حوار مع نعوم تشومسكي عن مآلات (الربيع العربي)- ترجمة: أسامة الخوَّاض


أسامة الخوّاض
2016 / 2 / 12 - 08:09     

مايكل بروهنينج يحاور نعوم تشومسكي عن مآلات "الربيع العربي"

18 نوفمبر 2013

ترجمة أسامة الخوَّاض

*س: شهد الإقليم بعد ثلاث سنوات من بداية الثورات الربيعية أحداثاً متوالية متغيّرة من التطورات الدرامية تراوحت بين الانتخابات الحرّة و قمع التغيير. كيف يمكنك أن تصف الربيع العربي اليوم؟
ج: لقد وصفته في الماضي بانه "عمل في حالة تقدم". اليوم، للأسف، تبدو عبارة "عمل في حالة نكوص" هي الأنسب. استطاعت الديكتاتوريات النفطية أن تقمع معظم الجهود حتى ولو كان إصلاحاً معتدلاً، تندفع سوريا بقوة وسرعة نحو الانتحار وعلى الأرجح نحو التقسيم، يتعرّض اليمن لحملة أوباما الإرهابية العولمية بطائرات الدرون، وتونس في حالة اللايقين والانتقال، وليبيا تفتقر إلى حكومة تستطيع التحكم في المليشيات، وفي مصر ، القطر الرئيس في العالم العربي، يتصرّف العسكريون بأقصى درجات الوحشية، والتأييد الشعبي الذي ما كان ينبغي أن ينالوه حسب رأيي، في ما يبدو أنه جهد لإحياء تحكمهم السياسي الفظّ والمحافظة على امبراطوريتهم الاقتصادية، بينما يلغون بعضاً من أهم مكاسب الفترة الباكرة، مثل حرية الصحافة والاستقلال. العلامات لا تبدو جيدة. بالإضافة إلى ذلك، يمزِّق الصراع السُنِّي الشيعي الذي حرّض عليه العدوان الأمريكي البريطاني على العراق، يمزِّق البلاد إرباً إرباً ومنتشراً بشكل مشؤوم في كل الإقليم. هنالك قسمان من العالم العربي ما زالا مستعمرتين بشكل فعّال: الصحراء الغربية، حيث قُمعت بشكل فظيع مظاهرات الديمقراطية في أواخر 2010، وتقريباً تمّ نسيان نضال الصحراويين من أجل الحرية، وبالطبع فلسطين، حيث أن المباحثات قيد الإجراء متوافقة مع شرطين مسبقين أساسيين اسرائيلينن أمريكيين: ليس هنالك أي حاجز أمام توسّع المستوطنات غير الشرعية، وأن تجري الولايات المتحدة المباحثات، والتي هي مشارك في الصراع(إلى جانب إسرائيل) والتي تعيق الإجماع الدولي الساحق حول التسوية الدبلوماسية منذ 1967، عندما استخدمت حق النقض ضد قرار يدعو إلى شروطه الأساسية، مع استثناءات نادرة ومؤقتة. تحت تلك الشروط المسبقة، لا تبدو المباحثات أكثر من غطاء لإسرائيل لكي تمضي قُدماً في برامجها لإدماج ما تعتقده اسرائيل ثميناً في الضفة الغربية في إسرائيل ؟ شاملةً عرباً قليلين حتى يمكنها أن تتفادى "المشكلة السكّانية"، مع الدعم الامريكي المستمر، ولكي تفصل الضفة الغربية من غزّة في انتهاك لمواثيق أوسلو، بينما تُبقي على الحصار الوحشي. ليست لحظة ساطعة، ولكن الشرارات التي أوقدها الربيع العربي، ستشتعل على الأرجح لهباً مرة أخرى.

س: اختفت طويلاً الآمال البدئية في مسار خطِّي نحو التمكين والديمقراطية. هل ضاعت النشوة؟ أين ومتى سارت الأمور على نحو خاطئ؟
ج: لم يكن هناك أبداً مسار خطِّي. كان الربيع العربي تطوُّراً ذا أهمية تاريخية، مهدِّداً الكثير من المصالح القوية. السلطة لا تقول "شكراً لتفكيكنا"، وبعد ذلك تنصرف بهدوء .

س: تراوحت ردود الفعل الغربية بين التدخُّل العسكري ومقاربة عدم التدخُّل كما يُشاهد في دول الخليج. هل ترى أي نمط عميق هنا؟
ج: النمط العميق مألوف: ادعمْ ديكتاتورك المفضَّل كلما كان ذلك ممكناً. إذا أصبح ذلك غير ممكن لأن الطبقة العسكرية أو طبقة رجال الأعمال وقفت ضدّه أو لسبب آخر، ارسله خارجا إلى مكان ما، اصدرْ إعلانات رنَّانة عن حبك للديمقراطية، وحاولْ أن تحيي النظام القديم بشكل كامل بقدر الإمكان. إنه يحدث مرارا ً وتكراراً. فلنذكر بعضاً منه: سوموزا، وماركوس، ودوفالير، وسوهارتو، وموبوتو... إنها سياسة طبيعية لقوة امبريالية، وبالتالي مألوفة كليّاً. وطبيعي أيضا أن يتمّ تجاهل الصورة أو قمعها. إنّ مهمّة مجتمع المثقّفين هي دعم السلطة وتبريرها، وليس تقويضها-رغم أن البعض يخرق القوانين.

س: يبدو أنّ واحداً من الخطوط المتصدِّعة الإقليمية هو الصدام بين القوى العلمانية والدينية. هل ترى طريقة للتعامل مع هذه الثنائية بشكل بنَّاء؟ ما هو الدور الذي ينبغي أن تلعبه الحكومات الغربية؟
ج: لا التاريخ، ولا المنطق، ولا تحليل السياسة، ولا أي مصدر آخر بعيداً عن البروباغندا يمكن أن يعطينا أي سبب أن نتوقَّع أن تلعب أنظمة القوة دوراً بنَّاءً، ما عدا إذا كان ذلك يخدم مصلحتها. هذا صحيح عن أنظمة الغرب، كحالة خاصة. في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، القوة الكبرى-بريطانيا ثمّ الولايات المتحدة- كانت تدعم بوضوح وبانتظام الإسلام الراديكالي كمعارض للقومية العلمانية. كانت المفضَّلة هي السعودية، الدولة الإسلامية الراديكالية الأكثر تطرُّفاً، و دولة تبشيرية، ناشرةً معتقداتها السلفية الوهَّابية في الإقليم. هنالك دراسات أكاديمية ممتازة عن ترويج أمريكا للديمقراطية، كتبها أبرز دعاته، الذين اعترفوا، على مضض، أن الدولة تدعم الديمقراطية فقط إذا كانت تتفق مع المصالح الاقتصادية والاستراتيجية-تماماً مثلما يتوقَّع أي شخص عقلاني. ما هو الدور الذي يجب أن تلعبه؟ ذلك سهْل. يجب أن تدعم الحرية، والعدالة، وحقوق الإنسان، والديمقراطية. يمكننا أن نقول نفس الكلام عن روسيا والصين. إلى حدٍ ما يمكن للقوى الشعبية المنظَّمة أنْ تدفع الحكومات في هذا الاتجاه، ولكن هناك دليل صغير على ذلك اليوم، لأسباب عديدة.

س: على مستوى آخر، يبدو أنّ التوتُّرات بين الفئات الدينية في صعود. قبل ذلك في 2004، تحدّث عبدالله ملك الأردن عن "الهلال الشيعي". هل هذه الفكرة عن حرب الوكالة السنِّية الشيعية هي العدسة الأنسب لفهم الصراعات الحالية في الإقليم؟
ج: واحدة من العواقب المروِّعة للعدوان الأمريكي البريطاني على العراق إشعال الصراعات السُنِّية الشيعية التي كُبحتْ سابقاً، مؤدِّية إلى قصة مرعبة مزّقت العراق تمزيقاً وانشرت في الإقليم، مع تأثيرات مشؤومة وشنيعة. ويحثّنا الصدق على استرجاع محكمة نورمبيرج، واحدة من أساسيات القانون الدولي الحديث. تمّ تحديد العداون بأنه "تختلف الجريمة الدولية العليا من جرائم الحرب الأخرى فقط لأنها تحتوي في نفسها الشر المتراكم للكل"- وفي هذه الحالة الصراعات الطائفية ضمن جرائم أخرى عديدة. سيدفعنا الصدق أيضا لأن نسترجع الإنذار القضائي الذي القاه في المحكمة " نحن نعطي هؤلاء المتَّهمين كأساً مسمومة، ولو نفّذنا جرائم مماثلة ، يجب أن نكابد نفس العواقب، وإلا فهذه المحكمة هي مسرحية هزلية، وهي فقط عدالة المنتصر ". واحد من مقاييس الفجوة بين الثقافة الفكرية الأخلاقية الغربية والحضارة هو كيف تمَّ الإنصات إلى هذه الكلمات.

المرجع:

https://chomsky.info/20131118_en/https://chomsky.info/20131118_en/