التحالف الغربي مع العرب ، ضد الاتحاد السوفييتي في حرب افغانستان ، يعود من جديد .


حامد حمودي عباس
2015 / 11 / 25 - 23:30     

في حوار بين قناة العربية الحدث ( سعودية المنشأ والهوى ) ، ومتحدث تركي ، لبيان حقيقة الاسباب طر الوقوع في حرب استنزاف كالتي وقع فيها الاتحاد السوفيتي السابق في افغانستان .. وما أضر بي غاية الضرر حينها ، عندما لم تسأل مذيعة القناة ، ذلك المتحدث ، وعن قصد طبعاً ، عن اسباب ونتائج استنزاف القوات السوفيتية يومذاك ، وما هو الاختلاف بين الغايات الحقيقية لمن اشرفوا على عمليات الاستنزاف تلك ، وبين غاياتهم اليوم ، لو قرروا ان يوقعوا العالم في الشرك ثانية كما اوقعوه من قبل ، حين خلقوا المناخات الملائمة لوجود ( القاعدة ) ومن بعدها ( داعش ) ..
ان التاريخ ، باعتقادي ، يتوقف اليوم ، ليستنسخ ذات الصفحة التي سجلها عندما تحركت الولايات المتحدة الامريكية بقواتها الغاشمة ، مدعومة بالاموال التي اغدقها وبسخاء كبير حكام السعودية ، لاقتلاع النظام التقدمي في افغانستان بقيادة مجيب الرحمن ، بحجة محاربة الشيوعية ، ليحل محله نظام متخلف قام بسلب الحريات العامة ، وتدخل في ابسط خصوصيات الفرد الافغاني وبشكل مفزع .
وقد اعقب ذلك دخول البلاد في وضع سادت فيه عشوائية لم يسبق لها مثيل ، حين غابت فيه مؤسسات الدولة المدنية ، لتكون بديلاً عنها هياكل ميتة ، هي عبارة عن تنظيمات دينية متطرفة ، راحت تتخبط ضمن حروب ليس لها اسباب حقيقية غير انها عبارة عن تسابق على السلطة .. وكان المناخ السياسي والاجتماعي بعد انسحاب الجيش السوفيتي عن افغانستان ، مريح جداً لإنبات زرع جديد ، لا يقل خطورة عن نبات الافيون ، وهو تنظيم القاعدة ، بقيادة السعودي بن لادن ، ومن ثم مجيء تنظيم ( طالبان ) على اثر حرب ضروس خاضها هذا التنظيم مع الاجنحة الاخرى للاسلام السياسي في البلاد .
هذه هي النتائج التي أظهرها التحالف الامريكي السعودي في حربه ضد السوفييت ، والذين قدموا الى افغانستان لنصرة القوى التقدمية الحاكمة في البلاد ، بعد ان شعروا بغزو وشيك سيحل في بلاد يشترك الاتحاد السوفيتي معها بحدود مشتركة .
لقد كانت النتائج التي افضت لها تلك الحرب ، وما صنعه ذلك التحالف الشرير ، هو بداية لما حل بالعالم ولحد هذا اليوم من وباء فكري وديني ومذهبي ، مصدره التنظيمات المتطرفة ، والتي حمل لوائها العرب الافغان معهم حين عودتهم الى بلدانهم بعد انتهاء مهامهم هناك .. حيث اصبحت بيروت ودمشق وبغداد واليمن والجزائر وتونس وليبيا وغيرها من البلدان العربية ، ملاذاً للعشرات من الشاذين المتطرفين ، لينخرطوا في مجاميع امتهنت توزيع اسباب الموت على الابرياء بواسطة الاحزمة الناسفة ، وتفخيخ الاطفال ، وضرب معالم السياحة وتخريب كل شيء له صلة بالحضارة .. وكانت مآذن الخطابة للمشعوذين في المملكة العربية السعودية ، تشكل دعماً لرفد التنظيمات الارهابية المتطرفة في الوطن العربي ، قبل ان تقرر الولايات المتحدة ، تحجيم دور القاعدة ، وقتل زعيمها ، وخلق منظمة اكثر قوة واوسع انتشاراً أسمتها بالدولة الاسلامية في العراق والشام ( داعش ) .
لم تكن الولايات المتحدة الامريكية وبقية التحالف الغربي ، ولا ملوك السعودية وحلفائها الخليجيين ، قد دخل في حساباتهم بان الذنب سوف يضرب الرأس ، وتعود فوهات النار لدى الارهاب متوجهة الى صدورهم ، لتسبب لهم كل هذا الفزع العام المحدق بشعوبهم واجهزتهم الامنية الرصينة .
لم يدخل في حساباتهم يوماً ، بان التحالف ضد الاتحاد السوفيتي في افغانستان ، سوف يؤدي ، بعد حفنة من السنين ، الى ان يقوم نفر قليل من الشباب المتشدد ، من غير مواطنيهم ، بترويع شعوبهم وتهديد مصالحم وبشكل سافر .. إذ لم يكن ( عبد الحميد ابو عود وصلاح عبد السلام ) وسواهم ممن وضعوا اجهزة الامن الفرنسية والبلجيكية والاوربية عموماً ، تحت اشد درجات الانذار ، والتخبط ، والخوف ، لم يكونا هذين الارهابيين سوى صنيعة لمعمل متواصل الانتاج ، تبدأ خطوطه يوم دخلت القوات الامريكية مع الاموال السعودية لمحاربة مجيب الرحمن ونظامه في افغانستان .
ويبقى ذات الحال ، حينما ينوى الامريكان ، ومعهم النظام السعودي ، ويالتحالف مع تركيا ، احد صانعي تنظيم داعش النشطين ، وهم يدخلون مجتمعين لخلق ظروف قديمة جديدة لاستنزاف الجيش الروسي ، وهو يقاتل من اجل انهاء لعبة داعش سيئة الصيت في المنطقة .. وان أية قراءة منصفة وعقلانية لما يحدث الان على ساحة المعركة مع داعش وبقية الانشطة الارهابية المتطرفة ، سيجد المرء من خلالها ، بان الاصطفاف المعادي للروس في حربهم على الارهاب في المنطقة ، ما هو الا تأكيد لا ريب فيه ، بان هذا الاصطفاف ، هو المتضرر الحقيقي لو تحقق الانتصار على تنظيمات داعش والنصرة وغيرهما من معاقل التطرف في العالم .
الروس دخلوا الميدان من الخلف وبقوة هذه المرة .. وتحول الغول الامريكي فجأة ، وبتأثير مباغت من الضربات الروسية الموجعة لداعش ، من مارد يتباهى بانه الناطق الوحيد باسم العالم ، وهو المقرر ولوحده ، متى تنتهي داعش ، والى أي حد من الزمن ستبقى ، تحول هذا المارد الاسود الى مجامل ، قلبه يخفق رحمة لضحايا الحروب ، ومستقبل رحب الصدر للاجئين من السوريين والعراقيين ، ومردداً بانه لا يبغي من وجوده في المنطقة الا لتخليص الشعب السوري المسكين من ظلم نظام بشار الاسد ، باعتباره هو المسبب لوجود الارهاب وليس غيره ! .
ان على القوى الفاعلة في البلدان العربية المتضررة بفعل نشاطات القوى الدينية السلفية المتشددة ، ان تنتبه لنوايا التحالف الجديد ضد الروس ، وهم يحاولون تصحيح مسار لعبة سوف لن تنتهي ولن تنتهي معها تجربة داعش وغيرها من مراكز التطرف والتكفير، لو بقيت الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها من العرب ، يتحركون وبحرية مطلقة ، لحماية دواعي الارهاب وبطرق اصبحت مكشوفة وبشكل واضح للجميع ..
لقد اصبح من الواضح جداً ، بان ثمة تحالف جديد ، ينظمه البنتاغون ، واداته حلف شمال الاطلسي ، قد بدأ بالتحرك لمقاومة النشاط الروسي في محاربة معاقل الارهاب في كل من سوريا والعراق ، كما هو الحال تماماً في افغانستان من قبل .. وان نتائج هذا التحالف ، ستكون امتداداً للرعاية الامريكية السعودية مرة اخرى ، للانشطة المتطرفة في المنطقة والعالم .