حوار حول تجربة جمنة مع الأستاذ طاهر الطاهري عضو جمعية حماية واحات جمنة


محمد المثلوثي
2015 / 10 / 28 - 22:50     


حوار حول تجربة جمنة مع الأستاذ طاهر الطاهري عضو جمعية حماية واحات جمنة

في خضم الموجة الثورية التي شهدتها بلادنا قامت حركة واسعة من استرجاع الفلاحين للأراضي والضيعات سواء المسماة منها دولية أو تلك التي على ملك رموز النظام السابق وحاشيته وزبانيته وحتى على ممتلكات بعض المستكرشين الكبار (الدخيلة، الشويقي، جمنة، منزل بوزيان، هنشير الزعفرانة، جبنيانة...الخ). كما نظم أهالي عديد المناطق اعتصامات وخاضوا نضالات وصلت حد المصادمات مع قوات البوليس والجيش مطالبين بتمليكهم الرسمي لتلك الأراضي باعتبارها ملكية أصلية لجدودهم انتزعها منهم النظام الاستعماري عنوة ثم أسندتها "الدولة الوطنية" سواء لشركاتها ودواوينها (ستيل، ديوان الأراضي الدولية..) أو لمستثمرين خواص في شكل كراء.
وإذا كانت أغلب تجارب استرجاع الأراضي المنهوبة التي شهدتها سنتي 2011 و2012 قد عرفت تعثرا بالنظر لعديد الأسباب أهمها قوة آلة القمع البوليسي وغياب التنظيم الجماعي لعمليات الاستيلاء وخاصة العجز عن التقدم في ادارة الانتاج داخل تلك الضيعات بشكل تعاوني متضامن بدل تقسيم الأراضي وتفتيت ملكيتها بما حال دون القدرة على استثمارها بطريقة منتجة، فإن تجربة جمنة تبدو متميزة في هذا المجال، حيث أن الأهالي هناك قد واجهوا بشراسة محاولات اعادة الاستيلاء التي قام بها المستثمر تحت حماية قوات البوليس والجيش، وحافظوا على وحدة الأرض ومنع تفتيتها ثم بادروا بتأسيس لجنة لحمايتها واستغلالها، وهم الى حد اللحظة، رغم الهرسلة والتهديد، يقومون بإدارتها من خلال جمعية حماية واحات جمنة.
ولتسليط الضوء على هذه التجربة المهمة باعتبار كونها يمكن أن تمثل نموذجا حيا لأسلوب جديد في الانتاج يستهدف المصلحة الجماعية المشتركة لعموم أهالي المنطقة وتلبية حاجاتهم المتوازنة والمتضامنة والقطع مع أسلوب الانتاج القائم على تكديس الأرباح لفئة قليلة من المستثمرين على حساب جهد وقوت المالكين الحقيقيين للأرض. وفي اطار دعم هذه التجربة ومساندتها والتعريف بها قمنا بهذا الحوار القصير مع أحد أعضاء جمعية حماية واحات جمنة لعل ذلك يساهم في تطوير تجربة أهالينا في جمنة ويبعث الأمل لباقي فلاحي المناطق الأخرى.
السؤال الأول:
في أحد نصوصك المنشورة على النات تقول أيها العزيز أنه في 12 جانفي 2011 استرد "الجمنيين" أرضهم.
فهل لك أن تصف لنا بالتدقيق هذه العملية، ومن من "الجمنيين" الذين بادروا بذلك هل هم أصحاب الأراضي الأصليين أم عموم المواطنين، وكيف نشأت فكرة تشكيل لجنة للتسيير، وهل انبثقت هذه اللجنة عن انتخابات عامة أو ما شابه، وما هي تركيبة هذه اللجنة هل تتركب من فلاحين أم هي مختلطة؟
في انتظار اجابتكم تقبلوا سيدي خالص احتراماتي

الجواب:
وصف العملية: في 12 جانفي 2011 بادر شباب بلدة جمنة بالهجوم على الضيعة، ولقد كانوا من مختلف الشرائح الاجتماعية والعمرية، من العامل الفلاحي الى الطالب فالعاطل فالموظف...الخ، وطلبوا من الحارس (وهو قريب المتسوغ) المغادرة وتم منذ ذلك التاريخ منع دخوله والمتسوغ الى الضيعة. العملية برمتها سارت بطريقة سلمية، وباستثناء بعض التجاوزات الفردية، فلقد تمت المحافظة على تجهيزات الضيعة وحمايتها من السلب والنهب. هذا طبعا لم يمنع المستثمر من توجيه عديد التهم (الحرق، السرقة، تشكيل وفاق، تكوين عصابة...) ضد شباب المنطقة لهرسلتهم وتخويفهم وتلهيتهم واستنزاف طاقاتهم بالملاحقات القضائية. وفي 27 فيفري 2011 استعان هذا المتسوغ بالجيش لإرهاب شبابنا، عندها تصدينا له وقمنا باعتصام داخل الضيعة. ومنه استطعنا السيطرة على الأرض وفرض الأمر الواقع الجديد.
بعد عملية الاسترجاع الجماعية للضيعة طرحت فكرتان: الأولى تقضي بتقسيم الأرض بين المواطنين الذين بادروا بالاستيلاء. أما الثانية فكانت تقضي بالمحافظة على وحدة الأرض وتمليكها جماعيا لكل أهالي منطقة جمنة. وبعد جدل كبير استقر الرأي العام على الفكرة الثانية. ومن هنا نشأت ضرورة بعث هيئة جماعية للتسيير، فكانت لجنة حماية واحات جمنة التي تمثل امتدادا للجنة حماية الثورة التي تشكلت تلقائيا أثناء الحراك الثوري مثل بقية البلدات والأحياء. وفي اجتماع شعبي تم اختيار 6 أعضاء كلجنة مسيرة للضيعة. وهذه الجمعية مرسمة بالرائد الرسمي في 20 مارس 2012.

السؤال الثاني:
حاليا من يقوم بادارة أعمال الضيعة ومن يشرف مباشرة على العمل داخلها؟ وهل كل العمال في الضيعة هم من متساكني جمنة؟ وكم يتقاضون أجورا؟
الجواب:
هنالك لجنة مصغرة تضم 5 افراد أربعة منهم من أعضاء لجنة حماية واحات جمنة و عنصر خامس من خارج اللجنة هي المسؤولة على التسيير أما الاشراف المباشر على جميع الاشغال التي تهم الضيعة فيشرف عليها ناظر أشغال عام و يساعده في ذلك ثلاث نظار و هم عملة يشتغلون بالأجر و مياومون على أنهم مسؤولون على جميع العمال: الحراسة، الري، الفلح، التلقيح، التدلية، التغليف...
جميع العمال من متساكني جمنة نعم (قبلي تبعد عنا ب 16 كلم و دوز ب 12 كلم) لكن هذا لا يعني أننا نشغل الجمنين فقط هنالك عدد و إن كان قليلا من الوافدين الجدد على جمنة أي أنهم ليسوا من أصيلي البلدة. يتقاضى العامل 14.500د، أما الناظر فيتقاضى 15.000د والناظر العام 16.000د على أن النظار و الناظر العام لهم منحة تسيير شهرية مقدرة ب30.000د. لنا أيضا موظفين بالادارة يتحصلان على جراية قارة ب500.000د. العملة أستاذي يعملون من الساعة 7 الى منتصف النهار أي 5 ساعات.

السؤال الثالث:
هل تقوم اللجنة باستشارة الأهالي في كيفية صرف عائدات الضيعة؟

الجواب:
في صرف العائدات المالية: نعم نعقد اجتماعات عامة بالأهالي و نستشيرهم في مشاريعنا و لكن أحيانا ننجز ما نراه هاما حتى دون العودة لهم لأن بناء قاعة بمدرسة أو سوقا للتمور أو اصلاح طريق أو انجاز ملعب حي يعود بالنفع على الجميع. حتى إن مارسنا فوقيا فللضرورة. على فكرة سيدي نسيت أن أشير الى أننا كلجنة تسيير نعمل مجانا. صدقني طيلة 4 مواسم لا و لم و لن نتحصل على مليم واحد . دون أن ننسى أيضا أننا نشتري تجهيزات و آلات ضرورية للعمل بالضيعة لا نستشير فيها الأهالي من ذلك جرار و صهريج و محراث تكلف بحوالي 75 مليون.

السؤال الرابع:
كيف ينظر أهالي جمنة للضيعة وللجنة التي تسيرها؟ هل يعتبرون الضيعة ملكية جماعية لكل أهالي المنطقة؟

الجواب:
الضيعة الآن الأهالي متمسكون بها أكثر من أي وقت مضى لأنهم يرون مردوديتها عليهم. لا مجال لعودة مستثمر لها. حوالي 120 أسرة "فاتحين بيوتهم على الهنشير" ويقولون انه من غير الممكن التخلي عنه. الأغلبية المطلقة راضون عن عمل اللجنة. وجد في بدايات الثورة من لم يقبل باللجنة لأسباب مختلفة فمنهم من يريد جزءا خاصا به و تفتيت الملكية، كما وجد من يعمل لفائدة المتسوغ، وهناك، لأسباب سياسوية، من صارعنا و هم الراكبين الجدد على الثورة و من يريدون رتق عذريتهم (كانوا تجمعيين و يريدون التحصل على صك التوبة النهضاوي أو حتى السلفي و لكنهم عزلوا و حسم الجميع فيهم). اللجنة تحوز رضاء الأغلبية المطلقة حتى لا أقول الكل و الضيعة يعتبرونها ملك أجدادهم استردوه و هي ملكية عامة.

شكرا أستاذ طاهر أنا ممتن لتفاعلك
ما الذي تظن أننا نستطيع تقديمه لمساندتكم...ونحن في الواقع نساند هذه التجربة لأنها تمثل نموذجا صغيرا للبديل الثوري للنظام الرأسمالي القائم على الربح والمنافسة...طبعا من غير الممكن تحميل هذه التجربة ما لا تحتمل لكنها في كل الأحوال اختراق مهم للمنظومة الاقتصادية السائدة....لا شك وأن هذه التجربة وغيرها ستتدعم في ظروف تطور الحركة الثورية عموما وستتحول الى ظاهرة اجتماعية كاسحة.....

لا شكر على واجب صديقي.
كل ما كتبت لك و لغيرك أراه مفيدا لتجربتنا و نحن مستعدون للتفاعل مع نقد و نصائح و توجيهات الأصدقاء و الرفاق. أما المطلوب منكم باستثناء الدعم المعنوي فهو القيام بحملة دعائية لفائدة تجربتنا و تفسيرها للرأي العام في كل المنابر حتى يعلم القاصي و الداني بما ننجز من أجل الوقوف معنا لو حاول الحاكم "استرجاع" ما ليس له عنوة. نأمل أيضا أن تتصلوا بمن تعرفون من محامين خاصة لشرح الأمر و النظر في امكانية إسنادنا قضائيا لعودة الأرض الى أصحابها. دمت نصيرا لأهلك في جمنة. تحياتي أستاذنا.

ملحق إضافي ببعض المعطيات والأرقام حول تجربة جمنة:
- تم افتكاك أراضي جمنة من أهاليها من طرف المعمرين الفرنسيين وذلك خلال حقبة الاستعمار المباشر
- بعد خروج المعمرين استولت الدولة على هذه الأراضي وحولتها الى أراضي دولية، هذا رغم أن الأهالي آنذاك قاموا بشرائها ودفعوا 40 ألف دينار
- في السبعينات من القرن الماضي تم التفويت في الواحة الى شركة ستيل التي أفلست لاحقا نتيجة فساد وجشع المسؤولين وسوء التصرف في ادارة الواحة
- في بداية الألفية الثانية قامت الدولة بالتفويت في الواحة بعنوان الكراء لمتسوغين من خارج جمنة وبمعين كراء اعتباطي (قيمة الكراء الجملية سنة 2010 تقدر ب35000د في حين أن مداخيل الواحة تفوق المليون دينار؟؟؟؟)
- كل السنوات ما قبل 2011 كانت الواحة تسجل خسارة تفوق أحيانا 2 مليون دينار (؟؟)
- منذ أن تسلم الأهالي الواحة أصبحت توفر مرابيح سنوية بمعدل 500 مليون دينار (؟؟)
- من انجازات الجمعية: ملعب حي للشباب، بناءات في المدارس، تجهيزات للمستوصف والمكتبة العمومية، المساهمة في تهيئة الطرقات واصلاحها، بناء سوق عصري، ومن المشاريع قيد الانجاز: سيارة اسعاف مجهزة، قاعة رياضية بالمعهد....

خاتمة لا بد منها:
في الوقت الذي كان فيه السياسيون بمختلف مشاربهم يتنازعون حول وراثة سلطة بن علي، ويغرقون الحركة الثورية للجماهير في أتون صراعاتهم الحزبية والعقائدية والايديولوجية العقيمة، كانت الجماهير في جمنة وغيرها من المناطق تخطو خطواتها الأولى نحو التحقيق الفعلي لأهداف الثورة. أهداف لا تتعلق بوضع هذا الحزب أو ذاك في سدة الحكم، بل تتعلق بتغيير حقيقي في الوضع المعيشي للناس، في تغيير جذري للأوضاع، في تغيير أسلوب الانتاج القائم على ملكية فئة قليلة للثروة ووسائل انتاجها في مقابل تفقير وتجويع وتهميش أغلبية المجتمع، وذلك بأسلوب إنتاجي جديد هدفه الأول تلبية الحاجات المتوازنة والمتضامنة لعموم الكادحين. أسلوب تعاوني يقوم على الملكية الجماعية وعلى التوزيع العادل والمتضامن للثروة الاجتماعية.
ومهما كانت نقائص تجربة جمنة، ومهما قيمنا درجة نضجها، ومهما انتقدنا بعض أساليب إدارتها، ومهما تحدثنا عما لم تقم به جمنة بعد وعن محدوديتها، فإن ما تمثله جمنة هو بالضبط روح الثورة الاجتماعية والمثال الحي والمجسد للبديل الثوري الذي يمكن للجماهير المسحوقة أن تسترشد به وبدروسه في قادم جولاتها من صراعها المرير ضد مضطهديها.