القمع الفتّاك للفكر


رضا لاغة
2015 / 11 / 20 - 17:04     

إن القمع الفتّاك للفكر ينتج لا محالة موجة من العداء للآخر الذي يشبهني و لا يشبهني . الآخر من جهة كونه ذاتا تنتصب قبالتي و تنغرس في صميم العالم بطريقتها . إنه يفجّر عنفا أعمى يجعلنا نمضي نحو الكارثة ، نحو إيذاء الآخر الذي يتحوّل من شريك في الوجود إلى عدو لدود ، إلى غريب و غريم.
نحن نتحدث عن لحظة حوارية تجد محورها في إصلاح عميق لمفاهيم ناقصة و خاطئة في تقاليد التربية. نبحث يا سادة عن صياغات بديلة تستعيد الشخصيّة البنائيّة للآخر الذي ينبت من ضلعي و من ضلعك. الآخر الذي أكون بدونه جسدا مظلما لأن منظوريته كما وضّح موريس مرلوبونتي هي التي تبعث في قراري الإقبالية على الوجود.
أيا أيها الآخر ، إن تلاشيك خلف الأنا و انمحائك هو عندي نزعة مضادة للانسانوية لأنك بذلك تستحيل إلى فريسة سهلة تعمل على تهميش دورك و تشديد الرقابة عليك و تذويب حضورك الشيّق في صميم العالم المتنوّع .
أيا أيها الآخر ، إن انعطافية الذات نحو يمينية متطرّفة تنبع من انهماك صنمي للدين لا تلزمني ، لأن القمع الفتّاك للفكر لوّث الدين بمتخيّل وهمي يغتصب بفظاظة حقك في الوجود الذي لا أضمن استمرار يته بدون دوام حضورك.
القمع الفتّاك أيّتها السيدات يمزّق بمعانيه الغير اندماجية و بطاقته المؤذية و مشهديته التشاؤمية و انعزاليته المقرفة اندفاعية الحياة التي لا نستلمح منها سوى طابع التطرّف الذي يتناسل منه ينبوع الضلال التكفيري .
و المريب أيها الشباب أنه متضمّن في نمط متطوّر للطابع التاريخي للأحداث كنتاج مستمر مناقض في طبيعته الداخلية لكينونة الآخر . إن هذا الدحض المبتذل و المتمدّد بصيغ غير مكشوفة يعبّر عن فشل اعتقادي لفلسفتنا النقدية التي ظلّت للأسف في مجمل مضامينها محض مواعظ يسهل اقتلاعها و بعثرتها متى وجد الضحية في مجرى الاستقطاب التكفيري الذي يربط قرابة خادعة مع المنتدب الجديد فتنقل الذات تعسّفيّا إلى نقطة انطلاق مرعبة ، حجرية و متصلّبة غارقة في معركة منوّمة تندفع كالفيضان الذي يلتفّ على الآخر فيقوده نزولا إلى الظلام ، إلى القبر ، إلى سرداب العدم، خلف الحياة فلا نتذكّر سوى أنه يحمل اسم الشهيد و نفتخر...
قبّلنا جبين الصبيّ و الجندي المغوار ثم دفعناه إلى الأسفل ، بالكاد نجد الوقت لنستريح حتى نقبّل جبين جديد.
سمعنا من يقول : أظنّ أن القاتل كان يرتدي ربطة عنق. و سمعنا من يقول : إن مظهره لا يثير الفضول ، نكاد نجزم أنه يغري بعلاقة وثيقة و مع ذلك عبر إلى الضفّة الأخرى ليقطع أشواطا في مخالفة طبيعته التي لا تناسب خطورته؛ فقلنا : إنه القمع الفتّاك للفكر.