أدمغة وليست قلوب يعقلون بها


مجيد البلوشي
2016 / 1 / 3 - 23:05     


كتب أستاذنا الفاضل الدكتور نظمي خليل أبو العطا مقالاً بعنوان "فتكون لهم قلوب يعقلون بها" في جريدة أخبار الخليج البحرينية الغرّاء الصادرة بتاريخ 11 ديسمبر 2015 م، ليدافع – كما هو واضح - عمّا كتبه زميله الأخ العزيز سلمان الحايكي بعنوان "القلب مركز العقل" في نفس الجريدة بتاريخ 9 أكتوبر 2015 م، والذي دحضناه بمقالنا المعنون " المُخ الإنساني هو مركز العقل وليس القلب" المنشور في الجريدة نفسها بتاريخ 3 نوفمبر 2015 م. وكلاهما- أي الدكتور أبو العطا والأخ سلمان الحايكي – وهما من كُتـّاب الأعمدة الصحفية الذين يجب عليهم أن يكتبوا أي شيء مهما كان – ينطلقان من منطلق ديني بحت، وبتعنّت صارم وعنجهية لا مثيل لها، ضاربَين عرض الحائط كل معطيات العِلم بما فيها علم الأحياء، وعلم التشريح، وعلم وظائف أعضاء الجسم الحيّ، والطبّ، بل وما تعلّمناه في الثانوية العامة ...، وهو أن الدماغ (المُخ) الإنساني بالذات، هو مركز العقل والتعقـّل والتفكير، وليس غيره.

فأستاذنا الفاضل الدكتور أبو العطا ينطلق ممّا جاء في الآية القرآنية القائلة "أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُوْنُ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُوْنَ بِهَا أو آذَانٌ يَسْمَعُوْنَ بِها فَإنّها لا تَعْمى الأبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى القُلُوْبُ الّتِي فِي الْصُدُوْرِ" وهي الآية رقم 46 من سورة الحج، إلا أنه يبتر هذه الآية بترًا ويتخذ الجزء الذي يعجبه عنوانًا لمقاله دون أن يذكر أو يشير إلى بقية الآية ، وذلك لكي يثبت أن القلب هو عضو التعقل وليس الدماغ (المُخ). وإذا استنتجنا من الآية، جدلاً، أن القلب هو أداة التعقّل – كما يفعل أخونا أبو العطا – يلزم أن نستنتج أيضًا أن القلب أداة للبصر (الرؤية، النظر) أيضًا، فهل هو كذلك؟ طبعًا لا. ولنرَ ما يقوله أحد عُلماء تفسير القُرآن عن الآية المذكورة، وهو إبن الكثير الدمشقي في كتابه "تفسير القرآن العظيم"، المجلد الثالث، صفحة 262-263:
" فَتَكُوْنُ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُوْنَ بِهَا أو آذَانٌ يَسْمَعُوْنَ بِها" أي فيعتبرون بها، "فَإنّها لا تَعْمى الأبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى القُلُوْبُ الّتِي فِي الْصُدُوْرِ" أي ليس العمى عمى البصر، وإنما عمى البصرة [البصيرة]، وإن كانت القوة الباصرة [أي العين] سليمة فإنها لا تنفذ إلى العبر ولا تدري ما الخبر"ـ (انتهى كلام إبن الكثير) (الكلمات الموجودة في قوسين مربعين هكذا [ ] هي من عندنا للتوضيح).

ورأيؤنا هو أن ما جاء في قول الآية القرآنية "قلوب يعقلون بها" هو قول أقلّ ما يقال عنه أنه قول مجازي ليس إلاّ، شأنه في ذلك شأن الكثير من الآيات، ومنها قوله في نفس الآية " تَعْمَى القُلُوْبُ الّتِي فِي الْصُدُوْرِ"، فالقلوب لا تعمى وإنما تعمى العيون، أي أن وظيفة الرؤية والبصر هي ما تؤديه العيون وليس القلوب. ولذلكم لا يمكن القول بأن للإنسان قلب يعقل به، كما يقول أستاذنا الفاضل الدكتور أبو العطا وهو ينظر إلى الآية المذكورة نظرة سطحية وبصورة عنجهية بالرغم من أنه يحمل شهادة الدكتوراه، ويدخّل العلم في كل صغيرة وكبيرة مما يكتبه في كثير من مقالاته المتعلقة بالآيات القرآنية خصوصًا وبالإسلام عمومًا، مع إيماننا التامّ بأنّ معطيات الدين – عامةً – لا تتفق مع معطيات العلم ألبتة، بل أنها تناقضها في كثير من الأحيان. والطامة الكُبرى هي أننا لا نستطيع أن نغيّر الآيات القرآنية السرمدية، الثابتة أزليًا وأبديًا، لتتلائم مع معطيات العلم المتزايدة والمتغيرة والمتجدّدة باستمرار باكتشاف المزيد من المعلومات والحقائق حول العالَم الماديّ المحيط بنا وحول الكون العظيم الذي نعيش فيه، وذلكم بفضل الدماغ (المُخ) الإنساني ذي التركيبة الخلوية المتطورة والمعقدة والذي لا يوجد مثله لدى أي كائن آخر على كوكبنا الأرضي .

والديماغوجية لدى أستاذنا الفاضل أبي العطا تتجلّى أكثر في مقارنته بين الأميبا والبكتيريا من جهة وبين المُخ من جهة أخرى، مبجّلاّ قـوّة الأميبا والبكتريا على القيام بالتنفس والتكاثر ذاتيًا، ومستهينًا بالمُخ باعتبار أنه لا يستطيع القيام بذلك بنفسه، متناسيًا – وهو حامل شهادة الدكتوراه – أن الأميبا والبكتيريا ليست إلاّ كائنات حية دقيقة بدائية وأُحادية الخلية تتراوح أحجامها بين نصف ميكرومتر و10 ميكرومتر (الميكرومتر = 1 من مليون متر)، وهي أولى أشكال الحياة التي ظهرت على سطح كوكبنا الأرضي، وتقع في أسفل سُلّم التطور – تطوّر الكائنات الحيّة، إلا انها كائنات متكاملة من حيث وجود مقوّمات الحياة لديها كالحركة والتنفّس والتكاثر، شأنها في ذلك شأن الكائنات الحية الأخرى متعدّدة الخلايا كالديدان والزواحف والأسماك والطيور والحيونات ... والثديّيات، وهي تقع على العتبات العليا من سُلّم التطوّر، ومنها الإنسان وهو قمّة التطوّر. ومعظم هذه الكائنات المتعددة الخلايا تتميّز بامتلاك أجهزة يتخصص كل جهاز منها في تأدية وظيفة معينة من الوظائف الحياتية المختلفة، فهناك الجهاز التنفسي، والجهاز الهضمي، والجهاز التناسلي، والجهاز العصبي المركزي (أي الدماغ أو المُخ) .... إلخ. وكُل جهاز من هذه الأجهزة يتركب من أنسجة، وكُل نسيج من هذه الأنسجة يتكوّن من آلاف الآلاف من الخلايا المختلفة من حيث الشكل والحجم والوظيفة.

صحيح أن الخلية المخية غير قادرة على التنفس ذاتيًا، وغير قادرة على التغذي ذاتيًا ولا تصلح نفسها بنفسها، إلا أن هناك مَن يقوم بخدمتها في كل ذلك من الأجهزة المتخصصة الأخرى ضمن الكائن الحي الذي يتكون منها، فالرئتان تخدمان المُخ في التنفس إذ تمدّانه بالأكسجين ولكن بإيعاز منه، والقلب يخدمه في التغذية عن طريق الدورة الدموية وبإيعاز منه ... وهكذا، أي أن المُخ – والذي سمّيناه "العضو المهيب" – هو الذي يتحكم في وظائف جميع أعضاء الجسم وأجهزته المختلفة، ومنها القلب والرئتان والعينان والكبد والجهاز الهضمي والجهاز التناسلي. وخلايا المُخ عالية التطور والتعقّد والتخصّص، ويصل عددها إلى المئات والآلاف والملايين وأكثر، وذلك حسب موقع الكائن الحي في سُلّم التطور. فعدد خلايا المُخ الإنساني يصل إلى البلايين. ويكتمل تكوّن خلايا المُخ بعد بضعة أشهر من ولادة الكائن الحي، فلا تتكاثر بعد ذلك، وإلا انفجرت جمجمته.

ولكن هل يصح أن نقارن بين الأميبا أو البكتريا ذات الخلية الواحدة وبين كيان متعدد الخلايا، بمجرد أن الأميبا تتنفس وتتغذى وتتكاثر ذاتيًا؟ علمًا بأن الأميبا تتنفس عن طريق ما يسمّى التنفس الخلوي البسيط حيث يتم استخدام الأكسجين في التفاعلات الكيميائية البسيطة بداخل الخلية وتنتج هذه التفاعلات الطاقة الضرورية لحياة الأميبا. فهل تجوز مقارنة جهاز التنفس البدائي هذا بالجهاز التنفسي لدى الكائنات العليا: الأنف، القصبة الهوائية، الرئتان؟

أما التغذية فإن الأميبا تتغذى تغذية غير ذاتية معتمدة على المواد العضوية المتحللة في البيئة التي تعيش فيها، وذلك عن طرق الأقدام الكاذبة – التي تظهر كانتفاخات وتختفي هنا وهناك من جسم الأميبا – والتي تحيط بالمادة العضوية المتحللة وتحتويها داخل فجوة في جسمها. فهل تجوز مقارنة ذلك بالجهاز الهضمي لدى الكائنات العليا: الفم، المريء، المعدة، المستقيم، الشرج ... ؟

أما تكاثر الأميبا فهو عبارة عن انقسام ثنائي بسيط حيث تنقسم نواة الخلية إلى قسمين يحوي كل منهما على نواة، فيكوّن عضوًا جديدًا. فهل تجوز مقارنة ذلك بالجهاز التناسلي لدى الكائنات العليا؟ فلدى الذكر منها: القضيب، الخصيتان، الحيوانات المنوية...؛ لدى الأنثى: الفرج، المهبل، البُييضتان ...].

أما قول أخينا أبي العطا بأن " العقل لمْ يستطع مخلوق أو باحث علمي إلى الآن تحديد ماهيته ولا كيف يعمل، او تحديد مكانه في الجسم، والقطع بأنه المُخ الإنساني هو مركز العقل لا دليل علمي عليه" فهو قول أقل ما يقال عنه أنه قول لا يمكن أن يتفوّه به إلاّ شخص مكابر أو شخص غير متابع للبحوث والمستجدّات العلمية في هذا الشأن. وما علينا إلاّ أن نقول له: إصح يا صاح، فقد درس العلماء – الغربيون أساسًا – الجسم الإنساني دراسةً عميقة معمقة بأكمله بما فيه العضو المهيب المُخ، ورسموا خرائط علمية دقيقة حوله، وراجع، كمثال، الموسوعة العربية العالمية، الطبعة الثانية، الجزء 10، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية، 1999 م، مادة "الدماغ"، صفحة 366 – 380.

3 يناير 2016 م