مقرر حول الجامعة: وثائق المؤتمر الوطني الخامس عشر لأوطم المنعقد بالرباط من 11 إلى 18 غشت 1972


أحمد أحمد حرب
2016 / 2 / 13 - 08:22     

الإتحاد الوطني لطلبة المغرب
المؤتمر الوطني الخامس عشر

مقرر حول الجـــــــامـــــعة

تعيش الجامعة المغربية مشاكل عديدة ومختلة تنبع أساسا من الاختيارات اللاشعبية المفروضة والمتبعة في ميدان التعليم، ومن أبرز مميزات هذا التوجيه المفروض هيمنة وتغلغل الفكر الاستعماري الجديد بكل أشكاله، والاستمرار في تطبيق السياسة الطبقية النخبوية في ميدان التعليم بشكل منهجي سافر.

ومع الاقتناع بأن الحل الجذري لمشكل التعليم عامة ومشكل الجامعة خاصة لا يمكن أن يتحقق إلا في إطار فرض الاختيارات والطموحات الشعبية الديمقراطية في ميدان التعليم ( أي بالتحديد، التوحيد – التعميم – المغربة – التعريب ) عبر حل ثوري لمشاكل ومعضلات التبعية والتخلف الاقتصادي والثقافي، مع هذا الاقتناع فإن الجماهير الطلابية لم تتردد أبدا في خوض نضالات بطولية طويلة النفس في إطار منظمتنا الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بهدف فرض حلول لمشاكل الجامعة، المادية منها والمعنوية ومن أجل تحقيق الاختيارات الوطنية والتقدمية في ميدان التعليم ملتحمة في ذلك بنضالات الجماهير الشعبية وكل فئات الشعب التي تبدي اهتماما بالغا بقضايا وشؤون التعليم في بلادنا باعتباره وسيلة وعاملا عاما في تطوير البلاد وتقدمها.

ويمكن تلخيص المظاهر العامة لأزمة الجامعة في: -
1- معضلة الازدواجية ومحاولة تقليص دور الجامعة، فبعد مرور 17 سنة على الاستقلال الشكلي، و 15 سنة على تأسيس جامعة محمد الخامس، والتعليم فيها لا يزال محتفظا بتبعيته للتعليم الفرنسي شكلا ومضمونا ( اللغة والمحتوى ).

أما التعليم التقليدي فقد ظل متجمدا ومتأخرا رغم متطلبات التقدم.

وأمام تكريس الحكم لهذه الوضعية الموروثة عن الاستعمار كانت النتيجة هي وجود صنفين من المثقفين متباينين من حيث مناهج الفكر ومحتوى الثقافة واللغة...إلخ.

ولم يقف الحكم عند هذا الحد، بل عمد إلى خلق مؤسسات ومدارس عليا (التقنية أساسا) خارج إطار الجامعة لتسبح في فلك ما سماه بــ "الوزارات المختصة" ساعيا من وراء ذلك إلى ضرب وحدة الجامعة وتقليص دورها، والوقوف امام كل محاولة للتنسيق والانسجام بين مختلف المدارس والكليات على مستوى البرامج والامتحانات والمعادلات من جهة، وتكريس الفصل بين النظري والعملي من جهة أخرى، وبالتالي إجهاض كل المحاولات الهادفة إلى تنسيق البحث العلمي.

وكنتيجة طبيعية للسيطرة الاقتصادية الاستعمارية يفتح الحكم أبواب الجامعة واسعة أمام التغلغل الثقافي الاستعماري مدعما وحاميا للنشاط الهدام للبعثات الثقافية الاستعمارية، وعن طريق "المساعدة التقنية" لتوطيد وتجذير الهيمنة الاقتصادية والثقافية عبر تكوين أطر متوسطة وصغرى تطبق مخططاته وبرامجه وتكرس التبعية والاستغلال الوحشي للجماهير الكادحة.

2- أزمة التسيير والتدريس والبرامج والامتحانات =
أ‌- التسيير : ويتجلى ذلك في عقم الهياكل المفروضة والحفاظ على تبعيتها المباشرة للإدارة حتى لا تتمتع ولو باستقلال نسبي، فمجلس الجامعة لم تحدد طبيعته ولم تعط له اية سلطة تقريرية، كما كان يجري رفض طلب الاتحاد الوطني لطلبة المغرب من أجل انعقاده، بل أصبح انعقاده مرهونا برغبة الحكم الذي حوله إطارا لحل أزماته كلما تفاقمت (معركة التجنيد) نفس الشيء بالنسبة لمجالس الكليات حيث تنعدم المشاركة الفعلية للطلبة.
ب‌- أزمة طرق التدريس: يطغى الجانب الكلاسيكي على جانب اسهام الطلبة في تحضير وتوجيه العروض والندوات بشكل حيوي، وهكذا يكون العمل داخل القسم فرديا يمنع من تطوير وتقديم العمل الجماعي المشترك، مما يدفع بالطالب الى تبني اسلوب الحفظ واعتماد الذاكرة دون ادخال عنصر العقل والتحليل والتمحيص والنقد، كما تتعزز كذلك علاقة السيد والعبد بين الطالب والاستاذ.
ت‌- على مستوى البرامج: تتجلى الازمة في الارتجال المقصود، وابعاد الطلبة عن المشاركة في وضعها، مما يؤدي الى غياب أي انسجام بين أجزائها.

3- أزمة الاعتمادات المادية:
الاعتمادات غير كافية ولا تتلاءم والتزايد النسبي لعدد الطلاب، وهذا يرتكز أساسا على نظرة سطحية مقصودة تحمل خلفيات رجعية، هذه النظرة تعني ان قطاع التعليم قطاعا استهلاكيا وليس قطاعا منتجا (تصريحات افران)، وتتجلى هزالة الاعتمادات فيما يلي:
- ضعف التجهيز وقلة البنايات الجامعية.
- قصور الأحياء الجامعية عن استيعاب الطلبة، خصوصا وأن أزمة السكن جد متفاقمة في المدن الجامعية، وتتجاوز بكثير الامكانيات المادية الضئيلة للطلبة.
- عدم تعميم المنح، الشيء الذي ينتج عنه التخلص من عدد مهم من الطلبة الراغبين في متابعة دراستهم الجامعية، وإذا لوحظ تزايد نسبي في عدد الممنوحين في السنتين الاخيرتين فذلك على حساب الحذف الاجرامي للمدرسة العليا للأساتذة التي كانت تستقبل 1400 طالب سنويا.
- انعدام منح للسلك الثالث تغطي حاجيات الجامعة في الأطر الأستاذية من جهة، وتعويض الأطر الأجنبية من جهة ثانية، مما يمنع ويعرقل وضع أي تخطيط متكامل لمغربة الأطر الأستاذية.

استقــلال الجـــامعة

رفعت الجماهير الطلابية، ومنذ تأسيس الاتحاد الوطني لطلبة المغرب شعار استقلال الجامعة كنتيجة لوعيها الكامل بالوضعية المزرية التي فرضها الحكم على الجامعة من جهة، والدور الذي كان يسعى جاهدا لتلعبه الجامعة في اطار التبعية للاستعمار والامبريالية.

غير أن طرح هذا الشعار لم يكن يرافقه تجنيد حقيقي وتعبئة كاملة يوفران ظروف وضع مشروع متكامل وواضح يستوفي شروط تصورنا لهذا الاستقلال، وعندما طرح هذا الشعار من جديد في نهاية المعركة البطولية لمنظمتنا في السنة الفارطة 71-72 لم تكن الهيئات المسؤولة قد حظرت الشروط الحقيقية الكفيلة بإبراز مضمونه وشكله لدى الجماهير الطلابية حتى يقع التزام وتحديد واضح.

وفي إطار اعتراف الحكم باستقلال الجامعة يصبح ضروريا التركيز على هذا الشعار والنضال من أجل فرض محتواه التقدمي على مستوى معطياته الاساسية (المادية والمعنوية) حتى نضمن الاطار الحقيقي لهذا الاستقلال ونواجه كل محاولة رجعية لتقنين جديد قد يمكن ان يكون استمرارا خفيا لقرارات إفران المشؤومة.

وهذا، بالطبع، لا يمكن أن يتحقق إلا في إطار مشاركة ومساهمة فعالة وملموسة لأوسع القواعد الطلابية التي يجب أن تلعب الدور الحاسم في وضع هذا المشروع المتكامل اعتمادا على المبادئ العامة: -
1) - توحـيد الجــامعة: وذلك بانضمام كل المؤسسات والمدارس العليا (النظرية والتطبيقية) في حظيرة الجامعة، وانهاء ما يسمى بالمدارس والمؤسسات التابعة "للوزارات المختصة".
2) – تحديد دور الجامعة: مجالا للمعرفة والبحث العلمي مع ربطها بالواقع المادي والموضوعي لمجتمعنا، وبالثقافة الوطنية العربية الشعبية، دورها هو تكوين أطر مغربية قادرة على تلبية مهام التحول للخروج ببلادنا من التبعية الثقافية والاقتصادية والسياسية للاستعمار الجديد، مهمتها السهر على تحقيق مطامح الجماهير الشعبية الكادحة وخدمة مصالحها الأساسية.
3) – إيجاد هيئات تسييرية مركزية ومحلية: (مجلس الجامعة ومجالس الكليات) تقريرية تمثيلية وديمقراطية، توفر لها الصلاحيات الكاملة لتطبيق وتحقيق كل القرارات التي يخرج بها المجلس.
4) ضمان استقلال مادي وبيداغوجي واداري للجامعة: يوفر كل الامكانيات الضرورية لسير الجامعة ولتطبيق قرارات هيئاتها المنتخبة.
5) إحداث مركز للبحث العلمي: تسهر على تسييره هذه المجالس.
6) تعريب ومغربة الجامعة: وإذا كان تعريب الجامعة مرهونا بتعريب القطاعات المختلفة الادارية والاقتصادية.. فإن المنطلق لن يكون داخل الجامعة هو انتظار هذا التغيير، لأن المشكل هنا يمس الاختيارات الاساسية لشعبنا ولا يمكن التنازل عن اختيار التعريب داخل الجامعة والنضال كواجب وطني لتعريب القطاعات الأخرى. أما فيما يخص المغربة فإن هنالك ضرورة لتعميم منح السلك الثالث ووضع تخطيط شامل ومتكامل لتكوين أطر مغربية داخل الجامعة.
7) تعميم المنح وإحداث منحة رابعة.
8) بناء أحياء جامعية جديدة تكون قادرة على استيعاب كافة الطلاب مع إصلاح الأحياء الجامعية القديمة بالرباط وفاس- وضرورة بناء حي جامعي بالبيضاء.
9) التسيير المشترك للأحياء الجامعية من طرف الطلبة والعمال.

إن هذه الخطوط العامة التي أعطيناها لاستقلال الجامعة لا يمكن ان تأخذ شكلها النهائي إلا بفتح نقاش واسع مع مجموع الطلاب ودراسة الخلفيات التي تواجه بها في مختلف جوانب هذا الاستقلال.
=====================