حكاية جيجو و محو


زهدي الداوودي
2016 / 2 / 6 - 02:37     

حكاية محو وجيجو
زهدي الداوودي
كان هناك صديقين حميمين، تعرفا ببعضهما بعضا منذ أن عرفا نفسيهما وفتحا أعينهما على جبال ووديان ومرتفعات شيخان وأتروش الجميلة المكسوة بالثلوج شتاء وبالازهار الملونة في الفصول الأخرى. كانا مختلفين في الشكل والقامة والهيئة. جيجو بوجهه المغطى بآثار الجدري ونحافة جسمه و محو بأنفه الكبير المقوس ومرحه وميله الشديد إلى الطرب والغناء، دون أن يتمكن من أدائهما.
جيجو مغن معروف، لم يبق في المنطقة عرس لم يغن فيه . وكان على صاحب العرس أن يؤجل حفلته إلى موعد يضبطهدأ محو، إذ ان جيجو حين كان ينصرف إلى الغناء ينبه محو بأن رأسه يجب أن يكون خاليا من أي شيء آخر ولا سيما ما يتعلق بتنظيم المواعيد وأنه لا يريد أن يتحول رأسه إلى طبل.
كانا يغنيان على شكل ثنائي، يقوم محي بأداء المقطع الاخير من الأغنية. وينتهي الاداء. وبعد فاصل من الاستراحة القصيرة تبدأ أغنية أخرى تختلف في الايقاع عما قبلها. ورغم أن محو ليس مغنيا، يحق له أن يبدي رأيه في الاداء. وحين تستبد العاطفة بجيجو ويتذكر حبه الفاشل، يرخي أعصابه المتوترة ويبدأ بما يلي:
آه..
آه..
كم هو عال
قصر أبو غزالة.
انه لا يقتحم
من يقتحمه
يا ترى؟
وحين تردد الوديان أصداء الاغنية الحزينة، تنطلق الآهات من هنا وهناك. وتبدأ الحياة والحركة في مكان آخر بيد أن الحركة الجديدة لم تتمكن من بلوغ ما بلغه جيجو.
وفي الوقت الذي بدأ الضعف العام يدب في كيان الصديقين الحميمين توارت مناسبات الأفراح التي أصبحت هدفا سهلا لقصف طائرات القوة الجوية الوطنية.

وعانى الصديقان ما عانته العوائل الأخرى التي كانت تجرجر أطفالها وعجائزها إلى الهدف المجهول. اتفقا على ان يتركا القافلة البشرية في أقرب وقت ممكن. وينسحبا إلى بستان العنب اللذيذ العائد للحاج ميران الذي يحتوي على أنواع الفواكه التي تحتاجها بطونهم الفارغة.
قال محو دون أن يقتنع بكلماته هو نفسه:
"ولكن هذا العمل حرام يا جيجو":
قال جيجو وهو يقهقه بصوت عال:
"كلوا ماشئتم وكيفما شئتم. سوف أقلب لكم الحرام حلالا"
وبدأ بشرح خطته، مؤكدا كونه ليس تدخلا في شؤون الله، بل رحمة منه.
"أنتبه، يا حبيبي محو. إن نجحت الخطة في المحاولة الاولى، فالحمد لله. أما إذا ألقي القبض علينا فتبدأ كما يلي: نقف أمام بوابة البستان بأمر من الشرطي ومعاونيه من أصحاب البساتين. سنبقى ثلاثة أيام في الموقف. يجري التحقيق معنا من قبل مدير الناحية الجديد. يقال إنه إنسان طيب. أول تهمة يوجهها علينا هي السرقة. نحن سنرفض التهمة مطلقا ونبدي استعدادنا لليمين بالقران الكريم. هنا نواجه عقبة الحلف بالقران الكريم، ولكن لا تخف. لقد وجدت حلا لهذه المشكلة. سيركب واحدنا ظهر الثاني وهذا سيحلف بالله والقران الكريم بأن قدميه لم تطئان أرض المزرعة والثاني يحلف بأنه لم يمسس حتى عنقودا واحدا داخل المزرعة. قال محو بلهجة لا تعرف ما إذا كانت جادة أم ساخرة:
"بقي أن يصدق مدير الناحية قوة سحر محو"
دخل مدير الناحية الغرفة وطلب من الحارس أن يفك وثاق المتهمين. وحين اتخذ مكانه على الكرسي، راح يدقق في عيون المتهمين ويقارنها مع ما كتب في الأوراق.
"هل تعتقدان بأن مدير ناحيتكم انسان غبي؟. أنا أعرف القصة كاملة. صراحتكم ستحل لي مشكلة. نحتاج إلى شرطيين من طرازكما. فكرا جيدا وأحسما. شرطيان جريئان أم ستة أشهر سجن لكل واحد منكما"