أتفاق وقف أطلاق النار في سوريا يدل على هبوط الدور الامريكي في المنطقة


سامان كريم
2016 / 2 / 29 - 01:00     

سؤال: الولايات المتحدة وروسيا اتفقتا على بنود وقف لإطلاق النار في سورية اعتبارا من يوم 27 فبراير الجاري. وقد قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري عن هذا الأتفاق في بيان: "أشعر بالرضا لانتهاء الترتيبات النهائية اليوم للتوصل إلى وقف للأعمال العدائية في سورية، وأدعو جميع الأطراف للموافقة على بنود الاتفاق والالتزام بها بشكل كامل". ولكنه عاد بعد يومين ليحذر الرئيس السوري بشار الأسد أن لم يتخذ خطوات جدية لعملية أنتقال سياسي وأعلن عن أن هناك خطة بديلة قد تشمل العمل العسكري.. من جانب أخر رئيس الوزراء التركي داوود أوغلوا للمرة الأولى يعلن بصراحة عن التدخل التركي في سوريا عبر لقاء معه على قناة الجزيرة القطرية.. حيث قال: "لو لا الدعم التركي كيف للشعب السوري أن يدافع عن نفسه؟ هل كان بإمكانهم أن يدافعوا عن حلب؟ إن لتركيا الدور الكبير في استمرارية المعارضة المعتدلة، وإن كان النظام اليوم لا يسيطر على كافة الأراضي السورية، فللدعم التركي ودعم بعض الدول الأخرى دور في ذلك". ماهو مغزى السياسي لهذا الاتقاق؟ هل يصمد هذا الاتفاق في ظل الاطراف المتصارعة ومتشابكة المصالح؟ إذا وقف الحرب وبدأ الهدنة والعملية السياسية كما جاء في الاتفاق, ماهي ملامح الخريطة في المنطقة وفي سوريا؟ واخيرا هل أتفاق وقف اطلاق النار هو للأطراف المتحاربة داخل سوريا أم للجهات الداعمة لها؟؟.
سامان كريم: الأتفاق بغض النظر عن صموده او لا يدل على شئ ما. لكن فيه شئ مهم وحالة مهمة, يدل على هبوط الدور الامريكي في المنطقة بالتحديد, يدل على إعتراف أمريكي بموقع ودور روسيا على الاقل في منطقة الشرق الاوسط. أصل الاتفاق او اساس الاتفاق أثمر بعد تقدم متواصل للجيش السوري وحلفائه بمساعدة روسيا, لولا تقدم القوى على الارض لم ترضخ امريكا وحلفائها في المنطقة تركيا والسعودية وباقي الاطراف الاخرى الى الاتفاق. إن التقدم السريع وإنهيار الجماعات الإرهابية كان سريعا, ادى ليس الى تنازل امريكا وجماعاتها في المنطقة فحسب، بل ادى الى طلبهم بوقف اطلاق النار بشكل فوري او إذا لم يوافق النظام السوري سيقوم الجيش التركي بالتعاون مع الجيش السعودي بهجوم بري بحجة "محاربة داعش" ولكن في الحقيقة لدعم الجماعات الارهابية من الجبهة الشامية الى جيش الفتح وجيش الاسلام.. ولإضعاف النظام إن لم يكن لاسقاطه, ببساطة لتعديل توازن القوى لصالح جماعاتهم الارهابية مرة اخرى.. هذه هي القصة.
من المشكوك فيه ان يصمد الاتفاق هذا نظراً لبعد اهداف روسيا وامريكا في المنطقة والعالم عن بعضها البعض. الاتفاق يصمد حين امريكا تصل الى نقطة تحول كبرى وتعترف بالهزيمة او تتعامل بالندية مع روسيا على الاقل على صعيد منطقة الشرق الاوسط, لكن لحد اللحظة لا ارى ذلك, بل بالعكس في أوج سعادة قيادة روسيا بالاتفاق, صرح كيري وزير الخارجية امريكا بوجود الخطة باء اذا لم يلتزم النظام السوري او اذا لم يدعم العملية السياسية الانتقالية... القضية ليست داعش ولا النصرة ولا الجماعات الارهابية الاخرى من الجبهة الشامية وجيش الفتح وجيش الاسلام... هذه هي القضية. عليه ان وقف القتال او وقف الاعمال العدائية كما جاء في الاتفاق هو اساسا للجهات الداعمة, تركيا والسعودية وامريكا وقطر من جانب وروسيا وسوريا وايران وحزب الله من جانب اخر.. ولكن وفق اوامرهم يتوقف القتال, في المشهد الارضي يبدوا ان القتال توقفت بين هذه الجماعات الارهابية والنظام السوري وحلفائه، لكن في حقيقة الامر, الهدنة الاصلية هي بين الاطراف الداعمة لكل الطرفين.

ان الحكومة التركية هي مسئولة عن جزء كبير من الدمار والخراب الذي وقع ولحد اللحظة على كاهل السوريين, الحكومة التركية هي المسئولة عن حالة الفوضي وتفشي الارهاب في سوريا، وهي مسئولة عن قتل عشرات الالاف من السوريين المدنيين من الاطفال والشيوخ والنساء, الحكومة التركية هي مصدر رئيس للإرهاب والارهابيين الى سوريا وحتى العراق ايضا... إذن ان الحكومة التركية تعترف بذلك او لا في هذه اللحطة التاريخية لا يغير شيئا, انها مسؤلة وتتعامل كحكومة للقوى الارهابية وتصدرهم وفق مصلحتها.
اذا نفرض كفرضية ان هذا الاتفاق سيصمد وسيبدا التفاوض والهدنة بصورة فعلية بين الاطراف المتنازعة كما يكذبون "حوار سوري سوري" في الحقيقة انها امريكية روسية, حينذاك تبدا العملية السياسية. ان الانتقال من حالة الحرب الدائرة الى حالة العملية السياسية بما فيها الفترة الانتقالية، هي اصعب بكثير من كل المراحل التي مرت على القضية السورية من الناحية السياسية. هذه فرضية معناه كما قلنا تنازل امريكي واضح ولا تقبله في هذه اللحظة ولكن قلنا كفرضية، حينذاك وفي خضم العملية السياسية تبدأ الحرب بطريقة سياسية, ناهيك عن الحرب على داعش وجماعات اخرى من القاعدة الى جماعات اخرى, وتفاصيل سياسية مملة بين الاطراف المتناعة, لوي الاذرع, اغتيالات سياسية, تلاقي وتقاطع المصالح, اتفاقات جانبية وتوزيع الاسهم.. مرحلة صعبة ولكن ربما اسهل على كاهل السوريين او اكثريتهم. اوكد ان هذه الحالة وفي هذه المرحلة هي فرضية فقط.
نحن امام اعادة انتشار القوى سواء على الصعيد العسكري او على صعيد السياسي بين الاطراف المتنازعة.. القضية السورية تكتب لها الاستمرارية الى لحظة الانعطاف الامريكي التي تعترف بحقيقة موقعها الفعلي في عالم اليوم, او تنازل روسي كبير بتسليم مفاتيح العالم الى امريكا.. والحالتان في هذه المرحلة مستحيلة. بطبيعة الحال هناك الحالة الثالثة وهي النهضة الجماهيرية والعمالية العالمية, نهضة سياسية, نهضة لصالح البشرية ودفاعا عن الحقوق العالمية للأنسان اينما كان, صحوة تقول وتدعي لا للحروب ولا لامريكا ولا لروسيا, صحوة تبنى قوتها على اساس تحرير المنطقة من القوى الرجعية والارهابية من السعودية الى ايران والانظمة الرجعية الموجودة, صحوة تنادي بالعلمانية وتنادي بالحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية لكل انسان على كوكبنا بغض النظر عن موقعه الجغرافي, وطنه, قومه ودينه وبشرته وجنسه.. هذه النهضة والمقاومة الثورية هي نهضة عمالية بدون ادنى شك وحضور عمالي فاعل.. هذه هي ايضا حالة تتطلب جهدا وعملا انسانيا جبارا من الناحية الفكرية والسياسية وربما العسكرية ايضا..