عَلمانيّة وعَلمانيّة ! شتان بين الثرى والثريا !


شامل عبد العزيز
2015 / 11 / 4 - 13:23     

لا عَلمانيّة حقيقيّة ولا عَلمانيين حقيقيين في بلادنا !
كان هيغل يعرّف الفلسفة على النحو التّاليّ :
القبض على الواقع من خلال الفكر . وكان يعتقد أن كلّ عصر يتمحور حول مشكلة واحدة أساسيّة ، ومهمّة الفيلسوف الكشف عنها وإضاءتها . مهمّة الفيلسوف سبر أغوار الواقع والتّغلغل إلى أحشائه العميقة ..
نقلاً عن المفكر العربيّ السوريّ هاشم صالح .
على صفحة الفيس بوك كان ليّ المنشور التاليّ :
العَلمانيّة العربيّة – عدا بعض القامات - عَلمانيّة تجهيليّة , تضليليّة على عكس العَلمانيّة الغربيّة تنويريّة حداثيّة لذلك وصلوا ونحنُ لم ولن نصل !
كان تعليق الزميل حميد كشكولي على الشكل التاليّ " بتصرف " :
لم تتبلور لدينا تيارات عَلمانيّة تعمل على تغيير فكر الجماهير و الذاكرة الجمعيّة بل جميعها عبارة عن أراء شخصيّة ومبادرات فرديّة جاءت أغلبها من مثقفين مترفين . انتهى ..
هذا هو الرأي الذي اتبناه وأقول بصيغة أخرى لم يلد بعد " كوبر نيكس مسلم أو غاليلو عربيّ " لا يوجد فلاسفة على غرار فلاسفة الغرب الذين كانوا السبب المباشر في وصول العالم الحرّ إلى ما وصل إليه اليوم .
كتب الفيلسوف الفرنسيّ جيل دولوز ذات نص :
الفلسفة لن تموت . الفلسفة تعني دائما استكشاف مفاهيم جديدة .
سألنا سابقًا ونسأل اليوم : أين هم الفلاسفة في ديارنا ؟
القادرون على تغيير الوعيّ الجمعيّ ؟
من يظن أو يعتقد أو يؤمن بأن المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعيّ أو الصحف الورقيّة , الإلكترونيّة تدخل في خانة التغيير الحقيقيّ عليه مراجعة وفهم ما قاله هيغل في الأسطر الأولى من المقال .
كل ما نجده هو عبارة عن أراء شخصيّة , هناك من يتفق معها أو يخالفها من باب الرأي والرأي الأخر لا غير , هذا في أحسن أحوالها !
عندما أقول ذلك فهذا ليس معناه أنني بصدد الحظر على من ينشر أو يكتب بل أنا بصدد أنَّ عمليّة التغيير الحقيقيّ لا تكون بهذه الطريقة – دردشة التواصل الاجتماعيّ – من وجهة نظري المتواضعة .
الفلاسفة والعلماء في الغرب خاضوا تجارب عسيرة ومعارك سألت فيها الدماء من أجل فك الارتباط بين الكنيسة المتحالفة مع الأباطرة وبين السياسة ووضع الدين في مكانه الصحيح .
هنا في ديارنا من سيقوم بذلك ؟
نعود ونكرر أين هم الفلاسفة في ديارنا ؟
لعل هناك من يقول " نعم ,, هناك فلاسفة " ولكنّي سأعود وأسأل من جديد " أين هي عمليّة التغيير في فكر الجماهير والذاكرة الجمعيّة " هذا هو المطلوب وليس تعليقات هنا ومقالات هناك .. وحتى الكتب العربيّة فهي عبارة عن نسخ يوزعها أصاحبها على مجموعة من الأصدقاء وفي أحسن أحوالها لا تتجاوز 1000 نسخة .
ما هو الدليل على عدم التغيير ؟
لو أجرينا انتخابات عامة في جميع البلاد العربيّة اليوم فمن سيفوز ؟
الإسلاميون حتمًا بل سيكتسحون ,, فأين هو التغيير ؟
بالنسبة ليّ فانا موجود منذ عام 2008 ولحد الآن ومن خلال مراقبتي اليوميّة للأحداث العامة أجد بأن العكس هو الصحيح .. لا يوجد أي دليل على أننا نسير في الطريق الصحيح لا بل لا يوجد طريق نسير فيه أصلاً .
نحنُ نزداد تخلفًا وانحطاطا .. لماذا ؟ ونعود مرّة اخرى لنقطة الصفر أو للمربع الأول .
نحن لا ننتج الفلسفة – نحن نكرر ما كتبه الغرب وننشره وندعيّ العَلمانيّة التي يعتقد البعض بأننا سوف نصلها قريبًا .. شرّ البليّة أغربها ..
بدون فلاسفة لن يكون هناك شئ يذكر – مجرّد رأي - .
العَلمانيّة مرحلة تاريخيّة بغض النظر عن الدخول في تفاصيلها الأخرى كمان أنّ الأديان مرحلة تاريخيّة ..
الثورة الفرنسيّة أعظم ثورة في التاريخ وقلنا هذا سابقًا استمرت مذابحها 10 سنوات وبعد 103 سنة من الثورة استطاعت فرنسا أن تصل لمبتغاها أي عمليّة الفصل بين الدين والسياسة وكان ذلك في عام 1903 مع العلم أن فلاسفة عصر التنوير وما ادراك ما عصر التنوير كانوا هم قادة الفكر بينما أوربا بالمجمل احتاجت إلى 300 سنة لعمليّة الفصل ..
فأين فلاسفة عصر التنوير في ديارنا ؟ وكم سنحتاج ؟
العَلمانيّة ليست كتابات يتشدق بها البعض على وسائل التواصل الاجتماعيّ أو في الصحف ! ثم يصرخ " العَلمانيّة هي الحلّ " !
أين تكمن مشكلتنا ؟
تكمن مشكلتنا في الحركات الأصوليّة " هذا ما اؤمن به " قد أكون مخطئاً فنحن هنا لنقول رأينا فقط وليس من أجل رسم خارطة طريق للوطن العربيّ لكي يكون على غرار الدول الاسكندنافيّة ..
أنظروا إلى الواقع سوف تجدون في أي حضيض نعيش والواقع خير دليل وهو انعكاس علينا !
نعود للمفكر العربيّ السوريّ هاشم صالح :
الأصوليّة الإسلامويّة هي المشكلة رقم واحد للعصر العربيّ الحاليّ ، مثلما كانت الأصوليّة المسيحيّة هي المشكلة الأساسيّة في عصر فولتير وكانط بل وحتّى هيغل نفسه. وبالتّاليّ فكلّ مثقّف لا يأخذ هذه المشكلة بعين الاعتبار لا يمكن اعتباره مثقّفا . إنّه خارج قوس ، أي خارج العصر بالذّات . انتهى الاقتباس ..
أنا أؤمن بهذا حرفيًا والواقع دليليّ ..
المعركة الحاسمة بين القوى التقدميّة " العَلمانيّة " بكافة مسمياتها وبين الحركات الأصوليّة لم تبدا بعد ولعدة أسباب منها ضعف جميع القوى العَلمانيّة وهزالة حرِكاها " المكتفية بالتنظير " مقابل قوّة الحركات الأصوليّة التي تتفاعل مع الواقع بكل شراسة ..
لم تكن الحركات الأصوليّة في الغرب أقل شراسة من الحركات الأصوليّة الإسلاميّة لا بل على العكس كأنت أكثر قوّة وشراسة ولكن الفرق هو وجود القوّة المقابلة لها من المفكرين والفلاسفة والعلماء الذين زرعوا في نفوس الناس وعقولها تلك الأفكار النيّرة من أجل التخلص من حكم رجال الكهنوت المتحالفين مع الطغاة ..
سأضرب لكم بعض الأمثال عن بعض الفلاسفة :
كان كوبرنيكس قد وسع الكون . فمن ذا الذي يمكن أن " يوسع الله " اليوم ويعيد التعبير عن الألوهيّة في لغة جديدة بهذه المجموعات من النجوم الهادئة التي لا يحصى عددها ؟ جوردانو برونو حاول هذا. 1548-1600 ..
أحرقوه بتهمة الهرطقة .. كم أعشق هذا الإيطاليّ الشهيد ؟
كان يقول أنني أموت شهيداً وأموت سعيداً ولسوف تصعد روحي من ألسنة النار علواً إلى الجنة.
وهو القائل لقضاته " ربما كنتم يا من نطقتم الحكم بإعدامي ، أشد جزعاً وخشية مني أنا الذي تلقيته " ..
بعد 289 سنة اعتذرت الكنيسة عن حرقه وبنوا له أعظم تمثال في نفس مكان الحرق جُمعت له التبرعات من مختلف أركان الدنيا.
أعطوني برونو عربيّ مسلم ! بل أعطوني أيّ فيلسوف مسلم – عربيّ يكون له شبه بفلاسفة عصر التنوير !
فيلسوف إيطالي أخر :
يروون أن الفيلسوف الإيطالي فانيني ، حين جيء به من السجن ليلقى عقابه (9 فبراير 1619) صاح معجباً " دعوني أذهب ، دعوني أذهب فرحاً مبتهجاً لأموت موتة فيلسوف ".
أين نحنُ من هذا ؟
أعطوني – فانيني – على صفحات التواصل الاجتماعيّ أو الصحف العربيّة – الإسلاميّة !! أبحثوا عنه لعلكم تجدونه دون أن أدري !!
هؤلاء هم الذين يعملون على تغيير فكر الجماهير والوعيّ الجمعيّ ..
أنا لا أريد أن أبخس التضحيات في ديارنا ولكن ذهبت تلك الدماء بلا فائدة وبدون نتائج .. لم يحصل من جراءها التغيير في فكر الجماهير والوعيّ الجمعيّ بالقدر المطلوب .. بل أن الذي حصل هو العكس . لماذا ؟ ونعود للمربع الأول مرّة ثانيّة !!
نحنُ نتخفى وراء أسماء مستعارة بل أن هناك من يكتب بعدة أسماء وهو شخص واحد ..
إن لم تستحي فأكتب بعدة أسماء !
لا يوجد شئ بدون ثمن والحرّية ثمنها غالِ بل غالِ جدًا .
بعد أكثر من 1500 سنة من دعوة السيّد المسيح ظهر كوبر نيكس و برونو وغاليلو .... إلخ .
لقد عاشت أوربا عصر محاكم التفتيش التي أسسها البابا انوسنس الرابع عام 1252 م وبقيت تعمل لمدة خمسة قرون .
أرسلت خلالها أكثر من مليون إنسان إلى المحرقة بينما فولتير يقول بلغ عددهم 10 مليون .
هذا هو الثمن وهذا هو التاريخ وهكذا يجب أن نقرأه حسب رؤيتي المتواضعة . أما اليوم فدور العبادة متلاصقة في أوربا لا يسالون عن الدين ولا يعرف بعضهم البعض إلى أي دين ينتمي كل مواطن بل هي جريمة لمن يسأل عن ذلك .
في تعليق أخر قالت إحدى السيدات المشاركات على المنشور " العَلمانيّة صفة للدولة وليس للأفراد " .. وأنا أرّ بان هذا الكلام كلامًا منطقيًا واقعيًا فالدولة هي التي يجب أن تكون عَلمانيّة .
ما هو الدليل ؟ الدليل هو الولايات المتحدة الأميركيّة أعظم قوّة على وجه الأرض .. والنص المقتبس التالي :
" أمريكا لا تزال متدينة في شرائح واسعة منها إذا ما قيست بأوروبا الَّتي خرجت من الدِّين كليًّا تقريباً . ولكن حتَّى أمريكا ذات الأصوليَّة البروتستانتيَّة و نجوم الدعاة الإنجيليين التلفزيونيين الَّذين لا يقلون جبروتا عن القرضاويّ ومحمد العريفيّ وعمرو خالد تظلُّ دولة علمانيَّة بنصِّ الدستور المقدَّس بالنسبة لهم ".
" نص الدستور المقدّس لهم " هل سنفهم ذلك ؟ هل سنكف عن الصراخ والعويل , اهدموا المساجد واحرقوا المصاحف واقتلوا المسلمون ! يخلو لكم وجه العَلمانيّة وتكونوا من بعدها قوم علمانيين ! ما هذه الثقافة وما هذه الدعوات ؟
قلنا سابقًا العَلمانيّة هي أن تكون حرًا في إيمانك ودينك ومذهبك ونبيك وربك ولا يحق لأحد أن يعترض عليك في الاختيار .
العَلمانيّة لا تهدم دور العبادة بل تبنيها !
العَلمانيّة لا تحرق الكتب المقدّسة بل تطبعها !
العَلمانيّة توفر لكل متدّين ما يومنَّ له أداء فروضه الدّينيّة !
العَلمانيّة تحمي الأديان ولا فرق عندها بين دين ودين !
العَلمانيّة لا تعني فصل الدين عن الحياة بالكامل ومن يفهم ذلك لا يعرف ما هي العَلمانيّة بل العَلمانيّة طالبت بفصل الدين عن السياسة وهذا ما تحقق في العالم الحرّ بعد أن ذهب البابا للفاتيكان يدعو في قداس الأحد للعالم أن يعيش بسلام !
أما مُداخلة الصديق بسام درويش فكانت على الشكل التاليّ :
الحديث عن العَلمانيّة في واقعنا العربيّ هو مهزلة بسبب تخلف كل شيئ .الواقع السياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ وتخلف
الموروث الدينيّ والثقافيّ ,, عَلمانيّة في هكذا واقع حتمًا ممسوخه .. وأنا اطالب بمراجعة تقارير التنميّة البشريّة ! لعل هناك من ينتبه ويعرف بأننا مجتمعات تعيش على أكوام من الأوساخ ! ليس الأوساخ بمعنى النفايات بل هي اوساخ فكريّة ثقافيّة اقتصاديّة اجتماعيّة سياسيّة دينيّة ..
هذا هو الفرق بين عَلمانيّة التنوير وعَلمانيّة التجهيل ! بين عَلمانيّة الحداثة وعَلمانيّة الضلالة !
لا يزال أمامنا الكثير , الكثير من أجل إيجاد برونو - غاليلو - كوبر نيكس - كانط – هيغل - روسو – سبينوزا - هابرماس – فوكو – دريدا – هايدغر – إلى اخر القائمة التي لا حصر لها من أجل أن يزرعوا في عقول الناس تلك الأفكار العظيمة التي زرعها هؤلاء الأفذاذ في عقول شعوبهم ..
نحن زرعنا في عقول شعوبنا الأحقاد والكراهيّة والطائفيّة وحتى على وسائل التواصل الاجتماعيّ والصحف الورقيّة والإلكترونيّة !
لا يوجد فلاسفة في ديارنا بل يوجد مثقفين مترفين !!! وغير مترفين ! إذا جاز لنا أن نطلق كلمة – مثقفين - ! مثقف !
ختامًا :
" إن معرفتنا هراء في هراء ، وأن حقائقنا خيالات وأوهام ، وأن دنيانا بأسرها ... مهزلة متصلة " (فرانسوا دي لاموث ) ..