مدرسة فرانكفورت، القسم الأول: لماذا يخافهم أندرز برييفيك؟


هشام عمر النور
2015 / 11 / 18 - 09:24     


بيتر تومبسون

ترجمة: هشام عمر النور

وحدّت مدرسة فرانكفورت بين ماركس وفرويد أكثر المفكرين تأثيراً في يسار القرن العشرين؛ بينما يشك فيهما اليمين المحترم أما أقصى اليمين فيكرههما.


أندرز برييفيك


عندما قام أندرز برييفيك بهجومه الإجرامي في النرويج في يوليو 2011م خلف وراءه بياناً مفككاً هاجم فيه ليس فقط ما يراه على أنه أسلمة لأوروربا وإنما أيضاً ما يراه إضعافاً لها بسبب الماركسية الثقافية لمدرسة فرانكفورت. فما هي مدرسة فرانكفورت؟ وهل تأثيرها كان من العمق بحيث يخافها برييفيك ويأمل فيها العديد من الباقيين؟

العديد منا قد سمع بأكثر الأسماء بروزاً في هذا التقليد الفلسفي: ثيودور أدورنو، هربرت ماركيوز وماكس هوركهايمر، وامتدت إلى أبعد من ذلك بحيث شملت العديد من أكثر الفلاسفة الأوروبيين تأثيراً في القرن العشرين والعديد من التطورات السياسية الاجتماعية.

مدرسة فرانكفورت كانت رسمياً تعرف بمعهد البحوث الاجتماعية والذي كان يرتبط بجامعة فرانكفورت ولكنه كان يعمل كمجموعة مستقلة من المثقفين الماركسيين التي فكرت، تحت قيادة فليكس فايل، بتوسيع الفكر الماركسي إلى ما وراء ما أصبح بدرجة ما تقليداً دوغمائياً تسيطر فيه الستالينية والديمقراطية الاجتماعية. وما هو مشهور أنهم فكروا في المزاوجة بين التحليل الاجتماعي الماركسي ونظريات التحليل النفسي الفرويدية بحثاً عن جذور ما جعل الناس يتجاوبون مع المجتمع الرأسمالي الاستهلاكي الحديث وما جعلهم أيضاً يتجهون إلى الفاشية في الثلاثينات من الفرن الماضي.

عادت مدرسة فرانكفورت إلى أعمال ماركس النظرية المبكرة في أربعينات القرن التاسع عشر واختارت أكثر مؤثراته الإنسانية humanist الموجودة في الحوليات الألمانية الفرنسية وفي رسائله مع أرنولد روج Arnold Ruge. في هذه الكتابات المبكرة نجد أكثر كتابات ماركس أهمية عن دور الدين في التاريخ والمجتمع. حيث كانت أفكاره عن الكيفية التي تعمل بها المادية في العالم ما زالت في طور التكوين وهو أيضاً لم يصبح بعد ذلك المنظر الاقتصادي الذي عرف لاحقاً. وليس المقصود أن ماركس قد ترك وراءه بعد تلك السنوات المبكرة أفكاره عن الدين، ولكنه شعر بأنه قد عالجها معالجة تامة وكافية وأن عليه أن ينتقل لمعالجة الأمور الملموسة. فقد كتب إلى أرنولد روج في عام 1842م:

"يجب أن يكون شعارنا: إصلاح الوعي ليس من خلال الدوغما، وإنما بتحليل الوعي الأسطوري غير المفهوم لذاته، سواء أن أظهر هذا الوعي نفسه في شكل ديني أو سياسي. حينذاك سيثبت بالدليل أن العالم قد حلم طويلاً بإمتلاك شئ كان سيمتلكه في الواقع لو أنه فقط أصبح واعياً به. سيثبت بالدليل أن الأمر لم يكن وضع خط ذهني ضخم يفصل بين الماضي والمستقبل، وإنماكانت مسألة تحقيق أفكار الماضي. وأخيراً، سيثبت بالدليل أن النوع الإنساني لا يبدأ عملاً جديداً، وإنما يفعّل بوعي عمله القديم."

ولكن فكرة أن المطلوب هو إصلاح الوعي الذي أصبح غير مفهوم لذاته هي الفكرة التي تشكل المبدأ المركزي لعمل لمدرسة فرانكفورت. الفكر الديني، الذي رأى ماركس أنه جزء من الواعي الزائف، يجب أن تتم محاربته ليس بهجوم كاسح أمامي مثل حملات دوكينز الصليبية، وإنما بإزالة الشروط الاجتماعية التي خلقته. ومن ثم فإن ماركس لم يكن ملحداً. ومن المؤكد أنه قال عن الإلحاد أنه: "يذكّر أحد الأطفال، لطمأنة أي شخص على استعداد لسماعهم أنهم لا يخافون الإنسان المتوحش" ولكن مدرسة فرانكفورت لا تعتقد أن إصلاح الوعي يمكن أن يحدث ببساطة بتغيير الأساس الاقتصادي الاجتماعي للمجتمع الرأسمالي. كان الدين، بالنسبة إليهم، ليس فقط أفيوناً للشعوب ولكنه أيضاً مستودعاً للأمل لم يعد مفهوماً لذاته.


وهنا دخل فرويد إلى المعادلة لأن هؤلاء المفكرين النقديين فكروا أن مقولات الهو، الأنا العليا، والأنا، والتي تتفاعل بصورة دائمة في أساس النفس الإنسانية، تنسجم بشدة مع الديالكتيك الماركسي للصراع التاريخي وحله. وإذا كانت المجتمعات قد تقدمت تاريخياً نتيجة للصراع الطبقي، فإن افراد ظلوا يتعاملون دائماً مع الصراع بين العالم كما هو محيط بهم والعالم كما يفكرون فيه. وعلى النقيض، رأت مدرسة فرانكفورت أن هذا ضرورياً بسبب النجاح النسبي للرأسمالية أكثر من كونه بسبب انهيارها القادم كما يزعم (وبالتأكيد ما زالوا يزعمون) الماركسيون الأكثر دوغمائية. وجادلت مدرسة فرانكفورت: كيف أمكن استيعاب الشعوب بحيث تشارك وتتحمل مسئولية استغلال أنفسها؟ ومع ظهور الفاشية في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي أصبحت المسألة أكثر إلحاحاً. ما الذي قاد أناساً متعلمين إلى إلقاء ثقلهم مع بربرية الفاشية؟ بالنسبة إلى مدرسة فرانكفورت كان هذا في الأخير بسبب الوعي الزائف. وأحد أكثر الأعمال تأثيراً في تعاملها مع هذه الظاهرة في مدرسة فرانكفورت كان كتاب الشخصية التسلطية الكتاب الذي شاع عنه أنه دراسة للأحكام المسبقة وتوثيق للطرق التي تم بها تحريك الناس، كأفراد، ليفكروا ويعملوا كما يفعلون في سياقهم الاجتماعي لتكوين مجموعات تستوعبهم وتقصي الآخرين إلى حد الإبادة الجماعية.

وعلى النقيض فإن العدو الكبير لمدرسة فرانكفورت، برييفيك، هو الذي يشكل أفضل مثال للشخصية التسلطية التي كتب عنها أدورنو: مهجساً بالانحطاط الظاهر للمعايير التقليدية، وغير قادر على التأقلم مع التغيير، يجد نفسه واقعاً في فخ كراهية كل أولئك الذين لا يعتبرون جزءاً من مجموعته ومستعداً للقيام بأي عمل للدفاع عن التقاليد ضد تآكلها. وبدرجة أكثر قلقاً، بالذات تجاه صعود مجموعات مثل الفجر الذهبي في اليونان وتجاه انتشار تيارات الخوف من الإسلام في غالب المجتمع، يحافظ أدورنو على القول بــ"أن نماذج الشخصية التي تمت إدانتها باعتبارها نماذج مريضة لأنها عجزت عن مسايرة الاتجاهات العامة السائدة أو المثل المسيطرة في المجتمع، تنكشف عند الفحص الدقيق كصيغ مبالغة لما أصبح عاماً تحت السطح في المجتمع. ما هو مرضي اليوم قد يصير، مع تغيير الشروط الاجتماعية، الاتجاه السائد في الغد."