مغزى الهبة الحالية


نعيم الأشهب
2015 / 10 / 29 - 23:43     

جاء انفجار غضب الشعب الفلسطيني على اﻻ-;-حتلال اﻻ-;-سرائيلي وممارساته ، هذه المرة ، على يد فتية وصبية لم يبلغ معظمهم العشرين من العمر، ﻻ-;- ينتمون ﻷ-;-ي تنظيم وﻻ-;- رابطة تنظيمية فيما بينهم ، وبدوافع فردية محضة. وكان هذا مؤشرا صارخا على أن هذا الغضب المتراكم بلغ درجة الغليان ، وأن هؤﻻ-;-ء الفتية والصبية هم المعيار اﻷ-;-كثر حساسية لهذه الحالة وللتعبيرعنها؛ واذا كانت القيادة والتنظيمات الفلسطينية المترهلة عاجزة عن التعبير باﻻ-;-فعال ، وليس بالبيانات واﻷ-;-قوال ، عن هذه الحالة من الغليان ، فان هؤﻻ-;-ء الفتية والصبية ، وبدوافع وحمية ذاتية يتصدّون ، اليوم، لهذه المهمة المقدسة، وبأسلوب جديد خارج عن أية سيطرة أو مراقبة . وفي هذا السياق ، لم يكن صدفة أن كانت القدس المحتلة مهد هذه الموجة من مقاومة اﻻ-;-حتلال ونقطة انطلاقها. فهي ساحة الصدام اليومي مع اﻻ-;-حتلال ومستوطنيه ومشاريعه التوسعية واعتداءاته على البشر والحجر ، والتراث والمقدسات اﻻ-;-سلامية والمسيحية ، وبخاصة اﻷ-;-قصى. وقد أكدت هذه الموجة النوعية من مقاومة اﻻ-;-حتلال ، حتى اﻵ-;-ن،الحقائق التالية:

أوﻻ-;- - أن القدس التي أرادها اﻻ-;-حتلال موحّدة وعاصمة لدولته، ويواصل العمل بدأب منذ قرابة الخمسين عاما على تثبيت ذلك ، لم تكن مقسمة، منذ وقوع هذا اﻻ-;-حتلال ، كما هي اليوم ؛ يؤكد ذلك ليس فقط تصدّر القدس العربية المحتلة لهذه الهبة ، كما للفعاليات السابقة ضد اﻻ-;-حتلال، بل وتؤكده ،اليوم، اجراءات قوات اﻻ-;-حتلال نفسها ضد سكانها من نسف البيوت واقامة الحواجز، وعزل بعض أحيائها، وسحب الهويات وغيرها من اﻻ-;-جراءات اﻻ-;-رهابية ؛ ناهيك عن مختلف مظاهر التمييز الدائم والصارخ ضد سكانها، منذ اليوم اﻷ-;-ول لوقوع اﻻ-;-حتلال.

ثانيا - أن هذه الهبة ، اصابت اسرائيل بالشلل واﻻ-;-رباك على نحو غير عادي - كما تشير الصحافة اﻻ-;-سرائيلية ذاتها- أمام أولئك الفتية، ذكورا واناثا، فلجوؤهم للسكاكين أصاب أجهزة مخابرات اﻻ-;-حتلال وشبكات تجسسه التي اقيمت على مدى سني اﻻ-;-حتلال الطويلة بالعمى الكامل، فحقيقة أن هؤﻻ-;-ء الفتية ليسوا تابعين لتنظيم ويقومون بعملياتهم بدوافع فردية ، وأحيانا بنت لحظتها، جعل من المستحيل على أي جهاز تجسسي اكتشاف نواياهم، وفي الوقت ذاته ، غدا انتزاع أية اعترافات تحت التعذيب بهدف الكشف عن امتدادات تنظيمية عبثيا ﻻ-;- طائل من ورائه. أما الحيلولة دون وصول هؤﻻ-;-ء الفتية والصبية الى السكاكين، فهو عبثي بنفس المقدار. وقد اقترح أحدهم على نتنياهو ، ربما من باب السخرية ، مصادرة كل سكاكين المطابخ الفلسطينية لحل هذه المعضلة!

ثالثا - كشفت هذه الهبة مدى هشاشة المجتمع اﻻ-;-سرائيلي ، الذي فقد توازنه النفسي واﻻ-;-خلاقي - كما أشارت الصحافة اﻻ-;-سرائيلية، وما بدا عليه من عجز وشلل . ولعل حادثة محطة الباصات في بئر السبع ، التي أفلحت وسائل اﻻ-;-تصال على نقلها للمشاهدين، كشفت أكثر من غيرها ، عن جوانب متعددة لهذه الحالة. فحين أفلح ذلك الشاب البدوي مهند العقبي ، من انتزاع سلاح أحد الجنود اﻻ-;-سرائيليين المتجمهرين في المحطة ، راح بقية هؤﻻ-;-ء الجنود المدججين بالسلاح يتراكضون كاﻷ-;-رانب ، بحثا عن مخبأ لهم، ولم يتمكنوا من التغلب عليه اﻻ-;-ّ بعد فراغ ذخيرته. من جانب آخر، كشفت عملية تصفية المهاجر اﻷ-;-ريتري ، في نفس الحادث، مدى سادية هذا المجتمع ، حيث لم يكتفي الجمهور الموجود باطلاق النار عليه ، بل راحوا يجهزون عليه بركلات أقدامهم؛ لكن مقتله بهذه السادية كشف في الوقت ذاته عمق وتأصل العنصرية في هذا المجتمع، فقد جرى قتله والتشنيع به لمجرد اﻻ-;-عتقاد بأنه عربي!، والمفارقة هي في تكرارهذا اﻻ-;-لتباس مع آخرين يهود.

أما نتنياهو فلم يكتف باﻻ-;-عدامات الميدانية التي حرّض عليها، كزعيم عصابة من القتلة، وطالت ليس فقط الفتية الفاعلين، بل وسواهم الكثيرين لمجرد القتل واﻻ-;-نتقام، وﻻ-;- اجراءات العقاب الجماعي اﻷ-;-خرى.. بل لجأ، الى جانب ذلك ، الى هوايته في تزييف التاريخ ، واختار ، هذه المرة ، نقل المسؤولية عن المحرقة اليهودية خلال الحرب العالمية الثانية، ببساطة متناهية وبكلمة منه ! من هتلر والنازية الى الفلسطينيين ، في شخص الحاج أمين الحسيني ! وقد جاءه التفنيد القاطع على لسان المستشارة اﻷ-;-لمانية ، ميركل، صاحبة الشأن اﻷ-;-ول - كما يقال.

لكن الملفت للنظر أن هذا التزييف اثار، بمستوى ابتذاله وسخفه ، موجة من اﻻ-;-ستنكار والشجب ، وحتى السخرية في المعسكر الصهيوني نفسه. وﻻ-;- يعود ذلك لواقع التزييف ذاته. فالتزييف شكل، ومنذ البدء، أحد اعمدة الفكر الصهيوني ، وانما لموضوع هذا التزييف ﻷ-;-ن له علاقة بالنازية تحديدا. ذلك أن اثارة هذا الموضوع البالغ الحساسية في تاريخ الصهيونية ينبش صحائف حالكة السواد من تاريخ تعاون الصهيونية مع النازية ، تحرص اﻷ-;-ولى كل الحرص على اخفائه في أعمق أعماق اﻷ-;-رض ، كالفضلات النووية القاتلة. ومعروف أنه جرت كتابة مجلدات حول هذا التعاون المشين وأشكاله ، وبشكل موثق ، بما في ذلك من كتاب يهود.

وحين طرح نتنياهو شعار "يهودية اسرائيل"، كان يعبّر بذلك عن طموحه ﻻ-;-جراء تطهير عرقي جديد وشامل ، هذه المرة ، للفلسطينيين ، ليس فقط داخل اسرائيل ، بل وفي المناطق الفلسطينية المحتلة. وقد أكمل التعبير واﻻ-;-فصاح عن نواياه هذه عشية اﻻ-;-نتخابات اﻷ-;-خيرة للكنيست اﻻ-;-سرائيلي ، حين قطع على نفسه عهدا أمام الناخب اﻻ-;-سرائيلي بأن ﻻ-;- تقوم دولة فلسطينية طالما هو رئيس وزراء!. وليس من ترجمة لشعار يهودية اسرائيل ومنع قيام دولة فلسطينية في اﻷ-;-راضي التي احتلت في حزيران ١-;-٩-;-٦-;-٧-;-، سوى أن فلسطين اﻻ-;-نتدابية ﻻ-;- مكان فيها لدولتين : اما لنا أو لهم.

لكن لعل هبة الفتية والصبية الحالية ، والتي هي حلقة من مسلسل لن ينقطع تذكّر نتنياهو وأضرابه بأن هذا الشعب الحي والصامد فوق أرضه ، رغم كل جرائم المحتلين وممارساتهم اﻻ-;-رهابية، لن يستسلم ولن يكف عن الدفاع عن حقوقه القومية المعترف بها دوليا ، وأن انفجاره في وجه محتليه، بين حين وحين ، من حيث يتوقعون وﻻ-;- يتوقعون ، وبأشكال واساليب لم يحسبوا لها الحساب ، تؤكد بأن طاقاته في هذا المجال بلا حدود ، الى أن يقع التغيير الجذري في المنطقة ، الذي نرى ونسمع تباشيره في الرعود التي تجوب المنطقة ، اليوم ، رغم ما تسببه من خسائر ودمار. وبالقطع ، فهذا التغيير لن يكون في صالح اسرائيل وحلفائها في المنطقة والعالم. وحينها، قد يكون متأخرا على نتنياهو وأضرابه اعادة النظر في مخططاتهم السالفة الذكر لتصفية القضية الفلسطينية العادلة.