لعمل الفكري والايدولوجي للأحزاب الشيوعية والعمالية في البلدان العربية !!


ماجد لفته العبيدي
2016 / 2 / 6 - 19:16     

العمل الفكري والايدولوجي للأحزاب الشيوعية والعمالية في البلدان العربية !!


ماجد لفته العبيدي

أحتل العمل الفكري أهمية خاصة منذ ولادة الاحزاب الشيوعية والعمالية في البلدان العربية , حيث واجهت هذه الاحزاب والحركات السياسية تحديات كبيرة داخل مجتمعاتها التي تسودها الامية والفقر ويسيطر عليها رجال الدين وشيوخ العشائر والتجار الذين تربطهم علاقات قوية مع سلطات وجيوش الدول الاستعمارية المحتله.
ان القوى الاجتماعية المتنفذة في المجتمع تدير دفة الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي كان يشوبها التداخل الواضح بين مصالح هذه الطبقات الاجتماعية المستغلة والمسيطرة ومصالح الرأسمال الكولنيالي الاستعماري , وقد اثر في هذا التداخل التشوه الفارق للعلاقات الانتاج والمستوى المتدني للتطور الاجتماعي الاقتصادي والسياسي لهذه البلدان , وقد أنعكس ذلك على طبيعة الصراع الطبقي الاجتماعي وإشكال تمظهره بشكل عام , و على الرغم من الطبيعة الحادة والفارقة لهذا التشوه في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية , الاأنه افرز العديد من الحركات الاجتماعية والسياسية التي تجاوزت الواقع وتحدياته المختلفة .
ومنذ الولادة الاولى للأحزاب الشيوعية والعمالية في البلدان العربية , و الذي كان في طليعتها الحزب الشيوعي الفلسطيني 1919 وفيما بعد الحزب الشيوعي المصري 1921 و 1927السوري _اللبناني والحزب الشيوعي العراقي في عام 1934 , وما أعقبه من تأسيس وتشكيل العديد من اللأحزاب الشيوعية والعمالية والحركات ماركسية في البلدان العربية .
كانت معالم الصراع الاجتماعي الطبقي تعكس اصطفاف القوى الحاكمة التي تتمثل البرجوازية التجارية والإقطاعيين وشبه الاقطاعيين والمدعومين من رجال الدين والمتحالفين الدول الاستعمارية المحتلة وشركاتها الاحتكارية , بينما يقف في الجانب الاخر البرجوازية الوطنية الفتية والطبقة العاملة الوليدة والفلاحين والشغيلة والكادحين .
وقد اتسم هذا الصراع بطابع خاص حيث تجاوز الصرع اللاجتماعي الطبقي طابعه الوطني بفعل التصادم غير المباشر مع البرجوازية الرأسمالية في اوربا الغربية ذات المصلحة الحقيقية في نهب ثروات وخيرات الشعوب العربية , وكانت الشركات الاحتكارية تكريس هذا النهب من خلال الاتفاقيات الجائرة التي تمنحها الامتيازات على حساب مصالح الشعوب , ولكنها في ذات الوقت اسهمت هذه الشركات الاحتكارية في تطوير الحراك الاجتماعي والسياسي من خلال انشاء المعامل والمصانع المختلفة والطرق والجسور والموانئ والمطارات وغيرهما والتي ساهمت في نشوء الطبقة العاملة الفتية ونشر التعليم وظهور اللبنة الاولى للطبقة الوسطى , الحامل الاجتماعي للمشروع الوطني الديمقراطي والظهير القوى لتحالف العمال والفلاحين وشغيلة اليد والفكر .
وقد اشارت العديد من الدراسات والبحوث الاجتماعية التاريخية الى ان بداية العشرينات كانت الانطلاقة اللاولى لنشاطات العمال والفلاحين والشغيلة وتصاعد تحركاتهم ونشاطاتهم المهنية المطلبية , وكان للمثقفين على مختلف شرائحهم الاجتماعية الدور الاساس في تنظيم هذه الفعاليات والنشاطات والتحركات عبر تبسيط الخطاب السياسي وتعويمه( أي جعله مفهوم من عامة الناس ) .
وكان العمال المهاجرين والطلاب الوافدين والذين اكملوا دراساتهم في أوربا الاثر الفعال في نشر الفكر الماركسي وتأسيس الاندية والجمعيات والحلقات الماركسية واصدارالصحف والنشرات الماركسية وترجمة الادبيات من الانكليزية والفرنسية والايطالية ,وتحويل هذه الجمعيات والنوادي الاجتماعية الى منبر للماركسيين والحلقات الماركسية التي أصبحت حاضنة لولادة العديد من الحركات والأحزاب الماركسية و الشيوعية والعمالية في البلدان العربية .
أن هذه الاحزاب والحركات والمنظمات الماركسية قد عانت منذ بداية تأسيسها من الارهاب والملاحقات والتكفير والتصادم مع القوى القومية الشوفنية والانعزالية والصهيونية والفاشية ,وكانت تقف امامها تحديات كبيرة على الصعيد الفكري والسياسي والاجتماعي , ففي بلدان المغرب العربي على سبيل المثال , كانت القضية الرئيسية تتعلق في عملية تعريب قيادة الاحزاب و وتعريب خطابها وفك ارتباطها المباشر مع الاحزاب الشيوعية في البلدان الرأسمالية المستعمره , وتعريب النظرية الماركسية وجعلها مفهومة لعامة الناس وتوضيح موقفها من الدين وقضايا الاستقلال الوطني , اما في المشرق العربي فكان الصراع يجري حول تعريب الماركسية ذاتها وصياغتها وفق وعي ومستوى ادارك الناس وإخراجها من الصالونات والأبراج العالية الى الفناءات الواسعة للبيوت الطينية والأكواخ ,وكان الصراع حول حل القضية القومية العربية وقضايا تقرير المصير للقوميات والأقليات القومية الاخرى و قضية الموقف من الدين يعتبر من أكبر التحديات الفكرية التي خاضتها الاحزاب الشيوعية والعمالية والماركسية في صراعها مع القوى القومية والوطنية والإسلامية .
كما واجهة هذه ال احزاب تحديات اخرى على الصعيد الاجتماعي كشكل من اشكال الصراع الفكري للحد من انتشار الافكار الماركسية , مثل قضايا الاتهام بالإلحاد ومعادة الدين , اضافة الى المعوقات الجدية والمتعلقة في الامية والفقر والتقاليد والعادات الموروثة وطبيعة المجتمعات الريفية والقبلية والقروية حيث فرض سيطرت العشيرة والقبيلة ليس كمؤسسة اجتماعية بل كمؤسسة سياسية حاكمة بدعم وإسناد من المؤسسة الدينية .
ان الاحزاب الشيوعية والعمالية والتيارات والحركات والمنظمات الماركسية استطاعت ان تتخطي العديد من العقبات التي واجهتها وقدمت ألاف الشهداء من أعضائها ومؤازريها وكوادرها وقادتها واستفادة من إمكانياتها الذاتية وتجاوزت الظروف المحيطة بها , وعملت على تطوير نضال شعوبها لتصبح احد ى طلائع النضال الوطني التحرري في العالم العربي والشرق اوسطي المتحالفة مع الطبقة العاملة في البلدان الرأسمالية ,وساهم انتصار الدولة الاشتراكية السوفيتية وصمودها امام العدوان الخارجي والحرب الاهلية والحصار الذي فرضته عليها الدول الرأسمالية الغربية والانتصارات التي حققتها الشعوب على النازية والفاشية في الحرب العالمية الثانية , وتصاعد نضال حركات التحرر الوطني في المستعمرات من اجل الحرية والاستقلال في تطوير نشاط هذه الاحزاب واتساع نفوذها .
لقد أدت هذه التطورات الهامة على صعيد الحركة الثورية العالمية الى تصاعد نضال حركة التحرر الوطني في البلدان العربية والشرق اوسطية و تنامي دور الاحزاب الشيوعية والعمالية وظهور العديد من المنظمات والحركات الماركسية وتعاظم دور قوى اليسار وتطور نشاطاتها وأساليبها وطرق عملها , وبدأت تظهر جليا العديد من النشاطات والفعاليات النقابية ( العمال والفلاحين والشغيلة والكادحين ) والنشاطات المهنية الديمقراطية ( الشبيبة , الطلبة ,المراءة,المثقفين) والنشاطات الصحفية والأدبية والفنية والرياضية وفي مختلف مجالات الحياة الاخرى المعبرة عن نبض الشارع السياسي من خلال البرامج والسياسات والشعارات التي تتبنها هذه المنظمات النقابية والمهنية الديمقراطية .
وكان لهذا التطور الذاتي والموضوعي اثره البالغ في توطيد علاقات هذه الاحزاب مع الاممية الشيوعية وفيما بعد مع قيادة الكومنترن , وفي الوقت نفسه دفع هذا التطور قادة وكوادر هذه الاحزاب الى الحوارات والجدالات وظهور الخلافات حول الاجتهادات في تفسير وفهم المعارف النظرية وتطبيق الماركسية ومدى الحاجة الى وجود أحزاب شيوعية في هذه البلدان, وطرحت تساؤلات جدية عديدة حول أشكال وأساليب العمل التنظيمية ..السرية والعلنية !! ومدى أهمية عقد المؤتمرات الحزبية وصياغة البرامج والأنظمة الداخلية وانتخاب القيادات وإضفاء الشرعية على عملها القيادي !! ووقع العديد من الخلافات حول علنية أوسرية هذه المؤتمرات !!
ففي الحزب الشيوعي العراقي كان اول انشقاق قد جرى في تموز 1942 من قبل ذنون ايوب (قادر) ويعقوب كوهين (فاضل ) وانضم لهم يوسف هارون زلخه (محمود) وجورج تلو , وعبد الملك عبد اللطيف نوري , وتمردوا على قرار اللجنة المركزية الذي حاسب يعقوب كوهين على تصوراته ( اعتبار الطلبة والمثقفين والبرجوازية الصغيرة هم من يحقق الاشتراكية في العراق وليس الطبقة العاملة التي لاتملك الوعي الكافي والتجربة النضالية ).
وبعد طرد قادر ومحمود وفاضل من الحزب , شرعت هذه المجموعة للدعوة الى عقد مؤتمر للحزب للانتخاب قيادة شرعية وللإقرار النظام الداخلي وبرنامج ألحزب , وخلال هذه الفترة حدث انشقاق ايضا قاده رياض (عبدا لله مسعود القريني ) وعدد من اعضاء اللجنة المركزية , وأطلق علية اسم جماعة المؤتمرين (عشرين تشرين الثاني 1942),حيث عقدت الجماعة مؤتمرها بعد 16 يوم من سفر الرفيق فهد لحضوره اجتماع اممي للكومنترن , وجاء المؤتمر على اثر خلافات بين اعضاء اللجنة المركزية حول طرق ادارة العمل القيادي في اللجنة المركزية (1)
وعاني الحزب الشيوعي المصري ايضا من قضية الخلط بين العمل النقابي والحزبي , حيث كان الحزب الشيوعي المصري الذي تأسس في عام 1921,والذي لعب دورا هاما في الحركة النقابية المصرية واستطاع في عام 1922 ان يحشد اكثر من 15 الف عضو في الاتحاد العام لنقابات العمال , ولكنه أخفق في الفصل بين العمل النقابي و العمل الحزبي ولم يستطيع ان يكون كادره الخاص به بل سخركل طاقات الحزب وجهوده في العمل النقابي المكشوف مما سهل للاعدائه توجيه ضربات قاسمه لكيانه السياسي عبر اعتقال كوادره النقابية , وقد اهمل الحزب كذلك واحد من اهم قضايا البناء الحزبي إلا وهي عملية الاعداد والتربية الحزبية والتثقيف الحزبي وركز على القادة الميدانين ,مما سهل لقوات البوليس والأمن توجيه ضربة قوية له 1924 وحظر نشاطه من قبل الحكومة الوفدية ,و لم يستطيع النهوض إلا في عام 1949 حيث اعاد تأسيسه الدكتور فؤاد مرسي ومحمود أمين العالم والدكتور محمود صبري بشكل سري .(2)
ولم يكن الصراع في الحزب الشيوعي الفلسطيني بعيدا عن فحوى صراع أشقائه في البلدان العربية , ولكنه كان من نوع خاص بفعل خصوصية القضية الفلسطينية ,حيث كان الصراع الفكري على اشده بين القيادات العربية واليهودية على زعامة الحزب وحول الموقف من وعد بلفور والتقسيم وقيام اسرائيل وقضية المهاجرين اليهود والتوازن بين القيادات العربية واليهودية في قيادة الحزب الشيوعي الفلسطيني والجمع بين الوطنية والأممية , وقد كان هذا الصراع يشوبه التعقيد والريبة وعدم الثقة بين الطرفين مما ادى الى الاضرار في مصالح الشيوعيين و عطل من مشاركتهم في انتفاضة 1929 وشوش على دورهم في النضال الوطني الفلسطيني في ذلك الوقت , ولكن العديد من القيادات العربية واليهودية تصدت لهذا الموقف وعملت على التصدي للدعاية الصهيونية والشوفينية ووقفت الى جانب حقوق الشعب العربي الفلسطيني .
وأتخذ الصراع داخل الاحزاب الشيوعية في المغرب العربي طابعا اخر لم يكن بأفضل من اشقاءه بالمشرق العربي ,فقد كان الصراع يجري للتخلص من التبعية للحزب الشيوعي الفرنسي , وتشكيل احزاب شيوعية وطنية مستقلة , حيث لعب السكرتير العام للحزب الشيوعي المغربي علي يعته في حينه دورا هاما من اجل تأسيس حزب شيوعي مغربي مستقل , وناضل الحزب الشيوعي المغربي من أجل الاستقلال منذ المؤتمر الأول للحزب ,حيث ضمن ذلك في توصيات وقرارات المؤتمر وعبر مواقفه السياسية الجريئة في الميادين السياسي والاقتصادي والاجتماعي , وجدد مواقفه الداعية التحرر والاستقلال في المؤتمر الثاني للحزب فبراير 1949, وشارك في النضالات التي خاضها الشعب المغربي فيما بعد: 1949_ 1950_ 1951_ 1952، و اتخذ مساره الصحيح واندمج كلية في صلب الكفاح الوطني لتحقيق مطالب الشعب في الحرية والاستقلال والعيش ألكريم إذ يرى المناضل الشيوعي المغربي عبد الله العياشي (أن فترة 1951_1952 تميزت بنهضة لا مثيل لها للحركة الوطنية وللنضالات الشعبية من أجل إلغاء عقد الحماية وتحقيق الاستقلال) .
لقد قام الحزب الشيوعي المغربي بدور بارز أثناء أحداث 1952، إثر اغتيال المناضل النقابي فرحات حشاد في تونس ووقف الحزب الشيوعي المغربي ضد الارهاب الفردي واعتبره بعيد عن الفكر الماركسي وعارض قيام بعض من اعضاءه والقريبين عليه في هذه الاعمال . ورفض العمل الفردي وأكد على ضرورة الاستناد على الجماهير التي يجب ان تشارك في جميع أشكال النضال. وقد وضعت الحزب على المحك قضية محمد الحنصالي، وأحداث تادلة عام 1951، وعلى الرغم من جسامة الاحداث والإرهاب الغاشم الذي تعرضت له الجماهير و الحزب الشيوعي المغربي و جرى اعتقال أعضاء لجنة الحزب المركزية المعطي اليوسفي واحمد ألمعادي وكذا روبير لاموروواللذين اتهموا بإضرام الحرائق التي شهدتها نادلة عام 1947. كما جرت محاولة توريط المعطي اليوسفي في قضية الاغتيالات والإعمال الفردية التي ارتكبت بحق رجال السلطة والاوربين ,ولكن الحزب الشيوعي رفض تهمة ممارسة للإرهاب وقال الشيوعيين المغاربة في محاكماتهم أنهم ليسوا إرهابيين ولا مضرمي حرائق. وحملوا في المحاكم السلطات الاستعمارية الجرائم التي اقترفها في نادلة. كما كانت هذه القضية فرصة لقيادة الحزب لفتح نقاش حول موقف الماركسية من الإرهاب ألفردي وحول مدى ملائمة إطلاق مقاومة مسلحة. وكان عبد الله العياشي، الذي بات عضوا كامل العضوية بهيئات ألحزب القيادية اول من برر نظريا الموقف مستشهدا بمؤلفات لينين,كتب هذا الأخير في كراسة " نضالات ألأنصار يعارض العمل المسلح ألفردي لكنه يشرح إمكان اعتباره عملا جماهيريا حتى ولو قام به إفراد عندما يجد محيطا ملائما ويكون مطابقا لضرورة لا تشجبها الجماهير.(3)

ويقول اسماعيل العلوي( سكرتير حزب الطليعة الاشتراكية المعربي ) أن منع الحزب الشيوعي المغربي بقرار من الحكومة التي كان يقودها عبد الله إبراهيم وذلك بدعوى أن الحزب يتعارض مع الإسلام وأن الوحيد الذي عارض قرار المنع داخل المجلس الحكومي هو الشخصية الوطنية المغربية عبد الرحيم بوعبيد، مشيرا إلى أن هذا القرار أحيل على المحكمة الابتدائية بالرباط حيث كان القضاة فرنسيين، وحكموا بعدم تعارض الحزب الشيوعي المغربي مع الإسلام وقالوا إن هذا الحزب لم يعلن أنه ضد ألدين لكن الحكومة استأنفت ألحكم ليتم منع الحزب بشكل رسمي خلال سنة 1961 , وقد تزامن ذلك مع الانتقال إلى العهد الملكي الجديد والمتمثل في تولي الحسن الثاني العرش.


اما الحزب الشيوعي الجزائري والذي كان يطلق عليه اسم (الفرع الجزائري للحزب الشيوعي الفرنسي) و الذي تأسس سنة 1936، وتصدر القوائم الانتخابية في بعض المدن الجزائرية , وساهم بشكل فعال في قيادة الاضرابات العمالية وساهم مساهمة كبيرة في نضالات الشعب الجزائري المطلبية والاجتماعية ,وخاض مناضليه غمار تجربة الكفاح المسلح في جبهة التحرير الجزائرية وقدموا العديد من الشهداء , وانخرط الكثير من المناضلين القوميين العمال في صفوف الحزب الشيوعي ألجزائري وعمل الحزب الشيوعي الجزائري بين العمال الأكثر استغلالا مثل عمال المناجم، وعمال الموانئ، وعمال الفلين. وفي نفس الوقت، كان يعمل في صفوف الفلاحين الفقراء والعمال ألزراعيين ولم يكن حاله افضل من الاحزاب الشيوعية المغاربية الاخرى التي تعاني من الفرنسة ,مما ادى في عام 1939 الى استقالت الأمين العام للحزب الشيوعي الجزائري وذلك احتجاجا على سياسية الكومنترن التي وضعت فرع الجزائر تحت قيادة الحزب الشيوعي الفرنسي ,وقد تعرض الحزب الشيوعي الجزائري الى هجوم من السلطات الفرنسية في نفس السنة بحل الحزب الشيوعي الجزائري واعتقال قيادته ومناضليه في مقدمتهم قدور بلقاسم , وقد ادت الخلافات داخل الحزب الى استقالة بعض القادة من أمثال بن على بوخرط وعدد من رفاق الحزب الذين رأوا أنَّ هذه السياسته تتعارض مع النضال من اجل الاستقلال الوطني.

وفي الحزب الشيوعي السوداني كان الصراع يجري حول قضية تشكيل الحزب الشيوعي السوداني واستقلاليته التنظيمية منذ بداية تأسيس الحركة السودانية للتحرر الوطني في اغسطس عام 1946،وقد اشتد الصراع في داخل الجبهة في بداية عمل عام 1947 لينتقل فيما بعد الى اروقة المؤتمر الثاني عام 1951 حيث حسم الصراع لصالح التيار الذي تصدر للدفاع ان وجود حزب شيوعي مستقل , وخسر عوض عبد الرزاق سكرتير الحزب الشيوعي السوداني انذاك المعركة الفكرية ,مما ادى به الى الخروج عن الحزب وتأسيس الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني .
وكتب الرفيق سر التاج عثمان حول هذه الحادثة التاريخية يقول (ولكن مجموعة عوض عبد الرازق لم تقبل بنتيجة ألمؤتمر وتواصل الصراع من داخل الحزب ، ولكنها ضاقت ، وما ضاق حزب برأي ولكن اخلاق مجموعة عوض عبد الرازق ضاقت وخرجت من الحزب) (4)

وقد أشار الرفيق الخالد عبد الخالق محجوب في كتابه لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني الي أن النقد بدأ يبرز منذ تكوين الحلقات الأولي للحركة السودانية للتحرر الوطني عام 1946 لأسلوب عمل أول لجنة مركزية لها ، تلك القيادة التي لم تبرز وجه الحزب المستقل ، واختزلت التعليم الماركسي في بعض النصوص الجامدة ، ولم تدرس أوضاع البلاد من زاوية ماركسية ، ولم تتجه لبناء الحزب وسط الطبقة العاملة ، كما لم يتم وضع لائحة تحدد العلاقة بين اعضاء الحزب وهيئاته ، بل كانت تسود العلاقات ألشخصية وبعد ذلك انعقد المؤتمر الثاني في 1951م، والذي حسم الصراع الفكري الداخلي في اتجاه دراسة النظرية في ارتباط بالواقع، علي اساس أن النظرية الماركسية ترشد الممارسة، والممارسة تطور ألنظرية واستقلال ألحزب والتمسك بطبيعته الطبقية ومنهجه ألماركسي وترسيخ المفهوم السليم للتحالف مع الرأسمالية الوطنية علي اساس التحالف والصراع( 5 )
لقد مرة الاحزاب الشيوعية والعمالية في مرحلة ثانية من الصراع في اواخر السبعينات , حيث كان الصراع بين القطبين الرئيسين في الحركة الشيوعية العالمية ,الشيوعية السوفيتية والشيوعية الصينية على اوجه لزعامة الحركة الشيوعية العالمية , والسعي لتعميم تجربتيهما على الحركة الشيوعية والعمالية العالمية , وقد ادى ذلك الى انشقاقات في العديد من الاحزاب الشيوعية والعمالية وكان اكبر الانشقاقات ماحدث في الحزب الشيوعي العراقي وجاء انشقاق ايلول 1967 وظهور القيادة المركزية بقيادة عزيز الحاج وابراهيم علاوي وكاظم الصفار والعسكري . على اثر الصراع حول تقيم سقوط الجمهورية الاولى وأنقلاب 1963 وخلفيات اجتماع اب 1964 للجنة المركزية والتي طرحت فيها في ابراغ حل الحزب والاندماج في الاتحاد الاشتراكي العربي ,حزب حكومة الاخوين عارف , وتاتي هذه الطروحات تناغما مع الحزب الشيوعي المصري وتوجهات الخط اليميني للحزب الشيوعي السوفيتي.
والذي سوق فلاسفته أطروحة التطور اللاراسمالي وأهمية التعاون الطبقي مع احزاب البرجوازية الوطنية للإنهاء مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية والتحول للاشتراكية , وقد جاء انعقاد اجتماع اللجنة المركزية أوائل عام 1967 لتقييم سياسته بين 1958 و 1963 والآثار الجسيمة التي تعرض لها الحزب خلال انقلاب شباط الاسود الفاشي الذي مثل جسديا بقيادة الحزب وقتل جل مناضليه تحت التعذيب , حيث استشهد اكثر من خمسة ألاف مناضل واعتقلت السلطة عشرات ألاف وحولت الملاعب والمدارس الى قاعات للاعتقال والتعذيب , وكان امام قيادة الحزب العديد من التساؤلات حول الاسباب الرئيسية لسقوط الجمهورية وعدم قدرة الحزب على اخذ زمام المبادرة وماهية مسئولية القيادة عن هذه النكسة . وقد ادى الخلاف حول ذلك الى حدوث الانشقاق وظهور القيادة المركزية التي انتهجت الكفاح المسلح وكانت تؤمن بالأفكار الشيوعية الماوية , وقد عطل ذلك الانشقاق عمل الحزب ومزق منظماته ووجه للحزب ضربة موجعه وشل قدراته ليعطي للبعث فرصة جديدة للقيام بانقلاب 17 تموز1968 .
اما الحزب الشيوعي السوري فكانت صراعاته الفكرية تتمحور حول تجديد القيادة وتغير النظام الداخلي وقضية الحريات العامة والتحالفات الوطنية وقضية الوحدة العربية والقضية الفلسطينية وقضية عبادة ألفرد , ففي عام 1969 حين انعقاد المؤتمر الثالث للحزب طرحت بعض القيادات الحزبية التي تتنافس مع بكداش افكارها حول تجديد القيادة , واعتبر بكداش ورفاقه الاخرين عدم ملائمة الظروف للتغير وقد صعدت هذه المجموعة التي يقف خلفها رياض الترك الموقف بإصدار بيان في 3 نيسان 1972 ووقع عليه 12 عضو من اعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية وبعض ممثلي المنظمات المحلية , وأعقب ذلك انشقاق 1973 لجماعة رياض الترك وما تلاها من انشقاقات في عام 1986 وتداعيات هذه الانشقاقات على وحدة الحزب الشيوعي السوري . وأصبح الحزب الشيوعي السوري ثلاثة احزاب بالإضافة الى جماعة رياض الترك الذي تم تغيبهم في السجون .


وللحزب الشيوعي اللبناني الذي استقل عن الحزب الشيوعي السوري عام 1964, تجربته الغنية في الصراع الفكري والتي تمحورت حول عملية الاستقلال عن الحزب الشيوعي السوري و تصدرها الرفاق الشباب في الحزب من امثال الرفاق كريم مروه ونديم عبد الصمد وخليل الدبس وجورج حاوي وغسان الرفاعي وحسين مروه وجورج بطل,والداعين الى الاستقلال عن الحزب الشيوعي السوري وصياغة سياسية مستقلة تتعلق في بلادهم لبنان ,وقد واجه هذا الخط معارضة رفاقهم الرواد الذين يردون الابقاء على الوحدة مع الحزب الشيوعي السوري ومنهم نخله مطران وإدمون عون وأوهانس أغباشيان وأنطون ثابت واحمد الحسيني وجورج حداد وخليل موسى وسهيل يموت ممن كانت علاقاتهم طيبة بقائد الحزب الشيوعي السوري خالد بكداش. لقد حسمت عملية الصراع لصالح شباب الحزب الداعين للاستقلال بخروج مجموعة الرفاق الوحدويين من الحزب ليلحق بهم فيما بعد حسن قريطم وصوايا صوايا.
وكان اضافة الى قضية الانفصال كانت هناك تصورات جديدة حول القضايا الوطنية والقضية الفلسطينيه والمسألة القومية العربية والعلاقة الاممية مع الحزب الشيوعي السوفيتي.
ان عملية الصراع داخل الحزب الشيوعي اللبناني اسفرت عن ظهور حزب شيوعي جديد اطلق عليه اسم (اتحاد الشيوعيين اللبنانيين ) بقيادة نخلة مطران واعتبرت هذه المجموعة المعارضة نفسها الممثل الشرعي للشيوعيين اللبنانيين . وقد اقامت علاقة مع الحزب الشيوعي الصيني وحصلت على دعمه .(6)
وقد واجه الحزب الشيوعي السوداني العديد من الانقسامات منذ انقسام مجموعة عوض عبد الرازق 1952و انقسام القيادة الثورية 1964 ووثيقة معاوية ابراهيم حول الصراع الداخلي التي طرحت للمناقشة العامة في داخل صفوف الحزب ، وكانت تحتوي على افكار تصفوية يمينية تهدف الى التخلي عن الماركسية، والتخلي عن المنطلقات الطبقية للحزب وتصديه للدفاع عن مصالح الطبقة العاملة والكادحين .
ان المرحلة الثالثة من الصراع كانت من اكثر المراحل تعقيدا حيث واجهت الحركة الشيوعية العالمية تغيرات فارقة منذ انطلاق عملية ( التجديد والتغير ) الذي قادها زعيم الحزب الشيوعي السوفيتي ايغور غورباتشوف والتي قادت الى انهيار وسقوط الدولة السوفيتية والمعسكر الاشتراكي برمته وقد طرحت هذه العملية جملة من القضايا النظرية التي لازالت موضع نقاش في صفوف الحركة الشيوعية والعمالية العربية والعالمية .
حيث تم الدعوة الى الغاء جملة من المبادئ التي كانت تؤمن بها الاحزاب الشيوعية وتعتبرها من اساسيات الفكر الماركسي اللينيني, كديكتاتورية البروليتاريا, وقيام الاشتراكية في بلد واحد , وقيادة حزب الطبقة العاملة, والماركسية اللينينية , واعتبار تجربة بناء الاشتراكية في روسيا تجربة خاطئة وتتعارض مع الافكار الماركسية , وكذلك الاعتراف بالتعددية والانتقال السلمي وتبادل وتداول السلطة ,و الاعتراف باقتصاد السوق بضوابط اجتماعية أو غيرها من المفاهيم التي كانت تعتبر سابقا من المفاهيم الرأسمالية غير الصالحة للمجتمعات الاشتراكية بقيادة الطبقة العاملة.
ومن أهم تلك المفاهيم التي تمت مراجعتها تلك المرتبطة بوجود إيديولوجية فكرية محددة للحزب السياسي والإقرار في تعدد المرجعيات الفكرية , واستبدال الماركسية اللينية بالنهج الماركسي , واعتبار وسائل التغير العنفي غير ممكن ويتطلب العمل النضال ضمن حقل سياسي علني وسلمي وفي مجال المجتمع الديمقراطي المتعددة الأطياف والقوى الطبقية والاجتماعية والسياسية والفكرية بما فيها القوى الطبقية التي كانت ضمن التناقض الرئيسي حسب المفهوم الماركسي والتي لابد من القضاء عليها وإزالتها عن الوجود بدل الحوار أو التفاوض معها للوصول إلى أتفاق حول المصالح المشتركة الاوهي الطبقة البرجوازية الرأسمالية و التي كانت تتهم بالرجعية والتخلف.
لقد ادى هذا التحول الهائل الى تغير بعض الاحزاب الشيوعية للاسمائها وتحول العديد منها الى احزاب اصلاحية واشتراكية ديمقراطية على الرغم من احتفاضها بالتسمية الشيوعية , وانهيار التضامن الاممي وتصاعد النزعات الشوفنية والانعزالية والجهوية وفقدان الهوية الطبقية لهذه الاحزاب.
ان تطوير الصراع في داخل الاحزاب الشيوعية في البلدان العربية يتطلب الاعتراف من قبل هذه الاحزاب بانها تعاني من ازمة الخطاب السياسي القادر على الوصول الى الناس والتواصل معهم , وهي ازمة فكرية حقيقة خلفها الجمود النظري والاغتراب عن الواقع وتجلياته وتغليب الجانب الاممي على المصالح الوطنية وخلق تناقض مفتعل بينهما ,وعدم اعارة الاهتمام الجدي الى خصوصيات البلدان العربية ومستوى الوعي وطبيعة التطور الاقتصادي الاجتماعي لهذه البلدان.


مصادر البحث
1_ عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي – عزيز سباهي – الجزء الاول – ص 226
2_الية الصراع داخل الاحزاب السياسية في البلدان العربية –شاهر أحمد نصر – الجزيزة نيت
3- إن الموقف الذي اتخذه الحزب الشيوعي المغربي في بيانه لغشت 1946 وما تلاه من مبادرات، جعلت الإقامة العامة تدشن سلسلسة من المضايقات ضد الحزب، وقامت بشن حملات الاعتقالات والتعسفات في صفوفه، سينال الرفيق علي يعته الحظ الأوفر من تلك المضايقات الاستعمارية، فطرد من آسفي وتادلة وجرادة (1948) ودخل السرية بأمر من الحزب، حيث سيواصل العمل في السرية إلى غاية 1952. وهي السنة التي سيلقى فيها القبض عليه ويتم نفيه إلى الخارج، تم يعود سريا ليحكم عليه بسنة سجنا قضاها في سجن «لعلو» بالرباط و»غبيلة» بالدار البيضاء. وتوالى النفي والعودة السرية (اسماعيل العلوي: مجلة نوافذ _العدد 8 و9 يوليوز 2000: التشكيلات السياسية في المغرب ص12)_ (علي يعته: وراء القضبان).
4_ الحوار المتمدن العدد: 4168-صفحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني: الصراع الفكري عام 1951 _ تاج السر عثمان

5_ تجربة الحزب الشيوعي السوداني في الصراع ضد الاتجاهات اليمينية التصفوية:الفترة:1989- 200_تاج السر عثمان
6 -ووقفت قوى التجديد في الحزب: جورج حاوي وكريم مروة وغسان الرفاعي وخليل الدبس وجورج بطل ونديم عبد الصمد وحسين حمدان ورهيف فياض وفضل الحاج وخليل نعوس في مواجهة المجموعات القيادية بزعامة الأمين العام نقولا الشاوي (الذي انضم إليهم لاحقا) ونخلة مطران وإدمون عون ونسيب نمر وأوهانس أغباشيان ثم حسن قريطم وصوايا صوايا وغيرهم. لكن المشكلة في رأي حاوي "لم تكن مع بكداش (والمؤيدين له)، بل مع الصيغة السوفياتية القديمة التي كان يمثلها الاتحاد السوفيتي لحما ودما عبر أشخاص مثل ليونيد بريجنيف وميخائيل سوسلوف وبونوماريوف والسفير في بيروت ديودشكين، وليس مع نخله مطران الذي كان رجلا ثوريا جاء مع إدمون عون من موقع إقطاعي إلى الحركة الشيوعية، هو لم يكن قضية أساسية والحزب لم يحسن أن يستوعبه مع عون وأغباشيان" فتولد لديهم اقتناع أن في إمكانهم الإفادة من بكداش والسوفياتي لمواجهة حالة غير ديموقراطية في قيادة الحزب آنذاك". جورج حداد_ الحوار المتمدن