السياسات النقدية لن تخرج الاقتصاد من أزمته


فهمي الكتوت
2016 / 2 / 29 - 13:29     

تقليص أسعار الفائدة وغيرها من السياسات النقدية لن تكون كافية لإنعاش النمو الاقتصادي.. هذا ما أعلنته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أخيراً. كما أكده تقرير لصندوق النقد الدولي، وسبق أن أعلن الزعماء الماليون لمجموعة العشرين؛ "أن المبالغة في الاعتماد على الأموال الرخيصة التي توفرها السياسات النقدية المُيسرة للبنوك المركزية لن تؤدي إلى نمو اقتصادي متوازن". اعتراف من أهم المؤسسات الدولية؛ بأن السياسة النقدية وحدها غير كافية لتحقيق النمو الاقتصادي، وهي السياسات التي اتبعت منذ بداية الأزمة المالية في الولايات المتحدة الأمريكية واتبعتها أوروبا واليابان لاحقاً بهدف تحفيز الاقتصاد.
تبنى عدد من البنوك المركزية في العالم سياسة غير تقليدية بفرض معدلات سالبة للفائدة، بمعنى أن تدفع المصارف التجارية نسبة من الوديعة مقابل إيداعها في البنك المركزي، وهو عقاب للمصارف التي تودع فوائضها المالية لدى البنك المركزي، بدلاً من أن تستخدمها في توفير الائتمان، لكي تعكس هذه السياسة أثرها على أسعار الفائدة في تعامل المصارف التجارية مع العملاء. ومع ذلك لم تؤت أُكلها.
إذن لم تفلح السياسات النقدية، والمالية أيضا التي اتبعت في المراكز الرأسمالية الثلاث في إنقاذ الاقتصاد العالمي من أزمته، فقد واصلت التحذيرات من قبل المؤسسات الدولية المختصة من استمرار تراجع النمو الاقتصادي العالمي، وجاء آخرها؛ توقعات خبراء سيتي جروب بتراجع النمو الاقتصادي العالمي إلى 2.5% في العام الحالي 2016، بسبب تباطؤ النشاط في الاقتصادات المُتقدمة، وضعف الأسواق الناشئة، في حين كانت توقعات صندوق النقد الدولي بتحقيق نمو عالمي نسبته 3.6%.
ما هي سبل الخروج من الأزمة؟
ففي الوقت الذي يدعو تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي الاقتصادات المتقدمة إلى تقليص اعتمادها على السياسة النقدية، يطالب الاعتماد بشكل أكبر على السياسات المالية لدعم النمو الاقتصادي، ومع ذلك تبقى دعوة الصندوق قاصرة، ما لم تحدد ما هو المقصود في الاعتماد على السياسات المالية، فإنّ السياسات المالية التي اتبعت في السنوات الأخيرة تمثلت بسياسة التقشف، لتقليص عجز الموازنات، والتي أسهمت بزيادة عدد الفقراء ومضاعفة ثروة الأثرياء، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الأزمة. المطلوب إذاً؛ إعادة توزيع الدخل من خلال سياسات مالية تكفل زيادة مساهمة كبار الرأسماليين في تغطية عجز الموازنة، واستخدام السياسات الضريبية لتحقيق العدالة الاجتماعية، وتخفيض العبء الضريبي على ذوي الدخل المحدود من العمال والموظفين وأصحاب الدخول المُتدنية. وزيادة دخل هذه الفئات لضمان تحقيق الطلب الكلي، برفع القدرة الشرائية للمواطنين لتحريك عجلة الإنتاج. وقد طالبت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية قادة العالم، العمل بشكل عاجل لمعالجة التباطؤ الاقتصادي، مؤكدة أنّ التجارة والاستثمار ونمو الأجور جميعها ضعيفة جدًا.
لم تخرج السياسات الاقتصادية في البلدان العربية عن النهج الذي اتبع في المراكز الرأسمالية، وإن كانت المشاكل الاقتصادية التي تواجه البلدان العربية مختلفة إلا أن مواجهتها واحدة؛ تحميل الفئات الشعبية أعباء الأزمات المالية والاقتصادية، فالاقتصادات العربية تُعاني من أزمات مركبة، فما زالت تحت تأثير الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، كما دخلت البلدان النفطية في أزمات جديدة بعد انهيار أسعار النفط واتساع الفجوة بين الإيرادات والنفقات، والتي أفضت إلى عجوزات كبيرة في موازناتها وخاصة البلدان التي تشكل عائدات النفط غالبية إيراداتها، ويشير التقرير الاقتصادي العربي الموحد إلى أن الإيرادات النفطية تشكل نحو 71.5% من إجمالي الإيرادات العامة في الدول العربية مجتمعة. وترتفع هذه النسبة إلى أكثر من 90% في بعض البلدان المصدرة للنفط.
فقد تراجعت عائدات النفط والغاز في الجزائر على سبيل المثال بنحو 41% عام 2015 مقارنة مع عام 2014. علماً بأنّ عائدات النفط والغاز تشكلان حوالي 60% من إيرادات الموازنة العامة للدولة. ولمواجهة تراجع الإيرادات، اتجهت الحكومة الجزائرية نحو زيادة الاعتماد على الإيرادات الضريبية لتعويض خسائرها، فقد ارتفعت الإيرادات الضريبية بنسبة 20% في العام 2015 مقارنة مع 2014. وتم رفع معدل ضريبة القيمة المضافة من 7 إلى 17% على بيع الديزل واستهلاك الغاز الطبيعي. وقد أشرنا في مقال سابق إثر انهيار أسعار النفط على دول الخليج العربي.
أما مصر التي تواجه تحديات كبيرة، ومن أبرزها الفقر والبطالة وغياب العدالة الاجتماعية، والتي كانت من أهم أسباب ثورة 25 يناير، ما زالت تراوح مكانها، فهي لم تحدد مسارًا اقتصادياً جديدًا، فقد استمرت السياسات الاقتصادية الليبرالية التي كانت سائدة قبل الثورة، والتي أدت إلى اتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء، لم تحل هذه المشكلة بتقديم المعونات، بل في القوانين والسياسات الاقتصادية والمالية، التي تُسهم بتحقيق التنمية الاقتصادية وإعادة توزيع الدخل لتحقيق العدالة الاجتماعية. ومصر لا تعتبر دولة نفطية، ويفترض أن تستفيد من تراجع أسعار النفط عالمياً، إلا أنّ ذلك لم يحدث، فالاقتصاد المصري يواجه صعوبات بسبب تراجع معدلات الاستثمار، وتباطؤ معدلات النمو، وإن تراجع ميزان المدفوعات ترك آثاره السلبية على احتياطات البلاد من العملات الأجنبية وتراجع سعر صرف الجنيه المصري، مما يعكس اعتماد مصر على الودائع الأجنبية، وليس على تفعيل الاستثمار.