لم تعد -دول الرأسمال- ... رأسمالية


سعيد زارا
2016 / 1 / 5 - 10:15     


كتب الرفبق جاسم محمد كاظم مقالا بعنوان " و ما زالت دول الرأسمال...راسمالية" في الحوار المتمدن عدد 5034, فيه ينتقد "البعض" الذي يقول بانتهاء الرأسمالية. لكنه للاسف لم يأت بما يؤكد حياتها بل كانت مقالته عبارة عن ملاحظات بعيدة من ان تكون قراءة في أرقام الإنتاج العالمي و الياته.

مما لاشك فيه أن الرأسمالية هي الإنتاج الفائض من السلع عبر المتاجرة في قوى العمل البشري , الصفة التي تفتقدها الدول الرأسمالية السابقة, لكن الرفيق كاظم و هو يحاول نفي انهيار الرأسمالية خلال الأربعين سنة الأخيرة يلاحظ فقط دون أن يأتي بأرقام تؤكد أن اليوم فيه "فيض الإنتاج الهائل وإغراق السوق" .

أكيد أن رفيقنا لن يبصر انهيار الرأسمالية و هو المتخصص في الاقتصاد و إدارة الأعمال عندما يقارن إنتاج السلع اليوم بكميات هائلة و خيالية بما أنتج منها قبل أربعين سنة , لأنها مقارنة ناقصة تفتقد للمعطيات اللازمة لرصد تطور الإنتاج في الدول الرأسمالية السابقة. رفيقنا لم يذكر لنا ما يمثله الإنتاج الصناعي في مجمل الإنتاج القومي للدول التي يزعم أنها ما زالت رأسمالية مع العلم أن الإحصائيات في هذا المستوى هي متوفرة بالتفصيل على الشبكة. فلا معنى لتزايد السلع بأرقام خيالية خلال الأربعين سنة الأخيرة إن علمنا أن نسبة إنتاج السلع في أمريكا مثلا و هي أخر قلاع الرأسمالية لا تتعدى ربع إنتاج الخدمات, اللهم إن اعتبر رفيقنا أن الإنتاج الخدمي هو إنتاج سلعي رأسمالي .


لن يبصر رفيقنا انهيار الرأسمالية و هو يقارن عائدات شركة إنتاج السيارات ج.م بميزانيات دول الشرق المتوسط حتى و لو تجاوزتها بألف مرة و ليس عشر مرات, لان المقارنة أيضا ناقصة. فلا معنى لتلك النسب إذا علمنا بان الشركة المذكورة تراجعت مبيعاتها في الولايات المتحدة الأمريكية من 5 مليون سيارة سنة 1999 إلى 2.5 مليون سيارة سنة 2011 أي أنها فقدت نصف مبيعاتها خلال 22 سنة فقط , و رقم معاملاتها تراجع من 194 مليار دولار تقريبا سنة 2003 إلى 149 مليار دولار سنة 2008, و كذلك إذا علمنا بان الشركة كانت اكبر مشغل لليد العاملة في أمريكا حيث بلغ عدد عمالها في البلد 618000 عامل سنة 1973 مقابل 212000 عامل سنة 2014. و رغم ذلك تبقى المقارنة ناقصة ما لم يتم نسبتها إلى مجمل الإنتاج القومي و تطوره حتى و لو انتقى رفيقنا من بين الشركات العملاقة المنتجة للسلع الالكترونية و المعلوماتية الأكثر رواجا في العالم مثل "انتل" المختصة في المعالجات أو "الابم" الرائدة في الحواسيب .

لن يبصر رفيقنا انهيار الرأسمالية و هو يرى أن الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج اليوم دليل لقيام الرأسمالية, لان تلك الإشارة ناقصة, فصفة الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج غير كافية لان نقول بان نظام الإنتاج اليوم هو نظام إنتاج رأسمالي كما هي صفة تأميم وسائل الإنتاج غير كافية لنعت الإنتاج بأنه اشتراكي.


يخطئ رفيقنا أيضا و هو يعاند في الدفاع عن حياة الرأسمالية عندما يقول بان أمريكا لا زالت تفيض بالإنتاج السلعي. إطلالة بسيطة على وضعية الميزان التجاري تبين لنا انه يسجل عجزا في سنة 2014 و قد تعمق ب 6 بالمائة نسبة إلى سنة 2013 حيث وصل إلى 505 مليار دولار, ففي ما يخص السيارات استوردت أمريكا, التي لم يطلع رفيقنا على أرقام معاملاتها , ما يناهز 328 مليار دولار و من وسائل الاستهلاك 558 مليار دولار و من وسائل التجهيز ما يقارب 591 مليار دولار حسب مصادر رسمية.

ينخدع رفيقنا عندما يعتقد أن إقلاع أمريكا عن التصنيع هو في إطار ما يسمى بالتبادل الحر الذي يعود بالنفع على الطرفين حيث تنتفع الدول الحاضنة من خبرات الرأسمال الهارب و هو بدوره يستفيد من العمالة الرخيصة فيها. الإقلاع عن الإنتاج البضاعي هو الإقلاع نهائيا عن الإنتاج الرأسمالي و هو مستحيل أن يكون سياسة اقتصادية في إطار استمرارية الإنتاج الرأسمالي بل هو سياسة اقتصادية أنهت الإنتاج الرأسمالي بهيمنة الإنتاج الخدماتي. الإقلاع عن الإنتاج البضاعي هو الإقلاع عن الاغتناء و الثراء عن طريق الإنتاج المادي الحقيقي و هو التغول في الإنتاج المعاكس أي الخدماتي حيث الاغتناء و الثراء يكون بالنهب و اللصوصية, فالشركات تقترض ليس لتعاود توظيف النقود في توسيع الإنتاج و تجديده كما هو الحال في الرأسمالية بل لتعاود شراء أسهمها في أسواق المال و هي بذلك ترفع من ديونها.

القيادة الأمريكية الحالية تحاول جاهدة أن تعيد صيغة "صنع في أمريكا" إلى دارها بعد أن أدركت أن الإنتاج البضاعي هو الحل لازمتها الكارثية , لكن دون جدوى.
توعد اوباما بإعادة تصنيع أمريكا من اجل إنعاش التنمية الاقتصادية. خلال 2011 خصصت ميزانية بما قدره 500 مليون دولار من اجل دعم الشراكات الصناعية في طار مخطط ما سمي ب"شراكة التصنيع المتقدمة". المخطط الذي كان نتيجة تحذير مستشارين علميين فيما يخص تأخر الولايات المتحدة الأمريكية في مجال البضائع العالية التقنية. كما اقترح الرئيس الأمريكي مجموعة من التدابير بتكلفة معدومة من اجل تشجيع إعادة التصنيع و كبح الإقلاع عن التصنيع, كإلغاء الضرائب بالنسبة للشركات المتواجدة خارج البلد مقابل عودتها إلى الوطن أو ما يسمى بقانون "جلب الوظائف إلى الدار".

الرئيس الأمريكي هنأ شركتي "فورد" و "كاتربيلار" بإعادتها فتح بعض المصانع في الوطن و قد توعد بتكوين مليوني مرشح لتأهيلهم مهنيا من اجل التشغيل في الميدان الصناعي.

هل لرفيقنا أن يجيبنا عن سر اهتمام القيادة الأمريكية بإعادة الإنتاج البضاعي إلى وطنه و هو القائل بفيض الإنتاج السلعي في أمريكا؟؟؟

رغم كل الاهتمام الذي أعطاه اوباما لإعادة "صنع في أمريكا" إلى دارها لا زال أمريكا تحفر في عجزها التجاري و ما زالت تستورد من البضائع أكثر مما تنتج و مازالت أيضا قبلة للرساميل الأجنبية.
رفيقنا كاظم يقفز عن مديونية أمريكا دون أن يذكر من أرقامها الفلكية رقما واحدا, هل لرفيقنا أن يجيبنا عن تفاقم المديونية الأمريكية المهول خلال الأربعين سنة الأخيرة ؟؟؟

رفيقنا كاظم يبعث الروح في الرأسمالية دون أن يقول لنا ما هي دلالة فصل النقود عن الذهب؟؟؟ و لماذا ظل سعر اونصة الذهب مستقرا طيلة قرنين من الزمن منذ 1770 حتى 1970؟ حيث كان سعرها 19 دولارا و 39 سنتا و لم يتجاوز سعرها 35 دولارا لغاية 1967؟؟ و لماذا قفز سعر اونصة الذهب من 37.4 دولارا خلال 1970 ليتجاوز الألف دولار بعد أربعين سنة فقط؟؟؟



للأسف كل الأرقام تناقض ما يذهب إليه الرفيق كاظم بل أكثر من ذلك فمقالته تفتقر إلى الأرقام التي تؤيد استمرار الرأسمالية.