أزمة العولمة وفكرها النيوليبرالي (1-2)


فلاح علي
2015 / 11 / 7 - 15:58     

بعد التطورات العاصفة التي حصلت في الاتحاد السوفياتي في تسعينات القرن الماضي وفشل تجربته الاشتراكية وتجربة بعض بلدان اوربا الشرقية , انطلقت ماكنة وسائل الاعلام الراسمالية حينها , لتبشر العالم بنهاية التأريخ وان الرأسمالية هي التي ستكون خالدة بأنتصارها في المنافسه مع الاشتراكية , وان طريق العولمة الراسمالية وفكرها النيوليبرالي اصبح سالكاً وسيلتحق بهذا الركب بلدان كوكبنا اجمع , وان ظاهرة العولمة ستحكم العالم بأسره بقوانينها الاقتصادية وفكرها النيوليبرالي , وادعت ماكنة الاعلام الراسمالية ان العولمة الراسمالية ستنهي الفقر والجوع في العالم وستطور اقتصاديات البلدان النامية وتحقق التنمية المستدامة وستخلق الرفاة والوفرة في الانتاج وستحافظ على الاستقرار الاقتصادي والسياسي والامني في العالم , وان اقتصاد السوق هو الطريق لرفاة الشعوب وتطور البلدان .... الخ . بعد هذه الحقبة التاريخية من هيمنة العولمة الراسمالية على الاقتصاد العالمي . يطرح سؤال مشروع : هل أوفت العولمة بوعودها وما هو حالها اليوم ؟
حال العولمة الراسمالية اليوم ونحن في القرن ال 21 :
تؤكد كل المعطيات المنظوره والملموسه على كوكبنا منذ ظهور العولمة الراسمالية في نهاية القرن ال 20 الى الآن,ان العولمة الراسمالية وفكرها النيوليبرالي يمران في أزمة , وما تؤكده ايضاًهذه الحقبة التاريخية الثقيله باحداثها والمآسوية في افعالها ( السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والامنية ..... الخ). ان العولمة الراسمالية اصبحت عاملاً معرقلاً لتطور البلدان النامية وليس بمقدورها ان تقضي على الفقر في العالم ولا تحقق العدالة لافي العلاقات الدولية ولا في الحياة الاقتصادية والاجتماعية ولا التطور الاقتصادي للبلدان النامية , ان القضاء على الفقر وتحقيق العدالة وضمان تطور وازدهار البلدان يكمن في الاشتراكية وفكرها الماركسي , وان العولمة الراسمالية الآن امام مفترق طرق وان وضعها اليوم هو سيئ لأنها تواجه الفشل والعزلة والمعارضة الواسعة من قبل المليارات من البشر لوجهتها الاقتصادية الراسمالية الغير عادلة المتوحشة وذلك لمعطيات واسباب كثيرة منها التالي :
1-في ظل العولمة لم تحصل البلدان النامية على حصة عادلة من المنافع , وهذا ما يشهده العالم اليوم وما تؤكدة معطيات المناطق الاشد فقرا في العالم في افريقيا مثلاً قد تفاقم وضعها سوءً . حيث تناما الفقر والجهل والمرض واصبحت هذه البلدان تحت خط مستوى الفقر , وبلا بنية اقتصادية تحتية وتعيش على الكفاف مع ارتفاع ديونها الخارجية وزيادة التفاوت الاجتماعي في مستوى الدخل, من هنا تأتي معارضة شعوب البلدان النامية بشكل خاص وشعوب العالم للعولمة الراسمالية , وانها اي العولمة بآليات عملها ونظام مؤسساتها وبتوجهاتها الاقتصادية الاستغلالية , وبفقدان الملايين لوظائفهم وبشكل خاص الشغيلة, فهي بدلاً من ان تخفف من الفقر قامت بعولمة الفقر .
2- ان العولمة لم تنهي ازمات الراسمالية وبهذا فأن العولمة هي عاجزة عن ضمان استقرار الاقتصاد العالمي , واحد اسباب عجزها هو ارتكازها على اقتصاد السوق , الذي يتسم بعدم الاستقرار , واضعفت دور الدولة , الدولة هي التي تضمن اعادة الاستقرار واستمراره .
3- تعمل مؤسسات العولمة الثلاث صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية تبعاً لمصالح الدول الراسمالية وشركاتها الاحتكارية وللولايات المتحدة الامريكية بالذات التي تتمتع بحق الفيتو في صندوق النقد الدولي ولم تراعا مصالح البلدان النامية , والامثلة الحيه على ذلك كثيرة ومنها على سبيل المثال :
أ- صندوق النقد الدولي يمنح القروض للدول النامية بأشتراطات , يشترط الخصخصة المنفلته واضعاف وظيفة الدولة في مجال دعم الاسعار وفي مجال الخدمات وفي مجال الادارة للقطاعات الاقتصادية .
ب- صندوق النقد الدولي يمارس تطبيق رؤية فكرية واحدة لا بديل عنها هو التعصب المطلق لأقتصاد السوق وهذه الرؤية لأقتصاد السوق هي تمثل الفكر النيوليبرالي الذي ظلل وخدع المليارات من البشر , وقد لمست غالبية البلدان النامية مساوئ اقتصاد السوق , ولم تتطور اقتصاديات البلدان من خلال هذا النمط الاقتصادي , الصين كانت استثناء لأنها طورت اقتصاد السوق بطريقتها بدون الاعتماد على وصفات صندوق النقد الدولي واوجدت الاقتصاد الاشتراكي للسوق , واليابان وكوريا الجنوبية لهما وضعهما الخاص والتعامل الخاص معهما من قبل الولايات المتحدة الامريكية . اقتصاد السوق والخصخصة المنفلته فشلا في العديد من بلدان امريكا اللاتينية وبعض بلدان آسيا وفي افريقيا , في روسيا فشل اقتصاد السوق والخصخصة , بعدما وضع صندوق النقد الدولي خطة بتحويل الاقتصاد الاشتراكي لأقتصاد السوق وتم منح القروض لروسيا في فترة بلتسن لتطبيق وصفة الصندوق العلاج بالصدمة الا انها فشلت كما اشاعت العولمة الفساد في عمل المؤسسات الاقتصادية وفي نشاطها الاقتصادي.
ج- قروض الصندوق والبنك الدولي تحمل وجهه سياسية اي لها هدف سياسي , حيث قدم الصندوق والبنك الدولي قروض لدعم حكام دول في العديد من البلدان النامية لهدف استمرار بقائهم في الحكم لأنهم حلفاء الولايات المتحدة الامريكية ولم يكن الهدف من هذه القروض هو لتطوير اقتصاديات البلدان وتنميتها ومكافحة الفقر فيها .هذه القروض منحت لحكام لضمان استمرار تحالفهم مع الغرب والولايات المتحدة الامريكية , واطلق عليها بعض الاقتصاديين تسمية قروض الحرب الباردة كثير من الحكام في منطقة الشرق الاوسط وافريقيا وآسيا ومناطق اخرى من العالم النامي حصلو على هذه القروض لضمان ولائهم للولايات المتحدة الامريكية .
د- منظمة التجارة العالمية تفرض على البلدان النامية تحرير تجارتها ورفع القيود الكًمركًية وفتح حدودها امام تجارة البلدان الصناعية , في نفس الوقت نرى ان الدول الصناعية تغلق حدودها امام تجارة البلدان النامية , هذا يؤكد ان مؤسسات العولمة هي تعمل لصالح الدول الراسمالية واسواقها المالية وشركاتها الاحتكارية العابرة للقارات , لا لصالح البلدان النامية وفقرائها .
4- من هذه التسلكات وآليات عمل مؤسسات العولمة وغيرها فان المليارات من الناس من شعوب العالم الثالث تشكك في مصداقية مؤسسات العولمة في تحسين احوالهم .
5- كما ان منظمة التجارة العالمية فشلت في اقامة تجارة عادله في العالم وان الصندوق والبنك الدولي قد فشلا في انهاء الفقروفي تحقيق الاستقرار الاقتصادي , وفشلا في تطوير اقتصاديات البلدان , وهذا يعكس فشل العولمة في اقامة نظام اقتصادي ومالي دولي عادل .
6- في ظل العولمة ضعفت الهويات الوطنية وظهرت في البلدان النامية الهويات الثانوية والطائفية وضعف النسيج الاجتماعي في هذه البلدان وظهرت الصراعات والحروب الاهلية , ونمى التطرف والارهاب واخذ طابع اقليمي ودولي , وبدأ يهدد امن هذه البلدان واستقرارها كما هو عليه ظاهرة القاعدة وداعش .... الخ وهناك كثير من هذه الحركات المتطرفة في بلدان عدة في اسيا وافريقيا تنسق مع بعضها وتتخذ اسماء متعدده ولها تمويل ودعم اعلامي ولوجستي حصل كل ذلك في ظل أزمة العولمة وفكرها النيوليبرالي .
7- حتى مسألة الديمقراطية وحقوق الانسان التي بشر بها الفكر النيوليبرالي باقامتها بهذه البلدان , نرى على ارض الواقع انه لم يؤسس لأقامة ديمقراطية حقيقية لصالح شعوب هذه البلدان , وانما اوجد محاصصات فئوية وطائفية وتوافقات لا ديمقراطية مشوهه انتهكت الديمقراطية وحقوق الانسان , وفي دول اخرى دعم وساند الفكر النيوليبرالي بعض حركات الاسلام السياسي كما في تونس ومصروالمغرب ... الخ لهذا ما اكدته التجربة ان حالة الديمقراطية مع العولمة وفكرها النيوليبرالي هي ديمقراطية مشوهه وناقصة لم تؤسس لدول ديمقراطية ولا يوجد دور للمواطن فيها مع انتهاك دائم للحقوق والحريات والقرار بيد كتل واشخاص والشعب مغيب والمجتمعات لم تتطور. حيث كل ما عملته دول العولمة هو استبدال الدكتاتوريات ووضع محلها نخب او كتل وتكونت دكتاتوريات النخب او الكتل ,وترتبط هذه الدكتاتوريات الجديدة المصطنعة بدكتاتورية النخب المالية والاقتصادية الدولية .حيث يمارسون الارغام والضغط والاشتراطات وهذا هو جوهر المشكلة في ديمقراطية العولمة وفكرها , حيث تفرض على هذه النخب المنتفعة بان تتخلى الدولة النامية التي يحكموها عن جزء من سيادتها وفقاً لنزوات الاسواق المالية , وان تخصخص الثروات بشكل منفلت وتقيم اقتصاد السوق وتتخلى الدولة عن بعض من وظائفها . اضافة الى ذلك ان الاسواق والمضاربون الدوليون والاحتكارات الدولية والحكام الراسماليون وفكرهم النيوليبرالي هم الذين يفرضون على البلدان النامية ما يجب ان تفعله وما لا يجب ان تفعله . وفي ظل ديمقراطية العولمة يكون دور الشعوب مغيب مع انتهاك دائم لحقوقها وحرياتها .
8- ان العولمة الراسمالية لها تأثيرات سيئة على البيئة . كما ان التجارب باستخدام مواد كيمياوية تنتهك اتفاقات دولية بهذا الخصوص, تؤثرسلباً على البيئة وعلى ارتفاع درجة حرارة التربة , اضافة الى تلوث مياة البحار والمحيطات وغيرها من المشاكل البيئية .
نحو عولمة ذات وجه انساني :
العولمة الراسمالية اصبحت في نظر المليارات من الناس انها غير ناجحة , ولها نتائج سيئه بالنسبه لفقراء العالم حيث زادت حالهم تفاقما وباتت حياتهم اقل امان من ذي قبل ولم تتطور بلدانهم النامية اقتصادياً واجتماعياً مع دوام الازمات السياسية , وسيئه بالنسبه الى البيئة وفي ظل العولمة غاب الاستقرار الاقتصادي العالمي , وانتهكت سيادات البلدان وغيبت هوياتها الوطنية ...... الخ .المستفاد من العولمة دول محدودة ونخب فئوية وسياسية محدودة في هذا البلد او ذاك . اليوم حال العولمة الراسمالية سيئ لأنها اصبحت تمثل استعباداً واستغلالاً للدول النامية وشعوبها. فيكون من الطبيعي ان يعاديها المتضررون فالمعارضة للعولمة الراسمالية تتسع يوماً بعد آخر من هنا تأتي اهمية النضال على الصعيد العالمي السلمي لأنسنة العولمة لأنها ظاهرة موضوعية عالمية , لأجل ان تعم ايجابياتها شعوب العالم اجمع, وازالة الاثر السيئ الجشع الظالم المستبد منها كما هو عليه الآن , لتكون وجهتها انسانية .
ان هدف النضال من اجل انسنة العولمة يتجلى في :
انهاء الفقروايجاد نظام اقتصادي ومالي وتجاري دولي عادل . الغاء ديون البلدان النامية او تخفيفها هو مطلب عادل تطالب به البلدان النامية وهو مدخل لتطوير اقتصادياتها . والضغط من اجل اجراء الاصلاحات على مؤسسات العولمة , ورفع الاشتراطات والاملاءات عن البلدان النامية وعدم اجبارها على تحرير تجارتها , او الغاء التعريفات الكًمركًية , الدول الصناعية مطالبة برفع حواجزها التجارية . وضمان حماية البلدان النامية من جشع الاحتكارات الدولية ومن المضاربين الدوليين . والجانب الاهم هو دمقرطة الحياة السياسية , وعولمة الافكارذات المحتوى الديمقراطي الاجتماعي , وعولمة المجتمع المدني و بناء مجتمعات ديمقراطية , واستقلال القضاء في كل بلد . ان العدالة الاقتصادية العالمية تفرض على الدول الصناعية ان تقيم علاقات متكافئة مع البلدان النامية ,ان البلدان النامية وشعوبها هي اكبر الخاسرين من العولمة بشكل خاص وسكان العالم بحاجة الى انسنة العولمة .
(يتبع)
7-11-2015