تداعيات الأزمات السياسية والاقتصادية على البلدان العربية


فهمي الكتوت
2015 / 10 / 25 - 09:54     

تعاني الاقتصادات العربية من تداعيات الازمات السياسية والاقتصادية المتفاقمة والمتعددة الأوجه منها: التدخل الأطلسي المباشر في ليبيا عام 2011 والذي كان سببا مباشرا في انهيار الاقتصاد الليبي الناجم عن تراجع صادرات النفط. وانخفاض الناتج المحلي للعام 2011 إلى 34.7 مليار دولار مقارنة مع 74.8 مليار دولار لعام 2010. وانكماش الاقتصاد السوري منذ العام 2011 وحتى مطلع العام 2014 بنسبة 40%، بسبب التدمير الذي لحق البنية التحتية للدولة السورية، وانهيار قسم كبير من القطاعات الاقتصادية الصناعية والزراعية وهجرة ملايين السوريين إلى الخارج. وتعتبر سوريا والعراق واليمن أكثر الدول تضررا اقتصاديا، كما يواجه الأردن ولبنان ضغوطا اقتصاديا كبيرة بسبب استضافة أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين وفقا لمعلومات صندوق النقد الدولي.
وتسبب انهيار أسعار النفط عالميا من 115 دولارا الى حوالي 50 دولارا للبرميل، إلى عجوزات كبيرة في موازنات الدول العربية النفطية. وتشير أحدث المعطيات إلى أن الاقتصاد السعودي يواجه عجزا قياسيا في الموازنة يتجاوز 100 مليار دولار العام الحالي 2015 وبنسبة تقدر بـ 21.6% من الناتج المحلي الإجمالي، بسبب انخفاض أسعار النفط وزيادة النفقات العسكرية. وتتجه الحكومة السعودية نحو رفع الدعم عن المشتقات النفطية، وفرض ضريبة القيمة المضافة على السلع، وضبط الإنفاق العام.
وقد بلغ الناتج الإجمالي للبلدان العربية مجتمعة بنحو 2.86 تريليون دولار في العام 2014، مقارنة مع 2.76 تريليون دولار لعام 2013 وبنسبة نمو 3.7% مقارنة مع 3.6% في العام 2013، مما يشير إلى عدم وجود تحسن كبير في أداء المنطقة. التي شهدت اضطرابات سياسة. ويشكل دخل السعودية والإمارات وقطر من النفط والغاز حوالي 50% من مجموع الناتج الإجمالي للأقطار العربية. ويتفوق الناتج الإجمالي لكوريا الجنوبية وحدها -البلغ 1.410 تريليون دولار- عن مجموع الدول العربية، إذا استثنينا الدخل المتحقق من النفط والغاز للدول الثلاث المشار اليها.
علما بأن الاقتصاد المصري كان متفوقا على الاقتصاد الكوري الذي بلغ 5.1 مليار دولار عام 1965 في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، قبل فرض سياسة الانفتاح الاقتصادي التي مارسها السادات ومبارك والتخلي عن ممتلكات القطاع العام. وبلغ الناتج الإجمالي في كوريا الجنوبية في حينه 4.390 مليار دولار. كما كان الاقتصاد المصري من أقوى الاقتصادات العربية. فهو يأتي حاليا في الموقع الثالث عربيا بعد السعودية والامارات العربية، فقد بلغ الناتج المحلي الإجمالي لمصر 286.5 مليار دولار لعلم 2014، في حين احتلت السعودية الموقع الأول عربيا، حيث بلغ الناتج المحلي 746.2 مليار دولار، والإمارات 401.6 مليار دولار، وتشكل الإيرادات النفطية في موازنة السعودية حوالي 90%، بينما تشكل الإيرادات الضريبية في موازنة مصر 74% من الإيرادات المحلية.
وقد واجه الاقتصاد المصري تحديات كبيرة خلال الأعوام الخمس الأخيرة، ومن أبرز ملامح المشهد المالي والاقتصادي المصري، ارتفاع معدلات التضخم إلى 10%، وتراجع معدلات النمو الاقتصادي إلى 2%، وارتفاع معدلات البطالة إلى حوالي 14%، أما العجز الكلي للموازنة العامة فبلغ نحو 13.7% في السنة المالية 2012/2013. ومن المتوقع أن يصل إلى 12% في السنة المالية 2014/2015، وتقدر نسبة الدين العام نحو 93% من الناتج المحلي الإجمالي للسنة المالية 2013/2014.
وجاء ارتفاع قيمة المنح الخارجية إلى 117 مليار جنيه مصري في موازنة السنة المالية 2014-2015، ليعكس تحسن العلاقات المصرية الخليجية، فقد حصلت مصر على مساعدات ملموسة من السعودية والإمارات والكويت، فقد أشار التقرير الإستراتيجي العربي إلى أن السعودية والامارات والكويت قدموا مساعدات مالية قدرها 12 مليار دولار على شكل منح وودائع في البنك المركزي، ومساعدات بترولية، مما أدى إلى تنشيط عجلة الاقتصاد المصري. فقد شهدت العلاقات المصرية تحسنا ملموسا مع الدول الخليجية -خاصة الدول الثلاث- في عهد السيسي. وبالمقابل، شاركت مصر في التحالف العسكري بقيادة السعودية في الحرب على اليمن، إلا أنها رفضت إرسال قوات برية للقتال في اليمن. وقد تسبَّب ذلك بفتور العلاقات، وجاء تأييد مصر للحملة العسكرية الروسية على الإرهاب في سوريا، ليدخل العلاقات المصرية-السعودية في مرحلة حرجة. لم تخف مصر خلافها مع السعودية حول الأزمة السورية؛ مما يؤثر على مستقبل العلاقة التي اتجهت نحو الفتور منذ العهد الجديد في السعودية؛ الأمر الذي سيترك آثارا سلبية على الاقتصاد المصري.
وقد لوحظ أنَّ البنك المركزي يعاني من تراجع الاحتياطيات الأجنبية في الآونة الأخيرة وتعرض الجنيه المصري للتراجع بشكل ملموس أمام العملات الأجنبية، وقد برر المركزي المصري ذلك بأن الحكومة المصرية تمكنت من شراء محطات الكهرباء، لمعالجة مشكلة انقطاع التيار الكهربي وأن البنك المركزي نجح في توفير النقد الأجنبي اللازم لاستكمال توسعة قناة السويس، وسدد التزاماته لدول نادي باريس. إلا أنَّ تراجع قيمة الجنيه المصري سوف يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم، في حين تتوجه الحكومة المصرية نحو زيادة الأعباء الضريبية على المواطنين لتخفيض عجز الموازنة.