رسالة موسكو البالستية محتواها خلاصة لدروس تجرتين


فلاح علي
2015 / 12 / 9 - 13:48     

1- التجربةالأفغانية :
بعد دخول القوات السوفياتية الى افغانستان في كانون اول / من العام 1979 , ارعب هذ الحدث امريكا والسعودية, لأن تواجد القوات السوفياتية في افغانستان هذا يعني ان المحيط الهندي والخليج العربي اصبحا تحت سيطرة القوات السوفياتية , لا سيما اصبح لهذه القوات الامكانية في التحكم بخطوط ناقلات النفط المتجهة للغرب, اضافة الى تأثيرها على منطقة الشرق الاوسط وحضورها فيه . أثر هذا التطور قررت الأدارة الامريكية برئاسة جيمي كارتر زيادة التسليح الذي كانت تقدمه للجماعات المتطرفة لأسقاط النظام اليساري في افغانستان ,مع ضخ الاموال واطلاق الفتاوي وتعبأة مقاتليين من عدة بلدان لمقاتلة الجيش السوفياتي في افغانستان . إنسحب الجيش السوفياتي من إفغانستان في نهاية عام 1988 واكتمل الانسحاب في شباط من عام 1989 , الا ان كل شعوب العالم أدركت تماماً ان الولايات المتحدة الأمريكية لم تترك الشعب الافغاني لأن يختار بأرادته نظامة السياسي الوطني ,فواصلت دعمها للقاعدة والمتطرفين الاسلامين في إفغانستان حتى بعد انسحاب القوات السوفياتية, لا بل قامت بتشكيل قوى متطرفة جديدة ومدتهم بمختلف انواع الدعم . ((أوعزت امريكا للحكومة العسكرية في باكستان لتأسيس حركة طالبان, وبهذا شارك الاميركان في تأسيس حركة طالبان بصورة خاصة ))((1)) . وحينها وصف الرئيس الأمريكي جيمي كارترهؤلاء ( بالمناضلين من اجل الحرية ) وكان الهدف من تشكيل ودعم هؤلاء المتطرفون هو لاسقاط نظام نجيب الله , وهذا ما تم بدعم مباشرسعودي قطري باكستاني وبشكل غير مباشر من دعم أميركي وقد إسقط النظام السياسي الوطني في إفغانستان وإعدم نجيب الله , في ظل تراجع مواقف موسكو لأسباب وعوامل وظروف عدة .
2- التجربة السورية :
المشترك والمختلف في التجربتين :
1- اللعبة الأفغانية تكررت في سوريا اللاعب الرئيسي فيهما امريكا وحلفائها الرسميون وهم عدد من الدول وغير الرسميون وهم الجماعات المتطرفة التي سمتهم امريكا بالمجاهدين او بالمناضلين من اجل الحرية . وهؤلاء جميعاً اصبحوا حلفاء امريكا اينما تحل جيوش امريكا يحلوا معها وينفذوا اجنداتها ومصالحها بالنيابة .
2-دعم ( المعارضة المعتدلة ) في سورية وهذا هو برنامج او خطة امريكية لتقديم المساعدة للمعارضة المعتدلة والهدف هو اسقاط نظام بشار الاسد , في عام 2012 بدأت امريكا بتنفيذ خطتها بتدريب المعارضة المعتدلة السورية في الاردن , وسماهم الاعلام الامريكي ( ثوار من اجل حرية الشعب السوري ) وزودتهم بالسلاح والعتاد والمال ودعمتهم اعلامياً وسياسياً . الا ان هذه المجموعات بعد انتهاء فترة التدريب انتقلوا الى صف داعش المتطرفة الارهابية , وكان هذا دعم غير مباشر امريكي لتقوية داعش التي اسهمت هي وحلفائها السعودية وقطر وتركيا في تأسيسها , وهنا تكررت اللعبة الافغانية في سورية في صناعة ودعم القوى المتطرفة .
3- كان المشترك في التجربتين هو تنفيذالاجندات الامريكية على ايدي حلفائها المتطرفين وعلى حساب مصالح الاوطان والشعوب , وكما سمحت امريكا الى تحويل افغانستان الى معسكر لتدريب جيوش من المتطرفين وفدوا اليها من بلدان عربية واسلامية , واطلقت الفتاوي حينها زوراً من بعض رجالات الاسلام السياسي المحسوبين على السعودية وقطركفتوى يوسف القرضاوي الشهيرة ( الجهاد في افغانستان هو فرض عين على كل مسلم) . وأسست مدارس رسمية وغير رسمية في افغانستان وباكستان تقدم الدروس وفق مناهج التطرف وتم تخريج آلاف من المتطرفون الأرهابيون , وبعضهم يتم تصديرهم الى المكان الذي تحتاجهم فيه الاجندات الامريكية . فمناهج التطرف سمحت لهؤلاء المتطرفون الى قطع رؤوس بعض الجنود الأسرى الروس ورمي هذه الرؤوس في الشوارع ليلعب بها الاطفال ككرة قدم , وتعليق اجسادهم على اعمدة وسلخ جلودهم . هذه هي فصول من المناهج التي اسهمت امريكا والسعودية في ترسيخها في عقول ما تم تسميته بالمجاهدين او المناضلين من اجل الحرية .
4- هذه اللعبة الامريكية تكررت في سورية حيث تحولت سوريا الى معسكر لتدريب آلاف الارهابيين الذين دخلوا اليها من عدة بلدان عبر تركيا وبعلم حكوماتهم , وتم ارسال آلاف منهم الى العراق واعادة البعض منهم الى بلدانهم ليقوموا باعمال ارهابية فيها . وتعلم هؤلاء الوحوش في معسكرات تدريبهم على فنون الاجرام والقتل والاعمال البشعة , من قتل الاسرى واكل اكبادهم وحرقهم وهم احياء وقتل الاطفال ودفن بعضهم احياء مع عوائلهم كما حصل مع الأيزيدية في العراق .
5- ما هو مشترك في التجربتين بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية هو ضمان مصالحها في منطقة الشرق الاوسط وتعزيز تواجدها الدائم الاستراتيجي في هذه المنطقة .
6- لكن ما هو مختلف في الازمة السورية هو ان موسكو قرأت بشكل جيد التطورات الخطيرة للأزمة , فأتخذت قرارها في 30-9-2015 ببدأ عاصفة السوخوي , التي أوقعت خسائر فادحة في صفوف ومواقع الارهابيين الذين يحاربون بالوكالة عن الولايات المتحدة الامريكية وحكومة أوردكًان والسعودية وقطر. لا سيما ان امريكا تدعي انها تدعم المقاتلين المعتدليين , ولكن على الارض أدركت موسكو ان ورقة دعم المقاتلين المعتدلين هي لتغطية دورهم الرئيسي في دعم داعش وجبهة النصرة والجبهة الاسلامية والقاعدة وجيش الفتح والاخوان المسلمون .... الخ . ان عاصفة السوخوي أربكت هذه الدول وشلت قدراتها وعطلت خططها واستراتيجيتها واحرجتها امام شعوبها وامام الراي العام العالمي .
الرسالة البالستية الجديدة لموسكو :
1- بعد اسقاط تركيا لطائرة السوخوي الروسية في كمين جوي معد له مسبقاً من قبل حكومة أوردكًان وبعلم امريكا , والهدف هو لغرض اختبارومعرفة رد الفعل الروسي لأجل فرض أجندات على روسيا والحد من اندفاعها في سورية . لكن الرد الروسي جاء بشكل عنيف وحاسم وسريع ومباغت , وكان صاعقة مدوية في المنطقة والعالم , حيث أدخلت روسيا الى سورية صواريخ SS400 كما أدخلت طراد موسكووما يحمله من قوة صاروخية تدميرية اضافة الى ان موسكو نصبت عليه ايضاً صواريخ SS400 . علماً ان هذا الطراد تخشاه كل حاملات الطائرات ويطلق عليه العسكريون الغربيون لقب ( صياد حاملات الطائرات) .
2- بهذا الرد السريع الصاعق على سقوط طائرة السوخوي تغيرت موازين القوى في منطقة الشرق الاوسط لصالح الدور الروسي , وانتهى خيار امريكا وتركيا لأسقاط النظام عسكرياً , واربك الرد وعطل خطط وتوجهات واجندات اخرى بما فيها مشروع الشرق الاوسط الجديد .هذا التحول في موازين القوى بلا شك انه لصالح شعوب المنطقة ودولها وسيساعد على دحر داعش وستتحرر المدن في سورية والعراق من سيطرتها , ويحتمل ان تعزز روسيا دورها اكثر بأدخال تكنولوجيا عسكرية اكثر تطوراً , لتشل قدرة هذه الدول وتضع حداً لها في صناعة قوى متطرفة جديدة او استخدام القوة العسكرية ضد بلدان اخرى .
3- ارى من وجهة نظري ان الرد الروسي الحاسم منذ بدأ عاصفة السوخوي الى اسقاط طائرة السوخوي , كان يحمل رسالة بالستية موجهة الى امريكا وتركيا و الى دول اخرى تقول فيها ان ( اللعبة قد انتهت ). أي اللعبة التي بدأتموها في افغانستان في عام 1979 , قد انتهت اليوم في سورية , وان موسكو في زمن غورباتشوف ويلتسن ليس هي نفسها في زمن بوتين , ( بلا شك مع الفارق في طبيعة النظام السياسي في زمن غورباتشوف كان نظام اشتراكي ) ولكن في تلك المرحلة كانت موسكو تتراجع لظهور بوادر نظام دولي جديد ( نظام القطب الواحد) . اليوم موسكو تهيئ منذ عقد من السنين لظهور نظام دولي جديد آخر هو ( نظام التعددية القطبية) الذي سيفرض التوازنات الدولية في العالم , وستتوقف لاحقاً كل الحروب واعمال العدوان . كما حصل ذلك في اوربا عندما ظهر نظام دولي جديد وظهرت توازنات اوربية جديدة ,ما نتج عنها آنذاك توقيع اتفاقية فينا في عام 1815 وعاشت اوربا والعالم بسلام لمدة حوالي مئة عام .
4- ارى ان الرسالة البالستية الروسية تهدف الى اعلام كل الاطراف بالاقرار بأن النظام الدولي الحالي هو نظام التعددية القطبية .وان هذا النظام الدولي الجديد لم تصنعة الازمة السورية , وانما فرض حضورة منذ حوالي عقد من السنين , حيث تجلت ملامحة منذ عام 2007 عندما قررت امريكا نصب الدرع الصاروخي في بولونيا فكان رد روسيا بأكتشاف صاروخ بالستي يخترق الدرع الصاروخي , فما كان امام امريكا الا تأجيل نصب الدرع الصاروخي . ثم جاءت الحرب مع جورجيا في عام 2008 , فكان الرد الروسي العسكري حاسم وسريع وتم استقلال جمهوريتي اوسيتا وافغاسيا وهذا مما أذهل الناتو , ثم حصلت الازمة في اوكارانيا وحسمت لصالح روسيا واستقلال القرم كان درس بليغ لأمريكا ودول العالم . بهذا ارى ان الرسالة البالستية التي اوصلتها موسكو في سورية على اسقاط طائرة السوخوي , كأنها تقول فيها هذه هي ليس الرسالة البالستية الاخيرة , وستتبعها رسائل أكثر خطورة , لا سيما ان الرسالة وضعت خطوط حمراء روسية .
5- هكذا فهمت تركيا وامريكا الرسالة الروسية , فتراجعت تركيا وهي في حالة رعب , بعد ان حولت صواريخ س س 400 الاجواء السورية الى منطقة آمنة , وارى من وجهة نظري ان تركيا ستغيير من استراتيجيتها في دعم داعش والجماعات المتطرفة ولكن على مراحل , كما ان الرسالة البالستية الروسية رفعت الورقة الحمراء امام رحيل الرئيس السوري بشار الاسد , وأكدت ان الشعب هو الذي يقرر والاولوية لمكافحة الارهاب , بهذا التغيير في موازين القوى جاءت تصريحات كيري في يوم 4-12-2015 وهو يؤكد انه يمكن للمعارضة ان تتوحد لمحاربة داعش في ظل وجود الرئيس الاسد وبالامكان اجراء حوار بين المعارضة والنظام وكأنها تريد ان تقوم بدور وسيط وأدركت ان الاولوية هي لمحاربة داعش كما سبقتها فرنسا في هذه الوجهة .
6- الرد الروسي السريع اكد خلافاً لما يقال ان روسيا قد علقت في المستنقع السوري , ارى ان روسيا لم تغرق في المستنقع السوري انها تدعوا الى الحل السلمي للأزمة السورية , وترفض ان تتفرد اي من الدول بقرار الحرب , وتريد ان تعهد ذلك الى مجلس الامن والقانون الدولي هو الذي يتخذ قرار الحرب والسلم . لكن كما يلاحظ منذ بدأ الازمة الى الآن ان امريكا وحلفائها ولا سيما تركيا والسعودية هم الغارقون في المستنقع السوري , لأن هذه الدول وبالذات امريكا كررت اخطائها في افغانستان , بأعتمادها على الارهابيين لأسقاط النظام في سورية , وتمارس اللعبة المزدوجة تدعوا الى محاربة الارهاب من جهة , وتدعم وتمول ارهابيين من جهة اخرى .
7- ان استخدام العنف و الحرب في الازمة السورية ودخول قوى متطرفة ارهابية فيها , هو ليس من اجل ان تتحقق الديمقراطية في سورية كما يروج له الاعلام الامريكي وحلفائها , وانما هي حرب بالوكالة لتنفيذ أجندات امريكية واقليمية , ولولا عاصفة السوخوي فأن امارة لداعش ستقام في سورية . ان الشعب السوري وقواه الوطنية والديمقراطية واليسارية والليبرالية تتطلع الى الخلاص من داعش والارهاب والتطرف وحل الازمة السياسية سلمياً , واقامةالنظام الديمقراطي وانهاء الدكتاتورية فيها سلمياً وبناء سورية حرة متطورة وعودتها كدولة ديمقراطية اقليمية فاعلة .
9-12-2015
1- يفجيني بريماكًوف-حقول ألغام السياسة - تعريب عبد الله حسن - دار الفكر دمشق – السنة 2001 ص- 77 .