السياسة والعنف ومحركهما - الأصفر الرنان - في سورية القرن العشرين


عبد الله حنا
2015 / 10 / 21 - 18:10     

السياسة والعنف
ومحركهما " الأصفر الرنان "
في سورية القرن العشرين

عبد الله حنا

استهلالة
في 5 حزيران 1925 عقد حزب الشعب اجتماعا جماهيريا في بهو اوبرا العباسة بدمشق حضره اكثر من ألف شخص . خطب في هذا الإجتماع الطبيب النهضوي والزعيم البارز في الحركة الوطنية العربية عبد الرحمن الشهبندر جاء فيه :
" إن كيان اوروبا يهدد في يومنا هذا بحرب عوان تدعى حرب الطبقات ، وخلاصتها أنّ تسعة أعشار الأمم الغربية وهم العمال يشتغلون آناء الليل وأطراف النهار لإشباع بطون العشر الباقي وإملاء جيوبهم وهم المملقون ... وه إذا ما سمعوا بالمظالم والمغارم التي تُجنى بإسمهم قالوا : ليس بين شعوب الأرض شيء من سوء التفاهم ، وإنما هو صراع رأس المال ... وسينتهي الإفلاس بالبلاد المستعمَرة إلى حشرها في صفوف العمال يتعاون الجميع على تحرير الإنسانية من مخالب الأصفر الرنان " .
كان الشهبندر القائد الفكري للثورة الوطنية السورية ، التي اندلعت في صيف 1925 ، فحكمت عليه سلطات الإنتداب الإستعماري بالإعدام ، فلجأ إلى مصر . وبعد صدور العفو عام 1936 عاد الشهبندر وافتتح عيادة في دمشق مستأنفا نشاطه الوطني والفكري لبلورة المشروع النهضوي التنويري العربي .
في ضحى السادس من تموز 1940 اغتيل الدكتور عبد الرحمن شهبندر غدراً في عيادته بدمشق على يد مجموعة متسلحة بفتوى من الشيخ مكي الكتاني لقتله لأنه ملحد .
وكان اغتيال الشهبندر على يد تلك الفئة المنغلقة المتزمتة بمثابة تحذير للمنادين بحرية الفكر العربي والداعين إلى العقلانية والعلمانية والتنوير، والسير بالمجتمع العربي خطوات إلى الأمام، في ميدان التقدم الحضاري والرقي .
لقد كان المسدس الذي سدّد طلقاته إلى جسم الشهبندر، وتحديداً إلى رأسه ودماغه المفكر، يعني أن عصر النهضة العربية لم ينتصر كما حلم رواد النهضة العربية في العقود الماضية، وأن حرية الفكر ليست سهلة المنال..
ألم يُهدَر دم الشهبندر، لأنه دعا إلى السفور، ونادى بالديمقراطية، وطرح أفكاراً علمانية، وتحدث عن الاشتراكية المعقولة ، وسلخ "عمره في الدفاع عن حرية الفرد وحرية الجماعة سياسياً وإجتماعياً واقتصادياً".
لقد كان من السهل على أعداء النهضة، ومناهضي التقدم، اتهام الشهبندر بالكفر، وتحليل قتله، وإلقاء الرعب في نفوس رواد النهضة ودعاة التحرر والتقدم.
بعد اغتيال الشهبندر، أصدر "جماعة الإصلاح الاجتماعي العربي" بدمشق، بياناً معبراً عن الوضع نتيجة اغتيال الشهبندر وفيما يلي مقاطع من البيان :
أيها العرب. إن "جماعة الإصلاح الاجتماعي العربي" قد اهتمت بقصة اغتيال الشهبندر لأنه إذا صح أن التهوس الديني ساعد عليها، كان معنى ذلك أن العالم العربي يعيش في بؤرة من التقهقر الإجتماعي، وأن حرية الفكر في بلاد العرب أصبحت في خطر، وأن كل مفكر لا يستطيع التفوه بما يعود على الحضارة العربية بالتقدم، وأن كل مفكر عربي تقدمي يقضى عليه سياسياً واجتماعياً باسم التعصب الديني، الذي لا يمت بآصرة من الأواصر إلى روح الدين. وإن الرضوح لإرادة من لا يفهمون من الدين إلا القشور دون اللباب، سيؤدي إلى كارثة كبرى. إن جماعة الإصلاح الإجتماعي العربي، لم يهتموا بقضية اغتيال الشهبندر، إلا لأنه اغتيال لحرية الفكر العربي. لقد سلخ الشهبندر عمره في الدفاع عن حرية الفرد وحرية الجماعة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وأن المسدس الذي سدد إليه إنما سدد إلينا جميعاً كعرب نقول ونؤمن بأن حرية الفكر والوجدان هما من أكبر الدعائم التي ارتكزت عليها الشريعة الإسلامية.
أيها العرب: إن اغتيال الدكتور شهبندر كان اغتيالاً للفكر العربي التقدمي، هذا الفكر الذي لا يمكن لنا بدونه إبداع مكاننا تحت الشمس".

المقدمة
أغفل ويغفل معظم الباحثين التربة الإقتصادية - الإجتماعية ، التي انبتت العنف ، واقتصر اهتمامهم على العوامل السياسية والفكرية المرئية ، التي طفت على سطح الأحداث . وأرى من الضروري لفهم علاقة السياسة بالعنف التشديد على العلاقات الإقتصادية – الإجتماعية والسعي لكشف الستار عن تأثيراتها ومفاعيلها المتنوعة . كما أن إيلاء الإهتمام إلى البنية الإجتماعية بعامة ، وجانبها الطبقي بخاصة يرشدنا لتلَمّس موضوع السياسة والعنف في عالمنا العربي ، الذي تتقاذفه اليوم إضافة إلى مفاعيله الداخلية الرياح القادمة من جواره في إيران وتركيا والعواصف الصاخبة في العالم من أمريكا إلى روسيا مرورا بالقارة العجوز . ولا يخفى أن هذا النهج سيدفع بعضهم لإتهام كاتب الورقة ب " الطبقوية " أو " الإيديولوجية " ، وهم يضيقون ذرعا بتسليط الأضواء على الحراك الإجتماعي ودور الشرائح الإجتماعية ومواقفها في عهود الإقطاعية الهابطة والبورجوازية الصاعدة .
الأجواء الإجتماعية المتمثلة بالبنيتين الإقطاعية والرأسمالية ( الفقيرة صناعيا ) والمتأثرة بالإجتياح الإستعماري للعالم العربي هزّتها في النصف الثاني من القرن العشرين رياح الاقتصاد الريعي النفطي ، الذي رسّخ دعائم " الدولة الأمنية " من جهة ، وساعد على سرعة انتشار الإسلام السياسي وأحزابه . وستسلط الدراسة الأضواء على الحالة السورية والدور السلبي للقطاع العام المدار من البيروقراطية المستأثِرة بجانب كبير من خيراته . حيث اصبح القطاع العام مع عوائد النفط إحدى الركائز الأساسية للدولة الأمنية ، التي حجّمت المجتمع المدني المزدهر في منتصف القرن العشرين ، ومارست اساليب العنف التي ستتناولها الدراسة بقدر ما يسمح به " المقام " .
ولن تُغفل الدراسة دور العامل التراثي المتمثل برسوخ أقدام الممارسات المملوكية والإنكشارية العثمانية في ترسيخ دعائم الاستبداد واستخدام العنف في التضييق على المنظمات الحرفية ومشاركة التجار أرباحهم وعصر الفلاحين وإبقاء المجتمع في حالة من الركود والجمود ، وبالتالي سد الطريق أمام التطور الرأسمالي والثورة الصناعية .
ومع تلاطم أمواج الحداثة على شواطئ العالم العربي وما خلّفته من آثار نلاحظ انبعاث تقاليد الدولة السلطانية في إهاب الدولة الحديثة ، وقيام الأجهزة الأمنية بممارسات عنفية سياسة هي من صميم الدولة السلطانية ، التي لم تستطع الدولة الحديثة الخلاص منها . ولهذا أطلق المؤلف على هذه الأجهزة الأمنية اسم " المباحث السلطانية " ، وهي أجهزة تعيش بعقلية الإستبداد المملوكي العثماني ولا علاقة لها بالحداثة ، ولكنها تستخدم التحديث وما انتجته الحضارة " الغربية " لتشديد قبضتها على المجتمع ووضع مؤسسات المجتمع المدني ، مغلولة اليدين ، في خيمتها السلطانية المجهزة تقنيا بأحدث ما انتجته حضارة الغرب .
وفي الضفةالمقابلة تسير قوى الإسلام السياسي المتحجرة المتزمة والمنفلتة اليوم من عقالها ( ورحم الله السلفية النهضوية التنويرية وبخاصة جناحها الشامي ) على خطى الدولة الأمنية العربية في استخدام التحديث لصالح الإستبداد والسير بالعنف إلى حدود البربرية ، مستندة إلى الجوانب المظلمة من تراثنا العربي الإسلامي ، وهي تسترجع غزوات المغول والتتار وفتاوى إبن تيمية .
***
( 1 )
من مظاهر العنف في التاريخ السوري وفق العهود
ستتناول الدراسة العنف والسياسة ومحركهما الأصفر الرنان في سورية القرن العشرين ومستهل القرن الحادي والعشرين وفق المخطط التالي :
1 - أواخر العهد العثماني :
أ‌- العنف في التراث السلطاني المملوكي والعثماني استنادا إلى كتابات المؤرخين في مصر وبلاد الشام .
ب - التنظيمات العثمانية ومحاولات التخفيف من العنف مع صدوردستور مدحت باشا .
ج - الثورة المضادة للترقي تحت لواء قوى " الرجعة " بقيادة السلطان عبد الحميد ، الذي اتصف عصره بإرتفاع وتيرة العنف بمختلف أشكاله .
د- مرحلة ثورة الإتحاد والترقي 1908 بإيجابياتها وسلبياتها واستمرار العنف رغم الدستور ومجالس المبعوثان .
ه - أمثلة من العنف ، الذي مارسه النظام العثماني أثناء " لَمِّ العسكر " وهو ما يُعرف بالتجنيد الإجباري . فالعنف الذي مارسه ملتزموا الضرائب بمعونة عسكر النظام في تحصيل ضريبة الخراج ، التي تحولت إلى العشر ، أدى إلى إفقار الفلاحين وإذلالهم . وجباة الضرائب وأمراء العسكر تحوّلوا ، بعد سرقة الأراضي ، إلى إقطاعيين مارسوا على الفلاحين عنفا يندى له الجبين ، استمر حتى صدور قوانين الإصلاح الزراعي 1958 .
2 - من ركام الحرب العالمية الأولى إلى الدولة العربية الحديثة في دمشق ( 1919 – 1920) وما انجزته قبل أن تسارع قوى الإحتلال الفرنسي للقضاء عليها .
3 - مرحلة الانتداب الإفرنسي 1920- 1943 .. لقد كان الهدف الرئيسي للانتداب الفرنسي - كما هو حال الانتداب البريطاني على العراق وشرقي الاردن - تشديد قبضة الرأسمالية الفرنسية ومؤسساتها على سورية ولبنان لاستثمار خيرات هذه البلاد وفق الاسلوب الامبريالي المعروف . وهنا يكمن الوجه المظلم للانتداب بصفته أحد الوسائل الأخف وطأة للاستعمار.
ولكن للانتداب وجهاً آخر لم يكن المؤرخون السوريون والعرب- ومنهم كاتب هذه الأسطر- يعيرونه أي اهتمام. فقد كان التشديد أثناء التأريخ، ولا يزال، يتمُّ عبر قطبين متنافرين: الاستغلال والاضطهاد الاستعماريين ونقيضهما المقاومة الوطنية والنضال من أجل الاستقلال.
هذا الوجه الآخر للانتداب تمثل بازدياد تأثير أفكار الثورة الفرنسية وهبوب رياح الحداثة والتحديث ، التي أسهمت ، على الرغم من مرارة الاحتلال الاستعماري، في تحريك عملية التطور بمختلف أبعادها ودفعها إلى الأمام. وقد أتى في مقدمة عملية التطور هذه السير قدماً في بناء الدولة الحديثة , التي أخذت في التكوّن في العقود الأخيرة من العهد العثماني . وهذه الدولة الحديثة حملت في أحشائها عناصر ليبرالية وأخرى استبدادية .
4 - مرحلة فجر الاستقلال 1943 – 1958 ( الحكم البورجوزي الإقطاعي) ، الذي قيّدته الحركة الشعبية بقيادة " البورجوازية الصغيرة " الصاعدة في المدينة والريف . وهذا مما أدى ، مع انتعاش أفكار النهضة والتنوير ، إلى تراجع العنف إلى حدوده الدنيا . وشهدت نهاية هذه المرحلة أزهى عهود سورية الحديثة في الحكم البرلماني والحريات الديموقراطية وصعود الفئات الوسطى واحتلال الطبقة العاملة الناشئة دورا في الحياة السياسية . وتراجعت في هذه المرحلة التكتلات المذهبية والطائفية أو العشائرية والعائلية لصالح الولاءات الوطنية والقومية . وانحسر العنف انحسارا ملحوظا . وجاء قانون العشائر ، الذي أقرّه المجلس النيابي في نيسان 1958ليسدد ضربة قاتلة لمنبع العنف في البوادي وقوانين الغاب السائدة فيه .
ويلاحظ أن إطلاق الحرية للجماهير المقتنعة بعدالة قضيتها يجعل العنف " في خبر كان " . ونضرب مثلا على ذلك ما جرى أثناء الحشود التركية واستفحال أمر الأحلاف الإستعمارية عندما وزّعت عام 1957السلطة الوطنية عشرات آلاف البنادق على المتطوين في المقاومة الشعبية . وقد التقى كاتب هذه الأحرف بثلاثة من الضباط ( وهم معلمو ابتدائي يؤدون خدمة العلم ) كانوا مسؤولين في ريف دمشق عن المتطوعين في المقاومة الشعبية وتدريبهم . الثلاثة أكدوا لكاتب هذه الأحرف أنه لم يقم المتطوعون بإطلاق رصاصة واحدة عشوائيا ، والإنضباط الذاتي كان سيد الموقف . وهكذا اختفى العنف إلى حد بعيد من قاموس الحياة الوطنية عام 1957، بفضل الديموقراطية النابعة من القلوب .
5 - مرحلة الوحدة بين سورية ومصر وقيام الجمهورية العربية المتحدة 1958 – 1961 ، التي مُنعِت فيها الأحزاب , وأخذت المباحث السلطانية تشدد النكير على دعاة الحرية ممهدة الطريق للحكم الشمولي وفصل السياسة عن المجتمع .
إن المحتوى التقدمي للإجراءات الاجتماعية-الاقتصادية أيام الوحدة بين سورية ومصر تدنى كثيراً، لأن الحكومة حاولت أن تفرض تلك الإجراءات على البورجوازية الكبيرة ، ( التي لم تكن ثمة ضرورة اقتصادية لتأميم رأسمالها ، بل كان الهدف سياسيا ) دون أن تعتمد على مساندة القوى الوطنية التقدمية في البلاد، في وقت خُنقت فيه الحركة النقابية، وحُرمت الطبقة العاملة وغيرها من الشرائح الاجتماعية من العمل السياسي.
ولا شك أن الأجهزة البيروقراطية والمباحثية في الجمهورية العربية المتحدة ، واستخدامها للعنف ، كانت المعول الهدّام في خلق بذور الاستياء بين الناس وفي القضاء أو تحجيم مؤسسات المجتمع المدني، التي انتعشت في عهد مابعد الاستقلال وبخاصة مرحلة المجلس النيابي (1954-1958).
وقد سهّل إبعاد القوى الوطنية والتقدمية عن المواقع الهامة في دوائر الدولة والضغط عليها أو إلقاء أقسام منها في غياهب السجون، والقيام بحملات تعذيب للمساجين الصامدين مما أدى إلى موت عدد منهم تحت التعذيب. وحادثة تعذيب وقتل فرج الله الحلو أحد قادة الحزب الشيوعي، وتذويب جثته بالأسيد لإخفاء معالم الجريمة، لم تكن في صالح استمرار الجمهورية .
فالعنف الذي مارسته الأجهزة الأمنية في الجمهورية العربية المتحدة كان أحد المعاول ، التي هدّمت الوحدة .
6 - مرحلة عودة الجمهورية السورية إلى الحياة من جديد في أيلول 1961 ، وبالتالي عودة الأحزاب السياسية محتلة واجهة الأحداث في إطار الحياة البرلمانية مع تشويش الشعبة السياسية وريثة المخابرات السلطانية .
7 - مرحلة حكم البعث نتيجة الإنقلاب العسكري في 8 آذار 1963 وما تلاها من فترات لا تزال قائمة حتى الآن ربيع 2015. وأهم ما يميّز هذه المرحلة بعهودها المتتالية هو الحكم العسكري المتسربل بثياب حزب البعث المدنية . ومع أن حزب البعث العربي الاشتراكي بجناحيه هو حزب وليد المرحلة الوطنية الديموقراطية ومن أركانها ، إلا أنّ هيمنة العساكر وعودة المخابرات السلطانية التي وُضعت أسس عملها في عهد الجمهورية العربية المتحدة ، وعوامل كثيرة ، جعلت حزب البعث مطيّة في يد العسكر وأداة من أدوات سيطرة العسكرتاريا وحكمها المتميّز بتحالف البورجوازية البيروقراطية ( العسكرية والمدنية ) مع البورجوازية التجارية المتزامن مع انتعاش الفئات الطفيلية آكلة الأخضر واليابس . ( وكان هذا أحد منابع العنف ، التي اكتوت البلاد بنارها )
هذه العسكرتاريا رفعت سيف تحرير فلسطين لا لتحريرها بل لقطع رأس من يحتجّ على الاستثمار والاضطهاد الممارس باسم التحرير والاشتراكية المزعومة .
وقد شهدت سورية في عهد البعث ( 1963 – 2001 ) جملة من التحركات والاحتجاجات المترافقة في معظمها بالعنف والعنف المضاد نذكر منها :
- حوادث حماة في نيسان 1964 .
قاد مروان حديد زعيم الجناح المتطرف في الإخوان المسلمين المعركة ضد التأميمات . وقد بدأت الشرارة في 7 - 4 - 1964 بمظاهرات الطلاب في حماة وسرعان ما أيّدها التجار . ومع توتر الأمر وارتفاع حدّة الصدامات اعتصم مروان حديد مع عدد من الإخوان في جامع السلطان ومع بعضهم أسلحة قيل حسب الرواية الإخوانية إنها بسيطة .
شباب البعث وهم في مقتبل عهدهم بالحكم والمتّقدون في تلك الأيام إخلاصا وحماسا لتحقيق التقدم عن طريق حرق المراحل وتطبيق الإصلاح الزراعي والسير في طريق التأميم ، حسموا الأمرعسكريا بقيادة محافظ حماة عبد الحليم خدام . فاقتحموا المسجد واعتقلوا المعتصمين ومن بينهم مروان حديد .
- حوادث حماة شباط 1982 ، وسنتناول تفاصيلها لاحقا .
- تحرك التجمع الوطني الديموقراطي للاحزاب اليسارية أواخر السبعينيات , الذي اكتفى بإصدار البيانات دون النزول إلى الشارع . وسرعان ما حاصرته القبضة الأمنية وألقت بنشطائه في غياهب السجون .
- ربيع دمشق 2005 ، بمنتدياته ومحاضراته ومظاهراته السلمية ......
- التحركات الشعبية ربيع 2011 قبل انزلاقها إلى العسكرة ، التي سنتناولها في الختام ، وما نتج عنها من مآسي اتصفت باشتداد وتيرة العنف والعنف المضاد .

( 2 )
البورجوازيات البيروقراطية والأعيان العثمانيين الإقطاعيين
وجهان لعملة واحدة
سارت البورجوازيات البيروقراطية والطفيلية من جميع المذاهب في الثلث الأخير من القرن العشرين , ولا تزال , على خطا الأعيان العثمانيين السابقين من ملاك الأرض في احتكار ثروات العباد وترسيخ دعائم الاستغلال والاضطهاد. ويتصف التاريخ السوري في النصف الثاني من القرن العشرين بانتقاله من الاستغلال الإقطاعي ، الذي جرى سابقا باسم الدين ، إلى الاستغلال الرأسمالي الطفيلي متسترا باسم " الاشتراكية " ، في البدء ، ثمّ تحوّل إلى الاستغلال باسم " اقتصاد السوق الاجتماعي " ظاهريا ، أما عمليا فهو اقتصاد الرأسماليات الطفيلية المنفلتة من عقالها والمحروسة من المباحث السلطانية .
وكلا الفريقين الإقطاعية القديمة قبل 1958 و " الإقطاعية الجديدة " مارست العنف بمختلف اشكاله وألوانه لإستثمار فئات الشعب واحتكار الثروات والتنعم بها والآخرون يتضورون جوعا وحرمانا .
( 3 )
العنف
الكاشف عن وجهه في السخرة الإقطاعية
والمقنّع في سخرة البورجوزيات البيروقراطية
عندما كنت عام 1983 أقوم، بتكليف من الاتحاد العام للفلاحين، بجولة ميدانية في سائر أنحاء سورية لكتابة تاريخ الفلاحين، تقدم أحد الفلاحين في رابطة قطنا الفلاحية وسألني محتجاً: أنت تكتب عن الإقطاع في العهود السابقة، فلماذا لا تكتب عن إقطاعيي هذه الأيام؟.. وسمّى لي أسماء أصحاب المزارع ومعظمهم من المتنفذين من مدنيين وعسكريين، الذين أخذوا الأراضي، حسب قوله، بالمال والسلبطة والاحتيال والتهديد والوعيد وغيرها من الوسائل، التي يعرفها أهل المنطقة، كما ذكر.
مزارع البورجوازيات البيروقراطية هذه التي اشار إليه الفلاح لا تسهم في عملية الإنتاج ومعظمها أُنشئ للترفيه والسباحة و(شم الهوا) لتلك الفئات التي لم تتعب في جني المال عندما " اشترت " تلك الأراضي وحوّلتها إلى مزارع وعبثت بالمخزون المائي . ولا ننسى أن أحد أهداف شراء هذه المزارع هو غسل الأموال المنهوبة .
البورجوازيات البيروقراطية هذه تسير على خطى الإقطاعيين القدامى أيام عزّهم في تسخير الفلاحين . ويلاحظ أننا انتقلنا من السخرة الإقطاعية ( التي ألغاها المجلس النيابي السوري عام 1957 ) إلى سخرة البورجوازيات البيروقراطية ، التي بدأت في سبعينيات القرن العشرين ولا تزال إلى الآن . ولدى كاتب هذه الأسطر أمثلة كثيرة عن السخرة البيروقراطية هذه . ونقدم المثالين أو الظاهرتين التاليين :
الظاهرة الأولى تمثلت في أحد البورجوازيين البيروقراطيين وكان رئيسا لمجلس الوزراء اشترى " سيادته " أرضاً بأسعار رخيصة في منطقة قطنا، إلى الجنوب الغربي من دمشق، حيث تكثر مزارع المتنفذين من البيروقراطيين، الذين حصلوا عليها بوسائل شبيهة بما كان يجري أيام العثمانيين . جلب هذا البيروقراطي، مجاناً، واعتماداً على نفوذه في دوائر الدولة معدات تابعة للدولة مع أطقمها البشرية لاستصلاح الأرض. وأتت حفّارة مُلك للجيش وحفرت، مجاناً، بئراً للمزرعة دون أن يدفع ذلك (المعلم) فلساً واحداً. وكان عدد من المجندين أرسلهم آمرهم لخدمة المزرعة وفقاً لمخطط وُضِع مجاناً أيضاً. وظاهرة إرسال المجندين لخدمة مزارع البورجوازيات البيروقراطية أو لبناء بيوتها أو ترميمها ظاهرة عامة ومعروفة .
الظاهرة الثانية مأخوذة من منطقة ثانية .. أثناء الجولة الميدانية لكتابة تاريخ الفلاحين في خريف 1984 استمعت إلى حديث فلاحتين في جبال العلويين حول الشقاء الذي لَقِيتَاه من جرّاء نقل الحجارة سخرة ً لبناء عدة بيوت لعائلة الآغا اسماعيل الإقطاعي المعروف في المنطقة , منطقة ظهر الجبل التابعة للشيخ بدر . وبعد انتهاء الحديث توجهَت بنا السيارة وهي تصعد الجبل لمشاهدة بيوت الآغا اسماعيل التي بنيت في العهد الإقطاعي عن طريق السخرة . وأثناء الطريق لفت نظري بناء ضخم يشرف على الهضاب المتناثرة الممتدة حتى تلامس البحر أو تكاد . وكانت سيارة شاحنة ضخمة تابعة للجيش مليئة بأشجار الرخام وعدد من المجندين شباب خدمة العلم يقومون بتفريغ الحمولة من أحجار الرخام لكساء هذا القصر التابع لأحد " المعلمين " من الضباط , وما أكثرهم . والسخرة هنا تمثلت في وسيلة النقل التابعة للدولة والبنزين المعبّأ من مستودعات الدولة والقوى العاملة , التي تأكل من طعام الدولة وتعمل عند " المعلم " . و " المعلم " لم يدفع قرشا واحدا في هذه العملية , كما في غيرها من العمليات الجارية لإتمام البناء . أما كيف حصل على الإسمنت والحديد والخشب وغيرها من مستلزمات البناء فهذا أمره معروف وكانت تتداوله الألسن همسا أو وراء الجدران المغلقة .
هذا النوع من السخرة البيروقراطية في إقطاعيات البورجوازية البيروقراطية يختلف عن السخرة الإقطاعية السابقة والتي انتهت في منتصف خمسينيات القرن العشرين . كانت السخرة الإقطاعية مكشوفة دون أقنعة , وتقف فيها وجها لوجه قوى الإقطاع مقابل قوى الفلاحين المحاصصين المغلوبين على أمرهم والعاملين في أرض الإقطاعي . وهؤلاء الفلاحين كانوا يشعرون بهذه السخرة ويتذمرون منها في السر أو العلن ويتمردون عليها أحيانا . أما السخرة البيروقراطية فهي مقنّعة بقناع "وطني " قناع " خدمة العلم " الوطني " وتحرير الأرض المحتلة ... والمُسخّر " من المجندين لخدمة العلم لا يشعر بوطأة هذه السخرة ويسعى بالمقابل للاستفادة منها لصالحه الشخصي . هنا في حالة السخرة البيروقراطية يكون المجند سعيدا , إن صح التعبير , بهذه السخرة لدى " المعلِّم " لأنها تفسح المجال أمامه " للهرب " برضاء آمره المعلِّم وتمضية الوقت كما يشاء ...
والمسخَّر عمليا ليس هؤلاء المجندين الشباب فحسب بل الشعب الذي يدفع الضرائب لصالح ميزانية الدولة . ومن هذه الميزانية يجري الصرف على تلك السخرة سواء لتجديد نشاط القوى البشرية العاملة في السخرة البيروقراطية , أو لشراء الآلات التابعة للدولة وتستخدم للصالح البيروقراطي الخاص إلى جانب الصالح العام , ولا ننسى ثمن المحروقات التي تهدر لصالح خدمة مصالح هذه الفئات البيروقراطية وخدمها ومن يلوذ بها ... وليست هذه السخرة هي الوسيلة الوحيدة لاستغلال فئات الشعب بل هناك وسائل عديدة لا يتسع المجال للحديث عنها ونكتفي بواحدة منها .
عندما رويت هذه الواقعة لأحد اصدقائي أضاف انه تحدث مع مجند كان يخدم في لبنان ويعود اثناء الإجازة ببعض البضائع المهربة لبيعها والعيش من وراء تهريبها . فسأله صديقي مستغربا اليس عيبا عليك أن تقوم بالتهريب وأنت تخدم العلم ؟ .. فاجاب المجند هذا العمل أي التهريب أفضل من " مجنّد الصينية " .. فسأله ماذا تعني بذلك اجاب : مجنّد الصينية هو الذي يخدم عائلة " المعلم " وتحَمّل مختلف الإهانات والمذلّة من " الست " واولادها ...
ونحن نتساءل أليست السخرة البيروقراطية هي سبب من عشرات الأسباب التي دفعت الشباب للنزول إلى الشوارع وكسر جدار الخوف أولا والقمع ثانيا . وإذا كانت الكوامن الخفيّة لاحتجاجات التحرك الشعبي غير بادية الآن للعيان . وسيأتي اليوم ، الذي تُزال الحُجبْ فيها عن عشرات الأسباب الإقتصادية الإجتماعية والمعنوية التي دفعت الشباب للنزول إلى ساحة الوغى لتحقيق طموحاتهم وما يعتمل في صدورهم من آمال .
النهوض الوطني الجماهيري العارم في خمسينيات القرن العشرين شجّع الفلاحين على التمرد ورفض السخرة الإقطاعية بقانون من المجلس النيابي أدى إلى تقليم أظافر الإقطاعيين والتمهيد التمهيد لزوالهم .. فمتى سيحل إصلاح جديد يقلم أظافر البورجوزيات الطفيلية والبيروقراطية ؟ .. وكان من المأمول أن يسهم التحرك الشعبي الجاري في سورية في ربيع وصيف 2011 على إنجاز هذا الإصلاح ، ولكن انزلاق التحركات نحو العسكرة وتحولها ، لأسباب كثيرة ، إلى صراع مذهبي ذهب بآمال الحالمين من أمثالي أدراج الرياح .

( 4)
بين سلفيتين
نهضوية مسالمة وجهادية عنفية
قامت " السلفية النهضوية " في ظروف داخلية ( اجتماعية ) تميّزت ببداية ظهور طبقة ( أو فكر طبقة ) بورجوازية منتجة , مرتبطة بأرضها ووطنها , وتستحوذ على تفكيرها هموم تجاوز التخلف واللحاق بركب الحضارة الغربية البورجوازية , والاستلهام من أفكار عصر النهضة الأوروبية في مرحلة الرأسمالية المبكرة التقدمية قبل دخولها عصر الامبريالية والاستبداد والطغيان .
أما السلفية العنفية أو الجهادية فهي وريثة السلفية التقليدية المتمسكة بحرفية النص لابن تيمية وابن قيّم الجوزية ومحمد بن عبد الوهاب. وقد ظهرت هذه السلفية في مناخ هيمنة الإقطاع العسكري السلجوقي المملوكي ، ومن ثمّ في مناخ بادية نجد والتطلع للإستقلال عن الهيمنة العثمانية الإقطاعية .
تزامن انتعاش السلفية الجهادية واسهم في صعودها الظواهر التالية :
- انهيار الاتحاد السوفيتي وانحسار شعبية الأفكار الاشتراكية.. تعثّر حركة النهضة العربية وفشل الأنظمة ،التي سعت لتحقيق بعض المنطلقات الاشتراكية نتيجة سيطرة البورجوازيات البيروقراطية والطفيلية على تلك الأنظمة .. وبعد هزيمة هذه الأنظمة أمام العدوانية الصهيونية انفتح الطريق رحبا أمام تيارات الإسلام السياسي ، وفي مقدمتها السلفية الجهادية .
- ظهور النظام الدولي الجديد وبروز العنجهية الاستعمارية الأميركية .
- دور العدوانية الصهيونية واستفزازات الأصولية اليهودية في دفع الأصوليات الاسلامية إلى ردود الفعل الدفاعية والابتعاد عن التلاقح الحضاري , الذي عرفه تاريخ الاسلام في عهوده الزاهرة .
- اتساع الهوة الحضارية بين الشرق والغرب , الذي أسهم في ترسيخ جملة من المفاهيم المنكفئة إلى عصور الماضي , عصور خفوت وهج الحضارة العربية الاسلامية وسيادة اللاعقلانية والفكر الغيبي .وهذا ما تنهل منه السلفية في عصر التراجع النهضوي ظانة أنها تستخدم سلاحا بتّارا في مقارعة الهيمنة الاستعمارية , التي تسميها الهيمنةالغربية أو الغزو الصليبي أواليهودي .
وترى السلفية الجهادية في آرائها قطب الرحى العالمي ، وتعتبر نفسها وتاريخها محور العالم ومركزه . وهذا الموقف هو ردّ فعل مقلوب للإديولوجية الاستعمارية , التي ترى في اوروبا وتاريخها مركز العالم ونقطة انطلاقه قديما وحديثا .
وقد افرزت هذه السلفية تيارات عدوانية متطرفة ترفض الرأي الآخر متعالية عليه . وهي في الوقت نفسه منغلقة على نفسها ولا ترى في الحضارات الأخرى إلا " دار حرب " أو " دار كفر " ، بعكس مواقف سلفية عصر النهضة ونظرتها الانسانية إلى الحضارات الأخرى . فصاحب " المنار " الشيخ محمد رشيد رضا ، وهو في شبابه ، أحد اركان التيار السلفي النهضوي اكّد عام 1900 على " الرجوع إلى السلف ويستتبع هذا مجاراة الغربيين في جميع علوم الدنيا وفنونها " .
ومن صفات " السلفية النهضوية " الظواهر التالية : التسامح ( في معظم الأحيان ) .. سعة الصدر .. الانفتاح على تيارات الحضارة العالمية .. احترام الرأي الأخر ( نسبيا ) والدخول في حوار معه .. وتجلى ذلك في الحوار مع التيار الليبرالي العلماني في سجال فكري اختلفت درجة حرارته من فترة إلى أخرى .
وعلى العكس من السلفية النهضوية يسود في أوساط السلفية الجهادية : التحجر والانغلاق الفكري وهدم العقل . وهؤلاء يحاربون أية دعوة إلى الانفتاح على التجارب الانسانية الخصبة والاستفادة منها ، بالاضافة إلى تكفيرهم لمعارضيهم كائنا من كانوا .
وتأتي حركة الإخوان المسلمين في سورية في منزلة بين منزلتي : السلفية المُغرِقة في محافظتها وإنغلاقها وتزمتها ، والسلفية التنويرية معبّرة في ذلك عن واقع الأجواء الشامية المتصفة بالتنوع الطائفي والمذهبي والإثني . كما أخذ إخوان سورية بعين الاعتبار نهوض حركة القومية العربية واكتسابها أفئدة شباب منتصف القرن العشرين . يضاف إلى ذلك طبيعة الحركة السلفية في بلاد الشام ، التي اكتست ثوبا نهضويا منذ أواخر القرن التاسع عشر .
ولهذا تميزت الحركة الاسلامية في سورية ممثلة بالاخوان المسلمين بالإعتدال ومراعاة الظروف الاجتماعية والسياسية السائدة وانجبت فكرا ، سنرى معالمه بعد قليل . أما تيار العنف الذي ظهر داخل الحركة الإسلامية للإخوان المسلمين في سورية وسيطر في ثمانينيات القرن العشرين فله ظروفه التي نما فيها وهذا ما سنتناوله في فقرة تالية

( 5 )
الإخوان المسلمون و" الجهاد " ضد البعث
في خضمّ أمواج التغيرات الإقتصادية الإجتماعية

دفعت ، أجواء الحرية السياسية والمناخ الوطني العروبي في سورية ، الإخوان المسلمين إلى معترك الحياة البرلمانية والمشاركة في النشاطات السياسية بعيدا عن العنف واستخدام السلاخ والإغتيال ، كما هو الحال في بعض اجنحة الإخوان المسلمين في مصر . فقد خاض عام 1949 الإخوان المسلمون في سورية الإنتخابات البرلمانية تحت لافتة " الجبهة الإشتراكية الإسلامية " . ولعب المراقب العام للإخوان المسلمين مصطفى السباعي دورا وسطيا عندما احتدمت معارك كلامية في الشارع والصحف وتحت قبة البرلمان حول النص المحدِد لدين الدولة بالإسلام أو عدم النص ، مما أثار عليه نقمة المشايخ المتزمتين . والجدير بالذكر أنمصطفى السباعي هو صاحب كتاب " إشتراكية الإسلام الصادر في دمشق عام 1959 .
ومع تراجع اليسار في الثلث الأخير من القرن العشرين وتصاعد بأس الإسلام السياسي احتلّ الإخوان المسلمون الساحة وسار التيار المتطرف ( الطليعة المقاتلة ) في طريق مقاومة حكم البعث بالعنف المسلح .
وهنا لا بد من ذكر شخصيتين من الإخوان كان لهما دور في دفع الإخوان نحو التطرف ، ويتحملان مسؤولية عن الأحداث العنفية في حماة عام 1982 وهما :
- سعيد حوّى المولود عام 1935 في حماة والمنتسب إلى تنظيم الإخوان المسلمين عام 1952وهو تلميذ في الصف العاشر . شارك حوىّ بمناسبة وضع دستور عام 1973 بتوقيع بيان يهاجم علمانية الدستور ويطالب " باسلامية سورية ودستورها " , فاعتقل مع الموقعين على البيان . وبعد خروجه من السجن تولى قيادة الإخوان المسلمين بين عامي 1979 و 1982 , ثمّ انصرف للعمل في قيادة التنظيم العالمي للإخوان المسلمين بين عامي 1982 و 1984 , وبعدها عاد للمشاركة في قيادة الإخوان المسلمين في سورية بين عامي 1985 و 1987 .
ولسعيد حوّى كتاب بعنوان : " جند الله تخطيطا " لعب دورا هاما في التنظير لنهج العنف في الحركة الإسلامية السورية , وهو من الداعين إلى الجهاد العالمي وعولمته . فقد بدأ حوّى التنظير للفكر الجهادي في مطلع السبعينيات من القرن العشرين وكان لنشاطه الفكري والعملياتي دور في الصراع الدموي بين النظام السياسي " العلماني " في سورية و " الجماعات الجهادية " .
- مروان حديد المولود في حماة عام 1934 ، الذي نشأ في بيئة يسارية وعائلة تنتمي إلى الحزب العربي الاشتراكي ، ولكنه خالفها في الرأي . درس حديد الهندسة الزراعية في مصر وتحوّ ل إلى الإخوان المسلمين وأصبح أحد ممثلي التيار المتشدد لا يعترف بالآخرين ويدعو إلى الجهاد ضد الحكم " النصيري " أي العلوي. وبذلك وقف مروان حديد ومن قبله سعيد حوّى مخالفين نهج الإخوان المسلمين في خمسينيات القرن العشرين ممثلا بمصطفى السباعي ومحمد مبارك في الدعوة إلى الإعتدال ونبذ التفرقة الطائفية والمناداة بالوحدة الوطنية .
مروان حديد المتقد حماسا وإيمانا باسلام تربى عليه في مصر ، كان على رأس المحتجين عام 1973 ضد الدستور العلماني , الذي أصدره رئيس الجمهورية حافظ الأسد . فلوحق وقاد الجهاد السري للفرق المتطرفة من الإخوان المسلمين , التي شكلت نواة ما عُرِف بالطليعة المقاتلة . واستمر مروان حديد منظِما للحلقات السرية وداعيا للجهاد حتى تاريخ محاصرته في بيته السرّي في العدوي بدمشق . وبعد معركة بالرصاص بين مروان والمهاجمين من قوى الأمن استمرت عدة ساعات قبل ظهر 30 حزيران 1975 اصيب فيها بجروح بالغة مما أدى إلى غيابه عن الوعي . وبعد سنة من اعتقاله توفي في السجن في حزيران 1976 .
يلاحظ أن التيار الإخواني المتشدد والداعي إلى مجابهة الحكم البعثي بالسلاح لم يضعف بعد اعتقال مروان حديد وموته بل ازداد تصلبا وعنفا واستمرّ في تنظيم مجموعات من الشباب الإخواني المتحمس والذي يحمل حقدا على النظام ومستعدا للجهاد حتى الموت في سبيل تحقيق غاياته . وهكذا تبلورت هياكل " الطليعة المقاتلة " للإخوان المسلمين, التي رعاها مروان حديد وحمل رايتها من بعده عدنان عقلة . وهو القائد الفعلي للطليعة المقاتلة ومهندس مذبحة مدرسة المدفعية بحلب 1979, ومنظم سلسلة الإغتيالات التي طالت اساتذة جامعة وأطباء ومهندسين ومسؤلي أمن ومعظمهم أختارتهم الطليعة المقاتلة من العلويين . .
وفي خضم مسلسل الإغتيالات والتجاذب ( تمهيدا للصلح ) بين السلطة والجناح المعتدل من الإخوان جرت محاولة اغتيال رئيس الجمهورية حافظ الأسد . وعلى أثر فشل المحاولة نفذت سرايا الدفاع مجزرة تدمر في ليلة 26 – 27 حزيران 1980 بقتل 1181 سجينا من الإخوان كانوا معتقلين في سجن تدمر الصحراوي .

( 6 )
أحداث حماة 1982 بين العنف والعنف المضاد
والفلاحون يحسمون الموقف نصراً لقضيتهم
صاحب كتاب جند الله سعيد حوّى كان أحد القادة الثلاث مع عدنان سعد الدين وعلي بيازلي الموقعين عام 1980 على " بيان الثورة الإسلامية في سوريا ومناهجها " . ولكن وطأة الأحداث بعثرت هذا التحالف الإخواني الذي كان مغلول اليدين بقيود الأجهزة المخابراتية الأردنية والعراقية المموِلة له والراغبة في الإطاحة بالنظام السوري . علاوة على ذلك لم يكن هذا التحالف يحظى بتأييد قسم كبير من الجماهير السنية سواء في الريف أو المدن الأخرى ، عدا حماة وإلى حدٍ ما حلب المنقسمة على نفسها .
فالفلاحون الحائزون على أراضي الإصلاح الزراعي قاوموا التحرك الإخواني المدعوم من عائلات كبار الملاك في حلب وحماة حفاظا على ما نالوه من مكتسبات . وفي الوقت نفسه كانت بورجوازية دمشق التجارية تخلد إلى الهدوء متنعمة بقسم من الثروة الموزعة بينها وبين الفئات الحاكمة من البيروقراطيتين المدنية والعسكرية . وهذا ما سهّل على الأجهزة الأمنية السورية من تسديد ضربة قاصمة لتنظيم الإخوان في حلب .
وبعد انهيار مركز الإخوان في حلب دُفِعت قيادة الداخل وبموافقة عدنان عقلة إلى إعلان الجهاد في حماة يوم 2 شباط 1982 . وكان توزيع السلاح المهرّب من العراق والمُخبّأ في أماكن سرية على المقاتلين إيذانا باندلاع معركة ضارية استمرت عشرة أيام بين مقاتلي الإخوان وجموع المؤيدين لهم في حماة وبين قوات الأمن والجيش , التي حاصرت المدينة ودكّتها بالمدفعية . ورغم المقاومة البطولية لمقاتلي الإخوان وما استندوا إليه من النخوة الحموية المعروفة ، تمكّنت قوى النظام في 20 شباط 1982 من احتلال حماة واستباحتها .
أحداث حماة في أوائل ثمانينات القرن العشرين ( شباط 1982 ) ، والتي أدت إلى ما عُرف في أدبيات الإخوان المسلمين بمذبحة حماة ، لها أسبابها العديدة, التي سنكتفي بإلقاء الضوء على احد أسبابها الرئيسية المتمثلة بالخلفيات التاريخية الطبقية, التي تعود بجذورها إلى تسلط الإقطاعيين الحمويين واستثمارهم الرهيب للفلاحين استثماراً لمسه كاتب هذه الأسطر في جولاته الميدانية عامي 1984 و1985, وكتب بعض فصوله.
فمن خلال دراساتنا الميدانية تبين لنا أن حركة الإخوان المسلمين, في أواسط سورية وشمالها قامت بواجهة مذهبية (السنة ضد العلويين أو النصيرية, كما كانت أدبيات الطليعة المقاتلة للإخوان تسميهم)، وخلفية اقتصادية اجتماعية قلّ من أشار إليها . وهذه الخلفية تجلت في أمرين :
العامل الأول تمركز في استغلال الإخوان للاحتجاج الضمني أوالمكتوم لفئات واسعة من جماهير الشعب الناقمة على تقاسم " ثروة البلاد " بين البرجوازية البيروقراطية (وأكثريتها علوية) والبرجوازية التجارية الطفيلية التي يغلب عليها العنصر السني الدمشقي . هذا التحالف (البيروقراطي – الطفيلي التجاري هو في المقاييس الطائفية تحالف علوي – سني) كان له دور كبير في القضاء على تحركات الإخوان المسلمين في حماة وحلب وقسم من الريف السني ذي الملكيات الصغيرة والمحيط بإدلب شرقا والمتميّز بغلبة الفكر "العثملي" المحافظ على مشاعرعدد من قراه .
العامل الثاني الهام ، الذي سهّل عملية القضاء على تحرك الإخوان المسلمين ، هو موقف الفلاحين المنتفعين من الإصلاح الزراعي ، الذين أرعبهم تأييد أبناء الإقطاعيين وأحفادهم في حلب وحماة ومعرة النعمان للتحرك الديني الإخواني . ولهذا هبّ هؤلاء الفلاحون من سُنة وعلويين ومعهم جموع غفيرة أخرى من الفلاحين السُنة في منطقة وادي الفرات والمعروفين بالشوايا . وهؤلاء الفلاحين المستفيدين من الإصلاح الزراعي والذين تحسّنت أوضاعهم المعيشية وقفوا سدّا منيعا أمام التحرك الديني الإخواني ذي الأبعاد الاجتماعية الرامية إلى استعادة كبار الإقطاعيين للأرض المستولى عليها والموزعة على الفلاحين . وبفضل هؤلاء الفلاحين ومشاركتهم في القتال تمكن النظام من دحر التحرك الإخواني وتصفيته .
إن إلقاء الضوء على الخلفيات الطبقية لأحداث حماة عام 1982 لا يعني تبرئة ما قام به المهاجمون وما ارتكبوه من فظائع . وقد ادت المقاومة الضارية للحمويين وبسالتهم إلى سفك دماء غزيرة كانت مبعثاً لمدينة حملت في أحشائها تناقضاتها : بين قوى إقطاعية مستغِلة وطاغية وقوى اجتماعية تقودها الطبقة الوسطى المتحررة والساعية إلى الخلاص من الهيمنة الإقطاعية . ومع تراجع المد الجماهيري للإشتراكية ( بالصيغة التي رعاها الزعيم الحموي أكرم الحوراني ) وصعود المد الديني الإسلامي الذي تزعمه جناح الطليعة المقاتلة من الإخوان المسلمين سارت مدينة حماة موحدة بأكثريتها مع الإخوان وسائرة تحت علم الجهاد .
***
روايتان تتحدثان عن الخلفيات التاريخية لأحداث حماة 1982
سنقدم فيما يلي روايتين سمعناهما أثناء جولاتنا الميدانية لدراسة الحركة الفلاحية عام 1984تشيران إلى الخلفيات التاريخية للأحداث وتصفان القهر الإقطاعيي للفلاحين . كما تبين الروايتان ردود الفعل الثأرية للجنود والضباط انتقاماً من العائلات الإقطاعية في حماة دون أن يميزوا بين المستبد الإقطاعي وبين عامة الشعب ومتناسين في زحمة المعركة أن القوى الإجتماعية الحيّة في مدينة حماة بقيادة الحزب العربي الإشتراكي دافعت عن الفلاحين وأسهمت في إعطائهم الأرض .
الرواية الأولى تحدث فيها معنا بتاريخ 2 – 8 - 1984 الفلاح ذي الأصول البدوية من " عرب البوحياد " نواف المحمد من قرية حيالين في الغاب الغربي ومواليد 1923 وهو مسلم سنة وفلاح في أراضي أملاك الدولة ، التي كانت إحدى ميادين الصراع بين الفلاحين وإقطاعيي حماة .
روى نواف المحمد كيف أخذ أحد الإقطاعيين الحموية وهو من عائلة البرازي قسماً كبيراً من أرض حيالين " ومن يومها الكون مشتعل بيننا ", حسب تعبيره . كما روى لنا نواف الصراع مع إقطاعي حموي آخر هو صالح آغا البرازي المجاورة أرضه لحيالين . قال الفلاح : " صالح آغا أراد أن يشمط النسوان من عندنا ، فمنعه رجال العشيرة, الذين كان لديهم ثلاث بنادق فرنسية وجفتي كسر " . وعلى الأثر جرت معركة بين فلاحي " عرب البوحياد " من حيالين, وصالح آغا البرازي, الذي كان في عداد زلمه عدد من عرب (بدو) التركي . وقد أسفرت المعركة التي جرت في إحدى ليالي شتاء 1949 ووسط ضباب كثيف, عن سقوط قتيلين الأول من " عرب البوحياد " وهو أخو محدثنا نواف المحمد, والقتيل الثاني من المهاجمين .
واستمر الصراع من أجل حيازة الأرض بين فلاحي عرب البوحياد من حيالين بمساندة الحزب العربي الاشتراكي ( حزب أكرم الحوراني ) وأغوات حماة وزلمهم طوال أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين .
فلاحو حيالين, الذين اعتمدوا على عصبيتهم العشائرية في أربعينات القرن العشرين لمقاومة الطغيان الإقطاعي لأغوات حماة, وجدوا في الحركة الحموية المناهضة للإقطاعية ملاذاً لهم . وسرعان ما انضموا إلى الحزب العربي الاشتراكي بهدف تلقي العون منه للوقوف ضد الاستعباد الإقطاعي . ويعلل الفلاح نواف المحمد سبب دخولهم في العربي الاشتراكي بقوله: " نحن من ضيم الإقطاع دخلنا في الحزب العربي الاشتراكي ".
انتسب ابن نواف المحمد بعد نيله شهادة الدراسة الثانوية إلى الكلية العسكرية . وبعد تخرّجه فُرِزَ إلى " الوحدات الخاصة " العسكرية, ورئيسها علي حيدر, التي كان لها دور أساسي, مع " وحدات سرايا الدفاع " العسكرية, في القضاء على تحركات الإخوان ومن والاهم من جموع ... وعندما اشتبكت الوحدات الخاصة مع المقاومين في حماة, كان الضابط ابن نواف المحمد على رأس المهاجمين . وعندما " دخل حي البرازية وأراد أن ينتقم لعمه " ، الذي قتله احد أبناء ذلك الحي عام 1949. ولكن الضابط ابن نواف - حسب ما رواه لنا والده - لم يجد في حي البرازية إلا النساء والأطفال فلم يمسهم بأذى . لأن الأخذ بالثأر هو من الرجال فقط حسب العرف البدوي ..
الرواية الثانية تتحدث عن اغتصاب الإقطاعي الحموي أنور الكيلاني لإمرأة أحد الفلاحين العلويين في إحدى قرى مصياف . واضطر الفلاح للسكوت على الاعتداء عليه وغادر القرية ، وهو يحمل حقداً دفينا في أعماقه . في تلك الأثناء اشترى الفلاح المهدَرَة كرامته بندقية عتيقة رخيصة بمساعدة رفاقه وخطط لقتل الإقطاعي وعاد إلى القرية معلنا ولاءه للإقطاعي أنور . وفي يوم من أيام ربيع 1949 أقام الإقطاعي أنوروليمة في القرية على مائدة تفترش الأرض ، وكان الفلاح في عداد المهيئين للوليمة . وعندما بدأت البطون تمتلئ وكؤوس العرق ترتفع انخابها ، غادر الفلاح المكان وعاد مصطحبا بندقيته العتيقة مسددا رصاصها عن بعد إلى ظهر الإقطاعي . ولكنّ الطلقة أصابت الجانب العلوي الأيمن من كتف الإقطاعي . فقد لعب القدر و " حليب السباع " دورا في انقاذ الإقطاعي . فقبل ثانية من لحظة إطلاق الرصاصة انحنى الإقطاعي لتناول قدح العرق فأصابت الرصاصة كتف الإقطاعي ونجا من الموت .ولم تسعف الفلاح بندقيته العتيقة في اطلاق رصاصة ثانية فقد استعصت الطلقة . وعندها هرب الفلاح مطلقا ساقيه للريح . وعلى الأثر قامت مفارز الدرك المجموعة من قرى جبل الحلو بإرهاب القرية واستباحتها واعتقال أكثر من أربعين فلاحا مشترطين تسليم " الجاني " لإطلاق سراحهم . مما دفع مطلق النار لتسليم نفسه . حكم القضاء على الفلاح " الجاني " بالسجن أربعة سنوات ومنْعِه من الإقامة في قضاء مصياف فاختار حمص واشتغل عاملا في معمل السكر .
هذا الفلاح انجب أربعة شبانا دخل ثلاثة منهم في السلك العسكري وشارك أثنان في الهجوم على حماة حسب ما رُوِيَ لنا في مسقط رأسه . ولا نعلم ما قام به الشابان , الذين اغتصب الإقطاعي الحموي أمهما من ردود فعل ثأرية كانت مختزنة في صدريهما عندما دخلا حماة في معمعان المعركة .

( 7 )
التحركات الشعبية ربيع 2011 قبل إنزلاقها إلى العسكرة
التحركات الشعبية السلمية ، التي اندلعت من درعا في آذار 2011 ، رفعت راية الحرية والعدالة وصون الكرامة المهدورة ، وعبّرت في أعماق وعي ناشطيها عن الحقد الدفين على نهب البورجوازيات الطفيلية والبيروقراطية للمال العام والخاص. وبعد ستة أشهر من اندلاعها داهمتها العسكرة نتيجة استخدام " النظام " للرصاص الحي في قمع التظاهرات .
هذه التحركات الشعبية المندلعة بسبب عوامل داخلية تشابك فيها الديموقراطي بالطبقي بالطائفي . وسرعان ما اعتلت أمواج احتجاجاتها عوامل خارجية دولية واقليمية ، فحوّلتها إلى صراع ذو أبعاد مذهبية هدد اللحمة الوطنية ، وهو نقيض الشعار في منتصف القرن العشرين : " الدين لله والوطن للجميع " .
ونرى من الضروري لفهم آليات التحرك الشعبي وأماكن انتشاره الواسعة إلقاء الأضواء على التغيرات الجارية داخل المجتمع وسنتناول محورين منها هما : موقف الفلاحين من جهة ، والتغيرات الجارية في نسيج الفئات الوسطى وفكرها .
أولا مواقف الفلاحين ( ونعني اكثرية السنة منهم ) إزاء الإسلام السياسي في أحداث حماة عام 1982 وتأييد شرائح واسعة منهم للنظام أو وقوفها موقف المتفرج . أمّا في التحركات الشعبية ربيع 2011 فانضمت الأكثرية منهم إلى " الجهاد المسلح " .
عام 1982 وقفت أكثرية الفلاحين السنة ( إذا استثنينا ريف ادلب الغربي ذي الملكيات الصغيرة)، كما رأينا ، ضد تحرك الإخوان . لماذا ؟ .. لقد استفاد الفلاحون من الإصلاح الزراعي وحصلوا على الأرض المستولى عليها من كبار الملاك . وبما ان تحرك الإخوان ضد النظام لاقى تأييد أولاد كبار الملاك من الإقطاعيين السابقين ، فإن هؤلاء الفلاحين المعروفين باسم فلاحي الإنتفاع من الإصلاح الزراعي خافوا أن تُسترجع الأرض التي حصلوا عليها وتعود إلى الإقطاعيين ، ولهذاوقفوا موقفا مناهضا للتحرك الإخواني عام 1982 . أما في ربيع 2011 وبعد مرور أكثر من اربعة عقود على توزيع الأرض على الفلاحين توفي هؤلاء وورثهم أبناؤهم الذين لم يذوقوا مرارة الإضطهاد الإقطاعي ولم يعد ثمة خطر في عودة الأرض إلى أبناء الإقطاعيين . وقد أصبح لهؤلاء هموم أخرى ومن بينها تغيّر طبيعة النظام وتحوّل المسؤولين ( قادة النظام ) وأبنائهم إلى " إقطاعيين " جدد . ولهذا علينا أن نأخذ بعين الاعتبار ما جرى من تغيرات في المواقف الطبقية داخل المجتمع في النصف الثاني من القرن العشرين لفهم وقوف أكثرية الفلاحين السنة إلى جانب التحركات الشعبية ، وبالتالي حملهم للسلاح .
ثانيا التغيرات الجارية داخل شرائح البورجوازية الصغيرة .. كانت هذه الفئات الوسيطة في منتصف القرن العشرين تعجّ بالمشاعر الوطنية والقومية العربية وتتطلع إلى النهوض بالعرب واللحاق بركب الحضارة العالمية . هذا الصعود بدأ في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين وبلغ أوجه في خمسينيات وبداية ستينيات ذلك القرن . وفي هذه الفترة برز البعث حزبا ثوريا طامحا إلى الإنتقال بالأمة العربية على دروب الحضارة الحديثة ، مؤيدا من العديد من شرائح البورجوازية الصغيرة وبخاصة جناحها الريفي .
هذه البورجوازية الصغيرة بجناحيها المديني والريف تحوّلت بفضل تربُعِها على كراسي الحكم ونهب ما تستطيع إلى برجوازية بيروقراطية وطفيلية تأكل الأخضر واليابس ، وفقدت ثوريتها السابقة . وكانت سهام التحركات الشعبية موجهة بغضب إلى هذه البورجوازية الصغيرة المتحولة إلى بورجوازية ( كبيرة ) بيروقراطية وطفيلية . ولكن دخول العامل المذهبي ( لأسباب كثيرة )على خط التحركات الشعبية حوّلها إلى تحركات ذات صبغة مذهبية .
وهنا نلاحظ تداخل العامل الديني ( المذهبي ) مع العامل الطبقي ( الإقتصادي - الإجتماعي ) . فالتحرك الشعبي , الممتد في المناطق الفقيرة أو غير المستفيدة من " نِعَم النظام " سار بإيقاعات متنوعة متحدياً النظام , تُحَرِكه المشاعر السنية المختلفة الإتجاهات والدوافع . ودخل على خط التحرك نشاط من يسمون " دعاة اسلاميين " ( مستفيدين من الفضائيات ) قاموا بشحن المشاعر السنية بكره الآخر والتحريض عليه وتحويل التحرك ذي الطبيعة السياسية إلى تحرك طائفي باتجاه العداء المذهبي للعلويين , الذين يهيمن من اغتنى منهم على مفاصل النظام القائم .
لم يخدم هذا التيار السني المتطرف التحرك الشعبي السلمي ، الذي سعى اليسار والقوى السنية الليبرالية والمعتدلة إلى جعله تحركا وطنيا يشمل سائر أبناء المذاهب والطوائف المكتوية بممارسات النظام وعنجهيات كثير من قواه الأمنية وغيرها . وقد نجحت هذه القوى الأصولية الظلامية إلى حرف التحرك عن مساره الوطني والطبقي وتوجيهه للعداء لمذهب معين والكره لطائفة بكاملها . هذا الفكر الظلامي طمس الدوافع الإقتصادية الإجتماعية للتحرك ، وأغمض العين عن الاستبداد ولم ينظر إلى الأمور إلا من زاوية دين ضد دين أو مذهب مخالف لمذهب . وهو يعتبر نفسه " الفرقة الناجية " وما سواه فهو ضلال وجاهلية . أجهض هذا التيار المتزمت والمتحجر ، والمستند إلى الجوانب المظلمة من تاريخنا ، التحركات الشعبية السلمية ومنطلقاتها الوطنية . كما خدم النظام بسلوكه وشعاراته مخيفا الطوائف الإخرى وجعلها تقف حذرة خائفة ، وكثير من جمهورها رأى في النظام طوق النجاة .
مقابل هذا التيار المتزمت ( والظلامي في كثير من جوانبه ) كان ثمّة تيار اسلامي سياسي معتدل له في سورية جذور عميقة ممتدة في أعماق المجتمع السوري المتداخلة في ثناياه العروبة والإسلام ووحدة وطنية سارت تحت لواء " الدين لله والوطن للجميع " .
نتوقف هنا عند مواقف الإخوان المسلمين وبيانهم المشهور الصادر في لندن والداعي إلى الحوار والوحدة الوطنية . ونشير إلى تصريحات المراقب العام الأسبق للإخوان المسلمين عصام العطار ذات النكهة الليبرالية الواضحة المعالم . وهذه التصريحات هي في كثير من النواحي استمرار لخط الدكتور مصطفى السباعي والشيخ اليعربي المتنور محمد مبارك . وننقل هنا بعضاً من مواقف وتصريحات العطار :
- " أنا طول عمري ضد العنف سواء كان عنف أفراد أم عنف دولة " .
- ومن أقواله عام 1977 شعرا : سيان عندي إن أثنوا وإن كفروا الله قصدي لا الدنيا ولا البشر
- وأثناء التحرك الشعبي وجه العطار من مكان إقامته في ألمانيا رسالة في 22 – 3 – 2011 بدأها بالعبارة التالية : " إلى الشعب السوري الثائر من أجل حريته ومن أجل كرامته , وإلى كل أحرار العالم " ... تطرق فيها إلى الهوية والمواطنة والإصلاح ووسائل التغيير .
- وفي رسالة تالية يستشهد بشعر " الشاعر السوري القومي العربي بدوي الجبل " . والمعروف أن بدوي الجبل علوي المولد ، ورغم ذلك فإن علوية بدوي الجبل لم تنزل من قيمته في نظر العطار ، بعكس ما يقوم به هذه الأيام بعض الدعاة السلفيين وغيرهم من دعاة التيارات المتطرفة في نظرتهم الدونية والعدائية للعلويين ولغيرهم .
- ويسترعي الانتباه ان العطار لا يتهم , كغيره في بيانه الصادر في آذار 2011 , الحكم في سورية بالكفر والإلحاد . وهو يدعو في بيانه إلى " ثورة لرفع الظلم والطغيان عن الجميع , وتحقيق العدل والمساواة والحرية للجميع " . كما يدعو إلى " لمّ شتات البلاد كلها , بمختلف أديانها وأعراقها وأطيافها على أساس جديد من المواطنة والمساواة والعدل والإحسان " .
ولكن تصريحات العطار وغيره من الإسلاميين المعتدلين ذوي النكهة الليبرالية والديموقراطية لم تكلل بالنجاح وحجبتها رياح دعاة الإسلام السياسي المتزمت والمتحجر والرافض للآخر رفضا يحمل في طياته الدعوة إلى تصفيته ؟ .. وكان لفتاوى عدنان العرعور وغيره وخطبهم ودروسهم في الفضائيات الدينية دور كبير في المنتفضين ودفعهم باتجاه التعصب والعنف ...
وهكذا انحرفت التحركات الشعبية في سوريةعن مسارها السياسي المناهض للاستبداد أولا وعن حقدها الدفين على " الحرامية " من بورجوزيات بيروقراطية وطفيلية ثانيا . وعاش المجتمع السوري في مهبّ عاصفتين صحراويتين :
- عاصفة المتزمتين الإسلاميين التي تنهل من التراث المملوكي العثماني وتكفيريات ابن تيمية ضاربة عرض الحائط بالتراث العربي الإسلامي المجيد في أيام عزه , والذي ضمّ بين جناحيه سائر مكونات المجتمعات العربية الإسلامية وأنتج حضارة إسلامية مزدهرة بين القرنين الثامن والثالث عشر الميلاديين .
وهذه العاصفة حملت عواصف عديدة أيقظت كل ما اختزنه التاريخ من أعمال دموية همجية .
- عاصفة الحشد الطائفي ( العلوي ) الذي تسّعره بعض قوى السلطة لحماية نفسها وثرواتها . وهذه القوى الرأسمالية البيروقراطية والطفيلية تخيف الطائفة العلوية زاعمة أن " وجودها " مهدد بالخطر إذا لم تمتشق السلاح وتسير وراء الحكام . كما تعزف قوى الحكم على أوتار إخافة الأقليات الدينية والمذهبية ( مسيحيون ودروز واسماعيليون ) ودفعها لمساندة النظام خوفا من قدوم " عثمانية " جديدة تعيدها إلى عهد السلطان المستبد عبد الحميد . وطبول " العثمانية الجديدة " تقرع ابواب الحدود الشمالية لسورية منذرة بغزوات مغولية ترفع راياتها داعش وأخواتها
كان من أخطاء بعض" قيادات " التحركات الشعبية وضع العلويين جميعا في قفص الاتهام . وتناسى هؤلاء عن عمد أن العلويين لم يكونوا جميعا مستفيدين من " نِعَم " النظام . فلماذا تزر وازرة وزر أخرى ؟ .. ولماذا الهجوم على العلويين وتسميتهم بالنصيرية والدعوة للعداء لهم كطائفة مارقة ؟ .. ولماذا تقوم قوى ظلامية لها أرضية في بعض الأوساط المتدينة وتشن مستعينة بالفضائيات الدينية حربا على الطائفة ككل ؟..
ومعروف أن أبناء الطائفة العلوية , الذين لم يغتنوا أو لم يستفيدوا من فتات الحكم ، هم في أعماقهم غير راضين عن ابناء طائفتهم ممن ارتشى وسرق واغتنى بوسائل غير شرعية وتاجر وتحكّم في البلاد والعباد . وعدد المناهضين للحكم وعدد من دخل من احرار العلويين السجون ( في عهد من يسميهم دعاة الإسلام السياسي المتزمت باسم الحكم النصيري ) معروف بكثرته لدى متتبعي الأحداث . وهؤلاء قاسوا الأمرين من اضطهاد النظام وسجونه . إضافة إلى ذلك يزخر التاريخ السوري بالعشرات من العلويين المبدعين في مختلف الميادين ، الذين رفعوا راية الوطن السوري عاليا ، وكانوا في طليعة المنادين بالعروبة ومجد الحضارة العربية الإسلامية أيام ازدهارها .
وهكذا فالتحرك الشعبي الموجه في العمق ضد الرأسماليات الطفيلية وصلفها تشابكت فيه الدوافع الطبقية والطائفية وتداخلت ، إلى أن طغى الدافع الديني المذهبي ( الممول بالأخضر الفلتان وريث الأصفر الرنان ) على الدافع الطبقي ومن ضمنه الحياة المعيشية للمواطن الفقير والمقهور . ونتيجة لسيطرة من يسمون " الدعاة الإسلاميين"ودعوتهم المتزمتة المنغلقة والمتحجرة والبعيدة عن التاريخ الثوري المجيد للحضارة العربية الإسلامية ، غُيّبت الممارسات الاستغلالية والاستثمارية للفئات الحاكمة ، واقتصر ويقتصر حديث الدعاة على تسعير المشاعر الطائفية والمذهبية وكره الآخر وتكفيره والاستعلاء عليه .
في بداية التحركات استلم الشباب زمام المبادرة مع تحريض محدود من الشخصيات والأحزاب المعارضة الضعيفة اصلا والمقموعة وقد بلغت سن الشيخوخة بسبب تجفيف النظام لينابيع رفدها بالشباب . وبعد أن كُسِرَت عصا الخوف من المباحث السلطانية تصاعدت شجاعة الجموع الشبابية النازلة إلى الشارع متحدية رصاص الأمن . وتدريجيا أخذت تظهرصيغة جديدة لتنظيم الشباب متلائمة مع ظروف القمع هي : التنسيقيات في كل بلدة أو حي أو جزء منه . وسرعان ما توحدت هذه التنسيقيات في " اتحاد تنسيقيات الثورة السورية " . وأخذت هذه التنسيقيات تصدر البيانات وتتواصل مع بعضها عن طريق الفايسبوك على شبكة الانترنيت أو بالهواتف الجوالة . ولم تعد " عيون " النظام تتمكن من رصد كل حركة مع استخدام الشباب لوسائل الاتصال المتطورة .
ومع الزمن ازدادت وتيرة حمل السلاح واستخدامه من جانب بعض المنتفضين ، مع العلم أن الطابع السلمي للمظاهرات كان واضحا للعيان في بداية التحركات . ويرى كثيرون ان ظهور السلاح في أوساط المنتفضين واستخدامه أضرّ بالتحرك الشعبي وأضعفه وقدّم حجة للنظام لرفع درجة قمعه للمتظاهرين . كما جرى تبرير انتقال بعض اجنحة التحرك الشعبي إلى العمل العسكري واستخدام السلاح بعدم جدوى التظاهر السلمي بعد ان أصرّ النظام على الحل العسكري وانزل دباباته إلى الشوارع لقمع المتظاهرين .
وليس بين ايدينا معطيات تبيّن ماهي الجهات التي دفعت إلى استخدام السلاح .ولكن أصابع الإتهام تشير إلى جنوح بعض اجنحة الإسلام السياسي نحو العسكرة . كما أن الكثيرين يتهمون النظام بأنه هو البادئ بالعنف المسلح .
ونتساءل هل كانت عسكرة التحرك طريقا للخلاص ؟ .. وهل هذه هي الثورة ، التي اشعل فتيلها قوى يسارية وليبرالية يغلب عليها الطابع الثقافي ؟ .. وكثير من التنسيقيات خشيت من مغبّة حمل السلاح ودعت للحفاظ على سلمية الثورة " جاء في نداء إحداها : " يا أهلنا .. ويا شبابنا .. الانظمة الطاغية لا تعرف ان تتعامل إلا لغة الترهيب والسلاح .. فإذا سحبنا منها هذا العنصر في المعادلة فإنها تفقد توازنها ... " .

المأساة السورية
بين العنف والعننف المضاد
( 8 )
مع انزلاق التحركات الشعبية نحو العسكرة استشرى العنف والعنف المضاد بين النظام بدباباته وطائراته وبراميله المتفجرة والقوى المعارضة حاملة السلاح ، التي لا تختلف بعض أجنحتها عن النظام في استخدام التفجيرات والسيارات المفخخة قرب مواقع النظام ، التي طالت المدنيين بالدرجة الأولى وازهقت أرواحا لا تحصى . دخلت سورية في نفق مظلم زاد في ظلامه عوامل كثيرة .
ما يعنينا هنا العنف ، الذي مارسته التنظيمات المسلحة إزاء المدنيين المسالمين من جهة ، والعنف الأشد قسوة وضراوة داخل هذه التنظيمات ، وهي ترفع رايات الإسلام السياسي المتطرف مستلهمة تصرفاتها من الحلقات المظلمة والدموية في التراث العربي الإسلامي ، والذي لا يختلف عن الممارسات الدموية في تاريخ الشعوب الأخرى . ويضرب قادة هذه التنظيمات المسلحة عرض الحائط بالجوانب الإنسانية المشرقة في الحضارة العربية الإسلامية ، متجاهلين ذلك التاريخ المجيد للحضارة العربية الإسلامية ، التي بلغت الأوج عندما سارت على نهج العقلانية والروح السمحاء في الدين وتلاقحت مع الحضارات الإنسانية للشعوب .

واليوم وبعد العنف البربري للتتار الجدد وخلافاتهم والتصفيات الجارية بينهم ، نَسِيَ الكثيرون عنف النظام ودباباته وطائراته . ودخلت البلاد بعد تمزُّقها وزوال آخر معالم الدولة الوطنية في حالة نختمها بالعبارة التالية :

" العقلاء حيارى .. وترى الناس سكارى .. وما هم بسكارى "






ملحق
مُهدى إلى المؤتمر
يكشف الحالة السائدة في بعض المناطق وما يرافقها من العنف
منقولة من التنسيقيات وشبكات الأخبار غير المؤيدة للنظام ومقتطفات من الصحف ،
وبعض ما سمعه كاتب هذه الأسطر من أفواه من يكتوون بنار المأساة
( 1 )
سراقب
- بيان صادر عن المجلس المحلي نقلته تنسيقية سراقب جاء : " ... بعض المتسلقين من أصحاب النفوس الضعيفة ممن يحسبون أنفسهم ثوار و هم في حقيقة الأمر أشد كفراً من النظام و أكثر لؤماً منه إذ يتاجرون بمستحقات المواطن و الأفراد و المدن و الأرياف من أجل مصالح شخصية أو مكاسب مادية ينتفعون بها على حساب الآخرين ... مادة المازوت ... المياه ...الفرن ... البلدية تحتاج سياراتها مع التركتورات إلى (100) مئة ليتر من المازوت يوميا ... رافعة الكهرباء ...سيارات الإطفاء ... سيارات الكتيبة الامنية : التي تجوب الشوارع و الأزقة و الطرق المحيطة ببلدتكم ليقوم الكادر الذي تضمه بحراسة أمنكم و حمايتكم من الشبيحة و المشلحين و قطاع الطرق ... سيارات الإسعاف ... الدعم الخارجي المقدم ياتي مشروطاً و مقيداً بالطبابة والإغاثة .
- نقلا عن تنسيقية سراقب ، لجان التنسيق المحلية في سورية : " ... إن مظاهرة جرت في مدينة سراقب بتاريخ 17 – 6 – 2013 وجرى تصوير المظاهرة على اليوتوب . بدأت المظاهرة بالتكبير ومن ثمّ الدعوة الى مكافحة الفساد في سراقب وضد الاستبداد . وقال الخطيب مخاطبا السلفيين الجهاديين دون ان يسميهم " اخطاؤكم كثرت " . وكتب على احدى اللافتات شعار : " حرية – كرامة - مواطنة " .
- جاء في تنسيقية سراقب بتاريخ 30 أيار 2013 ما يلي : ... لا بأس أن نذكّر أن روح الثورة السورية المدنية الديموقراطية ... وفي نصِ أخر لتنسيقية سراقب اشارة الى الاستياء من اللجنة الأمنية في سراقب التي تقوم بالجلد .
- تنسيقية شباب الثورة السورية في سراقب ، تصدرت الصفحة الاولى صور شهداء سراقب ، جاء فيها : " ...اسقاط نظام الاسد من خلال كل اشكال الحراك الثوري وتوحيدها ... " مع تفاصيل عن نشاط لواء يوسف العظمة ، وبيان يبدأ بالبسملة ، إاشارة الى المجلس العسكري محافظة حلب ( يبدو ان هؤلاء ضد النظام وليسوا مع المتطرفين )
( 2 )
كفر نبّل
كتب المهنس الزراعي احمد وصفي زكريا في مؤلفه عن الأرياف السورية في ثلاثينيات القرن العشرين فصلا شيقا عن نشاط اهل نبّل في ميدان الانتاج الزراعي في قرية تسودها الملكية الصغيرة السائدة في جبل الزاوية . وأثناء جولاتي الميدانية لكتابة تاريخ الفلاحين أوليت الإهتمام إلى هذه القرية وكتبت عنها فصلا في الكتاب . وما تردد على مسامعي أن الإخوان المسلمين كان لهم قوة في كفر نبّل . وشاركوا في تحركات 1983 ، التي أدت إلى مذبحة حماة فلوحقوا واعتقلوا وهرب منهم من استطاع . ولهذا كانت كفر نبّل في طليعة المتظاهرين مع اندلاع التحركات الشعبية في أذار 2011 .

داعش» تشن «غزوة» على كفرنبل... و«غنائمها» إذاعة و «باص الكرامة» عنوان مقالة في الحياة من لندن في 29 ديسمبر 2013 لإبراهيم حميدي ، جاء فيه :
" ... وسّعت «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) من منسوب «غزوتها» في ريف إدلب في شمال البلاد سعياً منها لفرض قواعد «دولتها» الشمولية بـ «وأد» أي حراك مدني حي. إذ قام «مجاهدوها» باقتحام المكتب الإعلامي في بلدة كفرنبل في إدلب، إحدى رموز الحراك المدني في سورية، وعادوا بـ «غنائم» بينها معدات إذاعية وكومبيوترات وكاميرات ووسائل تعليم.
وقال نشطاء و «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن مقاتلي «داعش» دهموا المكتب الإعلامي ومجلساً محلياً ومقر «إذاعة فرش» التي تبث من بلدة كفرنبل، واعتقلوا عدداً من النشطاء والإعلاميين قبل تركهم من دون إطلاق سراح المعدات الإذاعية، باعتبار هذه المعدات «شر مطلق»، بحسب قول أحدهم. وكانت بين «الغنائم» محتويات «باص الكرامة» الذي يهتم بالأطفال النازحين في ثلاث مدارس في ريف إدلب ويقدم نشاطات ثقافية ودعماً نفسياً لأبناء هذه المنطقة.
وعُرفت كفرنبل، الواقعة في جبل الزاوية في ريف إدلب بين حلب شمالاً واللاذقية غرباً، بتظاهراتها واللافتات التي يكتبها ويرسمها نشطاء فيها. وحافظت اللافتات على روح سخرية ونقد عميق خلال السنوات الثلاث، إضافة إلى أنها احتفظت بمضمون غير طائفي وغير عنفي، على رغم التحولات التي مرت بها الأزمة السورية من الحراك السلمي إلى العنف ثم الثورة المسلحة.
ونجحت اللافتات في البقاء على قيد الحياة، على رغم حملات القصف على كفرنبل. وبقيت منارة للشباب السوريين والنشطاء المدنيين ورمزاً ثقافياً في عموم سورية، وصلت أشعتها إلى عواصم أخرى في العالم. وبات يكتب عدد منهم باللغة الإنكليزية توزع في كل يوم جمعة.
وقال المحامي ياسر السليم لـ «الحياة»: «يبدو أن عقيلتهم (مقاتلي داعش) المغلقة لم تعتد تحتمل النقد المبطّن الذي كان يقال في إذاعة فرش ولا الحراك المدني الموجود في كفرنبل».
ويتبع مقاتلو «داعش» في هذه المنطقة إلى «إمارة إدلب» و «الأمير العام» في بلدة الدانا في شمال غربي البلاد، غير أن بعض العناصر والمقاتلين من «إمارة حماة» كانوا موجودين خلال «غزوة» كفرنبل. وأوضح السليم أنهم اقتادوا النشطاء والإعلاميين إلى بلدة البارة التاريخية المجاورة لكفرنبل، وأنه من حسن حظ مدير المكتب رائد فارس أنه موجود في جولة خارجية لإلقاء محاضرات والتدرب.
وشن نشطاء حملة تضامن مع كفرنبل وإذاعتها ومكتبها الإعلامي. وأنشأوا صفحات على «فايسبوك» للتضامن والدعم. وأشار بعضهم إلى أن «غزوات» داعش في ريف إدلب تشبه ما جرى في الرقة قبل أشهر، الأمر الذي أدى وقتذاك إلى إغلاق نشطاء وجمعيات مدنية وأهلية مكاتبهم والهروب إلى تركيا. وشمل ذالك مثقفين وصحافيين مشهورين.
وأضاف المحامي السليم : «بعد الهجوم والخروقات الأخيرة، بدأ المزاج يتغير لدى الناس في ريف إدلب. كانوا مغشوشين فيهم. وبات التعامل الآن معهم مثل التعامل مع النظام. من الآن فصاعداً، سيكون النقد مباشراً لهم ومن دون مواربة»...
ولم تكن «غزوة» كفرنبل التطور الوحيد في ريف إدلب في الأيام الأخيرة، ذلك أن مجموعة من «داعش» دهمت مستودعاً في بلدة سرمدا القريبة وصادرت وجبات غذائية أجنبية. وقام المقاتلون بإنزال «علم الثورة» ورفع «علم القاعدة» بدلاً منه. وقال نشطاء أن «داعش» اقتحمت أيضاً أمس، مقر محكمة في بلدة منطف في جبل الزاوية. كما أفاد موقع «شبكة أخبار إدلب» أن مقاتلي «داعش» قاموا بـ «تفخيخ وتفجير مقام قبة «ستي رحمة» زوجة النبي أيوب في قرية بلشون في جبل الزاوية»، مشيراً الى ان الأهالي والمزارعين كانوا يستظلون به من المطر والحر...
وكانت «الدولة الإسلامية» خطفت أحمد السعود المقدم المنشق لأكثر من عشرة أيام، قبل إطلاقه على خلفية خروج تظاهرات في معرة النعمان ومناشدات وصلت إلى حد إصدار «المجلس العسكري لمجاهدي معرة النعمان» و «المجلس العسكري الثوري في محافظة حماة» في وسط البلاد بياناً مشتركاً ضد «داعش». لكن العميد أحمد بري لا يزال معتقلاً. وجاء في البيان: «حقنا للدماء وإبعادنا عن شر الفتن وشماتة أعداء الدين نطلب منكم كف يد عناصركم عن استباحة دم وسلاح المجاهدين وبخاصة بعد تهاونكم في التوافق معنا لدرء المفاسد والفتن على رغم المحاولات والحوارات».
وتزامن ذلك مع استمرار حالات الخطف التي يقوم بها ملثمون بحق نشطاء مدنيين وإعلاميين ومسعفين في حلب والرقة في شمال البلاد وشمالها الشرقي، كان بينها اقتحام «داعش» مقر قناة «شذا» المعارضة في حلب. كما أن «جبهة النصرة» طلبت بـ «فكّ أسر الأمير أبو سعد الحضرمي الذي خطِف غدراً قبل ثلاثة أشهر من «داعش» بعدما سلم سلاحه لتنظيم الدولة الإسلامية».
وفشل زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري بحل الخلاف بين زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي و «النصرة» أبو محمد الجولاني. وأكد الشهر الماضي فصل «دولة العراق الإسلامية» عن «النصرة» ما عنى إلغاءه «داعش». لكن ذلك أدى إلى توتر بين الأخيرة و «النصرة» وصراع على النفوذ بين أسلوبي الترهيب والترغيب في البيئات الاجتماعات الحاضنة.
ويُطلق علي الأمين من السويد في مقالته المنشورة في " كلنا شركاء " بتاريخ 29 – 12 – 2013 على كفر نبّل معقل الثورة في جبل الزاوية اسم " منارة الثورة السورية " ، التي تسطو عليها داعش . ويظهر في المقال صورة للإعلامي عبد الله السلوم محمولا على الأكتاف ورافعا علم الثورة . جاء في المقال :
" ... قام تنظم داعش الارهابي بالسطو المسلح على المكتب الاعلامي مدينة كفرنبل و بإختطاف زملائي الثوار الأوائل أعضاء المكتب الاعلامي الذين قادوا الحراك الثوري ضد النظام الارهابي الأحقر في هذا العالم التالية اسماؤهم ... كما قاموا بسرقة و نهب ممتلكات الثورة من مواد راديو فريش و اللافتات التي أوصلت الثورة السورية الى العالم ...
... سوريا بين استبدادين.. استبداد النظام وحلفائه واستبداد داعش ... الاستبداد بات متعدّد الوجوه والأوجه، ولم يعد السوريون يواجهون النظام فقط في ظل استبداد الجماعات الإسلامية المتطرّفة ...
( 3 )
استبداد داعش
جاء في نشرة " العرب " بتاريخ 05/11/2013 ( العدد: 9370، ص 6 ) ما يلي :
" ... في البداية تشكّل الجيش السوري الحر من قبل مجموعة من الضباط والأمنيين المنشقين عن الجيش النظامي وكانت الصورة تسير وفق خطّ «طبيعي» من المواجهات بين النظام والمعارضة، تمكّن خلالها الجيش الحر من السيطرة على بعض المناطق التي كانت خاضعة للنظام.
لكن فجأة دخلت على الخطّ جماعات جديدة وأطراف خارجية قلبت المعادلة وحوّلت الصراع من انتفاضة شعبية ضد النظام الحاكم إلى حرب دامية تداخلت فيها الأطراف والأهداف وتفاقمت فيها النتائج والخسائر؛ ومن أبرز هذه النتائج وأخطرها أن الاستبداد في سوريا انشطر وولّد الصراع أنواعا أخرى من «الاستبدادات» هجينة على المجتمع السوري.
لم يكن السوريون يتوقّعون أن يصل بهم الحال إلى حرب مفتوحة على كل الجبهات وأن تصبح بلاد الشام المعروفة بانفتاحها، على مدار تاريخ الإنسانية، في مواجهة مع أفكار ظلامية تضرب في عمق المجتمع السوري وتهدّد تركيبته وثقافته التعدّدية. من هذه الأخطار كتائب متطرّفة قادمة من الجارة العراق حاملة لواء «الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام».
خضعت معظم المناطق في الشمال السوري، التي خرجت من تحت سيطرة النظام، إلى سيطرة كتائب دولة الشام والعراق الإسلامية المعروفة باسم «داعش».
داعش.. وجه آخر للاستبداد ...
"داعش" الاسم المختصر لـ "دولة العراق والشام الإسلامية"، وهو التنظيم الذي يحمل لواء "القاعدة" إيدلوجيا وعملياتيا في سوريا والعراق. ومؤخرا وافقت الهيئات الشرعية في مدينة الرقة على بيان أصدرته «داعش» من بين بنوده: يمنع خروج المرأة متبرجة ومرتدية الألبسة الضيقة التي تظهر معالم البدن ويجب ارتداء العباية والبرقع .. يمنع التدخين والأركيلة.. تغلق محلات الحلاقة الرجالية ويمنع تقصير الشعر.. يمنع وضع الملابس النسائية على واجهات المحال ويجب أن تكون البائعة أنثى .. تغلق محلات الخياطة النسائية في حال تواجد ذكر في المحل .. تزال كل اللوحات الإعلانية التي تشهر محلات الكوافير النسائية .. يجلد 70 جلدة كل من يتداول كلمة «داعش» .. منع زيارات النساء لأطباء الأمراض النسائية الذكور بقصد المعالجة .. يمنع تمشيط الشعر وفق التسريحات الحديثة ووضع أي شيء عليه بالنسبة إلى الشباب .. تمنع على الرجال السباحة في نهر الفرات إلا ﺑـ اللباس الشرعي ...
الدولة الإسلامية في العراق والشام» أو «داعش»، هو تنظيم تابع للقاعدة ومدرج على ما يسمى بـ»لائحة الإرهاب الدولية»، وكثرت المخاوف خلال الفترة الماضية من تحول الصراع في سوريا إلى صراع داخلي بينه وبين الجيش الحر بالتوازي مع الصراع القائم مع النظام، وذلك مع كثرة الاتهامات من قبل الجيش الحر لـ»داعش» بكثرة الانتهاكات والسعي إلى توسيع نفوذه ... وهكذا، وفي ظل غياب سلطة مدنية منظمة في تلك المناطق، مارست «داعش» وتلك الهيئات دورها الأمني-الاستبدادي، كسلطة مطلقة، ومنحت لنفسها الحق بالتدخل في الأمور الشخصية والعقائدية للناس.
وقد تعدت المهام المنوطة بعهدة معظم الهيئات الشرعية من الاهتمام بشؤون المساجد وتسيير أمور الحياة اليومية للمواطنين، إلى لعب دور أساسيّ في القضاء. وأسست محاكم عسكرية ومدنية للبت في القضايا الخلافية أو القانونية بين الناس، فمثلا، في حلب، تأسست ست محاكم عسكرية، وثلاث محاكم مدنية، لإصدار الأحكام القضائية في أمور الزواج والطلاق والميراث. وقد فتح ذلك الباب واسعا أمام تدخل الهيئة في الأمور الشخصية للناس، ومحاولات فرضها الشريعة الإسلامية بالقوة، عن طريق إصدار الفتاوى، وتجاهلها لقوانين العقوبات المدنية والجزائية السورية. وزاد الأمر سوءا تواطؤ بعض الكتائب الإسلامية المسلّحة وهيئاتها الشرعية مع داعش وهيئاتها الشرعية لفرض أجندة إسلاموية إقصائية على غالبية المناطق المحررة في الشمال بقوة السلاح، ولاسيما في مدينة الرقة.
فقد وافقت الهيئات الشرعية في مدينة الرقة على بيان تنظيم دولة العراق والشام الإسلامية إلى أهالي الرقة، والذي يعيد سوريا التعددية والمتنوعة بإرثها الديني والمذهبي والعرقي إلى لون إقصائيّ واحد لا يمت بصلة إلى إسلامها السمح والعريق والذي أسس أول امبراطورية إسلامية حكمت الشرق والغرب ...
... إلا أن العنف الذي تواجه به «داعش» المظاهرات والناشطين أدى إلى خروج وهروب قسم كبير منهم إلى تركيا خوفا على حياتهم، وإلى سكوت أو خضوع الكثير من الناس، نتيجة للخوف وقلة الحيلة، وفي ظل العوز الاقتصادي والفلتان الأمني، والعجز عن تكوين فضاء مدنيّ مستقلّ.
الصعوبات التي تواجه المعتدلين والقوى ذات التوجه المدني بين الثوار كبيرة، وتتراوح بين الملاحقة والاعتقال والتعرّض للتعذيب إلى التهديد بالقتل والتصفية الجسدية. وفي انتظار ما سيُسفر عنه هذا الحراك الشعبي الطويل المدى والتوصل إلى حلّ سياسيّ يوقف الدم النازف يوميا، تقبع سوريا تحت رحمة طرفين لا يرحمان. إما صواريخ وقذائف النظام وحلفائه، أو سلطة الجماعات الإسلامية المتشددة. وبين هذين الاستبدادين، ما زال صوت السوريين صادحا، هنا وهناك، رافضا الخنوع لأيّ منهما. فرغبة السوريين في التحرر والتخلص من الظلم والاستبداد والقهر السياسي، لا يمكن أن تنتج بديلا سياسيا لا يعترف بحقوق الإنسان بغض النظر عن دينه وعرقه وجنسه. فلا حياة في سوريا في ظل الفكر السلفي التكفيري، ولا حياة لهذا الفكر في سوريا الثورة.
( 4 )
يبرود
مع قيام التحركات الشعبية في آذار1011 شاركت فيها بنشاط كلا من قارة ويبرود ، في حين بقيت المدن والبلدات القلمونية الأخرى هادئة نسبيا .
انطلقت التظاهرات في يبرود من الجامع ومن مجموعات طلابية جامعية وهي تندد بالنظام
وتهتف " واحد واحد الشعب السوري واحد "، ولوحظ اشتراك النساء في المظاهرات . وفي مظاهرات تالية أخذت تظهر الأسلحة في ايدي بعض المتظاهرين . وفي اواخر 2011 وأوائل 2012 ازدادت حدة الصدامات بين المتظاهرين والأمن مما أدى إلى تدخل دبابات الفرقة الثالثة والقيام باٌعتقالات لم تتمكن من الوصول إلى قادة التحرك الأساسيين . ومع الوقت فلت زمام الأمر من أيدي الأمن وبلغ الفلتان الأمني ذروته ، حيث أخذت عصابات المسلحين تقطع طريق الاوتستراد وتقوم بالخظف طلبا للفدية أو مبادلة بالمعتقلين . وفي حزيران 2012 اصبحت يبرود تحت سيطرة الهيئة الشرعية المشرفة على كتيبة الأمن الداخليوهم مسلحين يباردة . ولتغطية نفقات هذه الكتيبة عُقد اجتماع عام تققرقيه جمع الأموال من الأهالي للإنفاق على كتيبة الأمن الداخلي وسواها من النفقات . وهنا اقترح ممثل المسيحيين متعهدا بجمع ثلث المبلغ من المسيحيين رغم أن نسبتهم العددية أقل بكثير ولكنهم قادرون ماليا فهم من أصحاب الحرف الذائعة الصيت . وعند جمع المال انتشرت إشاعة على صفحات الفيسبوك أن المسيحيين يدفعون الجزية للهيئة الشرعية . وهذا غير صحيح ، ولم يمس المسيحيون بأذى ، بل إنهم كان الناشطون منهم مشاركين في التحركات .
والملفت للنظر ان مظاهرات يبرود وعراضاتها واحتجاجاتها ترافقت مع اعمال فنية وثقافية تسترعي الانتباه ، وربما تفوق قيمتها قيمة الابداع الفني في كفر نبّل ، التي أشرنا إليها . والأمر بحاجة إلى دراسة من باحثي المستقبل ، مع الأخذ بعين الإعتبار أن يبرود وكفر نبّل كانتا من معاقل الإخوان المسلمين في خمسينيات القرن العشرين .
مع كثرة عدد النازحين من منطقة حمص اصبح المسلحون الغرباء يشكلون الأكثرية ، وأخذت المشاكل تتفافم والصدام بين المسلحين اليباردة والغرباء يزداد حدة . ونرى ( والأمر بحاجة إلى دراسة من آخرين ) أن سقوط يبرود بيد الجيش بمساندة قوية من حزب الله لم يكن فقط نتيجة معركة حربية لم تدم طويلا بل كان حصيلة مخاض عاشته يبرود المدينة الحرفية التجارية ، التي شاركت في حركة الاحتجاج باسلوب حضاري وحمل شبابها السلاح اصطدمت مع المسلحين الغرباء الأكثر عددا وعتادا ومالا ، وهذا ما يبدو واضحا في الوثائق التالية .
ازدادت شكيمة المسلحين الغرباء ، بعد سيطرة النظام بمعونة حزب الله على منطقة القصير في 5 حزيران 2013 وانسحاب مسلحيها باتجاه يبرود .
ومع تدفق المسلحين والنازحين على يبرود المدينة التجارية الحرفية المحتجة ( الثائرة ) ضد النظام عانت المدينة من تصرف بعض الجماعات المسلحة المتزمتة ، وذاقت الأمرين من خاطفي ابنائها الأثرياء على يد " تجار الحروب "
يبرود ، المدينة المشتهرة بحرفها وتجارتها وعدم هجرة اهلها الى الخليج كالنبك وديرعطية ، وقفت وهي ثائرة ضد ظاهرتين :
الظاهرة الأولى الحد ما أمكن من جنوح وشطط وتجاوزات " الثائرين " في قرى التهريب المجاورة ليبرود ولم تتمكن من ردعهم في خطف البشر طلبا للفدية .
الظاهرة الثانية محاولة كبح جماح التطرف والمظاهر المتزمتة لدى " الكتائب الجهادية " ، التي قَدِمَت إلى القلمون وأصبحت بعد فترة القوة الحاكمة وهي تزعم أنها تطبق " شرع الله "
وننقل فيما يلي بعض البيانات الصادرة في يبرود :
1 - كانت الهيئة الشرعية في يبرود تشرف على كتيبة الامن الداخلي ، التي تتابع كل شيء في المدينة : القبض على المخالفين ومتابعة اسعار السلع التموينية وتوقيف العناصر المسلحة التابعة لكتائب الجيش الحر والطلب من قادتها عدم الدخول الى المدينة بأسلحتهم. وقامت بتخصيص بناء ليكون سجناً لكل من يخالف القوانين ويحكم عليه بالسجن.
2 - استقالة الهيئة الشرعية في يبرود في 9 – 3 - 2013
نحن اعضاء الهيئة الشرعية في يبرود: محمود الاشرم-وليد ياسر-حسان الخطيب-ماجد جمعة
نعلن لاهالي يبرود الكرام اننا عملنا جاهزين خلال الفترة السابقة لملئ الفراغ القضائي وحل المنازعات بين المواطنين وكنا ننجح حينا ونفشل احيانابسبب عدم وجود قوة رادعة تحت تصرفنا ورحم الله من قال (لا رأي لمن لا يطاع)
كما ان الكثير من الامور كانت تجري من خلف ظهورنا وبدون علمنا من قبل اشخاص يعملون لمصالح شخصية ونحن نتحمل وزرها حيث توجه الينا الانتقادات الكثيرة واننا لا نحكم بما انزل الله واننا نحكم على الضعيف ونسكت على القوي وغير ذلك من عبارات.
كما اننا كنا قد اتفقنا مع جميع القائمين على الحراك الثوري في يبرود ان استدعاء اي مواطن للتحقيق معه يجب ان يكون بامر من الهيئة وان تعذيب اي انسان اثناء التحقيق ممنوع منعا باتا وقد تعددت مخالفات هذا القرار رغم تاكيدنا مرات عديدة هذا الشيئ لكن طفح الكيل وبلغ السيل الزبى واتسع الخرق على الواقع
وحرصا منا على امن البلدة واحقاق الحق والعدل وسيادة حكم الشرع والقانون وحتى لا نستمر تحمل ما جرة وما يجري من مخالفات صغير او كبيرة فاننا قررنا الاستقالة من الهيئة لفسح المجال لغيرنا لعله يكون اقدر منا على اقامة الحق والعدل لان الحق الذي لا تسنده القوة يبقى ضعيفا وان القوى التي كانت من المفترض ان تساعدنا كانت سبب في ضعفنا لهذا نقترح انتخاب هيئة جديدةتعطى صلاحيات تمكنها من القيام بعملها وتتعهد لها جميع القوى الموجودة على الارض ان تتقيد بتعليماتها ولو كانت على احد افرادها وذلك للحيلولة دون وقوع نزاعات بين الافراد والعائلات واستتباب الامن والامان في بلدنا.
3 - بيان بتاريخ 2-7-2013
بيان مشترك بين مجاهدي جبهة النصرة وجيش العسرة والكتيبة الخضراء حول عملية إلقاء القبض على بعض عناصر كتيبة الأمن الداخلي في مدينة يبرود .
بسم الله الرحمن الرحيم وبعد : بعد قيام أحد عناصر كتيبة الأمن الداخلي التي يرأسها عبد النبي رومية بالاستهزاء بأحد مجاهدي الكتيبة الخضراء في سوق يبرود الرئيسي . وتعديه على إحدى شعائر الله والاستهانة بها وهي طلبه منه بأن يحلق لحيته عند دخول السوق لأن ذلك يرعب الناس على حد تعبيره وتكلمه بألفاظ دنيئة ,كان لا بد من تلقينه وجماعته درساً في الأخلاق , واحترام المجاهدين الذين قطعوا المسافات لنصرة أهل الشام فكانت العملية كالتالي : بمشاركة من جيش العسرة والكتيبة الخضراء قامت جبهة النصرة في القلمون باقتحام مقر المكحمة الشرعية في مدينة يبرود وكانت مقراً رسمياً لكتيبة الأمن الداخلي التابعة للجيش الحر , وعند اقتحام المقر المذكور تم إحضار خمسة من عناصر هذه الكتيبة مع اسلحتهم وسياراتهم , والأمر ليس كما يظن البعض بأن العملية هي انتقام شخصي للمجموعة بل هو انتقام لانتهاك حرمات الله , كان توقيت العملية الساعة السابعة مساءً يوم الاثنين 1-7-2013 وعند احضار العناصر الخمسة اعترفوا بالخطأ ,ولم يطلق سراحهم الا بعد حضور المدعو عبد النبي رومية قائد الكتيبة الذي قدم استقالته من الكتيبة على اثر الحادثة .. وعند حضوره لمقرات الجبهة تمت محاكمتهم جميعاً وفق الشرع وتم اطلاق سراحهم بعد تعهد من مشايخ يبرود بأن الحادثة لن تتكرر , وأما السيارات التابعة لتلك الكتيبة فهي بحوزة المجاهدين من الجبهة والكتيبة الخضراء وجيش العسرة مع السلاح , ليعلم هؤلاء ومن على شاكلتهم بأن المجاهدين في سوريا هم كما وصفهم الله تعالى أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ولا يخشون في الحق لومة لائم , وهو درس وعبرة لكل من تسول له نفسه الاعتداء على المجاهدين بأننا سنقلب مدينته على رأسه وقد أعذر من أنذر
4 - الهيئة الشرعية و القضائية في يبرود
إن انتصار الثورة السورية هو انتصار للحق والخير في العالم كله.
كتيبة شهداء القلمون وكتائب الفاروق تستنكر الاعتداء على المحكمة اليوم ...
إن عناصر وقيادة الكتيبتين تستنكر الفعل الذي قامت به جبهة النصرة وعناصرها بالاعتداء على الأمن الداخلي في يبرود وتعتبره اعتداء على كل شخص في يبرود.
لذلك ننوه ان هذا الفعل اعتداء على ارضنا وعرضنا وسنواجهه بالسلاح والانفس.
وإن ما فعلته المجموعة الغريبة اليوم خارج عن شرع الله ورسوله وقد اعذر من انذر.
قوى الأمن الداخلي في يبرود
عبد النبي رومية
5 - مشكلة قائمة في المدينة منذ حوالي الساعه الى الآن بين المسلحين الهاربين من حمص حيث قاموا بالتهجم على بعض الاهالي في يبرود مما اضطر لتدخل قوى الامن الداخلي و الجيش الحر في يبرود فلم يستجب المسلحين الهاربين لندائات الثوار بالخروج من يبرود واستخدموا سلاحهم في أطلاق النار وأشهاره في وجه الأهالي وحصلت مشكلة كبيرة وعراك بالايدي وأنتشار الجيش الحر في ييرود لعدم دخول وخروج اي مسلح لاحتواء المشكلة ..
واحد شيوخ الفتنة الهاربين من حمص شيخ الفتنة عبد السلام حرب الملقب عرعور القصير الذي فر هارباً من حمص والتجئ الى ييرود وأصبح يقتحم البيوت والمحلات عنوة عن أهالي المدينة التي فتحت بيوتها لكل السوريين ...
مشكلة جديدة في السوق افتعلتها مجموعة مسلحة من القصير. وتدخلت قيادات من الجيش الحر في القلمون لحلها ... وحدوث اشتباكات عنيفة واطلاق رصاص وقد أغلقت جميع المحال التجارية في السوق والجوامع تنادي الرجاء من جميع الأهالي التزام البيوت حرصا على سلامتهم
حسبنا الله ونعم الوكيل
اتق شر من أحسنت إليه
6 - الهيئة الشرعية و القضائية في يبرود ... في اجتماعها المنعقد في 8 / 1 / 2014 م مع جميع المجموعات والهيئات الثورية في يبرود تم ما يلي :
مبايعة الهيئة الشرعية والقضائية في يبرود على السمع والطاعة في العسر واليسر وعلى أن لايُنازع الأمرُ أهله ... إن الهيئة الشرعية هي المرجع الوحيد لحل قضايا سكن النساء والأطفال الوافدين ضمن حدود الإمكان ... إن الهيئة تحذر جميع المواطنين في البلدة من استدعاء أية مجموعة مسلحة لتتدخل في حل المشكلات وعليها بالرجوع إلى الهيئة ... تذكر الهيئة بأن إراقة دم أي مسلم أعظم عند الله من هدم الكعبة وأنه من قتل دون ماله وعرضه فهو شهيد ... تذكر الهيئة الجميع بأنها قد أصدرت قرارات سابقة بمنع المظاهر المسلحة ضمن البلدة باستثناء كتائب حفظ الأمن وأننا اليوم جادون في تطبيق هذه القرارات بعد أن وضعت المجموعات الجهادية ( غرفة العمليات في يبرود ) وكتيبة الأمن الداخلي وكتيبة حفظ النظام جميع عناصرها تحت إمرة الهيئة الشرعية لتنفيذ قراراتها ... إن جميع البيوت التي فتحت عنوة بغير إذن أصحابها تعتبر بيوتاً مغتصبة ، وإن الهيئة تمهل ساكنيها بإخلائها خلال مدة أقصاها ثلاثة أيام ، وكل من يتمنع عن التنفيذ سيصار إلى إخلائه قسراً .
اهل يبرود يحاولون الحفاظ على سلمية ومدنية حراكهم الثوري, ورغم تأسيس عدد من الكتائب المسلحة الا انه مازال حراكهم يطغوا عليه الطابع السلمي المدني.
( 5(
ديرعطية
1 - عرفت ديرعطية روادا للثقافة منذ الثلث الأول من القرن العشرين . وأعقب هؤلاء جيل ثان مثقف أكثر عددا تلقى تعليمه الثانوي او الجامعي وكوّن الهيكل الأساسي للشباب المثقف ، الذي قام بالتعاون مع من كان حيّا من ابناء الجيل الأول ، بتأسيس رابطة المثقفين في دير عطية عام 1950
تألفت اللجنة التنفيذية لرابطة المثقفين في ديرعطية من : يوسف البطل ( رئيس الجمعية العمومية ) زكي التجار ، عطالله مغامس ، رضا الخطيب ، عبيد البطل ، مصطفى الحاج ابراهيم . إضافة الى مكتب اداري مؤلف من شفيق طرفة ، بشارة نعمة وخالد عبد السلام .
أثناء انعقاد الإجتماع ( الثاني ) السنوي للهيئة العامة في صيف 1951 لانتخاب اللجنة التنفيذية ورئيس الهيئة العامة ، لفت أحد الأعضاء ( مدفوشا من أحد الوجهاء الناقمين على الجمعية )انتباه الحضور إلى مخالفة الهيئة العامة لدستور الجمهورية السورية ، التي تنص إحدى مواده أن " دين رئيسها الإسلام " ، عندما انتخب المسيحي يوسف البطل رئيسا لها . وجرى حوار " هادئ ساخن " بين ذلك العضو وجميع الأعضاء المسلمين في رابطة المثقفين ، الذين لم يوافقوه في الرأي ، وأعلنوا – وفي مقدمتهم رضا الخطيب - أن يوسف البطل هو أكفأ عضو مقيم في ديرعطية مؤهل لرئاسة الرابطة . ، ولا فرق بين مسلم ومسيحي طالما أن هدف الرابطة هو إصلاح البلدة . وقد عكس هذا الموقف الأجواء النهضوية اليعربية المستنيرة السائدة بين مثقفي ديرعطية في خمسينيات القرن العشرين ، ودلّ على زخم الحركة الوطنية العربية في سورية وشعارها " الدين لله والوطن للجميع " .
كان تأسيس رابطة المثقفين في ديرعطية إحدى تجليات المجتمع المدني ، المجتمع الذي يحرك أبناء الوطن جميعا للسير به قدما إلى الأمام بعيدا عن العصبيلت الطائفية والعشائرية والعائلية .
في لقاء جرى بتاريخ 15 - 3 - 1999 مع الاستاذ رضا الخطيب في بيته وكان الحديث يتناول الرابطة ذكر الأستاذ رضا : " أن أبو صلاح ( يوسف البطل ) وأبو عبدو ( عبيد البطل ) رجوه في القبول برئاسة الرابطة ، حتى لا تعبث الأيدي الخفيّة المتضررة من قيام الرابطة وسعيها للإصلاح للقضاء عليها " . وهكذا جرى انتخاب رضا الخطيب رئيسا وبَقِيَ يوسف البطل عضوا في اللجنة التنفيذية . وأضاف الاستاذ رضا مؤكدا ان هدف الجميع من المثقفين كان العمل لإصلاح البلدة ، وهذا سر نجاح الرابطة في خمسينيات القرن العشرين
رحم الله استاذي في الصف الخامس رضا الخطيب ، الذي حببني بالإسلام ، وهو يجمع بين الفكر والعمل بسلوكه وتواضعه وصدقه وصوفيته ، التي تعانق السماء . وما أشاهده هذه الأيام من تصرفات مرعبة لدعاة الإسلام السياسي المتطرف ، يدفعني للمقارنة بين هذا الإسلام ، الذي يدعو اليه المتطرفون المتزمتون وبين إسلام الاستاذ رضا ابن الشيخ الإمام يحيى الخطيب والمتحدر من عائلة كانت ، أيام عزها ، تجمع بين " أمور الدين والدنيا " . ولم يكن الاستاذ رضا متعصبا لعائلته ، بل كان مسلما يتعاطف مع الصالحين من جميع الأديان ، وينظر إلى الجميع نظرة محبة انسانية . وما أحوجنا في هذه الأيام العصيبة إلى مثل هؤلاء المسلمين المتنورين الأتقياء الأنقياء للخلاص من هذا الكابوس ...
2- تقدم ديرعطية عبرتاريخها نموذجا مشرقا للتعايش بين الأكثرية المسلمة والأقلية المسيحية . وقد أرسى الشيخ عبد القادر القصاب في مستهل القرن العشرين دعائم التعايش والدعوة إلى المحبة والوئام . ولم تجد الأفكار الغارقة في بحار التزمت والتحجر والإنغلاق ارضا خصبة في ديرعطية .
بتاريخ 13 – 8 – 1998 ألقى إبن ديرعطية الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي محاضرة في المركز الثقافي بعنوان : " الوحدة الوطنية في المعيار الشرعي " اشار فيها إلى " أن المجتمع السوري تجاوز الظاهرة الطائفية ... وأن العدل والمساواة والحرية أساس المعاملات في كل مجال " .
هذه الأمنية النبيلة في الدعوة إلى الوحدة الوطنية ، التي تحدث عنها الشيخ وهبة عكّرت صفوها الرياح السموم .
فبعد ستة أشهر من قيام التحركات الشعبية في آذار 2011 المطالبة بالحرية والعدالة والمنادية بأن الشعب السوري واحد ، بدأت ترتسم في الأفق ملامح إنزلاق التحركات الشعبية السلمية نحو العسكرة متزامنة بانبعاث الطائفية وتفجُّرها من جديد . وقد أصابت شظايا التفجيرات هذه ديرعطية . فقد شنّ مسلحو داعش في 20 - 11 – 2013 هجوما مفاجئا على ديرعطية الهادئة نسبيا واستولوا عليها . وأول عمل قام به هؤلاء المسلحون الغرباء الهجوم على كنيسة ديرعطية وتخريب مقدساتها . وفي اليوم الثاني أعلنوا عن رغبتهم في تفجير الكنيسة ، فثناهم المسلمون المجاورون للكنيسة عن هذه الرغبة بحجة أن تفجير الكنيسة سيؤدي إلى تفحير بيوت المسلمين المجاورة . ولم يكن أمام مسلمي ديرعطية المسالمين من وسيلة لردع هؤلاء البرابرة إلا حجة تفجير بيوت المسلمين . وفي الوقت نفسه قام مسلحو داعش بمهاجمة بيت وجيه المسيحيين غسان عجلوني وشرعوا في النهب وتخريب ما يجدونه في طريقهم . فتصدت لهم زوجته نبيهة وخفّت لمساعدتها جارتها المسلمة أم حسام ...
دبّ الخوف في قلوب المسيحيين وأخذوا يشدون الرحال للنزوح . ولم يكن مستغربا تعاطف المسلمين مع المسيحيين الخائفين من القتل . فجرى مبيت كثير من الأسر المسيحية في بيوت أصدقائهم من المسلمين . ذكر لي أحد المسيحيين أنه كان يسير مع اسرته في الشارع المؤدي إلى قرية الحميرة فكلمه أحد المسلمين الواقف أمام بيته مطمئنا إياه بعبارة " لا تخافوا اللي بيصير علينا بيصير عليكم " . وكانت هذه مشاعر جميع مسلمي ديرعطية . وكثيرا ما قام مالكوا السيارات المسلمين بنقل المسيحيين سرا بعيدا عن أعين مسلحي داعش .
وعندما لمس مسلحو داعش استياء المسلمين من تصرفاتهم إزاء المسيحيين كتبوا بيانا لإذاعته من المآذن دعوا فيه المسيحيين إلى عدم الهرب ، قائلين لهم حرفيا : " انتم إخوتنا بالله " .
ومع اشتداد القصف المتبادل بين المسلحين ووحدات الجيش المتمركزة في الأطراف الشمالية من أراضي ديرعطية شرعت أعداد كبيرة من المسلمين بالهرب إلى الحميرة أو طرطوس . وقد طال القصف العشوائي المتبادل عددا من المنازل ، وكان من " نصيب " بيت كاتب هذه الأسطر سقوط صاروخ في الحديقة المجاورة للمنزل مما أدى إلى تهشيم النوافذ .
3 – مع تقدم الجيش انسحب مسلحو داعش دون مقاومة وبسط الجيش سيطرته على ديرعطية في يوم الجمعة 30112013 ، بعد أن كانت طائراته قذفت مواقع داعش ، ولكنها الحقت ضررا بالبيوت والمدنيين . وكلفت غزوة داعش والقتال الذي صاحبها عددا من القتلى قارب المئة .
كانت تساند الجيش مع تقدمه وفي اعقابه قوتان : عناصر حزب الله ، التي كانت منضبطة ولم تقم بالسلب والنهب ، بعكس قوى الدفاع الوطني االسورية المؤلفة من حثالات المجتمع وهدفها السلب والنهب . وقد ذاقت ديرعطية الأمرين من هذه القوى المنفلتة من عقالها ، والتي نهبت البيوت الفارغة والمنطقة الصناعية ، ولم تكن لعناصر الجيش المنضبط سيطرة عليها .
( 6 )
النبك
بعد ديرعطية تقدم الجيش شمالا باتجاه النبك ، وكانت قوتان من المسلحين تتأهب للوقوف أمام تقدم الجيش : قوة مسلحي النبك ، التي كان هاجسها تجنب ضربات المدفعية والطيران وتدمير البيوت ، وقوة المسلحين الغرباء وهدفهم الإحتماء بالمدنيين ولا يهمهم خراب بيوت النبك . وجرت نقاشات حامية بين الفريقين ، ومع اشتداد القصف المدفعي والطيران وسقوط اعداد كبيرة من الضحايا في صفوف المدنيين النباكنة وتهدم عدد من المنازل اضطر المسلحون الغرباء تحت ضغط القصف وتهديد مسلحي النبك إلى الإنسحاب منها .
وفيما يلي توضيح لماجرى في النبك على لسان قائد ميداني ( من المسلحين الغرباء ننقلها حرفيا مع الحفاظ على الأخطاء اللغوية كما كتبها القائد الميداني ) :
" لما تازم الوضع بالنبك ذهبت مع ١٠٠ مجاهد .اجتمعت بالنبك مع كتائب النبك المتمثلة بكتيبه النور والقدموس والاقصى
وبأمير النبك صاحب استراحة طيبه المعروف باسم ابو نزيه اللوز وبرئيس المجلس العسكري فيها ابو محمود بكار
كان الاستقبال رائع واحسست ان النبك سوف تقصم ظهر النظام
لكن ماحصل تباعا ان امير النبك ورئيس المحكمة الشرعيه فيها رفضو رفضا قاطعا اي عمل عسكري بالنبك علما ان النظام من بدأ الهجوم وليس المجاهدين
واتجه امير النبك وكتائب النبك نحو الهدنه وكان كلامهم دائما انتم غرباء القرار لاهل البلد
طبعا كان هناك وجود لدولة الشام والعراق وجبهة النصرة ولواء الاسلام والمغاوير وكتائب النبك بالاضافة للواء الحق
وكانت القوة الضاربة هي لواء الحق ولواء الاسلام من حيث العدد والعتاد
وبحكم اننا غرباء كان القرار لمجلس النبك و لكتائبها
منعنا من اطلاق النار وحصلت مشادات قاسية واعلن عن هدنة مدتها ٢٤ ساعه
وهددت الكتائب الغريبه في حال خرق الهدنه سيتم اخراجها من النبك وتتحمل مسؤوليه كل قطرة دم لشخص مدني يقتل بالقصف
استجبنا لطلبهم ولم نقم باي حركة
كان الجيش امامنا والله لا يبعد اكثر من ٧٠٠ متر
وانا مسؤول عن كلامي ويؤكد صحته قائد الكتيبه الخضراء عمر سيف و قائد لواء الاسلام بالنبك ابو عبد الرحمن الدخيل و قائد المجلس العسكري للنبك ابو محمود بكار ومنعنا من اطلاق النار على الجيش الذي قام بنصب مدفع امام اعيننا وراجمة صواريخ واتت الجرافات واقامت السواتر واحضرو ٤ دبابات. وباتت كلها بما يعرف بالسقي في النبك بين النبك ودير عطيه على تلة المشفى
كل هذا لا يبعد عننا اكثر من ٧٠٠ متر يعني اي سلاح خفيف او رشاش ثقيل كان قادر على قتل واصابه كل العساكر ومنعهم من تثبيت اينقطه
و كما ورد في الهدنه التي اقرها امير النبك ابو نزيه الحوز مع الجيش انه سيتم فتح الاستراد ووضع نقطه في الشريط وحي الفتاح و السقي ويتوقف تقدم الجيش وتعود حياة طبيعيه للنبك والذي حصل مغاير تماما
صباح اليوم التالي للهدنه بدأ الجيش بعمليه واسعه شرسة جدا لكن شبابنا ابت ان تتراجع وسقط عدد من الشهداء والجرحى عمت كافة الكتائب وخاصة كتيبة النور في النبك و المغاوير ولواء الاسلام وكان عملاء النظام من المدنين في النبك يحددون اماكن مرابطتنا ونقاطنا على اللاسلكي وكنا نستمع الى ترددات اجهزة الجيش وكان الضابط يقول للعناصر تقدموا عالبناية البيضة ورفض العساكر بحجة وجود مسلحين في البناية فقال لهم الضابط ( لا المدنين خبروني انها فاضيه تقدمو والمسلحين بالبناية اللي جنبكن التفو عليهن)
هذا كان سبب من اسباب النفور ورغم هذا بقينا وقامومنا على امل ان تتحرك كتائب يبرود وتقوم بفتح طريق بيننا وبينهم لكن للاسف كل ثوار يبرود وثوار حمص الموجودين في يبرود لم يكونو جادين بالعمل ولم يقومو بضرب اي حاجز او قطعه ويقوم بفتح طريق علما الاماكانيات ضخمة جدا
رغم كل ذلك استمرت ضغوط اهل النبك علينا لوقف التصدي للجيش لانهم مقتنعين اذا هادنو النظام سيقوم بوقف القصف
في هذه الاثناء حصار الجيش علينا بدأ يخنقنا وما حصل صار ان رجع ابو نزيه الحوز افتعل هدنه جديده تقضي بخروج المسلحين الغرباء من النبك باتجاه الشرق ووضع نقاط داخل النبك للجيش وانتهاء الحملة
طبعا المقاتلين من خارج النبك رفضت حتى ان بعض اهل المدنية كرهونا ماعاد باعونا اكل وخبز وشتائم علينا من النساء قبل الرجال ورغم ذلك اكملنا القتال لحد ما تقدم الجيش بقوة كبيرة وقصف شديد وبهذا اليوم استشهد قائد مجموعه معي مع ٤ شباب خلال ساعه واحدة من شدة المعركة وأصيب ٥
اثناء ذهاب المجاهدين للمقبرة لحفر قبور لهم تفاجئو برتل يضم لواء الاسلام و الجبهة والدولة والكتيبة الخضراء منسحبين من النبك والسبب تم طردهم من النبك من اجل هدنة من قبل امير النبك وكتائب النبك
دفنت الشهداء وكلمني المشفى الميداني واخبروني انه سيتم غلق المشفى وتهريب عناصره شمالا وطلبو من استلام الجرحى من المشفى ونقلهم الى يبرود او الى الشمال
وهذا ما حصل استلمت الجرحى وكانت سياراتنا كلها تدمرت بالقصف
وكان باقي معي ٥٥ مقاتل فاحضرنا سيارات لمدنين من النبك وحملت الجرحى و شهيد لم استطع دفنه من شدة القصف ولحقت الرتل الذي انسحب شرقا وبعد ساعتين انسحب لواء المغاوير كذلك
ولم يبقى في النبك سوى كتائب النبك وهم لا يتجاوزون 150 مقاتل
بمنتصف الطريق دفنت الشهيد وجريح استشهد عالطريق
و لما خرجنا الجيش اوقف زحفه واستمر القصف وقام بتثبيت نقاط داخل النبك وهذه النقاط من قامت وتقوم بالمذابح والقصف
هكذا اراد القائمين على النبك
زحف الجيش و تقدم بمجرد خروجنا الاستراد الان مقطوع من ريما من جهة يبرود وليس من النبك
والله على ما اقول شهيد "
( 7 )
معلولا
من الثورة الوطنية لعام 1925
إلى " الثورة "
بعد انزلاق التحركات الشعبية نحو العسكرة خريف 2011
1 - ذكر منير الريّس في كتابه عن الثورة السورية لعام 1925 أن خلف النعير شيخ بدو الصفا حلّ في الغوطة وشرع باسم الثورة يسرق وينهب فطرده ثوار الغوطة . اتجه النعير إلى القلمون وجمع بعض الطامعين في الغنائم لمهاجمة معلولا ونهبها . وكانت معلولا " محاصِرة " تمنع من يريد نهبها . وقد تمكن المسلحون في معلولا من ردّ خلف النعير وقتل بعض المهاجمين على أبواب معلولا . أدان الريّس وهو من المشاركين في الثورة هذا الهجوم ، الذي لا يخدم أهداف الثورة الوطنية . كما أدان الهجوم سلطان باشا الأطرش في مذكراته نافيا مشاركة الدروز فيه . وتشير وثائق الثورة السورية إلى الإستياء العظيم من مهاجمة معلولا .
2 - تكشف الرواية الشفوية التي جمعها كاتب هذه الأسطر ما يلي : حلّ خلف النعير مع ثواره الراغبين في النهب ضيوفا على مختار عين التينة القرية المجاورة لمعلولا ، وأخذوا يتداولون في خطة الهجوم على معلولا في فجر اليوم التالي . أحد شباب عين التينة ، الذي سمع حديثهم نهض سرا وذهب في الليل إلى معلولا وأخبر مسلحيها بزمن الهجوم وخطته . ولهذا بُوغِت المهاجمون وسقط منه عدد من القتلى ولاذوا بالفرار .
في ذلك الزمن وحتى ثمانينيات القرن العشرين كان عدد كبير من مسلمي القرى المجاورة يقدم النذور لدير معلولا وله في نفوسهم منزلة خاصة .
3 - ومع انتشارأفكار الإسلام السياسي المتزمت والمتحجر ، الذي يرى في الأضرحة الإسلامية والمزارات الإسلامية والمسيحية ضربا من الشرك ، أخذت الرهبة الراسخة في أجيال ما قبل الربع الأخير من القرن العشرين حول دير مار تقلا بالتلاشي . وهذا مما سهّل على المسلحين الغرباء المبادرة باجتياح معلولا المسالمة ونهبها ، وخرق حرمة دير مار تقلا ذي السمعة العالمية ، وأخذ الراهبات اللواتي لا يعرفْنَ إلا القليل عن الأحداث الجارية رهائن ...
4 - والسؤال المطروح اليوم هو التالي : لماذا لم تستطع القوى الخيّرة في القرى المجاورة لمعلولا من منع أو على الأقل إقناع الكتائب الجهادية من دخول معلولا ؟ .. لماذا استبيح الدير ، وشُوهت معالمه على يد " الثوار " ؟ لماذا قام الثوار بالتخريب المتعمد لعدد كبير من بيوت أهالي معلولا المسيحيين ؟ ..
مسلمو ديرعطية تعاطفوا مع مسيحيها أثناء غزوة داعش . مسلمو يبرود المتصفة ثورتهم بالسلمية تعاونوا مع مسيحيها ، الذين ساندوا الثورة ز وعندما حاول بعض المسلحين الغرباء الإعتداء على الكنيسة حرسها ودافع عنها ثوار يبرود المسلمين .
هاتان الظاهرتان جرى عكسهما في معلولا ، حيث كان عدد من مسلميها فرحا ابما يجري . وهذا الأمر بحاجة إلى دراسة ميدانية لم تكتمل . مع الإشارة إلى أن مسلمي عين التينة آووا قسما من المسيحيين الهاربين .
ولا بدّ هنا من دراسة موقف بعض رجال الدين المسيحيين و " خوفهم " من التحركات الشعبية ، وبخاصة بعد انزلاقها نحو العسكرة واتخاذها لونا مذهبيا ,