التدخل الروسى فى سوريا ليس سيئا


حمدى السعيد سالم
2015 / 10 / 18 - 09:04     



مما لاشك فيه أن المشهد الاستراتيجي في الشرق الأوسط تغير جذريًا بالتدخل الروسي المباشر في الأزمة السورية....
التدخل الروسى جاء نتيجة للتردد الامريكى حيال قضايا الاستقرار في المنطقة....
هذا التردد ليس تردد دولة فقط بقدر ماهو تردد رئيس لا يؤمن باستخدام القوة العسكرية كأداة دبلوماسية فعالة ولا حتى التهديد باستخدامها.....
على الناحية الاخرى التدخل الروسى جاء ايضا نتيجة حالة ضعف أوروبية غير مسبوقة...
الروس ببراعة يحسدون عليها اختبروا الامريكان والأوروبيين في أوكرانيا فشجعتهم النتائج على اختبارهم في الشرق الأوسط....
اقليميا هناك رغبة إيرانية عارمة في التوسع والتمدد لفرض نفوذها إقليميًا...
هذه المحددات المقلقة تضع العبء الأكبر في تحقيق استقرار نسبي على العرب وحدهم...
هذا الوضع العثر يفرض على العرب أحكام الضرورة من أجل إعادة ترتيب أولوياتهم من حيث التحالفات الكبرى أو الاعتماد على النفس في تغيير ملامح المشهد الاستراتيجي الإقليمي....
هناك حالة انهيار عام تحكم المشهد العربى برمته وتلك هى المشكلة !!!
المشكلة في المواقف الضبابية لكثير من الدول العربية التى تتشابه بالموقف الامريكى تجاه الكثير من القضايا التى ينتقضونها على الامريكان !!...
هناك دول عربية لا تعرف هي مع من في سوريا؟ .....
قد تعرف أنها ضد بشار الأسد ولكن مع من؟ ....
في اليمن استطاع التحالف الخليجي والعربي أن يكون مع الرئيس عبد ربه منصور هادي، ورغم ضعف موقف هادي من حيث الدعم على الأرض، فإن وضوح الرؤية عند التحالف خلق واقعًا جديدًا في اليمن.... غياب هذه الرؤية في سوريا هو الذي أطال أمد الأزمة السورية .....
على النقيض تماما الموقف الروسى من سوريا واضح تمامًا ....
فالروس يعرفون هم مع من وضد من؟...
ولهم أسبابهم ورؤيتهم الأوسع في هذا التدخل !!!...
ومن الاسباب التى تجعل التدخل الروسى حتميا :
1- مقايضة الغرب بأوكرانيا مقابل سوريا....
2- تثبيت أقدام روسيا في شرق أوسط يعاد تشكيله بعد أن انتهت صلاحية تقسيمة سايكس - بيكو، بمعنى دخول روسيا على مشهد رسم خرائط المنطقة.....
3- هناك قوى في روسيا تذكر بوتين دائمًا بأن الروس فقدوا العراق وليبيا من قبل واليوم يرونها فرصة سانحة لاستعادة نفوذهم في العراق وسوريا معا في ضربة واحدة....
من وجهة نظرى كمحلل سياسى واستراتيجى أن التدخل الروسي المباشر لم يكن مخططًا ومرتبًا بقدر ما أغراهم وشدهم الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة، وبالتبعية أوروبا، من انسحاب من المشهد واكتفاء بالدور الإنساني والنظر إلى أزمة سوريا على أنها أزمة لاجئين لا أزمة سياسية ذات أبعاد استراتيجية خطيرة....
علما الاستغراب والاستعجاب من التدخل الروسي في سوريا، رغم أن الروس هم آخر من تدخل....
كل الدول تدخلت فى المشهد الروسى امريكا تدخلت وكذلك تركيا وفرنسا حتى الجماعات المتطرفة المدعومة سعوديا تدخلت لكن الروس جاءوا متأخرين جدا فهناك اتفاقيات دفاع مشترك مع سوريا وهم أيضًا الكفيل الدولي للنظام السوري....
الامريكان لسعتهم شربة العراق لذلك ينفخون فى زبادى سوريا !!!
التدخل الروسي في الشرق يحقق توازنا ما، ويملأ فراغًا استراتيجيًا يتردد الكثيرون في الاضطلاع بأعبائه لكنه أيضًا تدخل محفوف بالمخاطر....
رغم التنسيق بين وزارة الدفاع الروسية والبنتاغون فيما يخص الطلعات الجوية فوق سوريا....
فإن خطأ كارثيًا قد يحدث ويضعنا مباشرة أمام أزمة أمريكية روسية ساحتها الشرق الأوسط، كما حدث فى أزمة خليج الخنازير الكوبية .....
من وجهة نظرى أيًّا كان الأمر، فالتدخل الروسي يخلق واقعًا جديدًا في سوريا من خلال شريك في الحل يجلس على الطاولة لتحديد ملامح انسحاب قواته من سوريا بشروط تعكس التفوق الميداني ....
هذا التدخل الروسى سيسرع من جدية الحل في الأزمة السورية ويعيدها إلى مكانها الطبيعي كأزمة سياسية بعد أن أصبحت تدريجيا أزمة لاجئين وأزمة إنسانية !!!..
كما سيرسم ملامح خريطة جديدة لكل من روسيا وأمريكا تحدد نفوذ كلا منهما وسيكون الروس هم الطرف الأقوى لأن الامريكان باتوا يخرجون تدريجيا من المنطقة بشكل استراتيجي رغم هذا التمدد الروسي.....
مع الوضع فى الحسبان أن أمريكا اليوم تخسر أمام روسيا في أوكرانيا ولا يجب أن تخسر في الشرق الأوسط....
لذلك قلت ليس بالضرورة أن يكون التدخل الروسي كله سيئًا !!!...
حمدى السعيد سالم
صحافى ومحلل سياسى واستراتيجى