ليلة الجحيم الباريسيّ: العالم في مواجهة أزماته!


شاكر الناصري
2015 / 11 / 14 - 16:44     

الحديث عن الجرائم الإرهابية التي وقعت ليلة أمس في العاصمة الفرنسية وحولت ليلها إلى جحيم وترقب وذعر، يجب أن لايؤخذ من باب الجحود وإنكار الكرم والضيافة والمساعدات والرعاية الاجتماعية والصحية والتربوية...الخ، التي يحصل عليها اللاجيء في فرنسا والدول الأوربية عموما!، فهذا الحديث الممل والساذج لايعدو أن يكون محاولة للهروب والإبتعاد عن أصل المشكلة !

التنظيمات الإرهابية، داعش تحديدًا، أصبحت خارج السيطرة وباتت تمتلك القدرة على تجنيد الأتباع وتجهيز الأحزمة الناسفة، داخل أوربا، ومهاجمة الأهداف التي تختارها!

عوامل كثيرة تساهم في توسع قدرات التنظيمات الإرهابيّة في العالم، منها التطرف الدينيّ والمذهبيّ المتسارع في العالم العربيّ والإسلاميّ، وتحول الدين إلى أداة تسلط مدمر بيد الأنظمة الحاكمة، الأمية، الجهل، البطالة، الشعور بالإحباط واليأس، الحروب والاحتلال وتدمير الدول وتزايد حدة الصراعات الطائفيّة وتحولها إلى ظاهرة خطيرة تجتاح العديد من دول العالم وتنتقل بوتيرة متسارعة الى اوربا، وفوق كلّ ذلك سياسات الدول الأوربية وتغاضيها وسكوتها عن توسع وإنتشار التطرف والأصولية الإسلامية، داخل أوربا التي تحولت إلى معسكر كبير لتجنيد الإرهابيين والجهاديين، ودعمها والدفاع عن حروبها ضدّ العديد من الأنظمة الدكتاتورية في العالم العربيّ، وكذلك سياسات الإهمال والتجاهل التي تمارسها العديد من الحكومات الأوربية ضدّ الجاليات العربية والمسلمة، مما حول ضواحي باريس، على سبيل المثال، إلى مراكز للفقر والمخدرات والإحباط واليأس وبؤر للمشاكل الاجتماعية والثقافية ومرتع خصب للإرهاب!

أصبح الحديث عن تطبيق الشريعة الإسلاميّة في العديد من الدول الأوربية، حديث الشارع الذي يتناقل عبر وسائل الاعلام والإنترنيت والقنوات الفضائية والصفوف الدراسية ومحل نقاش داخل أروقة المراكز السياسية والبحثية. إذ أصبح من السهل، وربّما الشائع، أن تجد مجموعة إسلاميّة متطرفة تحتشد في الأسواق، ومحطات القطارات أو امام مراكز الإنتخابات لتهتف ضدّ الديمقراطية والحريات والقانون، ولتطرح " الشريعة الإسلاميّة" بكلّ مخاطرها والإنتهاكات التي تحتويها ونظرتها الدونيّة للمرأة وللإنسان، كبديل للأنظمة القائمة!!

تنامي القوى اليمينية والعنصرية وتحولها إلى قوى نافذة في السلطة، أصبح ظاهرة خطيرة تتزايد بوتائر متسارعة، لتكون في مواجهة التطرف والاصولية الإسلامية وتنامي والعداء والكراهية للغرب وللدول الأوربية والأنظمة السائدة وسلطة القانون، وكذلك لمواجهة الهجرة التي تهدد " النقاء الأثني" الأوربي!. تزايد نفوذ هذه القوى سيقرب من لحظة الصدام مع التنظيمات الإرهابيّة والاصوليّة التي تنتشر في أوربا على أسس عرقيّة ودينيّة. هذه القوى لاتتوقف عن انتقاد الحكومات الأوربية، التي يعتقدون انها تتمسك بقضايا الحريات والحقوق والمواطنة وحرية التعبير عن الرأي وما شابه!، وباتت تعتبرها إجراءات عاجزة عن مواجهة ما يحدث على أرض الواقع والتهديد المستمر "للثوابت الوطنية والثقافية" للبلدان الأوربية، التي أصبحت تحت تهديد متواصل!!

ليلة الجحيم الباريسيّ تدفع العالم ليكون في مواجهة أزماته الكبيرة والخطيرة التي نتحدث عنها هنا، والإعتراف بها ومواجهتها بشجاعة وصدق، أزمات لايمكن حلها ومواجهتها بالحرب وتدمير الدول وتحول سكانها إلى حشود من اللاجئين والمشردين، وإلقاء اللوم على العرب والمسلمين وأنّهم أكثر قدرة على التماهي مع الإرهاب والانسياق خلف القوى التي تستخدمه!. أزمة صنعها الغرب وسياساته وممارساته ودفاعه عن مصالحه ومناطق نفوذه حتّى لو تطلب ذلك إنتهاك كلّ ادعاءاته وتعاليمة حول القيم الإنسانية، وقدسية الحريات والديمقراطية...الخ، ووظف أبشع القوى وأكثرها توحشاً وإجراماً، ودفعها لتكون البديل المحتمل للأنظمة والحكومات التي تعاديه، ويتهمها بالدكتاتورية ودعم الإرهاب وقمع حقوق الإنسان الخاضع لسلطتها، بعد أن إنتفت الحاجة لها وتحولت إلى عبء ثقيل على الغرب وحكوماته!

الجرائم الإرهابيّة التي وقعت ليلة أمس في باريس، ستتكرر في مناطق ومدن اخرى، ولابد من مواجهة شاملة وحاسمة مع الإرهاب ومع الظروف والممارسات السياسية التي أنتجته.

الحرب والحل الأمني وقوانين الطواريء ليست هي الخيارات الحاسمة في مواجهة الإرهاب، بل يحتاج لمواجهة وحلول، سياسية واقتصادية وثقافية وتربوية، حقيقية وتعالج أصل المشكلة!