تجديد الفاشية وهدمها


فريدة النقاش
2016 / 2 / 17 - 00:38     

قضية للمناقشة :تجديد الفاشية وهدمها


فى سياق الإعداد للانتخابات البرلمانية فى إيران اعترض المرشد الأعلى للثورة “على خامينئي” على مئات المرشحين الإصلاحيين وجرى شطبهم من قوائم الترشيح وذلك اتقاء لتفسخ نظام ولاية الفقيه تحت ضغط القوى الإصلاحية وهو الضغط الذى سوف يزداد بعد الاتفاق التاريخى بين إيران والقوى الكبرى حول برنامجها النووي، فمن المحتمل أن يستقوى الإصلاحيون بالانفتاح على الغرب وهم يطالبون بالديمقراطية.

استخدم المرشد الصلاحيات الواسعة التى يعطيها له الدستور الذى أحكمت صياغته قبضة رجال الدين على السلطة، ويستمد المرشد الأعلى سلطته من نظرية ولاية الفقيه التى أخضعت الحكم لرجال الدين وكان “الخميني” قائد الثورة الإسلامية هو أول مرشد وهو أيضا الذى عاش فى باريس “لاجئا لسنوات طويلة، تلقى أثناءها دعما بلا حصر من فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية، رغم العلاقات الوثيقة التى كانت قائمة بين محمد رضا بهلوى شاه إيران وبين الدول الغربية، وعلى ما يبدو فقد رصدت هذه القوى علامات انهيار النظام آنذاك”.

قال “الخمينئي” عن الولى الفقيه إنه “إذا نجح شخص جدير بالموقع ومتصف بصفتى العلم والقانون والعدالة فى إقامة الحكومة، وأصبح له ما كان لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – من الولاية بشأن إدارة المجتمع، وجبت طاعته على جميع الناس” ويذكرنا مفهوم الطاعة هنا بمبدأ السمع والطاعة الذى تأسس عليه أكبر تنظيم إسلامى سنى وهو جماعة الإخوان المسلمين ويعتبر “الخميني” إذن أن للإمام نفس الصلاحيات التى كان يتمتع بها رسول الله من إعداد الجيش وتعبئته، وتنصيب الولاه، وتحصيل الضرائب وإنفاقها على المسلمين، ليكون الدين بذلك حاضرا بقوة فى كل الممارسات السياسية الواقعية، والعلاقات بين الشعب والسلطة.

وقد جرى تقنين هذا الحضور للدين فى نصوص الدستور الإيرانى الذى أعطى صلاحيات واسعة للمرشد الأعلى أو الولى الفقيه منها حق تحديد السياسات العامة للجمهورية والإشراف عليها، وإصدار الأمر بالاستفتاء العام، وقيادة القوات المسلحة، وإعلان الحرب والسلام والنفير العام.

ويتمتع الولى الفقيه أيضا بحق عزل رئيس الجمهورية، وتعيين وعزل قادة مجلس صيانة الدستور، ومسئول السلطة القضائية، ورئيس مؤسسة الإذاعة والتليفزيون، ورئيس أركان القيادة المشتركة وإصدار أحكام العفو، والتخفيف عن عقوبات المحكوم عليهم، ونستنتج من هذه الصلاحيات شبه المطلقة للولى الفقيه أن رئيس الجمهورية هو موظف صغير لديه، وأن فى يديه المفاتيح لمؤسسات الدولة الرئيسية كافة.

أما مجمع تشخيص مصلحة النظام فيقوم بفض النزاعات بين مجلس صيانة الدستور ومجلس الشورى “البرلمان” ورئيسه هو الرجل الثانى فى هرم السلطة.

وتجسد هذه التركيبة المفهوم النقى للفاشية وتجديده باسم الدين فى منطقتنا فثمة فى العمق إعلاء من شأن العرق الفارسى الأعلى مع القمع السياسى والقانونى والأمنى لكل الأقليات وعلى رأسها العرب السنة الذين يعيشون فى منطقة الأحواز وكان للنساء نصيب مضاعف من عمليات القمع المركب للمجتمع باسم الدين، وإن أنسى لا أنسى أنه فى زيارتى الوحيدة لإيران عام 2001 وبعد نقاش طويل وعميق فى حفل عشاء مع أستاذ جامعى إيرانى متخصص فى الفيزياء أنه قال لى حين سألت عن مغنية إيرانية اختفت بعد الثورة الإسلامية وكنت أحب صوتها قال “إن صوت المرأة عورة” صعدت إلى غرفتى غاضبة بعد أن أضاء لى قوله ما تعنيه ولاية الفقيه بالنسبة للنساء.

كما أن هناك إحياء ضمنيا للتطلعات الإمبراطورية، وما يسمى باستعادة المجد الفارسى الغابر، وارتبطت هذه التوجهات بالأدوار المخطط لها جيدا فى البلدان العربية المجاورة لإيران التى قال أحد كبار رجال المخابرات فيها إن إيران تسيطر الآن على أربع عواصم عربية بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت، ففى بيروت هناك حزب الله، وفى بغداد هناك الحشد الشيعى والأحزاب الشيعية ورئاسة الوزراء، وفى صنعاء هناك الحوثيون، وفى دمشق هناك نظام الأسد الذى هو الآن أسير القبضة الإيرانية بعد تكاثر فصائل المعارضة المسلحة التى تدفقت عليه من بلدان العالم.

ويشعر العرب والخليجيون بخاصة بالخذلان لأن حليفهم الأمريكى الذى كان شيطانا أكبر فى نظر السياسة الإيرانية قد أصبح حليفا لإيران بعد توقيع الاتفاق، ويقوم وزير الخارجية الأمريكى “جون كيري” بين الحين والآخر بجولات فى بلدان الخليج والاجتماع مع مجلس التعاون للطمأنة، ولكن شكوك الخليجيين والعرب عامة تتأكد يوما بعد يوم فى واقع الممارسات الإيرانية، وهم أى العرب يحاولون استمالة الحليف الأمريكى إلى جانبهم بدلا من الاعتماد الجماعى على الذات وانتقادها موضوعيا حتى يكونوا قادرين على المواجهة.

وينبئنا مسار الأحداث أن العرب بحاجة لاستراتيجية جديدة كلية فى مواجهة الطموحات الإمبراطورية الفارسية التوسعية المستندة إلى الفاشية الدينية، ذلك أن منهج داونى بالتى كان هو الداء قد أثبت فشلا ذريعا، أى أن مواجهة القومية العنصرية الإيرانية بمنهجها ذاته أى الإعلاء من شأن الذات واللجوء إلى الأمجاد الغابرة لن تجدى نفعا، خاصة إذا وضعنا فى الاعتبار موازين القوة.

ويحتاج العرب إذن لكى يهزموا مشروع الفاشية الدينية ويهدموه من الأساس إلى مشروع تاريخى علمانى ديمقراطى بأعمق معنى للديمقراطية يقوم على الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية وهو ما طرحه الربيع العربى رغم كل شيء، مع الوضع فى الاعتبار أن رياح التاريخ وإن كانت متقلبة فإن بوصلتها تقول لنا إن خط السير يمضى إلى الأمام عبر تعرجات وخطوات إلى الخلف بلا حصر، وسوف يكنس التاريخ الماكر فى طريقه كل ما هو معاد للتقدم وللإنسانية ذاتها، وإن كان الثمن باهظا.