة الأكليروس المسيحيين .وكان من بين القضايا التي تطورت جرّاء هذه الأعمال التحررية حرية الفرد في اختيار إما الإلحاد أو الإيمان .أصبح الإيمان قراراً شخصياً, فالبعض يؤمنون بإلهٍ محدد بدون تبنّي تعاليم وشعائر الكنيسة .ولكن ورغم ذلك لم تصبح الحرية حقيقة اجتماعية حتّى عقود حديثة .
لم تكسب المجتمعات الغربية نصرها الحاسم على التقاليد وتحديد الحرية الشخصية والفردية إلا بعد الثورة الاجتماعية التي حصلت في فرنسا العام 1968 .وهكذا ,فالعلمانية في الغرب هي جزء من تطوُّر اجتماعي وتجربة شخصية ,وبدرجة أقل ,هي أيديولوجية سياسية ,وفصل الدين عن الدولة هو مظهر واحد من الوجوه العديدة للعلمانية .يمكن للعلمانية في المشهد الأوربي أيضاَ أن تتضمن اعتبار الدين مسألة خاصة ,واختفاء الإيمان الشخصي والممارسات الدينية وسط الشعب .هذه المظاهر الثلاثة للعلمانية الغربية ليست بالضرورة أن تتواجد في كل مكان في الوقت ذاته .فألمانيا مثلاً ,أصبحت واحدة من أكثر المناطق اللادينية في أوربا حيث 69% من السكان لا يقرّون بالتديّن في العام 2000 ,واختفت أيضاً الممارسات الدينية إلى حدٍ كبير في ألمانيا الغربية ,ومع ذلك فالكنيسة والدولة غير منفصلتين بشكلٍ كامل ,وتقوم الحكومة الألمانية بجمع الضرائب خاصة بالنيابة عن الكنيسة ,وفي اسكندنافية تتواجد كنيسة للبروتستانت على الرغم من أن عدداً قليلاً من السكان يعلنون أنفسهم متديّنين .أما في فرنسا ,فالفصل بين الكنيسة والدولة تام ,بينما جزءٌ كبيرٌ من السكان هم - بالعمق- كاثوليكيين .
يمكن ملاحظة ازدياد دور الدين في الولايات المتحدة حيث يُظهر المواطنين إيماناً شخصياً في الحياة اليومية خلال السنوات الماضية ,خصوصاً مع تزايد نشاطات جماعة المعروفين ب "الحق المسيحي" التي يُظهر أفرادها حماسة بالتبشير وطموحات سياسية واجتماعية شبيهة بتلك الموجودة عند الإسلاميين في مكان آخر .على أيّة حال ,كانت الإشارة الخطابية لكلمة "الله" كليّة الوجود في الحياة السياسية والعامة للمواطنين في الولايات المتحدة وفي الممارسة اليومية للناس ,إذ لا يوجد أي خطاب للرئيس إلا وينتهي بالعبارة الوطنية و الدينية "ليبارك الله أمريكا" ,ولكن وبنفس الوقت الصلاة في الأماكن العامة محظورة في القانون ,وتتواجد المنظمات الدينية بالاستقلال عن الحكومة ,ولا يوجد ضرائب خاصة بالكنيسة كما هو الحال في ألمانيا ,وعلى الرغم من أن المنظمات الدينية قد تحظى بدعم مالي لأغراض محددة و واضحة ,تبقى العلاقة بين الكنيسة والدولة معقدة جداً في الولايات المتحدة ,وذلك بسبب تواصل الخلاف داخل الولايات مع بعض الأحكام القانونية المشتركة في مختلف الولايات ,هذا برغم أن القوى الدينية قد حازت على التأثير قي ظل إدارة الرئيس جورج بوش الابن ,وعرِفَ المجتمع الأمريكي ككل والسياسيون على وجه التحديد مقدرتهم القوية في تصحيح الذات. وهكذا ,فالاتجاهات السائدة ملائمة لأن تكون معكوسة مرة ثانية في الوقت الحالي.
ولكن ,وبكلمات قليلة ,يعود الخلاف الرئيسي بين العلمانية الأمريكية ونظيرتها الأوربية إلى القرنين السابع والثامن عشر ,ويرتبط هذا الخلاف بالجذر الأمريكي للعلمانية حيث لعبت التجربة الحرة للدين ,دور الإيديولوجية المُحَرِرة بالنسبة للمستوطنين ومكتشفي أمريكا خلال بناء الأمة الجديدة ,وهكذا تم اعتبار الدين قوة تقدمية على العكس من أوروبا التي نظرت للدين على الدوام كجزء من مؤسسة سياسية ثقيلة الوطأة وحرروا أنفسهم منها ليس من خلال الهجرة " مع الدين" ولكن من خلال تحرير أنفسهم "من الدين" .وهكذا تُُُظهر تلك الأمثلة أن التأثير الخاص للعلمانية في العالم الغربي قد تنوَّع بشكلٍ كبير ,ومن الصعوبة القول أن أي بلد هو أقل أو أكثر علمانية من البلد الآخر ,فالعلمانية في العالم الغربي هي مفهوم ليِّن ويتيح أيضاً حيّزاً لممارسة الشعائر الدينية .
على العموم ,وبرغم تلك الاختلافات يوجد سمات عامة مشتركة بين الطرفين . العلمانية هي تجربة ثقافية وحركة عقلانية اجتماعية ,مع تطورات متزامنة ومتضافرة نحو الحرية والديمقراطية وأنظمة حكم دستورية وحريات فردية وحقوق إنسان مع استقلال الشخص في أن يكون الفرد متديِّناً أم لا .أما العلمانية في العالم العربي فمختلفة كلياً, فالأشكال الحديثة للإدارة وفصل الدين عن الدولة وفكرة النظام التربوي الرسمي قد جاءت للعرب من أوروبا ,وكانت مصر أول دولة عربية احتكّت مع أفكار الثورة الفرنسية عندما حطَّت الحملة الفرنسية على أرضيها في العام 1798 وتم البدء بالإصلاحات الجذرية في العام 1801 من قِبَل محمد علي باشا الضابط الألباني الذي ذهب في بداية الأمر إلى مصر بالنيابة عن السلطان العثماني للتخلُّص من المماليك ,وبعد ذلك أعلن نفسه حاكماً على وادي النيل .وبالحال أصبحت مصر الدولة العلمانية الوطنية الحديثة الأولى في المنطقة .
دخلت العلمانية مفردات الخطاب العربي مع نهوض القومية العربية قبل انهيار الإمبراطورية العثمانية بفترة قصيرة خلال الحرب العالمية الأولى ودخلت بعد ذلك في السياسة العربية في الشرق الأوسط العربي.
جاء دخول مصطلح العلمانية للخطاب العربي متزامناً مع الاستعمار الأوروبي , ويُعَد هذا الأمر من العيوب الأساسية للعلمانية العربية ,ولم تُطبق القوى الغربية القيم التي أنجزوها وأثنوا عليها في أوطانهم في الأقاليم التي كانت تخضع لسيطرتهم المباشرة .ويشرح لنا هذا السلوك الأوروبي الموقف الرافض للعديد من المسلمين الذين رفضوا تلك الأفكار ,لأنها وببساطة أتت من الغرب ( وبالطبع هذا الموقف موجود في أماكن أُخرى تابعة أيضاً للسيطرة الأوروبية )
تعني العلمانية كما العديد من التجارب العربية الأخرى إحلال حكم استبدادي بدلاً من حكم استبدادي آخر .لقد كانت أيديولوجيا مستوردة قَدِمَت إلى المجتمعات العربية بشكلها الحرفي ولتلك المجتمعات خلفية مختلفة من التجارب بكل ما للكلمة من معنى .
كانت العلمانية مرتبطة بالإمبريالية وفيما بعد بالأنظمة الشمولية والفاشستية وباشتراكية الدولة وبانتزاع الهوية الثقافية ,وغالباً بانتهاك حقوق الإنسان والحريات الشخصية .وأصبحت العلمانية منبراً للنُخَب المثقفة بالثقافة الغربية ليشرعنوا أدوارهم بدون تقييد أنفسهم بالدعامات الفكرية والثقافية للعلمانية الغربية .هكذا انحطَّت العلمانية إلى أداة سياسية ومظاهر أيديولوجية كاذبة ,وهذا ما يفسر لنا سهولة الانقلاب على عليها من قِبَل القوى الإسلامية في العراق .
فعندما شعر "صدام حسين" أنه بحاجة لدعم علماء الدين والمتديّنين السُّنة بعد كارثة حرب الخليج العام 1991 , تغيَّر "صدام حسين" وبتباهٍ من العلمانية البعثية إلى الإسلام ,وأضاف عبارة "الله أكبر" إلى العلم العراقي ,كُتِبَت بأحرف خضراء (ولهذا اللون دلالته عند الإسلاميين )ومنع المشروبات الروحية والأندية الليلية وقيَّد حقوق المرأة .من الصعب تَخّيُل هكذا انعطافة حادة في البيئة العلمانية الغربية .يكمن الخطأ فيما جرى أن جوهر النظام قبل التحولات المُشار إليها لم يكن علمانياً حقيقياً ,وأن النظام بعد تلك التحولات لم يصبح إسلامياً حقيقياً .وباختصار يمكن القول :لقد نمت في الغرب علمانية منجَزة بتناغم مع طموحات سياسية واجتماعية وأخلاقية في حين نستطيع التكلُّم عن علمانية مفروضة في العالم العربي .
لايوجد في سوريا علمانية بالمعنى الأوروبي ,حيث اعتبر الآباء الروحيون للعروبة – وفيما بعد البعثيين – أن العروبة والإسلام (على الأقل كعوامل ثقافية ) مكونات متلازمة .فالعلمانية السورية هي جزء من عقيدة الدولة بالإضافة إلى أن التسامح والتعددية الدينية لها تقاليد طويلة في البلد ,لدرجة أن أعضاء في حزب البعث وبعض الأفراد المنفتحين من الطائفة العلوية قد نجحوا بالاستيلاء على الحكم في آذار 1963 .
انتشرت الأفكار المدنية وعلى نحو واسع في سوريا بعد استقلالها عن فرنسا في العام 1946 ,حتى أن رئيس الوزراء في أواسط الأربعينات والخمسينات كان مسيحياً ,ويخلُص الكاتب الفرنسي "غونتر لوم بيير " إلى القول " لقد خسر الإسلام وإلى حد بعيد دوره السياسي ,وخسر بشكل جزئي دوره الاجتماعي وذلك قبل وقت طويل من مجيء حزب البعث إلى السلطة في 8 آذار 1963 .
سادت الأفكار الاشتراكية وأثّرت في السياسة الاقتصادية وخصوصاً بين العام 1966 والعام 1970 , عندما كان الجناح اليساري للحزب ( البعثيين الجدد ) في السلطة ,لكن لم تحدُث الإصلاحات المدنية الشاملة - النتائج الحتمية للأفكار الماركسية اللينينية - فالقوى المُحَافِظة كانت قوية جداً .
عندما أصبح حافظ الأسد رئيساً للجمهورية في العام 1971 ,كان البعثيين قد امضوا في السلطة أكثر من ثمان سنوات ,وبموازاة ذلك ,قوّى العديد من العلويين مواقعهم في السلطة ,وكان معظمهم من الفلاحين الفقراء في الجبال المحيطة باللاذقية الذين خَبِروا الترقية الاجتماعية الناشئة عن السياسة الاستعمارية الفرنسية ( تماماً عكس مفهوم الفرنسيين للدولة وديمقراطية المواطنين في بلدهم فرنسا ).
استفاد الفرنسيون من وجود طوائف مختلفة في مستعمراتهم وحرّضوا فئات دينية ضد فئات دينية أخرى ,طِبقاً لسياسة فرِّق تَسُد .
لم يكن وصول حافظ الأسد للحكم "ثورة علوية" ولكن صادف وجود علويين أظهروا مقدرة ليكونوا أشِدّاء ومناورين بما يكفي ليمارسوا التآمر والصراع على السلطة في الوقت المناسب .ومع ذلك فقد لعبت صفات حافظ الأسد الشخصية وخلفيته العلمانية دوراً في وصوله للسلطة ,وهو من فئة دينية ساندت الحرية الاجتماعية على حساب تعاليمهم الدينية ,وصانوها وأبقوها مستمرة حتى الوقت الحاضر على الرغم من المعارضة لذلك .لم يكن حزب البعث هو الذي بدأ بإصلاحات اجتماعية ,بل حافظ الأسد هو الذي فعل ذلك ,وأعطى المزيد من الحقوق للمرأة ,وحاول في دستور العام 1973 أن يحذف الفقرة التي تتطلب أن يكون دين رئيس الدولة الإسلام ,في محاولة منه للحصول على المزيد من تأييد الأقليات الدينية ,ولكنه واجه معارضة شديدة من الإسلاميين واضطر حافظ الأسد للتنازل عن اقتراحه وذهب بعيداً في هذا التنازل .ولكي يبدوا مسلماً ملتزماً ,بنا حافظ الأسد الجوامع وأسَّس باسم النظام معاهد لتحفيظ القرآن ,حاملة اسماً غريباً و منفِّراً "معاهد الأسد لتحفيظ القرآن الكريم" .ويؤكد المتابعين في دمشق أن المماليك الذين حكموا بين القرنين الثالث والرابع عشر وأيضاً العلويين في ظل حكم الرئيس حافظ الأسد قد بنوا جوامع أكثر من كل الحكّام في تاريخ سوريا ,حيث كان للاثنين نفس الغرض ,وهو تقوية أيمانهما أمام الأكثرية السنّية وبذلك يتجنبون الاضطرابات العامة .
تم وضع الجوامع التي يبنيها الوقف الإسلامي سواء من الأموال العامة أو الخاصة تحت سلطة دولة البعث .يُعتبر هذا مثالاً واضحاً عن كيفية أن النظام العلماني الشكلي –أي فصل الدين عن الدولة – لا يستتبع بالضرورة كنتيجة لابد منها – علمانية اجتماعية .كانت التناقضات موجودة في كل المستويات .أعاد حافظ الأسد بعد مُضي فترة قصيرة على وجوده بالرئاسة القَسَم الديني الذي يُؤدَّى أثناء استلام المنصب والذي كان نظام البعث قد أبطل العمل به قبل سنتين من ذلك ,وتم أيضاً منع الطعام في الأماكن العامة أثناء شهر رمضان وحتى أنه ضَمَّن خطاباته عبارات دينية .
ربما كان حافظ الأسد البراغماتي – وبالعمق- يكره تسييس الدين والمحافَظة الدينية ,وأوضح أن الإسلام لا علاقة له بالوجه البشع للتعصُّب ودافع عن أن القِيَم الأخلاقية هي العنصر الحاسم في تطوير المجتمعات وليس القِيَم الدينية ,وشدَّد في هجومه العنيف على الأخوان المسلمين :"ليس لأي حزب الحق في احتكار الإسلام أو أي دين آخر" وأيضا : "أن حزب البعث العربي الاشتراكي هو حزب قومي ولا يُفرِّق بين الأديان ,وإذا كانت الطائفية غير موجودة في سوريا , فينبغي ألا توجد الآن " .
لم يعد أخوان السبعينات والثمانينات يستخدمون الخطاب الديني سوى ضد الطائفة العلوية ,محاولين بذلك أن يستفيدوا من حقيقة أن الطائفة العلوية هي العمود الفقري للنظام ,وتمَّ في تلك الفترة اغتيال العديد من العلويين .قَدَّم الأخوان المسلمين الطائفة العلوية على أنها طائفة غير مؤمنة وأساءت للبلد وقمعت السُنَّة المتدينين ,ووصفوا العلمانية البعثية أنها هرطقة وبدعة علوية .
ما يزال يُلعب بالورقة العلوية لجهة الإخلاص للنظام بحكم تزايد دور العلويين في اللعبة السياسية المستعرة .ليس هناك مبرر لنتكلم عن "حكم علوي" إذ لا يوجد امتيازات خاصة بالعلويين في سوريا ,وحزب البعث ليس حزباً للعلويين وقاعدته مشَكَلة من مجموعات اجتماعية متنوعة ,ولم يتحسَّن وضع معظم العلويين أكثر من المجموعات الأخرى في سوريا ,وكان معظم مؤيدي الرئيس حافظ الأسد من السُنّة بما في ذلك مصطفى طلاس الذي أمضى اثنين وثلاثون عاماً كوزير للدفاع واستقال في أيار 2004 .
يوجد حالة عداوة وعدم ثقة بين عشائر العلويين ,كما أنه يوجد عدد ضخم من العلويين في السجون بسبب معارضتهم للنظام الحاكم وتلقّوا أحكاماً بالسجن أقسى من أحكام بعض الذين ينتمون لطوائف أُخرى .
سعى الأخوان المسلمون لمنافع سياسية ملموسة ,أي إسقاط نظام حافظ الأسد والطائفة العلوية, وكان الإسلام هو الايدولوجيا المُحفِزة لهذا السعي .ومع ذلك , فقد استخدم طرفا الصراع الخطاب الإسلامي وادّعى كل طرف أن الآخر لم يكن متديناً وأنه استخدم الدين لأغراض سياسية .
استمرت هذه المحنة العامة بين النظام والأخوان المسلمين لعدة سنوات مضطربة. لم يكن الصراع فيها دينياً,حيث كان الأسد مدعوماً بأعداد ضخمة من الشعب السوري مثل الفلاحين والطبقة الوسطى الليبرالية السُنيِّة وخصوصاً في دمشق, وأيضا الأكراد وقبائل البدو السُنّة ,وكانت الأقليات الدينية إلى جانب حافظ الأسد وعلى نحو واسع .يصف المؤرخ السوري " عبد الله حنا" هذه الأوضاع :كانت تلك القوى المتحدة قادرة تماماً على عدم السماح للإخوان المسلمين بأسلمة البلد" ويتابع : "كانت الأرجحية خمسين بالمائة مقابل خمسين بالمائة ".كانت تكتيكات الأسد هي تقديم المزيد من التنازلات لرجال الأعمال السُنّة في حلب والذين بدورهم ساندوا النظام وفعلوا على أرض الواقع الكثير .بالإضافة لذلك فقد نجح حافظ الأسد ورغم كل المصاعب المُشار إليها بالتعامل مع السعودية لوقف دعمها للجناح العسكري للإخوان المسلمين.وأخيراً جاءت الانعطافة الكبرى للأحداث بالتدخل العسكري حيث وضع الأسد نهاية دموية للحرب الأهلية بمذبحة حماة السِّيئة الصيت ,وقُتِلَ عشرات الآلاف من السكان خلال قصف واقتحام المدينة القديمة حيث تحصَّن الأخوان بين السكان .ومنذ ذلك الوقت لم يعد الإسلاميون المتطرفون قادرين على إيجاد موطئ قدم لهم في الحياة العامة في سوريا .
لقد تم دفع ثمن باهظ لإبقاء الوضع على ما هو عليه .ولكن ورغم ذلك ,حتى نقّاد النظام السوري لا يجرؤن على المخاطرة بالاستقرار الحالي ,نظراً لحالة الأسلمة الاجتماعية التي تلُف سوريا .
ملاحظة :هذه المقالة هي خاتمة كتاب ""سوريا...صناديق الانتخاب أم أزيز الرصاص" .وقد ترجمنا الكتاب ولكن لم ننشره لأسباب خاصة .وقد تمت ترجمة الكتاب كاملاً فيما بعد من قِبَل مترجم آخر وطُبِع في بيروت العام 2009 .


جريدة السفير بتاريخ 2016-02-13 على الصفحة رقم 14 – قضايا وآراء
جوزف سماحة في حوار لم ينشر: أنا ناصري ويساري.. ولا يمكن تجنب الإسلام


تسع سنوات حافلة مرّت على الغياب الصادم لعلم الصحافة اللبنانية والعربية جوزف سماحة. صاحب «القلم الأخضر» غادر عنوة، وقبل أن يتسنى له إطفاء شمعة «الأخبار» الأولى، وهو المشروع الذي أراد له أن يكون صورة عن وعيه النقدي المطابق، بل ومساهمة إضافية مباشرة وذات أثر في مواجهة حال «الفوات التاريخي» الذي يمسك بهذا الجزء من العالم.
9 سنوات حافلة شهدت خلالها المنطقة العربية أحداثاً عاصفة، فتوالت الأعاصير وكانت الرياح السامة التي قلبت الفصول فصار الربيع شتاء قارساً، والشتاء صيفاً لاهباً. في هذه الغضون أُوقع بسوريا، التي وبالرغم من كل الملاحظات الجوهرية على نظامها السياسي واستئثاره الفج بالسلطة، لا يمكن تجاهل أنها فاضت بالممانعة ودعم المقاومة فكرة وإرادة وتنظيمات، فجرى تحويلها إلى ساحة للموت العميم، وكان للرجعيات وأنظمة الموت في الصحراء العربية، تلك التي سبق لها وقاتلت المشروع القومي الذي جسده جمال عبد الناصر، دور لا يُغتَفَر في الحرب على سوريا، فكانت المشهديات الدموية التي أطلقها الغزو الأميركي لأرض الرافدين ورعاها، وهدفت إلى تكريس الاستباحة، والتعويض عن الفشل في كسر المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق وسائر الساحات... وأريد لها أن تدشن لعودة الاستعمار المباشر، وهو الاستعمار الذي يعود ليتسلل اليوم من بوابة محاربة الإرهاب الذي اخترعه الغازي إياه وأعده لإغراق المنطقة بحروب لا تنتهي.
من باب التحية والتقدير لهذا الرجل الذي أعطى وبسخاء قل نظيره، وشكل علامة فارقة في عالم الصحافة العربية: التزاماً وصدقاً وجرأة، ولمناسبة السنوية التاسعة على رحيله تنشر «السفير» مقابلة خاصة لم تنشر من قبل، كان أجراها الباحث الفرنسي نيكولا بوت ـ بوييار (]) بتاريخ 17 شباط من العام 2006 مع الراحل في مكتبه في «السفير». والمقابلة تمت في الأصل من ضمن سلسلة مقابلات كان أجراها الباحث خلال عمله على إعداد رسالة الدكتوراه، وفيها يعرض سماحة لمحطات من مسيرته السياسية، بدءاً من شبابه الأول وتأثره بالناصرية مروراً بانتسابه إلى «منظمة العمل الشيوعي» وقبلها «حزب العمل العربي الثوري»، وصولاً إلى اعتكافه عن العمل الحزبي المباشر... أما النص الثاني فهو مقتطفات مختارة من فصل من كتاب حمل عنوان «مطربة زنجبار» وضعته عام 1991 الكاتبة الهولندية ليف جوريس التي جمعتها بجوزف علاقة صداقة شخصية أتاحت لها الإمساك ببعض خيوط الحكاية، وعنونت الفصل المذكور بعبارة لافتة: «حكاية جوزف»...
وتكمن أهمية الفصل في إضاءته على جوانب حميمة من شخصية الصحافي اللبناني، الذي عرف عنه ارتباطه الوثيق واللصيق بقضايا منطقته وتطلعات شعبها في الانعتاق والتحرر الكامل من أشكال الوصاية وصنوف الفوات، ولأهمية ما تضمنه الفصل من بوح غير مسبوق،
اختارت «السفير» نشر أبرز ما تضمنه الفصل من بوح غير مسبوق.
يعود تاريخ هذا الحوار غير المنشور إلى 17 شباط 2006، وأجراه الباحث الفرنسي نيكولا دوت ـ بوييار في إطار العمل على أطروحته لنيل شهادة الدكتوراه.
.........................
بداية، كنت من الذين أثرت بهم الناصرية، وما زلت كذلك إلى اليوم. بين عامي 1968 ـ 1969، وبتأثير من هزيمة حزيران، والصدمة العامة الناجمة عنها مررت بحالة من الفراغ، وهي مرحلة أفضل نسيانها، فالصدمة كانت كبيرة وعميقة.
وابتداءً من العام 1969، وكنت وقتها في العشرينيات من عمري، بدأت صلتي المباشرة بتيار فكري، مثله ياسين الحافظ والياس مرقص، وأخذ على عاتقه مهمة العمل على بلورة ما تمكن تسميته قراءة ماركسية للناصرية، أو قراءة متمركسة للقومية العربية. لكن مع الأسف لم يُقَيَّض لهذا التيار القدرة على التأثير في واقع اليسار العربي.
واندرج الجهد المبذول وقتها في نقاش أوسع مع ثلاثة تيارات كبيرة ظللت تلك المرحلة: أولها، تيار الأحزاب الشيوعية التقليدية في العالم العربي والمؤيدة للسوفيات. وثانيها، البعث، وثالثها، حركات اليسار الراديكالي أو اليسار الجديد، خصوصاً تلك التي كانت تعتمد على المقاومة الفلسطينية، أي التنظيمات المرتبطة بحركة القوميين العرب، مثل الجبهة الشعبية والجبهة الديموقراطية وأيضاً منظمة العمل الشيوعي في لبنان.
ياسين الحافظ والياس مرقص كانا مفكرين سوريين، وهما أكثر من أثّر بي وساهما في تكوين وعيي السياسي وتشكيله. وحولهما نشأت مجموعات صغيرة في لبنان وسوريا والعراق. «حزب العمال العربي الثوري»، وهو اسم التيار السياسي الذي لم يتمكن للأسف من الانتشار والتوسع. بقيت في هذا الفضاء حتى العام 1972، وعليك أن تأخذ بالاعتبار أننا كنا في مرحلة الشباب، وكان لبنان في حالة غليان بتأثير من الحراك الذي شمل القطاعات العمالية والفلاحية والطلابية بشكل خاص، فكانت الجامعات مسرحاً لحراك استثنائي. كانت تلك هي مرحلة صعود اليسار الجديد.
بدايات
عام 1972 انتسبت لمنظمة العمل الشيوعي في لبنان التي شكلت، في حينه، تقاطعاً بين تشكيلات اليسار الراديكالي والأحزاب القومية العربية. وشاركت في قيادة هذه المنظمة كعضو في مكتبها السياسي حتى عام 1980. نقديتي وملاحظاتي على الاستراتيجيات والتكتيكات وآليات القيادة التي اعتمدتها المنظمة لم تَرُقْ للقيادة التي هددت بطردي أكثر من مرة إلى أن تحقق ذلك في العام 1980 حيث أخرجوني من التنظيم، وحصل ذلك لأسباب مباشرة تتصل بوضعي لسلسلة مقالات نقدية، طالت بالإضافة إلى المنظمة وليد جنبلاط والاستراتيجية العامة للحركة الوطنية. كنت وما زلت اعتبر نفسي يسارياً يعمل على بلورة مقاربة نقدية لممارسات اليسار اللبناني. وفي حقبة تالية، اقترح وليد جنبلاط أن نصوغ برنامجاً لحزب يساري اشتراكي. حزب مختلف عن الحزب التقدمي الاشتراكي وأوسع، لكن المحاولة منيت بالفشل.
خلافاتي السياسية مع هؤلاء أو مع الآخرين لم تفسد يوماً العلاقات الخاصة. وهكذا بقيت أعمل مع فواز طرابلسي وأتناقش مع وليد جنبلاط.
والدتي
في العام 1982 وقع الاجتياح الإسرائيلي. وبعده بعامين غادرت لبنان متوجهاً إلى فرنسا. ومثلت إقامتي في باريس تجربة عميقة إن على المستوى الفكري أم السياسي. وهناك أسست مع آخرين مجلة أسبوعية كانت بمعنى ما قريبة من منظمة التحرير الفلسطينية وقد أسميناها «اليوم السابع».
كانت حقبة أواسط الثمانينيات صعبة: من جهة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، ومن جهة حرب المخيمات. وفي الواقع، كانت لهجة المجلة عالية إزاء السياسة السورية في لبنان، ولذلك لم أكن قادراً على العودة إلى بيروت، فبقيت 11 سنة في باريس، ولم أعد إلا في عام 1995. خلال هذه الفترة، سمح لي السوريون بالعودة مرة واحدة ولفترة وجيزة جداً لزيارة والدتي التي كانت مريضة.
خارج الأحزاب
هذه العودة عنت رفع الفيتو السوري عن شخصي. كنا ولجنا مرحلة جديدة: اتفاقية أوسلو. وكنت ضد الاتفاقية، وتعرضت لها بمقالات نقدية شديدة المضمون. ولعب هذا الواقع المستجد دوره في التبدل السوري. من ناحيتي، كتبت مقالات نقدية شملت إلى اتفاقية أوسلو الحريرية ومشروع إعادة الإعمار التي تلت اتفاق الطائف، وكان لدي موقف نقدي ثابت إزاء هذه المواضيع.
لم أعد عضواً في أي حزب سياسي، والمواقف التي اخترتها هي مواقف رجل يساري مستقل يحاول بواسطة الصحافة: الافتتاحية والموقف العلني أن يبلور أفكاراً ومقاربات، هي برأيي، يسارية. وهي في الوقت ذاته وثيقة الارتباط بالقضية الوطنية. والمقصود بالقضية الوطنية يتجاوز الموقف اليساري المجرد، وهذا يعني أن على اليسار أن يعتبر أن الأولوية، في هذه المنطقة، تتمحور على موضوعة التدخل الخارجي وواجب التصدي له. ولذلك، فإن ابتعاد اليسار عن ساحة هذه المعركة، يعني أنه يتخلى عن المسألة الوطنية، وأن آخرين ـ تحديداً الإسلاميين ـ سيحتلون هذه الساحة وسيزداد نفوذهم فيها.
الاتجاه الصحيح
لنأخذ تنظيمين إسلاميين أصبحا بمرور السنين، رمزين ليس للإسلام السياسي فقط، بل أيضاً لمقاومة إسرائيل. كيساري متمسك بالقضية الوطنية، أرى أنهما سياسياً في الاتجاه الصحيح للتاريخ... وحزب الله أكثر من حماس، ولكن لنقل إن كليهما... في الاتجاه الصحيح للتاريخ... نستطيع أن نخالفهما إيديولوجيتهما الدينية، نستطيع أن ننتقد بعض الجوانب في استراتيجيتهما او تكتيكهما او الشعارات التي يرفعانها. ولكن إذا نظرنا بصدق للواقع، للمرحلة التي نعيشها، إذا قمنا بنظرة فاحصة لواقع العالم العربي، نجد أن هناك تطلباً عربياً عميقاً لوجود تيار وطني او قومي.
بعد هزيمة التيار القومي العربي، كنا ككثيرين من الذين اعتقدوا، في لحظة ما، أن اليسار قادر على ملء هذا الفراغ. ولكنه لم يقم بهذه المهمة. أما الإسلاميون، وبعد التغييرات التي عرفوها في تسعينيات القرن الماضي، فقد نجحوا، تدريجياً، في ملء هذا الفراغ. وذلك في ظرف عرف تغييرات كبيرة مثل سقوط الاتحاد السوفياتي، ونهاية حرب أفغانستان وسياسات أميركية ظافرة. وورث الإسلاميون أحياناً كوادر من الحركة اليسارية، أو من التيارات القومية العربية.
أفكر، أحياناً، مثلاً بمنير شفيق وأتساءل: هل يتابع سياسة «تسلل» أم هو مقتنع بما يقوله؟ في الحقيقة لا فرق. لأن المهم أنه نجح مع آخرين في تأمين استمرارية. يبدو لي أن التيار الإسلامي، مع كل التغييرات التي عرفتها حماس في التسعينيات في فلسطين، وفي لبنان مع «حزب الله»، هو الذي أمسك بخطاب التحرر الوطني، وهو الخطاب الوحيد القادر على تحريك الجماهير العربية.
حتى هذه اللحظة، لم يتمكن أي تيار سياسي آخر من القيام بذلك، لا اليسار ولا الديموقراطيون ولا الليبراليون للأسف. وقد توفر للإسلاميين في لبنان وفلسطين إطار ديموقراطي إلى حد ما، وقد عرفوا التفاوض مع قوى سياسية أخرى. وأعتقد أن ذلك أفادهم وأنه ساهم في تطورهم اللاحق. والديموقراطية وجدت لتستفيد منها هذه الاتجاهات. فكلما توفرت فرصة للجماهير العربية ـ من عبد الناصر وصولاً إلى طاغية مثل صدام حسين ـ قال العرب، قالت الجماهير العربية، ما الذي تريده حقيقة. إنها تريد سياسة تشكل جواباً على التهديدات التي تشعر بها، جواباً على الهيمنة الأميركية وعلى نتائج هذه السياسة التي تزداد توسعاً كل يوم...
المادة الأولية
في فلسطين مثلاً، عندما فازت حماس بالانتخابات التشريعية في كانون الثاني/ يناير 2006، كانت لدي مشاعر متناقضة.
شعرت بشيء من الخوف ولكن في العمق كنت راضياً عن فوز حماس. يكفي تأمل ما فعلته قيادة «فتح» في ظل محمود عباس. ما فعلته بالحركة الوطنية الفلسطينية وفتح وبنية «السلطة الوطنية». تاريخياً، هي كارثة. ولكن من منظور القضية الوطنية، ما حدث هو تاريخي، أن تنجح حماس في التغلب على فتح، وأن تحمل خطاباً قومياً ضد تفريط «السلطة».
في لبنان، الوضع مختلف: تمت إزالة مجمل الخطاب اليساري نتيجة هيمنة حزب الله. ولكن حزب الله نجح أيضاً، تاريخياً، في الانفتاح، وفي استيعاب أفكار صادرة عن تيارات أخرى. إنها نقطة قوته الأولى. أعرف جيداً حزب الله، أعرف قياداته وكوادره، وكلما أتحاور معهم أشعر أنني أحاور قوميين حقيقيين. والمفارقة أنني عندما أقارن مع الماضي، أصارح نفسي أحياناً وأعتبر أن المادة الأولية المكونة لهذه الحركة، المادة الأولية لهذه الكوادر ولهذه القيادة كان من الممكن أن تكون في حقبة أخرى: المادة الأولية لحركة وطنية وتقدمية كبيرة.
وعليك أن تنظر أيضاً للتشققات داخل الحركة الإسلامية. «الاخوان المسلمون» في الكويت لا يمتون بصلة لأخوان العراق، أو أخوان مصر، أو السودان، أو الجزائر. لا يوجد اليوم إسلام سياسي واحد. إلا أن الإسلام السياسي الذي يهمني هو الذي يحمل الرسالة القومية التي حملها من قبل القوميون العرب واليسار. في العمق، هي القومية العربية التي يعبّر عنها بواسطة إيديولوجيا غالبة، وقد صارت مهيمنة، وهي الإسلام. عليك أن تنظر إلى التناقضات: قد تحمل خطاباً متخلفاً ومن الممكن اعتباره حتى رجعياً. ولكنها في العمق حاملة لمضمون تقدمي. إنه مضمون يذهب في اتجاه لا أستطيع أن أشجبه.
هَمٌّ مزدوج
بعد أن قلت ذلك أضيف لك أنني لا أحب التسويات العقائدية. إفهمني جيداً: أعتبر أن بعض التيارات السياسية الإسلامية تحمل خطاب التحرر الوطني، وهذا شيء، ولكن في الوقت ذاته لا أعتقد أنه من الممكن صنع أو اعداد خلطة تجمع بين القومية العربية واليسار والإسلام السياسي. أنا لا أحب التسويات العقائدية. كشخص، أستطيع أن أكون قومياً عربياً يسارياً وأن أعلق على حزب سياسي مثل حماس، وفي هذه الحالة عما أراه إيجابياً أو سلبياً في تجربته. ولكني لا أصل إلى حد تبجيل خلطة عقائدية لن تؤدي إلى أي مكان.
همّي مزدوج: عربيٌّ ومعادٍ للإمبريالية. وفي هذا الإطار، لدي دائماً مخاوف من المرجعية الإسلامية المحض التي لا تؤدي إلى أي مكان. ماذا يعني التضامن الإسلامي؟ خذ حقبة عبد الناصر مثلاً: مقياس التحالفات كان في معاداة الإمبريالية، لا هو ثقافي ولا ديني. كنّا مع الهند ضد باكستان، كنّا مع اليونان ضد تركيا. ببساطة لأن باكستان وتركيا كانا في المعسكر الإمبريالي. إنها مسألة مقاربة: إن كانت مقاربتنا نحن العرب حول ما هي مصالحنا الوطنية، هذا يقود إلى مكان ما. أما إذا كانت المقاربة، نحن المسلمين، فهذا قد يوصل إلى مكان مختلف تماماً.
تحالفت دول عربية عدة مع الاتحاد السوفياتي كـ «عرب» بغض النظر عن طبيعة المجتمع الذي كان سائداً فيه. فهو كان حليفاً، كان حليف العرب في ميزان قوى دولي ما. ولا أفهم هؤلاء العرب الذين ذهبوا ليحاربوا ضد السوفيات في أفغانستان. لا شأن لهم هناك. الشيخ عبدالله عزام كان على بعد خطوتين من إسرائيل وذهب إلى باكستان وأفغانستان. ربما لم يكن يريد أن يُغضب ملك الأردن لا أدري. ما أدريه أن هناك فرقاً بين أن تقول أؤيد الأحزاب الإسلامية التي تحمل القضية الوطنية العربية، وبين أن تقول أؤيد الأحزاب الإسلامية لأنهم مسلمون.
تجنب الإسلام
أنا أقارب الأشياء بشكل براغماتي جداً وواقعي. في الواقع الحاضر، أرى أننا في حقبة تاريخية حيث الإسلام مهيمن، وسيهيمن على الحياة السياسية والثقافية. هذا واقع، وسيستمر لسنوات وسنوات. الإسلام السياسي، اليوم، في مرحلة صعود، وربما لا نزال في بداية هذا الصعود. كان ياسين الحافظ يقول: «لن تستطيعوا تجنب الإسلام، لن يتمكن العرب يوماً من تجنب الإسلام». كان على حق قبل غيره.
الأزمة للجميع
لا أؤمن بإمكانية ثورة ثقافية عميقة في الإسلام لأنني ببساطة لا أؤمن بثورة ثقافية عميقة في أي من الاتجاهات السياسية في العالم العربي. الأزمة الثقافية تطال الجميع. كمثقف، أنا متشائم. وكل شيء إلى انحطاط، وهذا ينطبق أيضاً على الإسلام السياسي.
بصدق، أعتقد أن جمال الدين الأفغاني كان افضل بكثير من محمد عبده. وأن محمد عبده كان أفضل بكثير من رشيد رضا ومن حسن البنّا اللذين كانا أفضل من سيد قطب. وفي نهاية المشوار، نصل إلى أيمن الظواهري والزرقاوي (ضحك).
إنها الأزمة، نعيش العد العكسي. إلا أن الأزمة التي يعيشها الإسلام ليست إلا وجها من أزمة الفكر على صعيد أعم. الأزمة تطال الجميع ولا تقتصر على الإسلاميين فقط. إنها، إذا شئت، أزمة بنيوية. على سبيل المثال، ليبراليو اليوم من العرب ليس لهم شغل مع ليبراليي مصر الأمس. بالنسبة للتيار الليبرالي، الانحدار هو من طه حسين إلى ... أيمن نور، كما هو عند الإسلاميين من الأفغاني إلى الظواهري. والشيء نفسه ينطبق على اليسار أو القوميين العرب. الأزمة الثقافية عميقة في كل هذه التيارات.
لا أريد أن أوحي بأن كل شيء سوداوي، هناك أشياء تحدث في بعض أوساط الأخوان المسلمين، وقد عملوا على تطوير أنفسهم. داخل حزب الله هذا العمل قائم بالتأكيد. في الفكر الشيعي الأوسع، لدى محمد حسين فضل الله كتابات مثيرة للاهتمام. هناك ربما في الحلقة الضيقة للاخوان المسلمين شخصية مثل الشيخ يوسف القرضاوي. خذ القرضاوي، هناك نظرتان ممكنتان حوله، تستطيع أن ترى فيه شيخاً أصولياً متخلفاً عن جد، وتستطيع أن ترى فيه شخصاً متقدماً لأنه يتجاوز البعض الآخر بسنوات ضوئية.
وتحركت الأشياء عند الاخوان المسلمين في سوريا، وهناك حداثة ما في وثائقهم الأخيرة. ربما في تونس يقوم الشيخ راشد الغنوشي بشيء يستحق الاهتمام إن من حيث التجديد الثقافي أو من حيث العلاقة بالعلمانيين. في كل الأحوال، راشد الغنوشي كان بعثياً، يعرف سوريا، يتحسس القضية العربية ونظرته ليست ضيقة. ما يحاول القيام به منير شفيق يستحق الاهتمام. فهمي هويدي أيضاً. ولكنها تبقى محاولات متفرقة.
ما زلنا بعيدين وبعيدين جداً عن تحقيق ولو ثورة صغيرة في الفكر الإسلامي، ولن نتمكن من فتح كوّة ولو صغيرة في اتجاه الحداثة. المنطقة في غاية التشنج. ولا أدري إن كنا سننجح بإجراء هذه الثورة الثقافية الضرورية من داخل الإسلام إذا بقيت الظروف كما هي الآن. السبب؟ لا توجد طبقة سياسية تحمل مشروعاً تاريخياً. وأنا بهذا المعنى أبقى ماركسياً. اطلعت على وثائق عن دمقرطة العالم العربي، عن الأميركيين الذين يراهنون على القطاع الخاص. كل هذا رديء. هناك خيانة كبيرة من البرجوازية العربية التي ليس لديها، اليوم، ما تفعله. إنها حليفة الأنظمة العربية من دون شروط، دائماً وأبداً وأينما كان.
ناصريتي
إن أردت أن تصنفني، أنا ناصري ويساري على طريقتي الخاصة. كتبت مقالات عدة حول نظرتي لتجربة عبد الناصر، وقلت دائماً إنه الوحيد، برأيي، بسبب براغماتيته وتجربته الذي توصل إلى طرح الأسئلة الحقيقية، على الأقل بين التيارات الفكرية في العالم العربي: (الإسلاميون، الليبراليون، الماركسيون والقوميون وخصوصاً البعثيين). الناصرية ليست بالضرورة فكراً كالبعث أو الماركسية، ولكنها تجربة عملية، وحتى تجربة عاطفية. وقد غيرت بعمق العالم العربي آنذاك بما فيه نظرة العرب لأنفسهم إزاء الغرب. أجوبة الناصرية متفاوتة، وقد رأينا إلى ما آلت إليه. والآن إن كنا نناقش في إطار التيارات الكبرى التي عرفها تاريخ العرب المعاصر، فإنه التيار الذي اقترب مما يجب القيام به، على صعيد الاستقلال وعلى صعيد المضمون الاجتماعي. عندما أقول أنني ناصري، فذلك، أيضاً، وسيلة لأقول إنني لست بعثياً. والعجز عند البعض عن التمييز بين ما قدمه عبد الناصر وما قدمه البعث يدل على عجز عن فهم ما مثلته تجربة عبد الناصر في العالم العربي. وبهذا المعنى أكرر: بلى أنا ناصري.
... ويساريتي
كيف؟ انطلاقاً من الأسئلة التي طُرحت أيام عبد الناصر، هل نستطيع أن نفكر بالقضايا المعاصرة المطروحة علينا؟ هذا هو السؤال بالنسبة لي. وهو سؤال ينطوي على سؤالين: الأول وهو سؤال كبير: ماذا تعني اليوم حركة تحرر وطني واسعة في العالم العربي؟ والسؤال الثاني: ما هو المضمون الاجتماعي لحركة تحرر عربية كهذه؟ عند عبد الناصر، الجواب كان اشتراكياً إلى حد ما. أما اليوم فما هو المضمون الاجتماعي الذي على حركة التحرر أن تحمله؟ عبد الناصر كان حصيلة ثلاثة معطيات: تأميم القناة والأسلحة التشيكوسلوفاكية وسد أسوان. والتجربة كانت ممكنة ومتاحة أيضاً بسبب انتظام عالمي ما، بسبب ميزان قوى مختلف عن القائم حالياً. اليوم فكرة دور مهم للدولة في الاقتصاد، فكرة نمو حريص على مصالح الطبقات الشعبية، كل هذه الاعتبارات صارت خارج تصويب الجميع، من الإسلاميين إلى الليبراليين مروراً بالديموقراطيين.
حتى اليسار العربي، صار يتكلم عن الديموقراطية وحقوق الإنسان، أما إشكالية التنمية أو مسألة الدولة فقد خرجتا عن تصويبه. كل هذه التيارات، أيًّا كانت، صارت تندرج بصيغة ما في الاعتراف بعالم وحيد القطب ومتجانس وبعولمة صيغت اقتصادياً بمضمون ليبرالي. مم يتكون المضمون الاجتماعي لحركة تحرر وطني عربية اليوم؟ لا أدري لأن ميزان القوى مختل جداً؟
الانجراف الثقافي
ليس من الصدفة أن ننجرف اليوم نحو المضمون الثقافي. عندما أتكلم عن العرب، أود الحديث عنهم بعبارات سياسية، أو كمجموعة سياسية. إلا أنهم اليوم مجرد دمغة ثقافية إسوة بالإسلام... وذلك لأن التيارات السياسية كافة في العالم العربي عاجزة عن إعطاء مضمون سياسي أو اقتصادي او اجتماعي لبرامجها. وبالتالي نعيش اليوم فترة انكفاء بما يخص الهوية، إن كعرب أو كمسلمين. نقول نحن عرب أو نحن مسلمون، ولكننا لا نقول ذلك بمعنى سياسي او استراتيجي أو اقتصادي، نقوله فقط بالمعنى الثقافي. في العالم العربي اليوم، من تونس إلى لبنان، لا شيء يجمعنا إلا الثقافة. بالفعل الكتاب نفسه، الأفلام نفسها، الحساسيات الثقافية نفسها مع الوسائل الإعلامية الجديدة، وخصوصاً التلفزيون. ولكن الموضوع يتوقف عند هذا الحد، إذ إن إشكاليات الثقافة والهوية والدين هي التي تتقدم اليوم...
(]) باحث مشارك في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى (IFPO) وباحث مشارك مع برنامج البحث الأوروبي (إي آر سي).
ترجمة: بول أشقر


مرة اخرى 23 شباط وسياق التجدد العربي ، اشتراكيين عرب ، وناصرية ، وماركسية

هل انتهت مسالة الثورة في سورية والمجتمعات العربية ؟
باريس ـ د. منذر ابومروان اسبر


لابد من القول في السياق التاريخي لحركة التقدم العربية ان 23 شباط تعكس على مستواها التطورات التي شملت معظم دول العالم الثالث في التحرر الوطني الجديد والتنمية الاشتراكية ومناهضة قوى الرأسمال العالمي .الا ان البعث يتميز في هذا كله بصراع الاجيال فيه ، الصراع الذي احتدم بعد وصول قيادته التاريخية الى الحكم واعلانها الانقلاب العسكري ـ المدني عام 1963ثورة الحزب ، رغم شجب المؤتمر القومي الرابع عام1960 (للاساليب غير الشعبية في النضال السياسي والتفرغ الى تهيئة الانقلابات العسكرية) التي سادت في اكثر من بلد عربي..
لقد دخل البعث في تعارض مسارات فيه تكثّفت بين جيل (دستور البعث ) وقيادته النخبوية ـ الابوية الوسطية والتغطية على اخطائها وما احدثه زلزال الانفصال عام1961 وانقلاب عارف في العراق عام 1963 وانتهاك النظام الداخلي ، وجيل (المنطلقـــــــات النظرية )الشاب الذي يرفض القيادة التقليدية ويرى الانحياز للمعسكر الاشتراكي ونفي التعاون بين الطبقات.
توضح المنطلقات النظرية هذا الواقع مؤكدة ( ان الحزب وان كان قد شجب مفهوم الاشتراكية الاصلاحية التي تدعو الى التعاون بين الطبقات الاان المواقع الهامة التي احتلتها البورجوازية الصغيرة في صفوف الحزب .. قد عرقلت نضال الحزب الاشتراكي من ان ياخذ كل مداه )، المدى الجذري الذي اخذته 23 شباط على عاتقها
التجذير يقطع مع الوسطية السياسية وايديولوجيتها، و يحمل انهاء توازنات مجتمع وتراتبياته الشرقية شبه الاقطاعية اوالتابعـــة . بهذا يبين الباحث جون واتربوري الذي درس المجتمع المغربي اعوام 1960اشكالية المجتمع التجزؤي الذي تتساكن فيه وحدات اجتماعية اقرب الى التلاصق منها الى الاندماج وتحرص على استمرارها داخل المجتمع الوطني الواحد :
( يعيش المغرب باستمرار منذ ان حصل على الاستقلال سنة 1956في جومن التوتر السياسي الحاد دون ان تنطلق حركـــــــــــة ما ( جذرية) في اي اتجاه كان ...واذا عدنا الى الوضعية الراهنة بالمغرب نجد ان النداءات من اجل العمل والمجادلات والتهديدات.. كلهاعلامات تكشف عن التوتر ، بينما يفسر البحث عن التوازن مرونة السياسيين ، ونفورهم من المبادرات الجريئة ، وبالتالي الجمود العام ..)
والواقع انه ازاء هذا التوازن التقليدي الذي كانت قد زحزحته نضالات قوى التقدم في سورية من اشتراكيين عرب وبعثيين وشيوعيين ومااجرته الوحدة السوريةـ المصرية ،فان 23 شباط عملت على القطيعة معه مشكلة بنفس الوقت استخلاصات للتجربة الوحدوية الناصرية ،التي فتحت باب التحولات في معظم البلدان العربية ،في عدم امكانية بناء مجتمع اشتراكي ديمقراطي تعاوني عبرالطبقات الوسطى كقوة اساسية له اوعبر سلمية الصراع الطبقي في اطار وحدوي حديث وانه لابد من التخلص من القوى الرجعية داخله .
يقول عبد الناصر: (كنت اشعر منذ سنة 1960..ان الثورة بدات تتعثر وان الراسمالية المستغلة بدات تنفذ وتتسرب الى الحكم.. ففي الاتحاد القومي نجد الرجعية هي القوة التي تتصدر الاتحاد القومي وفي التجارة، الرجعية متصدرة التجارة ..) والنتيجة لذلك انه ما ان اصدر عبد الناصر قرارات يوليو الاشتراكية عام 1961 الا وتحركت هذه الرجعية الجهوية في سورية لتنقض على الوحدة ومكتسباتها الاجتماعية .
لقد دخلت 23 شباط في علاقة جدلية مع ماسبقها من حركات تقدمية تفاعلا او اعادة صياغة لمشاريعها بتأميم واسع للمؤسسات الاجنبية وتحقيق الاصلاح الزراعي المتقدم واقامة علاقات زراعية جديدة وتاميم الملكيات الراسمالية والتجارة الخارجية ، وتشكيل قطاع عام تنموي وبناء مجالس لضمان حقوق العاملين ..عبر مشروع جذري يجمع بين دينامية الدولة الاستراتيجية ودينامية النهوض الاجتماعي وبين التفاعل الحي مع الماركسية المرقصية واعادة العلاقات المقطوعة مع مصر الناصرية واعادة الحوارمعها حول بناء وحدوي جديد.
والواقع ان التطورية في مجتمع انتقالي تابع لاتفعل اكثر من ارجاء انفجار ازماته بل ان هذا المجتمع يفرز على مستوى الاحزاب التقدمية نفسها وداخلها انشطارات بين ماهو وسطي وجذري ، الامر الذي يفسر بقاء الشيوعية البكداشيةحركة سياسية وسطية متوجهة نحو كعبتها الستالينية ، كما ان هذا يفسر قيام الناصرية وبعدها حركة 32شباط بالذات بتحقيق جوانب كبيرة لبرامج كانت مطروحة ـ تاريخيا ـ على غيرها من الحركات السياسية دون ان تتبني عقيدتها الايديولوجية .
ولئن كانت قومية الثورة العربية عام 1916 قومية عرقية ( لنسل عربي ) وقائمة على استقلالات كيانات وطنية (سورية الطبيعية ) و( العراق ) داخلها ، وبقيادة طبقة اعيانية شريفية ، واذاكان البعث قد تجاوز ذلك باتجاه قومية لغوية ـ ثقافية ـ تاريخية ذات طابع شوفيني في علاقتها مع القوميات المحلية وبقيادة نخبوية مركزانية ، فان يسار البعث توجه نحو قومية تناهض الرجعية وتعمل على الجمع بين ابعادها الثلاثة نقصد البعد القومي المعادي للامبريالية ، والبعد الاجتماعي الطبقي العمالي والفلاحي والشعبي الذي يرفض التعاون بين الطبقات ،والبعد القيادي للقوى التقدمية الثورية في نمط قومي يساري حديث.
ثمة ان البعث قام بتوضيع الاسلام معتبرا اياه اهم ما انتجته الامة العربية روحيا وعمرانيا وصولا الى ما يقوله د. الياس فرح ان (القومية العربية هي الاسلام الحضاري ) و23 شباط وهي تحتضن هذه التوضيعية ان صح التعبير نقصد سير التاريخ بفاعلية البشر انما تعيد صياغتها بمشروع تقدمي جذري لاوسع القوى الشعبية والفلاحية والعمالية والجنود والمثقفين وباختصار بناء تنمية اشتراكية عصرية تحررية.يرفضها المجتمع القديم وايديولوجياته.
وبما ان المجتمع القديم الذي اخترقته الراسمالية يحتضن وحدات اجتماعية شبه مستقلة عن بعضها بعضا وتحاول الاستمرار في قلب المجتمع الوطني او القومي فان التأصيلانية ان صح التعبير هي ايديولوجيته انتماء وولاء فيما يجري .انها تحيل الفرد الانساني والشخصية الفكرية او السياسية الجديدة الى اصل وحدة اجتماعية جاء منها اكانت مدينية ام ريفية..، وفي قلب هذا تعيده الى الطائفة اوالعشيرة او الجماعة المحلية لنجد ابرز تجسداتها في لبنان او الجزيرة العربية بوجه خاص ،علما ان هذه الشخصيات الجديدة وقواها تعبير عن الدينلمية العضوية للمجتمع الناهض لتحريره من مثقلاته القديمة .. هذا ما شكل امام 23 شباط بل ومازال يشكل امام كل تغيير جذري جدارا صلبا لتحقيق هيمنته اي قبوله القيادي بمصطلح غرامشي (دفاتر السجن 1929ـ 1935)، الهيمنة التي لاتقل اهمية عن الاجراءات الاجتماعية ـالاقتصادية.
وكما ان الناصرية في علاقتها مع الاسلام الروحي ـالعمراني قد تعرضت باستمرار الى الحرب الهجومية الايديولوجية والسياسية لتنظيمات ومثقفي القوى التقليدية وعلى راسهم الاخوان المسلمين استعادة للمرحلة الخليفية العثمانية المذهبية واستبدادها الذي ابرزه الكواكبي ( طبائع الاستبداد 1900)، فان 23 شباط في علاقتها التاريخية مع (العقيدة التقدمية )للمؤتمــــر السوري عام ـ 1920ـ1918في مدنيّة الدولة وفي الدين لله والوطن للجميع ومع النضالات التقدمية الفلاحية والمواقف المعادية للامبريالة وما احدثته الناصرية من تحولات عربية، قد تعرضت هي ايضا لنفس الحرب الهجومية لهذه التنظيمات ومثقفيها ، بما جعل العنف المادي والرمزي سمة من سمات مرحلة الستينيات .
واذاكنا ناخذ بعين الاعتبار هذا الصراع وعنفه وانقسام الوطن العربي الى جبهة تقدمية والى جبهة رجعية وتحالف الفرب مع الجبهة الثانية ، فان حركة التقدم العربية منذ الخمسينيا ت ومع الناصرية ف23شباط كانت جميعا تعيش حصارا باسم محاربة الشيوعية وحماية اسرائبل وتدعيم النظم الاقطاعية القبلية التابعة.
لكن هذه المعطيات نفسها لاتلغي اطلاقا قصورات 23 شباط واخطاءها اذا علمنا ان مقولة المؤامرة او( التفسير البوليســــــــي للتاريخ )حسب تعبير الياس مرقص لايقدم جديدا الى الوعي السياسي منه والاجتماعي.
اهم مشكلة في اي تغيير جذري هو القدرة على السيطرة على المتناقضات التي تواكب مساره :المتناقضات بين الدولة والثورة ، بين الطبقة الاساسية للتغيير وبين القوى الشعبية ، بين الحزب والمجتمع المدني ، بين القوى العسكرية والمدنية ،بين الجبهة التقدمية بمجملها والقوى الرجعية بكتلتها ، لماذا ؟: لان حل وحسم هذه التناقضات هو الذي يمكن من استمرارية التغيير.
فالوقائع تبين ان 23شباط عاشت هذه المتناقضات ولم تستطع السيطرة عليها . فاذا كانت المجتمعات التابعة تتميز بدور اساسي للدولة في معطى من غياب طبقة تقود التغيير الاجتماعي ـ الاقتصادي وتفرض مشروعها على الدولة والنخب السياسية فان هذه الاخيرة تصبح قطب رحى التغيير نفسه. الا ان اشكالية 23 شباط التى انطلقت من الدولة مثل غيرها من حركات التغيير في العالم الثالث ظلت تعاني التناقض بين مشروعها الثوري وبين دولة طبقة بيروقراطية حزبية ، بدات تتحول شيئا فشيئا الى نخبة وظيفية امتيازية تقودعملية التغيير. كما انه اذا اعتمدت الناصرية على الطبقة الوسطى في تحولات المجتمع المصري فان البورجوازية الصغيرة الربفية ـ المدينية كانت الوسط الطبقي ل 23 شباط المتعارض مع تشكل كتلة تارخية جديدة .
واذا كانت 23شباط احتسبت مشروعها على وجود حزب ثوري فلقد ظل حزبا بورجوازيا صفيرا بنسبة 68% من اعضائه عام 1968بمايجعله متقاربا مع نفس البنية مع الحزب الشيوعي السوري بنسبة 51% من اعضائه عام 1979وبما يبين ان الفئات البورجوازية الوسيطة شكلت دينامية المجتمع السورى والمصري بل ومعظم ديناميات المجتمعات الانتقالية العربية واستطاعت اسقاط الطبقات الرجعية وزلزلة النظام القديم ووضع حد للتابعية الخارجية قبل ان تتحول اقسامها الامتيازية والانتهازية الى ثورة مضادة.
لقد كان التناقض واضحا ىين التنظيم الحزبي السلطوي وبين التنظيم المدني الشعبي ، قصورات ديمقراطية وسياسية فيه.. ومارافق ذلك في التجربة التقدمية بوجه عام كما يؤكد الدكتور جمال الاتاسي من(تقصير في حركة توعية الجماهير بحقوقها وفي تكوين استقلاليتها عن اجهزة السلطة واطلاق مبادراتها ..)، وبالتالي ضعف االجبهة المدنية ـ الشعبية واتساعها على اوسع الفئات التقدمية الثقافية والنقابية والمهنية والعلمية ، دورا ومشاركة ،في التغيير، ومجابهة كتلة القوى الرجعية وايديولوجياتها القديمة .
وبما ان الدولة المدنية ـالعسكرية ـ البيروقراطية هي التعبير المكثف لواقع موازين القوى السياسية والاجتماعية في البلدان الانتقالية ، ولان هذه الموازين كانت لصالح بعض الاقاليم السورية المنتعشة على حساب غيرها في الخمسينيات وبوجه خاص لدمشق وحلب بسبب مركزة سلطة الدولة فيها والاستثمارات الراسمالية التي وصلت الى 48% منها في دمشق وحوالي 36% في حلب اي 84% من مجموع الاستثمارات ، فان وضعية الحزب والدولة كانت تدفع على هذا المستوى باتجاه موازين قوى لصالح نخب بعض الاقاليم الطرفية اوالمهمّشة على حساب غيرها .
لقد لعب العسكريون دورا في التغييرات الثورية الجديدة وفي عدد من البلدان العربية بسبب مجتمعات مزدوجة على ارضية مجتمع قديم ، الا ان التشديدعلى هذا الدورورفعه الى صعيد النظرية السياسية ،اعطاه الفرصة للتدخل الدائم في شؤون الحكم. وامام الصراع الذي حدث بين الطبقة البعثية البيروقراطية وامتداداتها في المجتمع والتي لم يعد لها مصلحة في استمرار التغيير ومع الفئات البورجوازية الصغيرة التي تريدالاستمرار به بقيادة د.نور الدين الاتاسي وصلاح جديد و د. يوسف زعين ..وعدم قدرة واحدة منهما التغلب على الاخرى عام 1969فان الباب اصبح مفتوحا للبحث عن ديكتاتورـ مطلق يقف الى جانب الفئات البيروقراطية الامتيازية وحلفائها الذين يجدون فيه (المدد ) ليحسم الصراع عام 1970 ويتحول الى ضرب المقاومة الفلسطينية كمجسد جديد لحركة الثورة العربية .
مسألة التقدم العربي والتغيير الجذري والعداء للقوى الرجعية ومناهضة الراسمالية لم تعد مطروحة بل اصبح التعاون معها صيغة الحكم الجديد لذا كان لابد من ايديولوجية اخرى يستمدها الديكتاتور ـ المطلق (حافظ واعوانه ) من المجتمع القديم ويستنهضها الا وهي العشائرية والطائفية والاقليمية.
مفارقة 23 شباط هي انها ارادت اقامة تحولات ذات طابع ماركسي معتمدة في ذلك على حزب بورجوازي صغير تريد طبقته البيروقراطية الجديدة ايقاف مسار التحولات ومع جيش لم يقطع مع الانقلابات العسكرية ومع رجعية متأهبة باستمرار للعودة الى التوازنات التقليدية ، وعدم قدرتها على حسم المتناقضات التي رافقتها ،اي التفلب على القوى العسكرية المهزومة والمدنية البيروقراطية الامتيازية وقوى البنى و الايديولوجية القديمة والتابعة .
هذا يدلل على محدودية الثورة في 23 شباط اذلايكفي وجود قيادة ثورية لاستكمال الثورة وان الحكم الثوري لايتنافي بل يتطلب التنظيم المدني الديمقراطي وان الدولة الاستراتيجية لحظة سياسية ومدنية بآن واحد ،يشكل الانفصال بين طرفيها اللحظة العسكرية الديكتاتورية المطلقة التي وجدت في حافظ اسد الانتكاسة المريعة للتاريخ السوري وبما يذكر في بعض قسماتها ماجرى لسورية عام1920 مع علاء الدين الدروبي اوماتم لها على يد عبد الكريم النحلاوي عام 1961.بعبارة ثانية نحن امام سلطات تقطع مع مصادر الحكم السياسي الناهض ، وطنيةكانت ام وحدويةاوتقدمية .
واذا كان التاريخ الحديث يحتاج في تقدمه داخل المجتمع الانتقالي الى فصائل التجديد العربي الذي ولدت 23 شباط في سياقه وشكلت مرحلة من مراحله ، فان التاريخ يتحرك، رغم تعرجاته ومآسيه، بالنقد والنقد الذاتي وبالفاعلية البشرية المتجددة لهذه المجتمعات لمتابعة مسارها في معطيات تاريخية تتميزعالميا اليوم بالتنوع التنموي الذي يحل محل التعاقب التاريخي وتشظي المجال الجفرافي المحلي امام المتطلبات العصرية وبالزمن الاتصالي المباشر بين مختلف الثقافات وباختراق حقوق الفرد الانساني كافة السياسات .
طرح بعض المفكرين المغاربة ضرورة المرور بالمرحلة الليبرالية طريقا لتغيير المجتمعات . لكن الليبراليةـ وان كان لابد من الاخذ بجوانيها المواطنية الديمقراطية ـ،شكلت انسدادا في تطور المجتمعات العربية ، وان حركات التغيير العربية لم تسقط من السماء بقدر ماانها تعبير عن دينامية انتقالية لمجتمعاتها وان انسداداتها واجهاضاتها لايغيرشيئا من الحقيقة التاريخية العنيدة في ضرورة الثورة في هذه المجتمعات وعليها وان التغيير الوطني الديمقراطي يشكل جسر استئناف ثورة من طراز جديد وبيسار جديد
يقول ماركس : من لايدرك التاريخ محكوم عليه بمعاودته
باريس ـ د. منذر ابومروان اسبر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
غلاف طريق اليسار الورقي


-------------------------------------------------------------------------------------------------------
حتى نلتقي .....
فضاءات6
* الشيخ *



انثريني
واتركي ابتسامة طفولتك تلتف حولي
ففيها متسع لنا وبيت
مراكب حلمي المسافر
تنتظر شروق الفجر
الساكن في عينيك
مراكب حلمي المسافر
تنتظر غروب الشمس
في انسدال جفنيك
هل يسمحان لي بالسفر ؟
***
هل تسمحين
مراكب حلمي المسافر
سترسوا في شاطئ عينيك
وتسافر











الموقع الفرعي لتجمع اليسار في الحوار المتمدن:
htt://www.ahewar.org/m.asp?i=1715





للاطلاع على صفحة الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي على الفيسبوك على الرابط التالي:
https://www.facebook.com/pages/الحزب-الشيوعي-السوري-المكتب-السياسي/1509678585952833