التعريف والتنوع في ديوان -طقوس المرة الأولى- باسم الخندقجي


رائد الحواري
2015 / 10 / 25 - 15:00     

التعريف والتنوع
ديوان "طقوس المرة الأولى"
باسم الخندقجي
يضم هذا الديون مجموعة من القضايا الأدبية ناهيك عن المضمون الفكري والسياسي، فالشاعر معتقل عند الاحتلال وله أن يتحدث عما يعانيه من ألم وأوجاع وهموم إنسانية، فهو ليس خارق (سوبرمان) بل إنساني، نجده أحيانا يشعر بحجم المأساة التي حلت عليه، فيكاد أن يفقد الأمل، وأحيان يميل للمرأة/للأنثى لكي يتخلص من جدران السجن وظلام السجان، وفي مواضع أخرى نجده يحمل معنويات عالية، والتي تجعلنا نقول: "اننا أمام بطل وإنسان عظيم"، لكن في مجمل الديوان نحن نتعامل مع إنسان طبيعي ولكنه شاعر، وهنا نتوقف عند كلمة شاعر، حيث إنه يمتلك مشاعر/أحاسيس/لغة/تصوير فني ليست لأحد، غير الشعراء، فهم وحدهم من يمتلكون هذه الملكية.
حضور المرأة والتعريف
لا شك أن استحضار المرأة ـ وإن كان رمزيا ـ يعبر عن حاجة الرجل إليها، فهي المسكن/المهدئ له، وهي من تمنحه القوة ليكمل ألدرب فبدونها يكون بلا الأمل، بلا زاد أو ماء يتقوى به على مشاق السفر، من هنا يبدأ الشاعر اول قصيدة في الديوان "طقوس المرة الأولى" بمخاطبة المرأة فهي من سيجعله يكمل مشواره الشعري حتى ينتهي من كتابة ديوانه.
"انثري المستتر داخلك
على جسدي.." ص 13، فالمرأة تأتي الرجل غالبا في/بعد/أثناء حالات ألتعب والشعور بالوحدة، وهذا ما حدثنا عنه الشاعر حين أكمل قائلا:
"فالقمر لم يعد لنا
والأفق لم يعد ينتظر
والتدفق القوي للباهت
بحاجة إلى حضنك الدافيء" ص13، هنا يؤكد لنا الشاعر حقيقة ما يمر به من ألم/يأس فهو يستنجد بالمرأة لكي تمنحه الدفء/الحنان/ الراحة بعد فقدان النور/تأمل الجمال/الأمل، خلف القضبان الحديدية وعتمة الجدران الاسمنتية.
وإذا ما عدنا الى المقطع السابق نجد إصرار الشاعر على استخدم ال ألتعريف وكأنه يريد بها أن يؤكد لنا على حجم الضغط الواقع على كاهله، فعندما قال: "والتدفق القوي للباهت" رسخ فينا/عرفنا/ جعلنا نشعر بقوة الفعل الذي تأثر به، فهو فعل معرف، وليس مجهول، وهذا التعريف انتقل أيضا إلى صفة "القوي وللباهت" وهنا يستمر الشاعر في وصف حالته الصعبة وما يمر به من ضغط وألم، فالأفعال العادية التي نمر عليها مرور الكرام، لها وقع آخر عند الشاعر، وقع اشد فهي تؤثر فيه وعليه، ولهذا عرفها لنا، لكي لا ننسى تأثيرها وشدة وطأتها وقسوتها.
وهذه التعريف يستمر في القصيدة فيقول:
"حلقي في أجواء الحلم
وحدقي أكثر في سهوله
التداخل النقي لسرنا البريء ألغموض ص14، فنجد المقطع الأخير فيه خمس تعرفات، وكأنه من خلالها يرد على الاحالة الأولى، حالة اليأس/فقدان الأمل فكانت فعل ـ التداخل ـ واحده معرفا، مقابل ثلاثة صفات "النقي، البريء، الغموض"
يؤكد الشاعر دور المرأة الايجابي عليه وكيف تخرجه من ازمته فيستحضرها مرتين، الحبيبة والجدة:
"سترين يا حبيبتي الان
جدتنا وهي تمنحنا
جزءا من الكرمة
بعد رحيل الكرام" ص14، وإذا ما تابعنا القصيدة سنجد التلازم بين حضور المرأة والأمل/رفع المعنويات/التخلص من الهم والألم، فهي البلسم الشافي للرجل/للشاعر:
"وستفاجئين بالسخونة اللذيذة
التي انتابت حبات العنب
وستقرأين لي ماتلته الجدة
عليك وحدك" ص14، المرأة هنا لم تخلص الشاعر من الهم وحسب، بل نقلته الى حالة من التمتع/الفرح/السعادة، فها هي تحدثه بخصوصيات، بأشياء تكاد أن تكون سرا شخصيا، ليس لأحد الاطلاع عليها، لكن بما أنهما حبيبان، فلا أسرار بينهم.
بعد التخلص من ألهم والانتقال الى السعادة، تنقل المرأة الشاعر إلى مرحلة متقدمة أكثر، فتمنحه ضياءا ونورا ليكمل دربه الذي بدأه:
"فالجدة تحولت
إلى الدرب المضيئة التي قبلتها
فراشات يسوع العاشق
النائم على فراش مزمورك" ص15، فهنا يتقدم الشاعر من جديد نحو هدفه، فقد تخلص من التعب، والوجع ذهب، وشعر فالفرح، وتلقى الأمل، والضياء القادم، فنهض لملاقاته.
لا شك أن القصيدة تحمل الرمز بشكل واضح وجلي، فاستخدام الجدة لم يكن حقيقة بقدر رمزيتها، وهناك الكثير من الأفعال والصفات كانت تحمل المعنى الرمزي، لكن باعتقادي بأن خلف كل رمز ـ في العقل الباطن ـ شيء من الحقيقة، شيء تحمله النفس وتؤثر على صاحبها، من هنا كان حضور الجدة وليس الجد، نتأكد ميل الشاعر/الرجل نحو الأنثى/المرأة وليس نحو شيء آخر.
ويتقدم الشاعر أكثر نحو المرأة عندما استخدم رمزية الربة عشتار ولم يستخدم الإله (البعل/تموزي)، علما بأن البعل/تموزي أقوى وأكثر تأثيرا وحياة واستمر حضوره أكثر من عشتار، فنحن في بلاد الشام إلى غاية اليوم نستخدم قدراته من خلال قولنا "خضار بعلية" أو هذه الشجرة بعلية، نسبة إلى الإله بعل.
لكن الشاعر يعاني، وله أن يستحضر من يخفف عنه الهموم، يزيل عنه ألغمام، من هنا كانت الربة عشتار حاضرة بهذا الشكل:
"على جسد معبد الأنثى القمرية..
أقبل جرة العذراء الفلسطينسة
إبنة تراب التكوين والعشق" ص27، فهنا كانت عشتار حاضرة وهي المخاطب، فالأنثى هي ملازمة للشاعر في كافة قصائد الديوان، حتى أنه كان صريحا وواضحا في هذا المقطع من قصيدة "لملمة طفل من أجل العيد":
"أنا أنثاك
روحك أنا..
بي الأفق يمتد إلى ألامنتهى.."
أحضني .. ينهار جدار السواد
وقبلني.. تصرخ الهمسات:" ص66، لا شك أن هذا الوضوح يحسم مسألة الفاعلية للمرأة وتأثيرها القوي والواضح على الشاعر، وقد يقول قائل، بأن الديوان مفعم بالرمزية، فلا يمكننا أن نأخذ المرأة هنا على حقيقتها، ونحن نؤكد على هذه الرمزية، لكن ما هو داخل هذه الرمزية ـ العقل الباطن ـ هناك امرأة/أنثى حقيقية، أرادها الشاعر أن تكون جسد وروح، رمز يتألق إلى ما هو أبعد من الخيال، فيهيم بها أكثر، وفي ذات الوقت أرادها واقعية، جسد فيه النعومة ويمنح الدفء، من هنا يوضح لنا الشاعر هذه الحاجة المادية للمرأة بقوله:
"فلتخففي من وطأة المسافة
وشراسة القدر..
فالريح هائجة بعض الوجوم والشك
ولا تخبيء عباءتك البيضاء في مزاميرها
ومتى سأرتديها مسبحا باسمك
الواحد الأحد ص67، اعتقد بأن الرمزية في الديوان مركبة ومتداخلة، بمعنى الشاعر قصد/قدم الرمزية لكي يخفي/يستر/يخبأ مشاعره العاطفية وحاجته الجسدية، فهو كمناضل يخجل من أن يكون عاشقا، هائما بالأنثى، مما جعله يستخدم الوطن كرمز للأنثى يخفي من خلالها مراده.
في قصيدة "ثمة شيء محدد" يكون الشاعر في ذروة اليأس، في قاع، في الحضيض، فيبدأ القصيدة بكلمة "أبكي.." ص114، فهي بداية حزينة، تقدم لكل مضمون القصيدة، حيث الحزن والتعب واليأس هو المهيمن على الشاعر، فكانت جزء/شيء من هذا الحزن ناتج عن ابتعاد/حرمانه من المرأة فيقول:
"أصلي في عقر الخطأ
منجذبا إليك
عليك ما زلت مشتعلا..
هي أنت" ص114، فهنا الشيء النقص هو الأنثى، هي التي تثير في الشاعر الحاجة/العطش/الجوع/الشهوة، إن كانت عاطفية أم جسدية، ويكمل لنا هذا الحاجة الى الأنثى بقوله:
"وحين يهوي حلمنا ويتحطم
على شاهد وطننا
من يهوي إحصاء شظايانا؟" ص115، فهنا كان الوطن/الهم الوطني بمثابة شيء منتهي، تم أنجازه، أو لم يعد هناك ما يفعل لهذا الوطن.
لكن الأنثى هي المفقودة، هي الشيء الناقص، وهذا ما اعترف به الشاعر حين قال:
"بعد القبلة على ثوبها الابيض
لون النقاء.ثوب خطيئتي
وصلت لقمة الافصال
وشباكي لم تزل راسخة بي
دون صيد أنتظره منذ غرقي..
لا شاطيء يلوح بالأفق
تستلقي عليه السماء
سماء ..سماء" ص117، من خلال هذا يؤكد لنا حاجته للمرأة أكثر من أي شيء آخر، فهو ما زال معلق بها لكن دون أن يحصل عليها، فشباكه ما زالت دون صيد، دون أنثى.



الاغتسال والتحول الايجابي
لا شك أن فكرة الاغتسال لها جذور في الفكر القديم، فانكيدو صديق جلجامش لم يتحول الى إنسان إلا بعد مجموعة من الاجراءات منها ألاغتسال، وجاءت المسيحية تؤكد هذا الأمر من خلال التعمد بالماء، ثم جاء الاسلام وأكد على هذا الامر من خلال فكرة اشتراط الدخول في الاسلام القيام بالاغتسال.
الشاعر ذكر الاغتسال في اكثر من قصيدة، فكأنه من خلاله يريد أن يتقدم من الانسان النقي المكتمل، الطاهر من ألخطايا ونجد كلمة الخطيئة تكرر كثيرا، وكأن الشاعر ـ في العقل الباطن ـ يحدثنا خطيئة اقترفها، فنجد في قصيدة "غيمة الروح" هذه الاثم/الخطيئة والغسيل بشكل واضح، حيث يبدأ القصيدة بقوله:
"أيغسل المطر آثاما؟" ص103، فهذه الفقرة تكرر في القصيدة اكثر من مرة حتى أن الشاعر أكد على هذا السؤال عندما قال:
"أيغسل المطر آثاما؟
...هل يغسل" ص104 نعتقد بأن هذا السؤال ناتج عما يحمله الشاعر في العقل الباطن، وكأنه من خلال اعترافه غير الصريح بحاجته للمرأة شعر بأنه يقترف خطيئة/إثم وعليه أن يكفر عنه.
ويقول في قصيدة "ليس ثمة شيء محدد" :
"هل سيشبه المنتصف الوسط
مع مرور الخطيئة؟" ص112،
ويقول أيضا: "وأنا المنصهر ... حرقت ياسمين فؤادي
تعجبني خلخالا لقدمي خطيئتي" ص116،
ويقول في قصيدة " الوشم العاري":
"..من أجل الوصول إلى مائدة الخطيئة.." ص76، من خلال هذه الشواهد يمكننا أن نشير إلى أن الشاعر يحمل في داخله عقدة الذنب إتجاه مشاعره/عاطفته/انحيازه نحو المرأة، وكأن التفكير/الإثارة/التوجه لها يعد ذنبا، وهنا نتأكد بأن المقصود خلف الرمزية في الديوان هي المرأة ذاتها، فهي ليست رمزا، بل امرأة حقيقية، من لحم ودم.
نذكر بأن الديوان من منشورات الاختلاف، الجزائر العاصمة ت الجزائر، الدار العربية للعلوم ناشرون بيروت، لبنان، طبعة أولى 2009.