مواجهة الارهاب بمواجهة حاضنيه


خالد حدادة
2015 / 11 / 28 - 16:29     


منذ أحداث "البرجين" في نيويورك، وتوظيفها من قبل إدارة المحافظين في الولايات المتحدة الأميركية (وهي في المناسبة كانت تعتمد إحدى الأصوليات الدينية مرجعية فكرية لها)، فـي توظيفها في اتجاه توسيع سيطرتها على منطقتنا وبالتالي وضع مواجهة "الإرهاب" في إطار مشروع الشرق الأوسط الجديد وبالتالي إعادة تكوين المنطقة ضمن اطار ما يمكن تسميته "سايكس ـ بيكو" الثاني...

ويحاول أصحاب المشروع دائماً، حشر موضوعة الإرهاب، في إطار "صراع الحضارات" ومواجهة التخلف الديني، لتغطية عاملين أساسين في تكوين الحركات الإرهابية ـ الأصولية، أي البعدين الطبقي والتاريخي لنشوء مثل هذه الحركات.

فهل هي صدفة دائماً ان يأتي "الإرهاب" بأبعاده المختلفة لنصرة حاجات "رأس المال" التوسعية؟ وهل صدفة أيضاً أن يكون العامل الديني ـ الأصولي، دائماً عاملاً مواجهاً لحركات التقدم السياسي والاجتماعي، وبالتالي حليفاً مباشراً أو غير مباشر لقوى الرجعية السياسية ولأصحاب المال؟ وأسئلة أخرى تطرح منذ بدايات التاريخ الذي نغوص فيه كاملاً إذ تكفي الإشارة، في التاريخ القديم نسبياً، الى الاصول السياسية ـ الاقتصادية للحروب الصليبية، وأيضاً مواجهة الأصوليين الإسلاميين للفكر الديني المتنور، وذلك لمصلحة "المستبد الحاكم" كما عبر دائماً كل من حاول تفسير الدين بما يخدم حاجات التطور السياسي والاجتماعي.

وفي العصر الحديث أيضاً لا يمكن تجاهل، انخراط الكنيسة بمكوناتها مع منظري الرأسمال العالمي في مواجهة الاتحاد السوفياتي وبشكل خاص في المراحل التي سبقت انهياره. كما وقبل ذلك استفادة حلف الحرب العالمية الثانية (النازية والفاشية والسلطنة العثمانية) من الأصولية المسيحية والأصولية الاسلامية، في اطلاقها لحركاتها السياسية ولحروبها...

وكي لا ننسى في العصر الحديث، استعمال الحركات الاسلامية في وجه الحركة القومية الناهضة والمواجهة للإستعمار في منطقتنا، وبشكل خاص في مواجهة عبد الناصر وسياسته.

ويبقى الحدث الأبرز، الذي شكل التحالف الأخطر، بين الرأسمال العالمي والاستعمار وبعض الأصولية الدينية، والمتمثل بما شكلته "الحركة الصهيونية" كإطار ايديولوجي، لسيطرة الاستعمار الأوروبي بممثليه الرئيسيين الفرنسي والبريطاني، على ثروتنا ومنطقتنا من خلال إغتصاب فلسطين وتكريسها لسيطرة الحركة الصهيونية عليها. هذا ما بدأت معالمه منذ "وعد بلفور" المتزامن والمتكامل مع اتفاقية سايكس ـ بيكو من جهة، ومن جهة أخرى، من خلال الدور الحاسم الذي اعطى للحركة الوهابية كأصولية اسلامية رديفة في انشاء ما يسمى بالمملكة السعودية على حساب مشاريع التحرر العربي منذ انهيار السلطنة العثمانية...

******

ما يبرر العودة الى هذه الأحداث، هو ما يجري اليوم تداوله في الاعلام الأوروبي تحديداً كردة فعل على الأعمال الإرهابية الإجرامية التي حدثت في فرنسا، والتي سبقها اسقاط الطائرة الروسية، وسلسلة التفجيرات التي تطال الدول العربية من سوريا الى العراق ولبنان وتونس واليمن ومصر وليبيا.

ما هو بارز وخطير في ردة الفعل هذه، هو محاولة وضع ما يجري في إطار "صراع الحضارات" مجدداً، بحيث يصبح كل عربي او اسمر البشرة متهماً بالإرهاب او صورة عنه، في تكوين الرأي العام الأوروبي.

وبلمحة سريعة وبدون اتهام متسرع، لا بد من استذكار بعض الوقائع التي تتحمل مسؤوليتها السلطات السياسية المتعاقبة في هذه البلدان وبشكل خاص قراراتها واتجاهاتها في تلبية حاجات النيوليبرالية، وبالتالي المساهمة في حل أزمة رأس المال، المحلي (الأوروبي) او العالمي عبر خلق ادوات جديدة لفرض السيطرة على اسواق العالم وبشكل خاص منطقة الشرق الأوسط.

في أوروبا بشكل عام، وفي فرنسا ساركوزي وهولاند بشكل خاص، سادت فترة من شهور العسل المتتالية بين الحكم الفرنسي، وبين دول الخليج وتحديداً قطر والسعودية، وكانت من نتائجها البارزة "الزيادة الصاروخية" في عدد المؤسسات الدينية والاجتماعية التي تدار من قبل الحركات المتطرفة والأصولية وبشكل خاص الوهابية والمرتبطة بالتبعية والتمويل بالمملكة السعودية وبقطر... وكان المقابل هو سلسلة من الاستثمارات الخليجية التي استفادت منها البرجوازية الفرنسية، في محاولة لوقف الانهيار ولتجاوز الأزمة الاقتصادية. وانعكست هذه الاتفاقات، بسياسة فرنسية (وأوروبية) متماهية مع مواقف المملكة السعودية وقطر حيال أزمات المنطقة وبشكل رئيسي تجاه الأزمة السورية. في سياسة الدول كما في الحياة الاجتماعية العادية ينطبق المثل الشائع "الآكل من خبز السلطان، يضرب بسيفه"...

وتزامنت هذه الحركة، مع ازدياد عدد المعطلين عن العمل سواء الفرنسيين او المتحدرين من اصول عربية. وازدادت معدلات الفقر لدى سكان ضواحي المدن الفرنسية، التي ركزت الحركات الدينية عليها.

وهذا طبعاً ما يفسر، الاتجاهات نحو التطرف، الديني عند الشباب الفرنسي (من اصول اسلامية) الفقير والمعطل عن العمل، باتجاه الحركات الأصولية و"الجهادية"، والشباب الفرنسي نحو اليمين المتطرف...

وكإنعكاس، للتعاون الأوروبي الخليجي، ساهمت الدول الأوروبية بشكل مباشر وليس غير مباشر فقط، في تعزيز رحلة الذهاب، "للإرهابيين" من أوروبا باتجاه سوريا وبالتالي باتجاه "داعش" والنصرة وأخواتها، عبر الحليف الإقليمي الآخر، الذي شكل وما يزال القاعدة الخلفية لهذا الإرهاب والمتمثل "بالسلطنة الجديدة".

وساهم هذا الحلف بدعم وتمويل هذه الحركة الإرهابية سواء بشكل مباشر بالسلاح والدعم المالي او غير مباشر عبر تسهيل عملية بيع "النفط الداعشي" دون حساب لرحلة العودة.

من كل هذا الشريط، يتضح بشكل ملموس مسؤولية النيوليبرالية العالمية في دعم الإرهاب بالتحالف مع عائلات الخليج و "ودولها"... وطبعاً شريط أفغانستان وباكستان ليس بعيداً عن هذا التحليل.. وكدلالة غير مباشرة للتقاطع، بين النيوليبرالية ودول الخليج وداعش والقاعدة والنصرة، يمكن السؤال عن المشترك في واقعة ان الإرهاب ضرب في كل العالم، من أميركا إلى أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا. مكان واحد، بقي خارج فعل داعش والقاعدة والنصرة، هو "أرض فلسطين"، ولو كان الفاعل هو الاستهداف الديني، لكان العدو الصهيوني في مقدمة استهدافات هذه التنظيمات، ولكن الدولة الصهيونية هي في رعاية النيوليبرالية العالمية، كما الحركات الإرهابية، ولذلك فهي في موقع واحد معها في مواجهة طموحات التقدم والرفاهية والتحرر والديمقراطية عند شعوب العالم وبشكل خاص عند شعوبنا...

********

إن مواجهة هذا الخطر الإرهابي، لا يمكن ان تتم، دون تجفيف "ينابيعه" والينابيع هنا موجودة في التحالف المذكور، وبهذا المعنى أكدنا للقوى التقدمية الفرنسية، موقفنا الداعي لمواجهة ردات الفعل ذات الطابع العنصري والتي تظهر، ليست في موقف اليمين المتطرف وحده، بل أيضاً في إجراءات الحكومة الفرنسية التي لم تعتمد سوى الأمن وسيلة للمواجهة. إن تجفيف منابع الإرهاب تقتضي النظرة الى عملية تنمية الضواحي ومواجهة الفقر وتوفير فرص العمل ومواجهة النظرة العنصرية.

وفي سوريا، التي ساهمت علاقاتها السابقة ذات البعد الاقتصادي، مع قطر والسعودية وتركيا، في توفير مناخ ملائم لإنتشار الفكر الأصولي ولنمو الحركات الإرهابية. كما ساهمت السياسة النيوليبرالية وضرب المكتسبات الاجتماعية للفقراء، الفلاحين والكادحين، في تأمين بيئة حاضنة لنمو هذه الحركات. في سوريا تحديداً يصبح ملحاً ضرورة تكوين جبهة مواجهة للإرهاب، منطلقة من مواجهة أسبابه الداخلية ومواجهة حاضنيه عبر تغليب الحوار السياسي الضامن لوحدة سوريا شعباً وجيشاً والضامن لبناء سوريا الديمقراطية وموقعها المقاوم للهجمة الأميركية ـ الصهيونية.