هل يشي اسقاط الطائرة الروسية عن الجهة التي صنعت الارهاب ؟


بهروز الجاف
2015 / 11 / 24 - 23:14     

في السياسة لاتؤخذ الأمور بالنيات ولا بالكلام، بل بالأفعال والنتائج.
الأرهاب، مصطلح اجتاح السياسة الغربية، واعلامها، في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، بشكل واسع، في دلالة على الحركات اليسارية التي غزت العالم، والعالم كان في حرب عالمية باردة، بين شرق وغرب.
تطور المصطلح في السبعينيات ليشمل، عرفيا، كل من عادى الغرب، سواء حركات يسارية, أو حركات تحرر وطني، أو عصابات المافيا في أوربا، وغدا أسم (كارلوس) مرادفا للأرهاب في الغرب، ولكن الغرب لم يكن ليجرؤ على اتهام الاتحاد السوفيتي، سيد اليسار، بالارهاب، أو بمساندته له، لأنه كان اتحادا سوفيتيا حقا!
بعد نجاح الثورة الاسلامية، بقيادة الخميني، في ايران، بدأت أمريكا بتحويل تهمة الارهاب اليها، والى مناصريها في العالم، ونسي العالم كارلوس الذي انتهى به المطاف الى سجن غربي، في فرنسا، ليستبدل اسمه بأيران، ليكون مرادفا للأرهاب في لغة السياسة الأمريكية، والغربية.
الأتحاد السوفيتي، تدخل في أفغانستان فجندت أمريكا التيارات الاسلامية (الجهادية) معارضة مسلحة له.
تطور (الجهاد) في أفغانستان، بعد انسحاب الاتحاد السوفيتي من أفغانستان، ومن ثم سقوطه وانتهاء الحرب الباردة، الى نشوء تنظيم (القاعدة) الجهادي، ومركزه أفغانستان المجاورة لروسيا وايران.
أزاح اسم التنظيم، واسم زعيمه، بن لادن، اسم ايران ليحل محله اسما جديدا مرادفا للارهاب، ولكن ليس في لغة الأعلام الأمريكي – الغربي فقط، بل في كل لغات العالم، ومنها لغة الاعلام الروسي وريث الاتحاد السوفيتي.
هنا تعادل الميزان، بين شرق وغرب، في وزنه وتقييمه للارهاب، فبدا العالم يميز بين الكلام والفعل، في محاربة الارهاب.
روسيا دمرت كروزني، عاصمة الشيشان، الجمهورية الكونفدرالية الروسية، لعصيان القاعدة، ومناصريها فيها، وأثبتت (بالفعل) أنها تحارب الارهاب (الجهادي).
ضرب تنظيم القاعدة مدينة نيويورك، في عقر أمريكا، بعملية فائقة الدقة، في التخطيط والتنفيذ، تلت عمليات مشابهة في دقتها في بلدان مختلفة قريبة لأمريكا، ولم تعتقل أمريكا، أو تقتل، أحدا من الارهابيين، لأنهم ببساطة ماتوا في عملياتهم (الانتحارية).
روسيا تعرضت لعمليات اختطاف مبان، بساكنيها، وكذلك تفجيرات، تبنتها القاعدة، ولكنها لم تكن بتلك الدقة في التخطيط والتنفيذ!
أمريكا (استغلت) الأرهاب فاحتلت دولا، مثل الصومال، وأفغانستان، والعراق، وأعتقلت ارهابيين ووضعتهم في سجون، مثل كوانتانامو و بوكا. لم تقتل أو تحتفظ أمريكا بواحد من السجناء، بل أطلقت سراحهم جميعا، أو أعادتهم الى بلدانهم!
لم تشارك الجيوش الروسية في احتلال أي بلد، حتى ولو كان أفغانستان المجاورة، معقل عدوها بن لادن.
داعش، وريثة القاعدة، واحتلال العراق، و (الربيع) السوري، بقيادة سجناء سابقين في بوكا الأمريكي، أسست لنفسها دولة (خلافة اسلامية) بعمليات مفاجئة، في سوريا والعراق، لتقول أمريكا بأنها (سوف) تحاربها لمدة ثلاثين سنة قادمة! ولتقول روسيا انها قادرة على انهاءها في أربعة اشهر فقط!
أمريكا تريد (وحدها) محاربة داعش، لتضيفها الى النظام السوري (الارهابي)، ولتقول روسيا ان داعش تستهدف مصالحها، وحليفتها سوريا، و ايران كذلك.
تركيا الناتوية الاردوغانية الاسلامية، المجاورة لسوريا، متهمة بتقديم الدعم البشري واللوجستي لداعش، وهكذا دول الخليج العربية الصديقة لأمريكا، ولكن من دون دليل رسمي!
العراق، مستهدف، كما سوريا، من قبل داعش، ولذلك فهما يناصران كل من يعادي داعش، غربي كان أم شرقي، ولهذا، أيضا، فهما قريبين من ايران ومناصريها في العراق وسوريا، كردا كانوا أم عربا، وبعيدين عن تركيا ودول الخليج، ومناصريهم في العراق وسوريا، كردا كانوا أم عربا.
لم يسقط النظام السوري، ولم تنجح المعارضة السورية (المعتدلة حسب قول أمريكا) في اثبات وجودها، وانتعش العراق وصعد دولار المالكي، وأراد البقاء أكثر، فجاءته الضربة الداعشية المفاجئة، لتستبدله بآخرين (أقرب الى أمريكا!) ولتهدد حزام بغداد!
كل هذا وروسيا تراقب عن بعد، و لكن الخلافة الداعشية بدت تهديدا حقيقيا لروسيا، ومصالحها، هذه المرة.
تدخلت أمريكا في سوريا والعراق عسكريا، ضد داعش، فباركها الكل، فروسيا وأيران أيدتا بقوة، والخليج والسعودية وامتداداتهما في العراق وسوريا، أيدوا، سواء كان التأييد عن ايمان أم عن رياء، باستثناء تركيا المستحية.
تدخلت روسيا عسكريا في سوريا، ولكن أمريكا نددت، ونددت تركيا، ونددت دول الخليج، بقوة، وندد مريدوهم في العراق وسوريا.
اليوم، 24 نوفمبر 2015، دخلت اللعبة الداعشية مرحلة متقدمة، اذ اسقطت تركيا طائرة حربية روسية فوق الأراضي السورية، ولكن لم نعلم لحد الآن، بشكل جلي، من صنع القاعدة، بتكتيكاتها وعملياتها الدقيقة جدا؟ ومن أوجد داعش القوية لكي (يتحالف) العالم ضدها، بشرقه وغربه، بقواه العظمى والصغرى، معا؟ ولكي لانستبق الأمور بعد اسقاط الطائرة، ولكي لانضرب أخماسا بأسداس، نسأل سؤالا بريئا، ولكنه كبير، عسى أن تجيب عليه الأحداث لما بعد اسقاط الطائرة الروسية: من الآن فصاعدا من يحارب من؟ وأين سيكون موقع داعش الارهابية على رقعة اللعبة؟ أو بكلام أدق، ألا ينجلي الضباب عن جواب السؤال: من هي الجهة التي صنعت الارهاب؟