إردوغان والسلطنة التركية الجديدة


إبراهيم فتحي
2016 / 2 / 13 - 23:50     

99في أحد الأعداد الأخيرة من مجلة الإيكونوميست الليبرالية البريطانية تقرير خاص عن "سلطنة إردوغان" التركية الجديدة تقول فيه إن رجب طيب إردوغان ظل في الحكم طيلة ما يزيد على عقدين بدءًا بانتخابه عممدة لاسطنبول في1994، ثم متصب رئيس للوزراء في 2003 حتى صار رئيسًا للجمهورية في 2014. فقد حلق على المسرح السياسي في تركيا: المعارضون يرونه طامحًا لأن يكون سلطانًا في عصر لا يعترف بالسلاطين، ولا سبيل إلى تهدئة طموحه الطائش، والمعجبون به يعتبرونه تجسيدًا لروح قومية تبعث حية، رجلاً من سواد الشعب ارتفع إلى القمة. ويقول أنصاره إنه كان على رأس بعض التحولات المذهلة، ففي عقدين انتقل الأناضول من فقر نسبي ومستوى ريفي ضيق الأفق إلى ثراء نسبي وتفتح متطور، كما تحولت تركيا من دولة لا تصدر إلا القليل باستثناء العمال العاطلين إلى محطة توليد الطاقة الاقتصادية في المنطقة، جاذبة للسياحة وملاذًا للاجئين ومحورًا عالميًا مهمًا للتجارة والنقل. وبمقاييس مستوى المعيشة انكمشت على نحو ملموس الفجوة بين تركيا وأعضاء منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية وهي ناد لبلاد غنية. وتحت تأثير ما يسمى بالإسلام السياسي لحزب العدالة والتنمية الذي شارك إردوغان في تأسيسه وفي قيادته إلى أن صار رئيسًا تعاظم المكون السني المسلم للهوية القومية وبهت ظل كما أتاتورك قائد التحديث الذي بنى جمهورية مدنية منذ تسعين سنة على رماد الامبراطورية العثمانية. واسترجعت تركيا دورها كبلد دوار بين الشرق والغرب.
ولكن عندما تعثر الحزب في انتخابات برلمانية في يونيو 2015 وتصاعدت رائحة الفساد وإساءة استعمال السلطة التي لوثت سمعته وتدفق ما يزيد على مليونين من اللاجئين السوريين داخل تركيا وعودة الهجمات الإرهابية تساءل الأتراك عن صواب سياسات الحزب. وإذ فقد حزب العدالة والتنمية أغلبية برلمانية للمرة الأولى من 2002 اضطر إلى البحث عن شريك في ائتلاف. ولكن إردوغان قامر بإجراء انتخابات جديدة في أول نوفمبر وأدهش الجميع أن حزبه ألحق الهزيمة بثالوث من الأحزاب المنافسة وأحرز أغلبية تمكنه من التشريع كما يريد ولكنها لا تسمح له بتعديل الدستور التركي لتحقيق طموح إردوغان إلى خلق نظام رئاسي يوسع من سلطاته. وفي غياب أغلبية الثلثين عليه أن يعمل ترادفيًا مع رئيس وزراء يختاره. وقبل انتخابات نوفمبر خفف إردوغان من بلاغيات توسيع سلطاته، ولكنه قوّى بهدوء سيطرته على الحزب وأدار بمهارة ودهاء عملية تبديل أعضاء المكتب السياسي ليقتصر على من يدينون بالولاء له شخصيًا، أحدهم زوج ابنته الذي صار وزيرًا وآخر سائقه السابق. ويلبي البيروقراط في أنقره أية همسة تصدر من السراي مقر الحكم ولم يعد هناك شك في أنه يمسك بمقاليد الأمور. ويطمح إردوغان إلى الاستمرار في الرئاسة حتى 2023 العيد المئوي للجمهورية، فيكون قد حكم مدة أطول من أتاتورك. ويشاطر كثيرون من الطبقة العاملة الذين يعيشون في وسط الأناضول المسمى حزام القرآن التركي ذلك الولاء والإعجاب الذي يقارب العبادة لبائع المأكولات ولاعب كرة القدم شبه المحترف السابق الذي تحول إلى رجل دولة. ولكن صغار رجال الأعمال قد يكونون على حذر من إردوغان فهم يناصرون حزبه أساسًا خوفًا من الرجوع إلى الاضطراب بقدر مساو للحماسة لسياسته. ويطلق انهيار محادثات السلام بين الحكومة وحزب العمال الكردي الثوري المسلح شبح الرعب من مزيد من سفك الدماء، فلم تتقدم المحادثات إلا قليلا ولكن ذلك القليل أسهم في تهدئة منطقة الجنوب الشرقي، منطقة الأكراد الذين يشكلون من 15-20% من السكان. وفي الوقت نفسه يواجه السيد إردوغان ريحًا عكسية اقتصادية، فقد هبط إجمالي الإنتاج القومي من 6,8% إلى 3,5%، وظل التصدير ثابتًا بعد أن كان يتضاعف، أما متوسط دخل الفرد الذي وعد الحزب الحاكم منذ أربع سنوات بأنه سيرتفع إلى 25 ألف دولار سنويًا فقد ثبت عند 10 آلاف دولار، ولكن حكومة إردوغان استمرت في السلوك كما لو كان زمن الرخاء مستمرًا دون القيام بإصلاحات لرفع معدل الادخار المحلي الهزيل أو تطوير الصناعة. وبدون تحول حاد في السياسة وبذل جهود للتعامل الموسع مع الاهتمام بحكم القانون فإن اقتصاد تركيا سيواصل أداء دون المستوى، وستواصل المدارس التركية رواية حكاية متداولة عبر أجيال يقدم فيها إردوغان باعتباره نقل تركيا من فترة مظلمة بلا إيمان إلى مستقبل إسلامي مشرق.
ويخشى كثيرون من خصوم الحزب الحاكم أن يحقق إردوغان ما أشار إليه في ملاحظة أبداها في وقت مبكر من عمله السياسي عندما شبه الديمقراطية بقطار ينزل الراكب منه بعد أن يصل إلى مقصده. فحزب العدالة والتنمية قد نشر مجساته عبر المجتمع التركي بأكمله، المحاكم والبوليس وأجهزة المخابرات ووسائل الإعلام والجهاز القضائي باستثناء المحكمة العليا ترقص كلها على أنغام حزب العدالة والتنمية. وفصل مئات الصحفيين أو قبض عليهم في السنوات الأخيرة، بل وصل الأمر إلى قيام رعاع ثبت انتماؤهم للحزب الحاكم بالاعتداء على مكاتب "حريات" إحدى الصحف المستقلة القليلة الباقية.
وعند إسقاط محمد مرسي في مصر حيا الحزب الحاكم "إخوانه المسلمين" وأصيب بجنون اضطهاد عن مؤامرة عالمية لتقويض الأنظمة الإسلامية وأومأ مسؤولون في الحزب إلى "مؤامرة يهودية عالمية" ضد الإسلام فالأساليب الفاشية في الدعاية تدمغ ممارسات الحزب الحاكم باسم الإسلام والذي يشكل في زعمه سلطنة إسلامية. ويتدخل هذا الحزب تدخلاً مخربًا في سوريا وفي الشئون الداخلية لمصر باحتضانه لجماعات ووسائل إعلام تدعو للتخريب، وبالتحريض ضدها في المحافل الدولية.