حتى لا يصل وهج الديمقراطية السعودية الى لبنان


خالد حدادة
2015 / 12 / 12 - 19:40     


قبل الحديث عن لبنان، وبالتقاطع مع الضجة السياسية فيه، لا بد من الإشارة في الموقف الى عدة أحداث لافتة.

الأحداث الأولى، على المستوى العالمي، تتعلق بالولايات المتحدة وفرنسا وفنزويلا والحدثين الأخيرين، يتعلقان مباشرة بالملكية السعودية، ومدرسة الديمقراطية التي افتتحتها اليوم.

الأبرز هو الانتخابات الإقليمية في فرنسا، والتي رفعت اليمين الفاشي الى مرتبة الحزب الأول انتخابياً، على حساب اليمين التقليدي والاشتراكية الديمقراطية وأيضاً على حساب اليسار وكما يقول العديد من المحللين الفرنسيين، على حساب "الجمهورية" ومبادئ الديمقراطية الفرنسية.

لقد أشرنا في المقال السابق، الى شريان الدعم الخفي، بين الحركات الإرهابية التي تلبس لبوس الدين الاسلامي، وبين التطرف اليميني، الذي يشابه بمنطقه وممارسته التطرف الإرهابي، وإن كان يأخذ اليوم سلاح الديمقراطية ممراً للسلطة. وهذا ليس بجديد، فالنازية الألمانية أتت إلى السلطة بواسطة الانتخاب الشعبي وليس بالإنقلاب او الثورة. وكذلك الفاشية الايطالية قبيل الحرب العالمية الثانية.

أما الأساس المشترك، فهو الأزمة الاقتصادية الأولى للرأسمالية قبيل الحرب الكونية الثانية وبالتالي ازدياد معدلات الفقر والبطالة في المانيا وايطاليا وغيرها من الدول الأوروبية. والأزمة الراهنة للرأسمال الأوروبي في ظل النيوليبرالية، وتدهور الصناعة والإتجاه نحو سيطرة رأس المال المالي والعقاري، مما أدى الى ازدياد الفقر والبطالة لدى الشعب الفرنسي كله وبشكل مضاعف، لدى المهاجرين المتحدرين من أصول عربية وأفريقية.

كما اشرنا الى مساهمة اليمين الفرنسي بقطبيه، اليمين (ساركوزي) والاشتراكي (هولاند) في ازدياد التأثير الديني المتطرف بواسطة المال السعودي والقطري وبواسطة الآلاف من المراكز الدينية المدعومة من المال السعودي والمعيّن مرشديها من بين الوهابيين. وبالتالي افساح المجال لنمو حركة الالتحاق بالفكر الوهابي والحركات الإرهابية بين المهاجرين العرب والأفارقة كما بين الشباب الفقير والعاطل عن العمل ومن أصول فرنسية.

والمنطق ذاته ينطبق، على السيد "ترامب" مرشح الحزب الجمهوري لإنتخابات الرئاسة الأميركية، الذي يحاول تقليد السيدة "لوبن" واعتماد المواقف والتصريحات نفسها، بوجه الاسلام والمسلمين، في محاولة لصعود انتخابي يتماثل مع ما جرى في الانتخابات الفرنسية.

وللمصادفة فإن حزب ترامب، هو الأكثر انغماساً بالتواطؤ مع العائلات المالكة في السعودية والخليج في نهب خيرات العرب (والمسلمين) وبالتالي في تأسيس عوامل الفقر والبطالة والهجرة الى أوروبا وأميركا...

أما الحدث الثالث، فهو ما جرى في "فنزويلا" وهنا المسؤولية ذات وجهين. الأول هو التآمر الخارجي، الولايات المتحدة تحديداً، مع الداخل البرجوازي الفنزويلي والمتمثل في انخفاض سعر البترول وزيادة الحصار الاقتصادي على فنزويلا. أما الثاني فهو تشبه السلطة الفنزويلية، ببعض السلطات العربية، لناحية غياب البرنامج التنموي والاقتصادي ـ الاجتماعي، والاتجاه لسيطرة الحزب الواحد، المحتضن لكل أشكال الانتهازية والفساد الذي زاد من فعالية التآمر ووفر المناخ لنمو تأثيره. وهذا ما يستدعي من الرئيس الفنزويلي، تحديداً ومن الأحزاب اليسارية، سرعة الفعل في تقييم العمل والممارسة لتحسين شروط المواجهة مع المؤامرة الخارجية ومع اليمين المحلي.

* * *

أما الحدثين الأخيرين، فميدانهما المباشر، هو مدرسة الديمقراطية الحديثة في ملكية آل سعود. حيث لا يستحي ويفعل ما يشاء، الحاكمون بأمرهم من آل سعود، ويجمعون المعارضة السورية، "المعتدلة" من أجل صياغة خطة موحدة للعملية الديمقراطية في انتقال السلطة داخل سوريا.

هذا الانتقال الديمقراطي، الذي طال اشعاعه اليمن تحاول السعودية اليوم نقله الى سوريا. ويبدو ان هذا الحس الديمقراطي المتطور للعائلة المالكة، هبط عليها فجأة محملاً على التطورات السورية الأخيرة.

أما الحدث الديمقراطي الثاني فهو المتزامن، مع الهبة الديمقراطية الأولى في المملكة والمتمثل بالإجراء المتخذ بحق تلفزيون "المنار" وقبله "الميادين" وبعده..... مما يجعلنا مرعوبين من أن يصل هذا الاشعاع الديمقراطي الى لبنان، ممزوجاً بتصريحات "احمد الحريري" وتوقعاته الديمقراطية .

* * *

وقبل الحديث عن التطورات السياسية "الداخلية"، اجد من المفيد رواية ما قرأته مرة عن فلاح بريطاني في القرن الثامن عشر... يروى ان فلاحاً بريطانياً، رأى مرة أبنة الملك وأعجبته زوجة لأبنه الفلاح الشاب الوسيم وتمنى ان تصبح الأميرة زوجة له. ووصلت به التمنيات الى مرحلة تخيلها واقعاً... ودعا اهل قريته لحضور حفل خطوبة ابنه على ابنة ملك بريطانيا وعندما سُئل عما جرى. أجاب بأنه وأبنه وزوجته موافقون وبقي عليهم خطوة بسيطة جداً هي موافقة الملك وزوجته والأميرة. طبعاً بالنسبة لنا، الشاب الوسيم أفضل بكثير من ابنة الملك ولكن يبدو، ان ممارسة سعد الحريري ومن يرعاه في الخارج قاربت بالمضمون ممارسة الفلاح وزوجته، ومن سيدفع الثمن سيكون الشاب الوسيم، الذي صدق روايتهما...

والشاب الوسيم هنا، ليس فقط سليمان فرنجية، بل الشعب اللبناني ولبنان بمجمله.

يعيش لبنان اليوم، ضجة المبادرة الأميركية ـ السورية ـ الفرنسية، المطبوخة على عجل بفعل التطورات الميدانية في سوريا وفي محاولة لأقتناص ما يمكن اقتناصه على مستوى النفوذ السعودي في لبنان.

وشيء طبيعي، ان يحاول أصحاب المبادرة، تسويقها عبر ثلاثي الطائف اللبناني، الحريري، جنبلاط وبري. هذا الثلاثي الذي يستنفر دفاعاً عن النظام الطائفي في لبنان وبالتالي لمحاولة تحضير الأجواء عبر صفقة تنقذ ها النظام من أزمته. على حساب مصلحة الوطن ومصلحة الشعب اللبناني.

ولقد ساهم وإن بشكل غير مباشر، في الدفع بهذا الاتجاه. ما جرى خلال الحراك الشعبي، من تكشف كل جوانب الوجه البشع لهذا النظام على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

إن تعثر هذه الصفقة، لا يعود فقط، لإستعجال سعد الحريري في طرحها واستعجال القوى الدولية ـ الإقليمية في تبنيها. بل أيضاً في انكشاف استهدافها الأساسي وهو الدفاع عن النظام الطائفي ومعالجة تصدعاته من جهة، وإعادة سعد الحريري مجدداً للتحكم مع فريقه بمقدرات البلد من خلال سيطرته على الحكومة وإعادة تجديد الطاقم النيابي عبر التجديد لقانون الانتخابات "الجريمة" المتمثل بقانون الستين.

إن الإستهداف المشار له، ليس مرفوضاً لأنه طرح اسم سليمان فرنجية رئيساً، وهو مرفوض أيضاً لو طرح أي اسم آخر مكان فرنجية حتى لو كان ميشال عون أو حتى اي رمز يساري...

إن الطبخة من أساسها مسممة، ويُستهدف خلالها طموح الشعب اللبناني بحد ادنى من التغيير والعدالة الاجتماعية ومواجهة ومحاسبة الفساد والفاسدين.

المدخل الوحيد المتبقي لإنقاذ لبنان. هو اعادة تكوين السلطة باتجاه الدولة المدنية الديمقراطية، دولة الرعاية الإجتماعية ومدخلها الوحيد هو قانون انتخاب خارج القيد الطائفي وعلى أساس الدائرة الواحدة والنسبية.

ولأن مجلس النواب الحالي عاجز عن اخذ هذا القرار واقرار هذا القانون. فإن البلد سيجد نفسه حتماً أمام ضرورة عقد مؤتمر وطني للإنقاذ يعيد تكوين السلطة وبناء الدولة في لبنان وهذا ما يطرح على كل القوى الديمقراطية ضرورة التوحد في الضغط من اجل فرض موازين قوى قادرة على تحقيق هذا الخرق.