في وداع القائد الشيوعي فايز بجالي


فهمي الكتوت
2015 / 12 / 31 - 01:32     

غادرنا القائد الشيوعي والشخصية الوطنية المناضل فايز بجالي .. غادرنا الاخ الكبير والصديق الغالي الانسان فايز بجالي .. غادرنا بعد حياة مليئة بالنضال، كرس رفيقنا حياته دفاعا عن استقلال الأردن السياسي والاقتصادي .. ودفاعا عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره .. وحق العودة، ومن اجل الحرية والديمقراطية .. من اجل العدالة والمساوة .. من اجل الفقراء والمهمشين.. من اجل العمال والفلاحين.
بدأت مسيرته النضالية منذ نعومة اظفاره، وكانت أولى نشاطاته السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت، في بداية العقد الخامس من القرن الماضي، حيث كان الشارع العربي ملتهبا ضد الاستعمار ودوره في التآمر على الشعب الفلسطيني وطرده من وطنه، فصل فايز من الجامعة بسبب مواقفه التحريضية ضد السياسات الاستعمارية والرجعية تجاه القضية الفلسطينية.
رافق عودته الى البلاد اشتداد الازمات السياسية والاقتصادية، نتيجة الظروف المعيشية البائسة من فقر وبطالة، التي امتزجت بالعداء للسياسات الاستعمارية التي كانت سائدة في البلاد بقياد الضابط البريطاني جلوب، شكلت مناخا سياسيا ومقدمات موضوعية لبداية نهوض وطني وقومي ليس في الأردن فحسب بل وفي الوطن العربي عامة، اخذت تعبيراته بأشكال مختلفة. فقد هيأت الظروف المحلية والعربية لبروز حركة وطنية اردنية فاعلة، وشكل النهوض الوطني المعادي للهيمنة البريطانية، حافزا قويا لدور الحركة الوطنية الأردنية، كان فايز احد اعمدتها .. كان من أوائل الشيوعيين في الأردن الذين حملوا الراية، كان الى جانب يعقوب زيادين وعيسى مدانات ونبيه ارشيدات وغيرهم، ممن شكلوا حلقات ماركسية التحمت مع عصبة التحرر الوطني الفلسطيني بقيادة فؤاد نصار قائد العصبة. كان فايز فارسا وعلما من اعلام النضال من اجل التحرر الوطني والاجتماعي، وقائدا وطنيا ضد سياسة الأحلاف العسكرية التي كانت تستهدف النيل من الاستقلال الوطني، وتصفية القضية الفلسطينية، وأبرزها حلف بغداد.
رغم اختلاف الزمان والمكان كان الهدف الرئيسي لسياسات الاحلاف والتوطين في خمسينات القرن الماضي، نفس الاهداف والدوافع لتدمير دمشق وبغداد، والحروب المذهبية والطائفية التي ترعاها الانظمة الرجعية والصهيونية والامبريالية الاميركية لتصفية القضية الفلسطينية، كان وما زال الهدف واحد. وكما أفشل شعبنا الاردني وحركته الوطنية التقدمية التي كان فايز بجالي أحد قادتها سياسة الاحلاف فأننا على ثقة بان الشعوب العربية ستفشل الهجمة الاستعمارية الظلامية، كما سيدحر الشعب الفلسطيني المحتلين الصهاينة. وما نشاهده من تضحيات كفاحية وحركة ثورية شبابية في مواجهة الاحتلال الا تأكيد على ذلك.
وقف ابو فؤاد دفاعا عن الحرية والديمقراطية، وكان رمزا من رموز التغيير الذي شهدته البلاد في عام 1956 بنجاح الحركة الوطنية في اول انتخابات حرة ونزيهة، وتشكيل اول حكومة وطنية وإلغاء المعاهدة البريطانية. كان أبو فؤاد وطنيا وعروبيا بامتياز بدفاعه عن حق الشعوب العربية في التحرر والحرية والديمقراطية والوحدة العربية، وبدفاعه عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته وحقه بالعودة. كما كان مناضلا حزبيا ومدافعا عن فكر الطبقة العاملة، انتخب عام 1970 عضوا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الأردني.
كان جادا ومبدئيا بمواقفه السياسية، كان مناضلا فذا عنيدا لا يراوغ ولا يساوم على موقف مبدئي بعيدا عن الحلول الوسطية، كان صلبا حاد المزاج في مواجهة خصومة الطبقيين تصدى للإرهاب في أحلك ظلماته. لكنه كان طيب القلب انسانا ودودا يحظى باحترام وتقدير رفاقه ويتمتع بالوفاء والإخلاص لأصدقائه. كانت تقف الى جانبه رفيقة دربه المناضلة والقائدة النسائية شفيقة الشماس ليشكلا معا اسرة وطنية نموذجية.
دفع من حياته وحياة اسرته ثمنا باهظا لمواقفه المبدئية في السجون والمعتقلات والاضطهاد منها ثمان سنوات متواصلة في معتقل الجفر الصحراوي 1957- 1965، ومنها الاعتقال في زنازين المخابرات، وقد زار اهم السجون الأردنية المحطة والجويدة، وكان اخرها سجن سواقة في نيسان عام 1989 حين كان احد القادة المعتقلين بسبب مواقفه النضالية وتصديه للسياسات الحكومية بتحميل المواطنين اعباء الازمة المالية والاقتصادية بعد انهيار سعر صرف الدينار امام العملات الاجنبية ، واختفاء احتياطات البلاد، وإفقار وتجويع المواطنين، وتفشي مظاهر الفساد، وإخضاع الاقتصاد الوطني لاملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين. نم قرير العين يا رفيقي .. فالمبادئ الإنسانية التي ناضلت من اجلها ستنتصر، وما تفاقم الأزمة المالية والاقتصادية التي تعيشها المراكز الرأسمالية الا تعبير عن ذلك، وثورة الجياع والمهمشين ستنتصر.