معقولية خطاب غير خلاّق


رضا لاغة
2015 / 12 / 1 - 11:18     

سعى في خطابه إلى تمرير فكرة ، مهما كانت طبيعتها فهي تظل مجرد فكرة ذات محتوى يستنفذ ذاته في ما هو حزبي ، تمتزج به و تكرره دون احتشام . إن تكرار اسطوانة الحزب هو أصل الداء . و حتى في أحلك الظروف التي تمر بها تونس يقع الرئيس فريسة الاندفاع و التوظيف الحزبي . لم يستطع أن يؤجل الأنساب الحزبية و يتكتّم عليها في خطب جلل . لا حظنا في الخطاب إنفاق سخي في الحضور الحزبي و لكننا لاحظنا أيضا كيف ضيّعنا الوطن .
إن مقروئية الخطاب ذات منطوق ميّت ، يبدأ فيه العرض إيديولوجيا و لا يترك وراء راهينيته أي أثر للوطن. يعلّمنا خطاب الرئيس ألاّ جدوى من الوطنية مقارنة بالفائدة العظمى المتمخضة عن المنافع الحزبية . هو من فسّر الطاعون الذي استشرى في الحزب بسبب التكالب على المناصب و قال: لم نمنّي أحد بأن نمنحه المناصب ( وزراء و ولاة و معتمدين ...)؛ هو إذن ينطق بلسان يفلت من قبضة أي تأويل: فأصل الصراع ينبع من التلذذ بالمصالح و ليس لتنوع المقاربات؛ أي أن الجسم الحي لحزب نداء تونس يتمظهر في أفق التموقع و لا ينتج مطارحة لأجلك يا وطني .
إن صفاء الحضور البسيط لخطاب الرئيس يحتوي بصورة مجزّأة على حذق الدراما الحزبية التي تكثّف فكرة القائد الذي ما إن ترك الحزب حتى أضحت الفوضى هي التي تنظّم نفسها و هو ما يحيل إلى أفق موت الحزب. و هذه نرجسية مبالغ فيها في زمن إيقاعه الديمقراطية
إن خطاب الرئيس مفعم بفيض العواطف الحزبية التي تمثّل ضربا من العقوق الوطني . هذا هو الحد القاتل الذي يلد من رحمه خلل يهدّد حياتنا الكريمة الضائعة في لحظة تبدو للأسف متضامنة مع ما هو حزبي بدل ما هو وطني ، لنسقط من جديد في اللعب الممنوع.
هذا اللعب الذي يكتسي دلالات غير مطمئنة لمحناه في خطاب الرئيس الذي تحدث عن نداء تونس لا كخلية من الشعب بل كحشود مضافة إلى نداء تونس . إن هذا الإسقاط المتعمد يهدف إلى تذويب رواس الحقيقة المتعاقبة التي تقلل من هيبة نداء تونس الذي حسم فيه الوعي الشعبي كمصدّر للأوهام و سقوطه في برّانية المعنى الذي ينزاح في توازيه مع ما هو حزبي عما هو وطني.
حيثما يبتدي خطابك ، و بصفة حصرية ، يا فخامة الرئيس عن نداء تونس سأغلق التلفاز و في الوقت نفسه سأتمسك بأن يكون المخاطب هو الشعب.