رسالة مفتوحة الى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين


بهاءالدين نوري
2015 / 11 / 10 - 14:14     

الذي يخاطبك بهذه الرسالة الالكترونية المفتوحة هو يساري عيراقي انضم الى صفوف الحزب الشيوعي في اربعينات القرن الماضي ، وغدا سكرتيرا للحزب أربعة اعوام ، عضوا في قيادته لعشرات السنين . وهجرته احتجاجا على تفاقم اخطائه ولكنني لم اهجر معسكر اليسار السياسي ، أيها الرئيس پوتين . وتابعت سياستك منذ ان استلمت كرسي الرئاسة من الشيوعي المرتد بوريس يلسن الذي كان قد أصبح رئيسا لروسيا الجديدة البرجوازية بعد ازاحة ميخائيل گربجوف في 1991. وبديهي ان ذلك لم يحدث صدفة ، بل جاء اعترافا بخدمتك له حين كنت رئيسا لجهاز البوليس السري ( ك گ ب ) وهكذا قفزت من رئاسة المخابرات الى رئاسة الدولة بعيدا عن السبل الديمقراطية البرلمانية المألوفة بل لانك كنت حليف يلسن وحسب . ويتراءي لي انك كنت في العهد السوفيتي الأخير مخابراتيا متحمسا للنهج الستاليني ، وانتهيت ، بعد سقوط النظام السوفيتي . الى الكشف عن نفسك ورغباتك في حب الزعامة وفي التمسك بالعقلية الموروثة من العهد القيصري والستاليني القاضي بالبقاء مدى العمر سواءكان على العرش الملكى ام االعرش الجمهورى اي الملك غير المتوج من قبيل فرانكو و جاوشسكو و صدام حسين و آل الاسد والقذافي – الخ . وبعد تحالكف مع المليارديرالروسي الذي اثرى من سرقة أموال الشعب في ظل الفساد الاداري للنظام الاشتراكي المريض ، خصوصا ابان حكم برجنيف . وهذه لم تأت من النزعة الاستبدادية المناقضة للدميقراطية المعاصرة ، التي توصلت الى تحديد فترة الرئاسة لاي كان وفي اي بلد كان بدورتين رئاسيتين كماهو في الولايات المتحدة الامريكية ، حذرا من تحول الرئيس ، الذي يبقي في منصيه لسنوات طويلة ، الى دكتاتور فردي ، كما حدث اكثر من مرة وكما اتجهت انت الى ذلك منذ ان تسلمت كرسي الرئاسة حيث اتفقت مع ميدفيديف على تبادل الكرسي بين رئيسي الدولة والوزارة دون اي تحديد زمني سعيا منك لتكون قيصرا رأسماليا غير متوج ، في ثباب جديدة .
انك استوعبت من التجربة السوفيتية فقط جوانبها السلبية- الستالينية التي قادت الى تحطيم النظام االاشتراكي ، و رفضت تجربة عداء الشيوعيين المستحكم للنظام الراسمالي ، بل جمعت بين طموحاتك الشخصية في الزعامة و بين خدمة النظام الراسمالي . ويتراءي لي انك لم تهتد الى انتهاج سياسة صحيحة حتى في خدمة طبقتك الجديدة – البرجوازية اذ عدت الى التنافس الدولي بصورة ضارة ببلدك و بدأت تصارع امريكا على زعامة العالم دون ان يتوفرلك مستلزمات هذه المنافسة سياسيا و اقتصاديا و تقنيا . نعم يجب الاعتراف بأن روسيا كانت ولا تزال واحدة من الدول العظمي ، بل هي مرشحة لان تصبح في المستقبل اقوى دولة في العالم . فهى تملك جميع المقومات لكي تصبح الدولة الاعظم ، لكن ذلك لن يتحقق بالسياسة التي تتعبها انت ، بل يتطلب تفهم الظروف االمستجدة في عالمنا اليوم ، ظروف العولمة والتقدم الحضاري غير المسبوق . حري بك ايها الرئيس بوتين ان تتعلم اشياءا من الدول البرجوازية الغربية ، التي تفهمت ظروف العولمة و تخلت عن سياستها الاستعارية باشكالها الكلاسيكية وابتكرت لنفسها اساليب جديدة في الدول الغريبة المتطورة في التعامل مع الاحداث . في العلاقات الدولية وفي السلب والنهب في البلدان المتخلفة ، واخذت بنظر الاعتبار ظروف التقدم الحضاري العولمي والبحث عن اشكال عمل مناسبة لهذه الظروف . ولم تعمل انت رئيس الدولة البرجوازية الروسية على شاكلة أقرانك من زعماء الدول البرجوازية الغربية ، بل عدت الى ماقبل عشرات الاعوام من حيث العلاقات الدولية ، اذ بدأت تخطو نحو اثارة الحرب الباردة والعودة الى سباق التسلح لاعادة روسيا البرجوازية الى موقع الند للند كما كانت الدولة السوفيتية ، متجاهلا ان اختلاف الظروف اليوم عما كان في الماضي وان سقوط النظام السوفيتي في 1991 غير توازن القوى على المسرح الدولي لصالح امريكا . وخلال ربع قرن مضى من حكمكم لم يتعاف الاقتصاد الروسي من الازمة الحادة ، التى نشأت ابان حكم برجنيف وتفاقت بعد سقوط النظام السوفيتي ، الاتعافيا محدودا . انك لاتجهل سعر الروبل ازاء الدولار الامريكي حتى اليوم ، بعد ربع قرن من سقوط الاتحاد السوفيتي ، واذا عدتم الى الحرب الباردة وسباق التسلح فان روسيا قد تكون الخاسر الاكبر .
ان المنافسة مع امريكا قضية مشروعة ولا بحق لأحد أن يلو مكم عليها ، اذا كانت منافسة سلمية حضارية مقترنة بالتعايش السلمي وبالوسائل المشروعة الهادفة الى تنمية الاقتصاد و رفع المستوى المعاشي للشعب وتقديم المساعدات المتنوعة الى البلدان الفقيرة و المتخلفة ، لكي ترتفع مكانة الدولة الروسية الى مستوى اعلى . اما اللجؤ الى الاساليب المتخلفة المؤدية الى المزيد من التوتر الدولي و من اثارة غضب الشعوب ، من قبيل دعم نظام دكتاتوري معزول كنظام بشار الاسد وتزويده بالاسلحة الفتاكة لقتل الشعب السوري ، بل ارسال القوات الجوية والدروع و وحدات من المشاة الى سوريا للدفاع عن دكتاتور منبوذ وموغل في التقتيل والتدمير لمجرد البقاء مدى العمر على كرسي الحكم غير مكترث بمأساة بني وطنه طوال السنوات الاربع المنصرمة ،وماالذي تحصل انت عليه من وراء هذا الدعم للدكتاتور ، سوى ان يكون لك موضع قدم مهزوز في سوريا في مجرى المنافسة مع واشنطن ؟ الايخجلك أيها الرئيس بوتين ، وانت تعيش في ظروف الحضارة العولمية المتقدمة ، أن تدعم عن سبق اصرار جلادا متوحشا مثل بشارلاسد ؟ هل من الانسانية ومن اللياقة في شئ ان تصون دكتاتورا من غضب شعبه ، وانت تعرف جيدا أنه ورث الحكم من أبيه الدكتاتور الضابط العلوي حافظ الاسد ، الذي اغتصب الحكم عبر انقلاب عسكري في 965 ولم يترك كرسيه الى ان رحله الموت ؟ قل لي أين هي ديمقراطيتك وانسانيتك وانت ترسل الجنود الروس الى سوريا لحماية جلاد سبب قتل مئات الآلاف وتشريد اكثر من عشرة ملايين سوري ومهد بهذه السياسة الاجواء لظور وانتعاش الدواعش واشكال الارهابيين ؟ ترسل قواتك لضرب الارهابيين دفاعا عن رئيس الدولة بشارالاسد ، و العالم يعرف ان ليس هناك ارهابى اكثر توحشا وبربرية من نظام بشار البعثي ؟ وبماذا تجيب على اتهام السوريين المعارضين بأن طائراتك لم تقصف فقط الدواعش ، بل قصفت كذلك وحدات الجيش السوري الحر وشتي اشكال المعارضين لبشار الاسد ؟ بماذا تبرر هذا الانحياز الى دكتاتور سفاح ؟
في الماضي كانت الظروف مغايرة لما هو اليوم ، ايها الرئيس بوتين . في النصف الاول من القرن العشرين اثارت الدول الاستعمارية حريين عالمتين ذهبت ضحيتهما قراية مئة مليون ، فضلا عن حروب موضعية عديدة . وقد كان اسقاط النظام السوفيتي المنبثق من ثورة اكتوبر 1917 هدفا لمثيري الحربين . ففي الاولي هجمت جيوش 14 دولة برجوازية لمناصرة ثورة الردة والقضاء على الدولة السوفيتية الفتية . وفي الثانية هاجم هتلر الاتحاد السوفيتي في 1941 . وفي كلتا الحالتين خرج الننظام السوفيتي منتصرا . و تاكد للدول البرجوازية انها لن تنتصر في اي حرب ضد السوفيت . لكن النظام سقط بسبب الخلل فيه ذاتيا ، بسبب الستالينية التي حولت الماركسية الى ما يشبه ديناسماويا و اغلقت الطريق على التجديد و مواكبة التطور الاقتصادي العالمي وفتحت الباب على مصراعيه امام الفساد الاداري و سرقة اموال الدولة ، في ظروف الحرب الباردة وسباق التسلح . واذا كنت تحلم بأن تصبح روسيا البرجوازية ندا للند ازاء امريكا فان الطريق الى ذلك لا يمر عبر اعادة الحرب الباردة و سباق التسلح ولاعبر التسلط على سوريا او اوكرانيا ، بل عبر تنمية الاقتصاد الروسي حتى يتساوي مستوى دخل الفرد الروسي مع مستوى دخل الفرد الامريكي ، ان روسيا تملك الاسلحة بقدر ما تحتاج لحماية نفسها من العدوان و هي تملك من الارض و الثروات الطبيعية ما يغنيها عن الحاجة الى الهيمنة على اي دولة او قومية اخرى . فالطريق الى تقوية واستقرار دولتكم هو السعي لبناء العلاقات الدولية على اساس حضاري منسجم مع ظروف العولمة . انكم تملكون من العلماء والمهندسين والثروات ما يكفيكم لدخول ساحة التنافس العلمي – التكنيكي – الاقتصادي ازاء امريكا و سائر الدول العظمي . لكن عرض العضلات العسكرية خطأ يضر ببلادك قبل ان يضر بامريكا .
ان عودة اقليم القرم الى روسيا عبر استفتاء سلمي ديمقراطي امر مفهوم و مقبول وفق المبادئ الديمقراطية . لكن السعي للتسلط على اوكرانيا او سوريا او الاصرار على حكم الاقاليم التي تشكل القوميات غير الروسية ( كالشيشان و الانكوش و التتار و الداغستانيين .. الخ ) غالبية سكانها امر مرفوض و مناف للمبادئى الديمقراطية والحضارة المعاصرة . خير لروسيا أن تحل مشكلة تلك الاقاليم عبراستفتاءات ديمقراطية حرة باشراف UN و تحسم المشكلة وفق النتائج . ان الاصرار على النهج الشوفيني في التسلط معناه الاستمرار على نشر الدمار وسفك الدماء في روسيا الفيدرالية ، الامر الذي يضعف الدولة ويزيد من متاعبها السياسية و الاقتصادية . ويدفع الشعب الروسي ضريبة ذلك . ان البحث عن علاقات سلمية مقرونة بالتعاون والمنافع المتبادلة خير من اثارة التوتر الدولي و تعريض العالم الى خطر حرب ثالثة قد تصبح نووية ولايكون فيها فائز و خاسر ، بل يخسر الجميع وتحل كارثة غير سبوقة بالبشرية على وجه كوكبا .
مع اعتذاري لكم عن بعض التعابير الخشنة في رسالتي ، متمنيا لكم الصحة والتوفيق في خدمة الشعب الروسي .

ملحوظة
آمل أن يتطوع بعض الاصدقاء لترجمة هذه الرسالة اليساري العراقي
الى اللغة الروسية ونشرها في مواقع الكترونية روسية . بهاء الدين نورى
تشرين الثاني 2015