شكري بلعيد المثقف العضوي والثوري المختلف ..


عزالدين بوغانمي
2016 / 2 / 8 - 23:09     

مقولة "النضال السلمي الجماهيري الواسع" التي طالما تعمد الشهيد تكرارها وفي نيته وجوب ترسيخها في الوعي العام، هي أهم فكرة في فلسفة الثورة. أولا لأنها اعتراض واضح على العنف. وثانيا لأنها أساس الديمقراطية والمشاركة الشعبية في الشأن العام لاحقا.

فالشعوب خلال القرن التاسع عشر والقرن العشرين نظرا للتخلف العلمي والتكنلوجي والجهل وشح مصادر المعلومة ... لم يكن بوسعها أن تعي أوضاعها، وتدرك مصالحها، وتنخرط على أوسع نطاق في الكفاح السلمي المدني لانتزاع حقوقها. ولذلك كانت النخب الثورية مجبرة على اقتحام الواقع الموضوعي اقتحاما قيصريا عبر ممارسة العنف؛ طبعا الماركسية وجدت حيلة فسمته "العنف الثوري".. والعنف سواء كان ثوريا أو رجعيا هو في النهاية أزيز الرصاص وحمم القذائف وقتل وترويع.

اليوم الدنيا تبدلت. والشعب التونسي فتح بابا لم يفتح من قبل، وتجربة ثورته تجربة فريدة في التاريخ الإنساني، لأنها فاتحة عصر الثورات السلمية المدنية الجماهيرية.

الرفاق القلقين والخائفين على "العنف الثوري"، عليهم أن يفهموا أن الهدف ليس المصطلحات بل رفاه الناس وأمنهم واستقرار بلدانهم. والرفاق المختصمون حول ما إذا كان ما حدث في بلادنا ثورة أم انتفاضة. وهل نجحت الثورة أم فشلت. عليهم أن يفهموا أيضا أنه لا وجود ل"ثورة مكتملة" في تاريخ البشريّة. بل هنالك مسارات ثوريّة قائمة على الصّراع بين قوى متناقضة المصالح، بحيث النّجاح والفشل محكوم بشروط الواقع الموضوعي، ومعطيات موازين القوى في حقل النّزال الاجتماعي المفتوح والمتغيّر باستمرار.
حسب رأيي ما حدث في تونس ثورة شعبية حقيقية بلا ثوريين محترفين. بمعنى أن الغائب ليست الثورة، بل القوى الثورية التي لم تكن جاهزة لا كأطر حزبية و لا كبرنامج وشعار. ولذلك ظلت منقسمة و تائهة و بلا تأثير يذكر لمدة سنتين بعد سقوط بن علي. وللتاريخ، لقد كان للشهيد دور محوري متفرد في تجميع القوى المنحازة للثورة .. ولكن بعد رحيله تعثرت الأمور من جديد . و إلى يوم الناس هذا مازالت متعثرة، ولكن الايجابي أن الفرز التاريخي مستمر. والناس يتعلمون ، فمن جهلنا نخطئ ومن أخطائنا نتعلم ..

وفي هذا السياق، وبمناسبة التصريح البذيء الذي أدلى به رئيس الجمهورية خلال زيارته للخليج العربي المحتل، من الأهمية بمكان التذكير بكون العنف في تاريخ تونس الحديث ارتبط بالدساترة، بل أن هنالك اتهامات بممارسة التعذيب كانت وجهت لشخص الباجي قائد السبسي. وارتبطت بالاسلاميين أيضا. أما اليسار فلقد كان على الدوام ضحية العنف، وكان على الدوام قتيلا بلا قاتل.

مثل هذه الاتهامات لا تندرج ضمن معايير الأخلاق والسياسة. ولكن لا يجب أن نلوم السيد الرئيس فهو شيخ طاعن في السن، لا نعتقد أنه يعي كل ما يقول.