حول مقالات بعض الرفاق !!


فلاح علوان
2015 / 11 / 10 - 13:19     


ان كتابة المقال او التقرير او الخاطرة هو عمل ينجح او يفشل في التعبير عن تصور او انطباع او انفعال، وان تقييم الامر او مردوده يتعلق بصاحب المقالة. ولكن بالنسبة لمن يضع نفسه موضع المسؤولية فسيكون لكتابته مغزى اخر، غير التعبير الادبي او الشخصي او الانطباعي عن ظاهرة او حدث او قضية.
ما يدعوني للتنويه عن هذا الموضوع هو اني تابعت اكثر من مرة مجموعة الكتاب الرئيسيين في جريدة الى الامام وهم ينشرون مقالاتهم على صفحة الحوار المتمدن، والتي تأتي متسلسلة غالبا مما يسهل متابعتها في نفس الوقت.
ان المقالات تخص اصحابها وتعبر عن ارائهم وهي ليست مقررات او توصيات، هذا صحيح. ولكن بمقدار ما يتعلق الامر باشخاص لهم مواقع قيادية منذ سنوات او عقود، وان مقالاتهم غالبا ما تنشر كما هي في جريدة حزبية، يجعل المسألة بحاجة الى تسليط الضوء على ما ينشر، وان لايمر الموضوع وكأن هذه وجهات نظر شخصية. ان هذا الشكل المتاح يترك ذريعة لتمرير افكار وتوجهات ليست بالضرورة متفقة او متطابقة مع منهج وبرنامج المنظمة او الاتجاه الذي يشكلون جزءا كبيرا من قيادته، او يترك تصورا بان ليس لسياسة هذا الحزب وتوجهه محورا او منطلقا.
اكثر المقالات تنتهي بالعبارة التي اصبحت شبه لازمة " على الطبقة العاملة رص الصفوف". وهذه بديهية ولكنها لاتمثل حلا ولا توجها، انها تهرب من طرح اسلوب التنظيم ورص الصفوف والاكتفاء بعبارة لتبرئة الذمة من الالتزام السياسي باعتبار ان هذا هو الحل. ان "رص الصفوف" هو مهمة المنظمة السياسية ببرنامجها وبراكتيكها السياسي، ويتحقق عبر صراع مرير مع العديد من التيارات السياسية داخل الطبقة العاملة وفي السلطة وفي اوساط الطبقات السائدة، ولا يتحقق عبر الدعوة العامة والتوجيهات. ان هذا الاسلوب اصبح عائقا جديا امام اي تقدم للتيار الماركسي في اوساط العمال وعموم الشعب، ان تأثيره الضار المباشر هو على الكوادر بالدرجة الاولى، ثم على اوساط المتطلعين للنشاط وتبني الافكار الاشتراكية.
في المقالات المنشورة خلال الاسبوعين او الثلاثة المنصرمة راقبت مقالين من بين نحو 6 مقالات، الاول لنادية محمود والثاني لسمير عادل، حول دور ومكانة بعض رجال وشيوخ الدين، الاول كان حول ممثل اليعقوبي، والثاني حول الحكيم.
المقالات المشار اليها بما فيهما المقالين المذكورين اعلاه لا تخلو من تشخيص اوضاع وكشف حقائق وتناول وقائع بلغة تحريضية تعبوية، ولكن جوهر الامر ليس هنا، فهذا الاسلوب والجهود المبذولة هي ما يعقد الموضوع ويجعل تسليط الضوء على العقدة الرئيسية اكثر صعوبة.
انا اتفق ومعي الكثير مع اي نقد من مواقع ثورية علمية للسلطة والتيارات الحاكمة وشخوصها، ولكن اذا تناولنا الموضوع من زاوية الدور السياسي للناقد ومكانة النقد سنصل الى نتائج مختلفة.
قبل كتابة مقال سمير عادل عن الحكيم بكثير، قام متظاهرون في اكثر من مدينة برشق صور عمار بالحجارة واحيانا بالاحذية، مع هتافات تشهيرية وبالاسم، في حين هاجم الالاف من اهالي الديوانية في ما يشبه الوثبة او الانتفاضة مقرات حزب الفضيلة الذي يقوده اليعقوبي كزعيم روحي او ديني، وطردوا ادارات المقرات ورددوا هتافات شديدة اللهجة، وكان هذا قبل كتابة المقال الذي ينتقد ممثل اليعقوبي على المنبر باسابيع.
ربما سينبري لي من يقول" هل تريد ان نترك نقدهم وتحريض الشعب ضدهم وبالتالي نساومهم" هذا شكل للمحاججة ساد كثيرا في اوساطنا وهو ضار وملتو لانه يخفي المتطلبات الفعلية لمواجهة هذه التيارات ويحصرها في اطار الكلامية والجمل. انا اطرح السؤال التالي : ماذا لدى صاحب البحث من رؤية لهذه الجماهير المحتجة على رجال الدين وسلطتهم؟ مالذي يستطيع تقديمه لهم؟ اقصد ما هو فهمه لحركة جموع تهاجم وتواجه ولكنها لا تمتلك وسيلة سياسية للتغيير؟
اذا كان الكتاب المشار اليهم يعتبرون انفسهم كتابا لانطباعات ومقالات شخصية فهذا شأنهم، اما ان يشغلوا مواقع القيادة فسيترتب على هذا معايير وموازين اخرى، فان مهمة القيادة لا ان تكتب بعد الحوادث باسابيع لتنتقد بالكلام ما قام الجمهور بمهاجمته في الشوارع، وتعيد تكرار تعابير وشعارات تجاوزها الجمهور دون ان تصل الى استنتاج على اساس خطك ومنهجك السياسي. ان دور المنظمة أو الحزب هو تأمين الوسائل النضالية لهذه الجماهير.
اذا كان كتاب المقالات المشار اليها يعتبرون هذا نهجا سياسيا وانهم بنطلقون من هذا التصور في مخاطبة الجمهور وفي ابقاء العمل السياسي في اطار الجملة الانفعالية ، فأقول بصراحة هذا ليس نهجا، انه خطابية كلامية ليست فقط عديمة النفع بل ضارة كذلك.
واذا كان الامر يتعلق بنقص في الاعداد السياسي وفي فهم المهام الاساسية للحزب السياسي، فهذا الامر يجب ان يكشف بوضوع ويناقش، لانه لا يشكل قصورا شخصيا لدى هذا الكادر او ذاك، بل انه يمس المؤسسة الحزبية السياسية بالكامل، والتي لا تشكل المنطلقات البرنامجية والتكتيك السياسي ركنا من اركان بناء القيادة وبناء الحزب لديها. وهو عيب قائم لا يمكن اخفاؤه. وعلى من يكون في موقع القيادة ان يتسلح بالفهم العلمي والتكتيك الثوري قبل ان يجازف بان يتحول الى موجه للحزب او للجمهور، وبهذا الصدد فان كم المعرفة والمعلومات ليست الامر الحاسم، بل تبني المنهج واستخدامه في النضال السياسي سواء بالكتابة او التنظيم او المشاركة اليومية بالنضال الجاري.
ان تأمين الوسائل النضالية هي مهمة الحزب السياسي المحورية والاساسية، بل ان الحزب نفسه هو وسيلة نضالية، ولا يشكل التشهير والتحريض سوى احد اشكال العمل السياسي، وان الاقتصار على التحريض والتوقف عند حده هو تحويل المنظمة الى وسيلة دعائية فقط.
واليوم فان ما ينقص الحركة الراهنة للجماهير هي ضعف الوسائل النضالية بوجه هذه السلطة وهذه التيارات الحاكمة او المتنفذة.
لا تكفي الجرأة الكلامية والجمل المدوية لسد النقص والعجز عن فهم دينامية الحركة وعناصرها وميكانزماتها، ولا يمكن ان تكون هذه الخطابية بديلا للتكتيك وبناء السياسات. ان اهم واخطر ما في هذه الابحاث والمقالات هي انها لا تستطيع ان تقول اين نقف او ما هو موقعنا في الاوضاع السياسية القائمة وفي تلاطم القوى، وهذا ينطبق على اكثر المقالات وليس فقط على المقالين المشار اليهما.
الامر الاخر الذي اود التنويه اليه، والذي صدر عن مجموعة من الكتاب المشار اليهم في تناولهم مسألة زيارة وفد من المتظاهرين الى مقتدى الصدر، وعقد مؤتمر صحفي مشترك معه. ان المقالات انتقدت الزيارة وهذا صحيح، وقامت بتقييم مواقف البعض، وهذا صحيح ايضا ، غير ان تصوير المسألة وكأن الحركة متعلقة بتاكتيك هذه المجموعة وتعاملها مع التظاهرات هو تصور خاطئ ويشكل خطرا جديا. ان المجموعة التي نظمت الزيارة هي جمع لمشاركين في التظاهرات في التحرير، وقد انخرطوا في الحركة بعد انطلاقها، وبالتالي فان اعطائهم صفة المسؤولية وتصوير زيارتهم وكأنها هي معيار او بارومتر اتجاه الحركة وتصاعدها هو كلام خاطئ، ويقود الى التضليل.
ان التظاهرات في التحرير تراجعت قبل الزيارة بكثير، وليس بمقدور اي من اعضاء الوفد تغيير هذا المسار بأرادته ومبادرته، وليس بامكان التيار الصدري بكل ثقله تغيير الوضع وحشد قوى جديدة مالم تتصاعد الحركة بفعل ديناميات اخرى. ان التيار الصدري هو الاخر لا يشارك في الحراك او يدعو للتظاهر الا بعد تصاعد الاحتجاج الجماهيري، وبالتالي فان مصير الحركة ليس مرتبطا به كتيار سياسي، ان تأثيره يكمن في نفوذه في اوساط فقراء المدن. هذا من جانب ومن جانب اخر، فان الحركة في بعض المدن لم تتراجع بهذه الصورة، ولم ترتبط بأسلوب ساحة التحرير، وبالتالي فلا يحق لاحد تعميم تراجع التحرير وتحويله الى فرصة للنقد الحزبي والتنظيمي والسياسي لهذا التيار او ذاك، وأشاعة صورة مغلوطة عما يجري في الواقع. اننا مع نقد توجهات هذه اللقاءات واصحابها، بمقدار ما يتعلق الامر بمكانتهم ودورهم ومنهجم في المشاركة، ولككنا لسنا مع تصوير الحركة وكأنها ستتوقف على دور هؤلاء.
ان حركة عمالية جماهيرية واسعة يومية بوجه سياسات التقشف، لم تتوقف ولم تتخذ من ساحة بعينها مكانا للتجمع، ولم تعتبر بارزي وناشطي ساحة التحرير قادتها، انها تبحث عن اجابة في برنامج شامل وحركة عمومية تستطيع فئات المجتمع الانخراط فيها، وهذا ما ينقصهم، وان ما يزيد من تكريس هذا النقص هو عدم فهم هذه القضايا والاصرار على لغة التوجيهات المرتجلة الكلامية والصواعق الخطابية كما يسميها لينين.
لا اريد الذهاب ابعد؛ ولكن اغلب المقالات المشار اليها بحاجة الى نقد علمي، لكونها تصر على نفس التوجه، مما يدل على ان ما يرد فيها ليس اخطاء عابرة او نقص معرفي، انها توجه سياسي بعينه، وبما انه لا يستند الى العلم الماركسي فعليه ان يبحث عن مكان اخر غير المنظمة او الحزب العمالي، او ان يتبنى المنهج الماركسي العلمي.
فلاح علوان
10-11-2015