قطاع غزة.. سفينة نوح الفلسطينية


فهمي الكتوت
2015 / 11 / 7 - 22:24     

في غمرة الأحداث الكارثية التي يمر بها الوطن العربي، من حالة الانهيار السياسي والاقتصادي والأمني، والسعي المحموم للإمبريالية في تفتيت "الدولة القُطرية" التي انجبتها اتفاقية سايكس بيكو، -بعد ما استنفذت مهمتها-، يعلن مدير المخابرات الفرنسي، وبحضور وتأييد من مدير المخابرات الأمريكي، إن "الشرق الأوسط الذي نعرفه انتهى إلى غير رجعة". اعتقدت الامبريالية أن نجاحها بتحويل مسار الثورات الشعبية، ووضع الوطن العربي امام خيارات صعبة، اما القبول بنظم الفساد والاستبداد، واما جحيم الحركات التكفيرية الإرهابية، تمهيدا لفرض التبعية المطلقة للاحتكارات الرأسمالية على المنطقة، لاحتواء تداعيات الأزمة الرأسمالية. وتوفير المناخ المناسب لفرض شروط الاستسلام على الشعب الفلسطيني، فإن هبة الشعب الفلسطيني التي كشفت عن مخزون هائل من الطاقات الكامنة التي يمتلكها؛ فاجأت الأعداء وأبهرت الأصدقاء، متحدية أوسلو والاتجاهات التصفوية، دفاعا عن أرض فلسطين وحماية مقدساتها، رغم كل الصعوبات التي تواجهها، وحالة الاغتراب التي يعاني منها، نتيجة تخاذل النظام العربي.
فعلى الرغم من الخسائر الفادحة التي لحقت بالشعب الفلسطيني اثناء العدوان الصهيوني على قطاع غزة العام الماضي في 8/7/2014 الذي استمر23 يوما، والتي حولت قطاع غزة الى منطقة منكوبة، كما يقول الصديق العزيز الأستاذ غازي الصوراني، الشخصية الوطنية والمفكر اليساري الفلسطيني المقيم في قطاع غزة، الذي أثرى المكتبة الفلسطينية في ابحاثه ودراساته القيمة. يقول في دراسته المقدمة الى الندوة الاكاديمية في معهد الدراسات الشرقية -جامعة لندن-بتاريخ 31/10/2015. تحت عنوان "قطاع غزة سفينة نوح الفلسطينية" إن التحديات الكبيرة لم تنل من عزيمة الشعب الفلسطيني، كما لم يكن الخلاص بالنسبة له؛ تحسين أوضاعه الحياتية، ومشاريع الإسكان والتوطين التي طرحت في فبراير 1955، بل التخلص من الوجود الصهيوني على أرض وطنه، والحفاظ على هويته الوطنية الفلسطينية، كان وسيبقى خياره الوحيد، على الرغم من أن80% من اللاجئين في قطاع غزة، كانوا يعيشون-في تلك المرحلة-ضمن أوضاع اقتصادية اجتماعية بالغة البؤس.
كثيرة هي الخصائص التي ميزت قطاع غزة منها؛ حفاظه على الهوية الوطنية الفلسطينية، تأكيدا للدراسة؛ أذكّر هنا أن حكومة توفيق أبو الهدى نفذت تعليمات الاستعمار البريطاني أثناء هيمنته على القرار السياسي والعسكري في الأردن في ظل المعاهدة البريطانية-الأردنية -التي ألغتها الحكومة الوطنية في آذار 1957- وفي ظل هيمنة الضباط البريطانيين وعلى رأسهم جلوب في قيادة الجيش الأردني، طمس الهوية الفلسطينية، كخطوة نحو تصفية القضية الفلسطينية، بإصدار قانون إضافي لقانون الجنسية عام 1949 باعتبار "جميع المقيمين في شرقي الأردن أو في المنطقة الغربية التي تدار من قبل المملكة ممن يحملون الجنسية الفلسطينية يعتبرون أنهم حازوا الجنسية الأردنية ويتمتعون بجميع ما للأردنيين من حقوق ويحملون ما عليهم من واجبات"، وقد تم ذلك حتى قبل إجراءات ضم الضفة الغربية دستوريا وقانونيا للمملكة.
أما في الجانب الاقتصادي والاجتماعي، يقول الصوراني في دراسته؛ أدى ارتفاع نسبة البطالة في منتصف 2015 الى 43.9% من مجموع القوى العاملة، ما يعادل 198903 عاطل عن العمل يعيش ونفي ظروف اجتماعية واقتصادية ونفسية بالغة القسوة، (منهم حوالي 100 ألف من حملة الشهادات الجامعية) وهذا يعني أن معدل الفقر في قطاع غزة ارتفع إلى ما يقارب21 % من السكان. ومن المعروف أن قطاع غزة يعاني من كثافة سكانية عالية، حيث تشكل مساحته (365) كيلومترا مربعا ما يعادل (1.35 %) من المساحة الإجمالية لفلسطين. في ظل تدني الموارد الاقتصادية، وما يسببه ذلك من مشكلات متعددة؛ (اجتماعية، اقتصادية، سياسية). أما الضفة الغربية فقد بلغت نسبة البطالة فيها 18.6%. وقد بلغ عدد السكان في الضفة والقطاع في منتصف عام 2015 (4.67) مليون نسمة يتوزعون في الضفة الغربية بنسبة 61.7%، وقطاع غزة 38.3%، أما مجموع القوى العاملة في الضفة والقطاع كما في نهاية عام 2014، نحو 1.290 مليون شخص.
وبلغ الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة للضفة والقطاع نهاية 2014 (7.449) مليار دولار، يتوزع بنسبة 74% للضفة الغربية و24% لقطاع غزة، ونصيب الفرد في الضفة 2265 دولار، بينما نصيب الفرد في قطاع غزة 970 دولارا. ومن أهم القطاعات الإنتاجية في الضفة الغربية وقطاع غزة الثروة الحيوانية وصيد الأسماك، حيث يعتمد عليه أكثر من 20% من السكان، لكن مساهمته في الناتج الإجمالي لعام 2014 نحو 3.8% في حين يشغل حوالي 10.5% من مجموع العاملين.
وبلغ إجمالي مساحات الحيازات الزراعية في الضفة والقطاع في نهاية عام 2013 (12) مليون دونم، منهم (100) ألف دونم في قطاع غزة، اقتطع الاحتلال (20) ألف دونم للمنطقة الحدودية العازلة المحظور دخولها على المزارعين، ولم يتبق سوى 80 ألف دونم عام 2005 حيث تقلصت المساحة الزراعية بسبب التزايد السكاني وتفتت الأراضي الزراعية.
كما بلغت مساهمة القطاع الصناعي في الناتج الإجمالي في الضفة والقطاع 14.5% في لعام 2014، منها نحو20% من القطاع، وبسبب إغلاق 90 % من المنشآت الصناعية في القطاع، أدى إلى انخفاض عدد العاملين في الصناعة من 35 ألف إلى 4 آلاف عامل في غزة.
كما تواجه قطاعات المياه والكهرباء مشاكل متفاقمة، فقد ارتفعت نسبة الملوحة في المياه إلى أكثر من 1000ملجم/ لتر، (بسبب الضخ الجائر للمياه الجوفية) الذي يستنزفها ويرفع من نسبة ملوحتها علما بأن منظمة الصحة العالمية تحذر من استعمال المياه التي تزيد نسبة ملوحتها أكثر من 250 ملجم/ لتر. أما أزمات قطاع الكهرباء المستعصية، فقد سببت أضرار خطيرة؛ اقتصادية واجتماعية ونفسية، خلال الأعوام الثماني الماضية، حيث ينقطع التيار الكهربائي من 8-12 ساعة يومياً. وفي الختام آمل أن أكون تناولت أبرز الصعوبات التي تواجه قطاع غزة ضمن المساحة المتاحة للمقال.