الأصوليّة هي الأصوليّة في كل مكان وزمان !


شامل عبد العزيز
2015 / 12 / 12 - 15:13     

" الحرّية بذرة و هذه البذرة لا تنمو بالماء و إنما بالدماء وحدها تنمو و تترعرع " كازانتزاكيس ..
المسيحيّة في الغرب نجحت والإسلام في الشرق لا يزال يمتحن .. نجاحه متوقف على أتباعه ,, بغير ذلك حرث في الماء ومحاربة طواحين الهواء ولا بدّ من التوقف عن البكاء والنحيب والابتعاد عن التكرار المُمل الذي لا يسمن ولا يغني من جوع ,على النخب الإسلاميّة عمومًا والعربيّة خصوصًا أن تعي ذلك جيدًا .
لم تنجح المسيحيّة في الغرب إلاّ بعد أن خاضت صراعًا مع الأصوليّة المسيحيّة وبعد أن سألت الدماء ونحن تسيل دماءنا هدراً ..
الأديان مرحلة تاريخيّة ومن لا يقرأها بهذه الطريقة سيبقّ يلف ويدور في مكانه ولو بعد مائة عام أو ألف ..
لا صراع إلاّ مع الأصوليات المدعومة من قبل الطغاة في بلادنا ناهيكم عن الدعم الخارجيّ ولكن هذا ليس مبررًا للوقوف على الأطلال .
من يقف في مكانه سيسحقه الزمن وتسحقه الحياة وتجعله على الهامش كما نحن حاليًا ..
منذ 11 سبتمبر لغاية اليوم لا صراع إلاّ مع الأصوليّة الإسلاميّة بالرغم من ظهور العديد من الأسماء والمُسميات والقادة والأعوان ولكن النتيجة واحدة ..
لا أجد فرقًا بين الأصوليّة هنا وهناك – بين الشرق وبين الغرب – بل على العكس الأصوليّة هي الأصوليّة في كل زمان ومكان .
في زمن الكاثوليكيّة المسيحيّة وفي زمن داعش وشقيقاتها أو القاعدة وأخواتها .. ما هو الفرق ؟
هم أصحاب الحقيقة المطلقة – ولا حقيقة مطلقة – هم الذين يُريدون أن يجعلوا الناس على أمة واحدة – يا أبيض يا أسود – ولا وجود للون الرمادي في أذهانهم أو عقولهم مع العلم أن المنطقة الرماديّة هي المنطقة الغنيّة ومعها الألوان المتعددة .
هذه هي " الفاشيَّة الخالصة ، هو أن تجعل شعبًا أو دينًا فوق الآخرين جميعًا ، والرَّغبة بأن تبيد أو تسحق بقيَّة الشُّعوب "
حسب تعبير " أوسنه سييرتاد صحفيَّة وكاتبة سياسيَّة نرويجيَّة وصاحبة كتاب مئة يوم ويوم عن العراق عندما كانت مراسلة حربيّة هناك .
على سبيل المثال :
{ أندرس بريفيك (الإرهابيّ اليمينيّ العنصريّ النَّرويجيّ الَّذي قتل 77 فتى وفتاة بدم بارد عام 2011 في هجومه على معسكر لمنظمة شباب الحزب الإشتراكيّ الدّيمقراطيّ في النرويج إعتراضًا على أفكار الحزب في التَّسامح والتَّرحيب بالمهاجرين).
ماذا كان يُريد أندرس بريفيك ؟
" كان بريفيك يريد محو الإسلام من أوروبا ، فالمسلمون يجب أن يُقتلوا إذا لم يتحوَّلوا إلى المسيحيَّة ، الإرهابيُّ النّرويجيُّ أراد أن يمحق كلّ أثر للإسلام في أوروبا ، كلّ المساجد وكلّ الأماكن العزيزة على المسلمين , كان بريفيك يرغب بأن يتمَّ منع التَّحدث بلغات كالعربيَّة والصوماليَّة والفارسيَّة والأورديَّة، وتمنع الأسماء الإسلاميَّة" ...
وهو نفس الاختيار الَّذي تضعه داعش أمام الأقليَّات القوميَّة والدّينيَّة ، فإمَّا أن يُذبحوا وإمَّا أن يدفعوا “ الجزية ” مقابل حمايتهم . وداعش تحرق الكنائس وتثبّت فوق أطلالها المحترقة راياتها السُّود ، فيما تفجّر مباني عصور ما قبل الإسلام وتحوّلها إلى شظايا صغيرة . وداعش تريد أن تمحو مجاميع سكانيَّة برمتها ، تمحو شعوبًا لا تعتبرها بشرًا وإنَّما مجرَّد غنائم حرب ، كاليزيديين . والقائمة طويلة في القواسم المشتركة بين الفريقين المتطرّفين : من كراهية النّساء إلى الكلام عن الشَّرف وعن الشَّهادة إلى التَّعطش للسُّلطة " ..
هذه هي الفاشية في قمتَّها ..
فشل مشروع أندرس بريفيك فهل سينجح مشروع داعش ؟
هذا متوقف على أهل الشأن من النخب الإسلاميّة والعربيّة ..
داعش على غرار بوش الأبن أيضًا ,, كيف ذاك ؟
حسب الصحفيّة النرويجيّة :
داعش تعرف ماذا تريد ، وهي لا تخفي دوافعها . في نشرتها “ دابق ” لشهر شباط ( فبراير) هذا العام ذكرت أنَّ هدفها هو “ شطب المنطقة الرَّماديَّة ”. وتقول النَّشرة أنَّ الكفاح ضدَّ المنطقة الرَّماديَّة بدأ مع هجمات 11 سبتمبر 2001 عندما وجدت البشريَّة نفسها إزاء معسكرين عليها أن تختار بينهما : معسكر الإسلام ومعسكر الكفَّار . وتحيل إلى قول لأسامة بن لادن : “ بوش كان محقًّا عندما قال ” أنت إمَّا معنا أو مع الإرهابيين“، فإمَّا إنّك مع الصليبيين وإمَّا إنَّك مع الإسلام ”. فداعش ، ببساطة ، يمكنها أن تتبنى خطاب بوش عن محور الشَّر، ولا يتطلَّب الأمر سوى أن يتبدّل المحور من منطقة إلى أخرى، ومن دولة إلى أخرى . فمثل بوش ، تطالبك داعش بأن تكون إمَّا مع أو ضدّ .
بوش الأبن في حربه على العراق استخدم العبارة الانجيليّة :
«من ليس معي فهو ضدي..» (متى: 12:30 / لوقا: 11/23)
He that is not with me is against me
[Matthew 12:30] [Luke 11:23]
هؤلاء هم من يُريدون أن يجعلوا العالم على أمة واحدة وهذا لا يستقيم فالمنطقة الرماديّة هي المنطقة التي تسعى الأصوليات لمحوها وهنا لن يكون للحياة أي طعم وقيمة .
لا بريفيك النرويجي ذهب لقتل من يكرههم ولا داعش كذلك ..
هو لم يذهب لقتل الدعاة وداعش ذهبت للمسرح وللملعب وللمقاهي حيث لا أحد يعرف من هناك ومن أي جنسيّة أو دين أو طائفة .. هم لا يُحبون المنطقة الرماديّة والألوان المنوعة والعديدة ..
الكارثة أن داعش التي تدعي أنها متمسكة بالإسلام والنصوص تتغافل عن نص صريح في القرآن يقول : وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ 118 .
التحالف ضدّ داعش :
من رحم القاعدة وُلدت داعش ومن رحم داعش سيلد دواعش وفواحش ,, لو أنَّ مائة دولة تستخدم كل دولة مائة طائرة تضرب داعش كل يوم مائة مرة لن يُقضى عليها ؟ لماذا ؟ لأنَّ داعش خلايا نائمة وذئاب منفردة ومجموعات هنا وهناك يعيشون معنا ويسيرون بجانبنا – داعش فكر وعقيدة ودروس وفتاوى وإيمان وشيوخ وإدعاء الحقيقة المطلقة وردة فعل لظواهر وآفات اجتماعيّة وأوضاع اقتصاديّة وسياسيّة وثقافيّة ودينيّة هالكة بائسة وحكم استبداديّ وتهميش وإقصاء وقضايا دوليّة لم يُحسم أمرها بصورة صحيحة .
سيدمرون المدن نتيجة القصف الجويّ بكل تأكيد وسيكون هناك المزيد من الضحايا بين صفوف المدنيين وسيكبحون جماحها لفترة ولكنها ستعود أشرس مئات المرات .
لن نهنأ ولن يهنأ معنا العالم بوجود الأصوليات ما لم يتم علاج الأسباب الرئيسيّة كافة التي ساهمت وخلقت هذه الأصوليات وهذا العلاج لن يكون سهلاً ولا قريباً ..
إنه أقرب إلى المستحيل في المشهد السياسيّ الحاليّ – محليًا – اقليميًا – دوليًا ...
قال رئيس الاتحاد الأوربيّ هل هناك تغيير في سياسة داعش نتيجة الضربات الجويّة ؟ الجواب نعم ولكن هل الضربات الجويّة ستقضي على داعش ؟ الجواب لا ..
نعم ,, بعد أحداث باريس وما تلاها هناك تغيير في سياسة داعش بحيث اتجهت إلى دول التحالف التي تقصف مواقعها في كل من العراق وسوريّة ..
( ذكر شاهد عيان في الهجمات الأخيرة في باريس أنَّ الإرهابيين كانوا يهتفون أثناء الهجوم بأنَّ هذا انتقام من القصف الجويّ الفرنسيّ في سوريا . ) .
لماذا ؟ الجواب هو :
{ أعلنت داعش بأنَّ هجمات باريس ليست الأخيرة وتعد بالمزيد من الهجمات ، والمزيد من الضحايا . فكيف سندافع عن أنفسنا ؟
هل بالمزيد من القصف على سوريا ؟ هل ما نزال نعتقد بأنَّ قنابلنا يمكنها أن تقلّل الإرهاب ؟ إذا كان ثمَّة شيء تعلمناه من “ الحرب على الإرهاب ” فهو إنَّه فاشل . وللأسف لا نرى سوى حلول سيّئة في سوريا ، ويمكن أن تصير أسوأ . يهلل الجهاديون على صفحات تويتر لهجمات باريس وفي الخلفيَّة يعرضون صور أطفال سوريين مقطعي الأوصال ، وأطفال مفتوحي البطون ومحطمي الرُّؤوس ، وأجساد محروقة . إنَّ أنصار داعش يبرّرون جرائم القتل في باريس بهؤلاء القتلى في سوريا . إنَّ مزيدًا من القصف سيؤدّي لا محالة إلى مزيد من الضحايا المدنيين . من الممكن مكافحة داعش عسكريًّا في سوريا والعراق ، مؤقتًا على أيَّة حال ، ولكنَّ القصف لا يمكنه أن يوقف الإرهاب . لقد أوضحت داعش دائمًا بأنَّ الحرب في سبيل الخلافة يجب أن تمتدَّ أيضًا إلى أوروبا والغرب ، والنَّاطقون باسمها دعوا أنصارهم إلى أن يبادروا بأنفسهم إلى تنفيذ هجمات : أن يهجموا بسيارة على مجموعة من النَّاس ويدهسوهم أو أن يطلقوا النَّار حواليهم في مراكز التَّسوُّق } .
فمن سينجو ؟
منذ 13 نوفمبر تشرين الثاني لغاية اليوم – أقل من شهر – ماذا يحدث في العالم ؟ هرج مرج – حيص بيص – من أوباما إلى أصغر رئيس - كم مرّة ذكروا كلمة – داعش – الحرب على الإرهاب – القضاء على داعش ؟ كم عدد الاجتماعات – كم عدد اللقاءات – بوارج وسفن حربية وفرقاطات وطائرات ,, إلخ .
تابعوا ماذا يحصل وماذا يدور ,, هل كل هذا عبث ؟
القنوات الفضائيّة والتحاليل الأخباريّة وصنّاع القرار ومراكز البحوث والدراسات والمذيعين والمذيعات والمراسلين والمراسلات والصحف الورقيّة والإلكترونيّة ناهيكم عن المخابرات والاستخبارات ,, هل لديهم غير داعش ؟
إلى أين يسير هذا العالم وما هو دور العرب في كل ما يجري ويحصل ويحدث وما هو المصير ؟
ختامًا :
إنَّ الإرهابيَّ الَّذي يعرف ضحاياه هو الأخطر على الإطلاق . أوسنه سييرتاد ..