مدرسة فرانكفورت، القسم الثامن: إلى أين نمضي من هنا؟


هشام عمر النور
2015 / 12 / 7 - 20:11     


بيتر تومبسون


ترجمة هشام عمر النور


إن حالتنا الراهنة من التخلخل الاقتصادي وصعود تيارات أقصى اليمين تعكس مرحلتي مدرسة فرانكفورت؛ وهي حالة يجب أن نتغلب عليها بالعقل.


السؤال الأخير في هذه السلسلة من المقالات هو إذا ما كان لأي من القضايا التي أثارتها مدرسة فرانكفورت أية راهنية أو أهمية. هنالك فترتان مميزتان في أعمال مدرسة فرانكفورت. فمن جهة هنالك محاولة فهم وتفسير الفاشية أثناء فترة صعودها في جمهورية فيمار. وهذه كانت فترة تزعزع اجتماعي وسياسي واقتصادي أبرزت الاهتمامات المادية الواقعية من جانب العمال والتي يمكن تمريرها بسهولة إلى قنوات البحث التقليدي عن الضحايا والتفسيرات التبسيطية. وفي هذه المرحلة، على أية حال، استمرت حركة الطبقة العاملة القوية في الوجود في أشكال الديمقراطية الاجتماعية والشيوعية والتي كان من الممكن أن تعمل كحائط صد ضد صعود اليمين المتطرف لو أن الأولى تغلبت على ضعفها والثانية على عدم كفاءتها الاستراتيجي.




الفترة الثانية هي سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية، والتي توفر فيها اجماع اجتماعي تشكل تحت مظلة الحرب الباردة وتنامي الازدهار (ما يسميه الفرنسيون الثلاثينيات المزدهرة) والتي تم الإعلان فيها عن نهاية الطبقة والصراع الطبقي. وأحيت حركة 1968م نظريات مدرسة فرانكفورت عن التسليع والاغتراب والتشيؤ والوعي الزائف كطريقة لتفسير السلبية الظاهرة للطبقة العاملة. في الواقع، ان الطبقة العاملة في هذه الفترة بدأ النظر إليها كجزء من المشكلة أكثر من كونها الحل. فقد توقف زحف الطبقة العاملة وتم استيعاب الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية والشيوعية في الاجماع الجديد، وكما قال الفيلسوف أندريه قورز فقد كان "ذلك وداعاً للطبقة العاملة".




ومنذ منتصف السبعينات، على أية حال، أصبحنا مرة أخرى نعيش في عالم مختلف اختفى منه ذلك الازدهار والنمو التلقائيان اللذان ميزا عقود ما بعد الحرب. انخفضت الأجور الفعلية وفي نفس الوقت زادت الانتاجية ومن ثم انتقلت ثروة لا يمكن تخيلها إلى الأغنياء في المجتمع. وقدرت الأموال التي تم حجبها في حسابات خارج البلاد بمبالغ تتراوح بين 12 إلى 32 تريليون دولار أمريكي – وهي ثروة كافية لإزالة كل المشاكل الاجتماعية للفقر في ضربة واحدة إذا ما تم تأميمها واستثمرت وتم توزيعها اجتماعياً.




المشكلة الآن أن هاتين الفترتين اللتين هيئتا الميدان لمدرسة فرانكفورت عند ظهورها هما الآن توجدان معاً وفي نفس الوقت. فنحن الآن نعاني من البطالة التي ميزت فترة فيمار من قبل (وصلت نسبة البطالة في أسبانيا، مثلاً، إلى أكثر من 50% من الشباب)، وهو ما يغذي صعود أحزاب الفاشية الجديدة وأجنحة اليمين المتطرف من الفجر الذهبي إلى يوكيب. وفي نفس الوقت فشلت أحزاب يسار الوسط المقيدة بأجندة الليبرالية الجديدة والحركة الشيوعية المنقسمة والمجزءة (إذا أردنا وصفاً أقل حدة) في أن تضع معاً بديلاً مقنعاً.




لقد عرى الركود الاقتصادي الكبير منذ عام 2008م الكثير من أوهام الناس حول المجتمع الذين يعيشون فيه. وعندما تريد حكومة ما أن تعلن "أننا جميعاً معاً في هذا الأمر" فإننا ندرك وبوضوح ما هي حقيقة النص الخفي.




ولكن ربما الأكثر جدية هو أن الكوكب نفسه لم يعد يحتمل التوسع الدائم الذي تطلبه الرأسمالية. ونحن لدينا الوسائل المالية والتكنولوجية لحل كل مشاكل الإنسانية الأساسية بطريقة جيدة وجذابة. والذي نفتقده هو الإرادة السياسية. ولكن هذه نفتقدها فقط بسبب أن آمالنا للمستقبل قد تم تسليعها وخصخصتها. لقد تم شراء أحلامنا وبيعها مجدداً لنا كلحظات متوهجة واحتفالات زواج ملكية.




ولكن كان هذا هو الواقع عندما بدأت مدرسة فرانكفورت. كتب أدورنو:




"الفاشي يميل إلى تحطيم نفسه ليس أقل مما يميل إلى تحطيم خصومه، لأن التحطيم هو التعويض لرغباته العميقة والمكبوتة... هو يدرك أن حله هو اللا حل وهذا يعني أن الحل على المدى الطويل هو التحطيم. وأي ملاحظ دقيق يستطيع أن يلاحظ هذا الشعور في ألمانيا النازية قبل أندلاع الحرب. فقدان الأمل يجعلنا نبحث عن طريق يائس للخروج. الإبادة هي البديل النفسي لهذا العصر – وهو اليوم الذي تغرق فيه الفروق بين الأنا والآخرين، بين الفقير والغني، بين القوي والضعيف، في وحدة واحدة كبرى غير متسقة. عندما لا تجد الجموع الأمل في تضامن حقيقي فإنها قد تتمسك بيأس بخيارها السلبي".




فقدان الأمل والتفاؤل بعالم أفضل هو النتيجة الأكثر إحباطاً للأزمة الحالية ولذلك ليس في الأمر العجب أن العديدين يبحثون عن ملجأ في نوستالجيا (حنين إلى الماضي) مزيفة عن عالم طاهر قبل أن تدنسه آثار الرأسمالية المدمرة "كل ما هو صلب سيتبخر إلى الهواء".




ولكن ليس هنالك من عودة إلى الوراء، على الأقل بسبب ان هذا العصر الذهبي لم يوجد مطلقاً وأن الفجر الذهبي لن يأتي مطلقاً. الطريق الوحيد هو أن ندفع للإمام باستخدام العلم والعقل والذكاء والأمل. قد تكون القوة الضعيفة أمراً جيداً بدرجة كافية الآن ولكن في لحظة ما فإن على أحدهم أن يشد عضلاته. دعنا نتأكد من أنهم سيكونوا الفاضلين هذه المرة وليس الفاشيست مرة أخرى.