مثليي الجنس أو ال (كور-غارٌو(


قاسم علي فنجان
2015 / 10 / 4 - 22:40     

قد يكون الحديث عن موضوع كالجنسية المثلية ليس في أوانه وذلك من جانبان الأول: أن المجتمع العراقي يعيش أسوا حالاته فأوضاعه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تتجه من سيء إلى أسوا، والمجهول هو السمة الغالبة لأي تحليل قد يتناول هذا المجتمع, وطبعا هذه هي حال البلدان التي تخضع لحكم قوى دينية, الجانب الثاني هو نتيجة طبيعية لما قلناه في الجانب الأول إي أن ألازمات الاقتصادية تؤدي إلى تخلف المجتمع وتراجعه عن الحريات التي اكتسبها عبر تاريخ من الصراع الطويل, فالقوى الدينية التي تحكم اليوم أتت نتيجة أزمات مر بها المجتمع وإذا ما اكتملت سيطرتها وأصبحت "دولة"، فأنها ستحرمه من ابسط حقوقه وهو ما يحصل في العراق الذي كان يتمتع في يوم ما ببعض من تلك الحريات, من هذان الجانبان نستطيع أن نستنتج إن موضوع المثلية صعب في مجتمع يحرم فيه العمال من ابسط إشكال التنظيم النقابي, مجتمع تخلف فيه الواقع التربوي والعلمي إلى حد بائس جدا, مجتمع لا يوجد فيه للمرأة إي دور بل أنها فقدت فيه أو تكاد أن تفقد كل حقوقها, تم تحريمها بالكامل شكلها, صورتها, صوتها, حتى أسمها لا يمكن ذكره في حياتها أو مماتها, فحين تموت تكتب لافتة (عقيلة السيد فلان أو كريمة السيد فلان)..
من هنا سنجد صعوبة في إيصال طرحنا عن مثليي الجنس ثم في تقبل هذه الأفكار, لكننا برغم ذلك سنجازف بالكتابة عن هذا الموضوع ونلامس قدر الإمكان بعض جوانبه.. (مخ امرأة في جسم رجل) تلك هي الصورة المرسومة في أذهان الناس عن مثليي الجنس, صورة فجة كما يقول فرويد عنها, فالواقع العلمي والتشريحي لا يؤيد ولا يؤكد مثل هكذا رؤى أو منطق, فجسم الإنسان ودماغه واحد ذكرا كان أم أنثى, لكن العادات والتقاليد والقيم وحتى اللغة التي نشأنا عليها كلها توحي بأن المرأة موضوع جنسي للرجل لا غير, فالذي يأخذ مكانها -الجنسي طبعا- تصب عليه اللعنات، (يجب ملاحظة أن الناس لديها تصور أن مثليي الجنس هم فقط من الرجال وهو الشكل المعيب لديهم وهو ما سنبني عليه فكرتنا).. وبما أن النظام الاجتماعي في العالم كله يعمل ليل نهار لإبقاء هذه الرؤى وهذه التصورات والأفكار الذكورية بإنتاجه لرمزيات تأبد هذا الواقع, فمخ المرأة قاصر وناقص وهي بالتالي وعاء للجنس فقط, وجسد الرجل هو القوة والحياة, فلا يمكن بهذا المنطق أن يقبل إنسان ما -رجل- أن يكون بوضع المرأة -وعاء جنس-لأن النظام الاجتماعي يؤكد وبمفاهيم ذكوريه يريد تأبيدها على أن العائلة تتكون من زوج وزوجه وأطفال, وهو "الوضع الطبيعي" كما يقول لنا النظام نفسه وما نراه من الصور التي يحملها معارضي المثلية في روسيا, بل أن بابا كنيسة الفاتيكان الذي اعترف بنظرية الانفجار الكبير واعترف بنظرية دارون, دائما ما نجده يؤكد ويدعو بكل قوه للمحافظة على وجود العائلة وبقائها, لأنه يدرك أن الشكل القادم لنظم القرابة والعائلة لا يمت بأي صلة لنظمهم أو أديانهم أو تشريعاتهم, الشكل القادم والأتي بقوة -نلاحظ هذه القوة في أوروبا- هو الذي سيكون البديل عن شكل العائلة الموجود الآن مع ما يجر من تغيرات عنيفة داخل المجتمع.
إن خوف المجتمع -أو القائمين عليه بشكل خاص- من هذا التقارب ليس بسبب الفعل الجنسي بين أثنين من الجنس نفسه فهذه حجة تسرب إلى المجتمع القائم فهمه على هيمنة الذكر الجنسية, هيمنته كذات فاعلة, والمرأة كموضوع خاضع منفعل, من هنا يأتي استنكار المجتمع لهذه الممارسة, لكن القوى المسيطرة على المجتمع تدرك أن هذا ليس مجرد فعل جنسي لأن الفعل الجنسي لا يناله التحريم لأنه فعل جنسي -فأعضاء المرأة الجنسية كلها مباحة للرجل في تشريعاتهم- لكن يناله التحريم والاستنكار والصد لأنه يرمز لواقع جديد ومظهر جديد للحياة يفقد فيه الرجل بالذات هيمنته الجنسية, واقع يهدد وقد يقوض النظام القديم كله..
يتحدث الانثربولوجيون عن التغيرات الكبرى في بنية العائلة عند الشعوب البدائية وكيف أن الانتقال من النظام الأمومي إلى النظام الأبوي, أو الانتقال من الزواج الداخلي إلى الزواج الخارجي, أو من تعددية الزوجات إلى الزواج الأحادي قد جاء بصراع كبير وأحدث هزات عنيفة داخل المجتمع, فأي تغيير في نمط الحياة القائم يجابه برد فعل قوي من القوى القائمة وهو ما نراه يحدث في العراق ضد مثليي الجنس من قتل بأبشع الصور, بل إن بعض الدول العربية -اليمن- قد شرعت قانونا بإعدام مثليي الجنس, وأعطت هذه التشريعات والقوانين الصفات الواجب توفرها في من يريد تولي مناصب عليا في الدولة -في كل الدول العربية- هي أن لا يكون لديه جنحه مخلة بالشرف في أشارة قوية إلى المحافظة على الفهم الذكوري الجنسي, مع إن السيد فيستر فيله وزير خارجية ألمانيا الأسبق كان من مثليي الجنس ولم تسجل عليه إي شائبة فساد أو قد اخطأ بعمله, أن هذه القوانين والتشريعات والممارسات العنيفة تجاه مثليي الجنس أدت إلى فصلهم عن بقية المجتمع وجعلتهم جماعه منعزلة وذات طابع خاص..
ماركس في أحد تعاريفه للشيوعية قال (أنها المطالبة بحياة الإنسان الواقعية على أنها ملكه الخاص)، لقد أصبح الإنسان ملك لنظام اجتماعي معين والمطالبة بإزالة هذا التملك للغير من قوانين وتشريعات وتقاليد وقيم وأعراف ونظم اقتصادية والانفصال عن هذا التملك والمطالبة بأن تكون حياة الإنسان لها وجودها الخاص بها هو ما يجب أن يحدث.
أن المثلية الجنسية كما يقول لنا الانثربولوجيين موجودة داخل المجتمعات على مر التاريخ وقد تكون في بعض الأحيان ملبية لرغبات الملك أو حاشيته كما وجد ذلك عند السومريين في حدود عام 2400 قبل عصرنا هذا, فكان يطلق على الفتية الذين يمارسون المثلية الجنسية مفردة ألـ (كور-غارٌو) أي المسلي المنحرف الملبس (في الوقت الحاضر جرت عمليات قتل كثيرة لشباب زيهم أو قصة شعرهم استفزت البعض)، وهي المهنة المقابلة لمهنة إلـ (كار-كيد) إي الأنثى المسلية, وعند الشعوب البدائية كانت القبائل تجد مخرجا للشباب في سن الزواج, إي أنها تشرعن المثلية, ويخبرنا الانثربولوجي الفرنسي شتراوس عن قبيلة النامبيكورا والتي يعتقد إن عمرها ما بين 40-30 إلف عام فيقول: (الرئيس لدى النامبيكورا يسحب كل الفتيات أو اغلبهن ما يسبب اختلالا بين عدد الفتيان والفتيات الذين هم في سن الزواج, والشباب هم الضحية الرئيسية لهذا الوضع, لكن هذه القبيلة تحل هذه المشكلة بطريقة الجنسية المثلية والتي يسمونها بأسلوب شاعري (تامنديج كيها نديج) أي الحب الكاذب, ويسمح فقط للمراهقين من أبناء العمة أو الخالة إي بين الذين يكون احدهم مهيئا للزواج بأخت الأخر بالتالي يقوم الأخ بدور البديل مؤقتا.