شبعنا حكي ! فأين الفعل ؟


شامل عبد العزيز
2015 / 11 / 12 - 13:27     

مرحلتان كبيرتان في عمليّة البناء الفكريّ والسّياسيّ للدّولة.
المرحلة الأولى : مواجهة الأصوليّة.
المرحلة الثانيّة : مواجهة السّلطة .
" ما عدا ذلك بالمشمش " ! ولو بعد مائة عام !
الذين كتبوا لنّا التاريخ كتبوه من وجهة نظر سياسيّة وليس من وجهة نظر دينيّة من أجل تغليب رأي على رأي وطائفة على أخرى ومذهب على مذاهب كان الدين حاضرًا وكما قال أبن رشد إذا أردت طرح أي فكرة غبية من أجل تمريرها فما عليك إلاّ بالدين .. هذا هو تاريخنا المكتوب الذي بدأ في العصر العباسيّ الأول برواية محمد أبن إسحاق وما فعله بنو العباس ببني أميّة وهم أموات وأحياء خير دليل ومن قبلهم بنو أميّة بالعلويين . وهكذا إلى يومنا هذا ..
يقول فلاديمير لينين :
) الطبقات الحاكمة كلها تحتاج من أجل الحفاظ على سيطرتها إلى وظيفتين اجتماعيتين هما الجلاد والكاهن ) انتهى .
من أجل قطع دابر المناكفات والمهاترات بيني وبين الحمقى , أنا من الذين لا يؤمنون بوجود أيَّ نبيِّ سواء كان أبونا أدم منهم أو أنَّ نوح أولهم أو أنَّ إبراهيم أبيهم .
أحب أن اوضح نقطة بهذا الخصوص – لا وجود لهؤلاء الأنبياء وصولاً إلى عيسى حسب علم الحفريات . أما نبي الإسلام فالشكوك تحوم حوله – حمى البحث عن محمّد – عندما يدخل علماء الحفريات إلى مكة والمدينة عند ذلك سيكون لكل حادثة حديث – ولكن في نفس الوقت هناك دراسات حقيقيّة منها كتاب الراحل سيمان بشير – مقدمة في تاريخ الأخر " 1984القدس " – تؤيد بأن بدايات الإسلام كانت مع عبد الملك بن مروان – مرو – حسب الوثائق ولا يوجد اي دليل اثاريّ على ما جاء في القرن الأول وكذلك الثاني من الهجرة .. ما موجود هو روايات فقط مع العلم أنَّ هذه الروايات كتبها محمد أبن اسحاق بعد أكثر من 130 سنة على وفاة النبيّ محمّد وتحديداً في زمن أبو جعفر المنصور – العصر العباسيّ الأول - !
للزميل سيمون خوري تعبير جميل قال فيه هم " الأنبياء الكذبة " وقال الأديان سماويّة – ارضيّة – فضائيّة .
العلماء ومنهم فنكلشتاين وسيلبرمان في " الكتاب المقدّس بدون حجاب " قالا لا وجود لنبيّ اسمه إبراهيم ولا يوجد حجر واحدة لقصر سليمان ولا أثر لعصا موسى ولا غيره بعد أن استمرا في البحث لمدة طويلة من مصر حتى فلسطين وكذلك العراق وكانا يحملان الكتاب المقدس بيد والفأس باليد الأخرى !
العنوان الأفضل في هذا حقيقة هو " الأديان من رحم السومريّة " ..
إذن الموضوع محسوم بالنسبة ليّ وهذا ما اتبناه مع ملاحظة أنَّ الإيمان مسألة شخصية كذلك الإلحاد ولا علاقة لهما لا بالتطور ولا بالتقدم ولا بالتخلف ولقد سبق وذكرنا ذلك أكثر من مرّة .. مع ذلك أنا أؤمن بأن الأديان هوية ووجدان ولا يحق لأيّ طرف أن يعترض على إيمان أيّ شخص في الوجود ناهيكم على أن الأديان ليست خياراً بل هي واقعة علينا دون إرادة منا فالإنسان ابن بيئته فهي التي تُشكله وتشكل أفكاره وعاداته وتقاليده .. يعني أبن الفاتيكان مسيحيّ وأبن مكة مسلم .
الأديان مرحلة تاريخيّة وذكرنا هذا اكثر من مرّة .
الأديان ليست هي المشكلة بل استغلالها هو المشكلة ..
" أرجو أن لا يصرخ أحدكم عاليًا فهذا هو رأي شخصيّ ولكم ما تؤمنون به فلكل منا عقله .. " !!
الأوربيّ اليوم ,, الدين بالنسبة له ميتافيزيقيّة لا غير, لا يقدم ولا يؤخر .. لماذا ؟ لأن الأمر محسوم ومنذ زمن بعيد .. ولكن قبل ان يكون الدين بالنسبة له ميتافيزيقية كما هو اليوم كيف كان في الماضي ؟ اعتقد بأن الجميع يعرف الجواب ..
الأصوليّة الإنغلاقيّة هي الأصوليّة في كل مكان وزمان وفي كل دين ومذهب ومعتقد ..
من صالح الطغاة في كل عصر ووقت وزمان ومكان أن يستغلوا الأديان من أجل مصالحهم وديمومة حكمهم .. التاريخ شاهد على ذلك .. لا داعِ لذكر الأمثال ..
معاناة العالم العربيّ اليوم هي من استغلال الدين بتحالف الطغاة مع رجال الكهنوت ..
مشكلتنا الأساسيّة مع الأصوليّة الإسلاميّة والكلاب الحكام ومن يؤيدهم ويقف معهم ويبرر أفعالهم المُشينة .
الفلاسفة ركزوا على مسألة استغلال الدين لأنهم على يقين من ذلك وركزوا على الطغاة .
بلادنا قبل 40 سنة " البداية مع السادات " لم تكن على ما هي عليه الآن وبعد 40 سنة أخرى لن تكون على ما هي عليه الآن .
عدم استغلال الدين من قبل الطغاة يعني أن الدين شأن شخصي كما كان سابقًا .
التجربة الماليزيّة مهاتير محمد .. التجربة التركيّة – أتاتورك .. خير مثال .
طبعاً 99 % من الذين يكتبون أو ينشرون مواضيع عن الدين لا يلتفتون لا إلى الأوضاع الدوليّة ولا المصالح ولا الأوضاع السياسيّة ولا الصراعات ولا إلى استغلال الدين من قبل الطغاة وهناك نقطة مهمة جداً وهي ابتعادهم عن مقارعة الطغاة ويتجنبونهم في كتاباتهم " هل هم جبناء أم منافقين " ؟ ..
هذه النقاط ,, من المحتمل غير موجودة في عقولهم ولا في أذهانهم أو لا قيمة لها ؟ أو ربما هي أوهام ,, ربما .. لله في خلقه شؤون ..
الطاغية على يقين من أن هذه الكتابات بالنسبة له مجرّد هراء – هو يعرف عن ماذا يبحث ,, عيونه مبثوثة من أجل الذين يستطيعون مقارعته على أرض الواقع .
إن كان التحرر يعنى شيئا فهو الحق في أن تقول للناس ما لا يَوَدُّون سماعه . جورج أورويل .
كثيرة هي العناوين التي تناولت التجربة الماليزيّة وسوف نتغاضى عن التجربة التركيّة ,, منها على سبيل المثال :
مهاتير محمد رائد النهضة الماليزيّة.. حول بلاده من دولة زراعيّة فقيرة إلى نمر آسيوي جامح ومن أهم دول العالم المنتجة والمصدرة للتكنولوجيًا.. أهتم بالتعليم والتنميّة البشريّة.. والبنيّة الأساسيّة كلمة السر ..
من أهم النقاط التي كانت لصالح ماليزيا هي " لم يحكمها رجل عسكري " راقبوا مصر 1952 لحد الان – العراق 1958 – ليبيا القذافي وكذلك سورية الأسدين أو الحمارين ناهيكم عن علي عبد الله صالح واليمن السعيد ! يقولون بأن لكل من هذه الدول " مصر , العراق , سوريّة , حضارة عمرها 7000 سنة ! انا أريد حضارة 22 سنة نوع ماليزيّ ! وأدع لكم حضارة 7000 سنة !!
العَلمانيون " أهل نقد الدين " لا يعجبهم هذا الكلام ويزعجهم جدًا ولا يُريدون أن يكتب عنه أحد بل ويكفرون باليوم الذي وصل فيه مهاتير محمد لسدة الحكم والذي استطاع خلال أقل من 22 سنة أن يفعل ما لم يستطع العالم العربيّ بأجمعه " 340 مليون نسمة " أن يفعل ولو 1 % مما فعله هو !!
لم يستطع العالم العربيّ بأجمعه – 340 مليون نسمة – أن يقدم شيئا ما لبلده كما قدم مهاتير محمد لماليزيا !!
هذا الكلام يُزعج أهل التنوير !!! حلوة " التنوير " !
بعض النقاط :
قام مهاتير محمد بالتركيز على ثلاثة محاور بصفة خاصة ، وهي : محور التعليم ، ويوازيه محور التصنيع ، ويأتي في خدمتهما المحور الاجتماعيّ .
بلغت نسبة المدارس المربوطة بشبكة الإنترنت في ديسمبر 1999م أكثر من 90% ، وبلغت هذه النسبة في الفصول الدراسيّة 45% ، كما أنشأت الحكومة الماليزيّة العديد مما يعرف بالمدارس الذكيّة التي تتوفر فيها مواد دراسيّة تساعد الطلاب على تطوير مهاراتهم واستيعاب التقنيّة الجديدة ، وذلك من خلال مواد متخصصة عن أنظمة التصنيع المتطورة وشبكات الاتصال ، ونظم استخدام الطاقة التي لا تحدث تلوثًا بالبيئة. إجماليّ ما أنفقته الحكومة الماليزيّة على التعليم في عام 1996م على سبيل المثال نجده 2.9 مليار دولار ، بنسبة 21.7% من إجمالي حجم الإنفاق الحكومي ، وازداد هذا المبلغ إلى 3.7 مليار دولار عام 2000م بما يعادل نسبة 23.8% من إجماليّ النفقات الحكوميّة. تم إنشاء أكثر من 400 معهد وكليّة جامعيّة خاصة..
صادرات ماليزيا من 5 مليارات دولار في عام 1980 لتصل إلى 100 مليار في عام 2002، لتحتل صادرات السلع المصنعة بـ 85% من إجمالي الصادرات. دخل المواطن الماليزيّ من 1247 دولارا سنويًا في عام 1980، ليصل إلى 8862 دولارا سنويًا في 2002، انخفضت معدلات الفقر فيها من 49% في عام 1980 إلى 5% في 2002 وانخفضت نسبة البطالة إلى 3% .، يؤكد تقرير التنميّة البشريّة الصادر عن البرنامج الإغاثيّ للأمم المتحدة في عام 2001 أن ماليزيا من أهم (30) دولة مصدرة للتقنيّة العاليّة , واحتلالها للمرتبة التاسعة بين هذه الدول متقدمة على إيطاليا والصين.
مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق الذي تولى رئاسة الوزراء في 16 يوليو 1981م ولكنه في 31 أكتوبر 2003م أقدم على عمل نُعِدّه في عالمنا العربيّ والإسلاميّ غاية في الغرابة ؛ فقد قرر الزعيم الماليزيّ الانسحاب من السلطة وهو في قمة مجده ، وبكامل إرادته ، فقرر اعتزال الحياة السياسيّة تمامًا ، معطيًا الفرصة لغيره من أبناء وطنه أن يساهم في تطوير وبناء ماليزيا الحديثة .
مهاتير هو الذي قال " عندما أردنا البناء توجهنا لليابان وعندما أردنا الصلاة توجهنا لمكة " .. هذه العبارة لا يقبل بها بل وينزعج منها أهل التنوير والعلمانيين " تخصص نقد الدين "!!
22 سنة فقط وتنازل مهاتير وترك لغيره المجال بعد أن بنى أعظم دولة في المنطقة – نحن رئيس صحيفة أو محرر في جريدة أو كاتب أو حتى صاحب تعليقات بأسماء مستعارة لا ينسحب ولو بعد 50 سنة ؟ فكيف بحكامنا ؟ المهم ..
الإسلام في ماليزيا هو الدين الرسميّ للدولة ونسبة المسلمين أكثر من ستين بالمائة !
نصيحة لأهل التنوير " الَعَلمانيين " مراجعة تقارير التنميّة البشريّة للدول العربيّة لعلهم يجدون لنا العلاج الناجع على غرار علاج مهاتير محمد !!
هي تقارير بسيطة وأرقام لا قيمة لها مثلاً 49 % نسبة الأميّة " أي نصف الشعب العربيّ " !! من الممكن أن نحلها ونصل إليها بكتابة بعض المقالات على وسائل التواصل الاجتماعيّ مع الكثير من التعليقات ,, في اليوم الثاني سوف تختفي نسبة الأميّة ومعها البطالة التي لا تقل نسبتها عن سابقتها ,, شرّ البليّة أغربها ..
سيغادر حكامنا مناصبهم كما فعل مهاتير محمد وأولهم بشار الأسد بعد بناء سوريّة الحديثة وثانيهم حكام العراق الجدد بعد بناء العراق العظيم !!!
شر البليّة ما يضحك !!
في الماركسيّة والدين - التباسات العلاقة وأسس المصالحة - يقول الأستاذ عبد الحسين شعبان :
حين تعجز الأرض عن إيجاد حلول لمشكلات الفقر والمرض والبطالة والعيش الإنسانيّ والحرّية ,, فلا بدّ من البحث عن معالجات لها في السماء .. انتهى الاقتباس ..
عندما نفهم ذلك سيكون لكل حادثة حديث ..
عندما نتحول من رعايا إلى مواطنين عند ذاك سيكون لكل حادثة حديث .
إذا لا فلاسفة ولا مهاتير محمد ولا حتى أتاتورك فكيف الوصول ؟
ختامًا :
التعويض السماويّ هو ‏الذي أصبح ذات يوم أفيونا مدهش الأثر كانت السلطة تستخدمه لجعل الناس يقبلون تعاسة الدنيا بانتظار ‏وعود الآخرة... أنجلز .