نقض لاطروحة الأستاذ عصام الخفاجي في حواره في الحوار المتمدن


عذري مازغ
2015 / 10 / 3 - 22:51     

لا أحب النقد لسبب بسيط، أقصد لا أحب ممارسته، نشوة الإنتصار فيه تسقط في هفوات قاتلة، مع ذلك، حين تثيرك أمور ما تستفز وضعك الذي ربما، بغريزة ما، غريزة حفظ النوع كما يقول نيتشة، لا تحب أن تهجره، مع ذلك، وفي سياق الصراع بين غريزة حفظ النوع والتحول إلى نوع آخر، أحيانا لا أجد وصفا دقيقا للأمر إلا في رواية لوكيوس أبوليوس: “الحمار الذهبي" أو "التحولات" مع اختلاف كبير في الفهم بين عالم تسيطر فيه الإمبراطورية الرومانية أو اليونانية وعالم تسيطر فيه الإمبراطورية الرأسمالية، لوكيوس مارس هذا التحول في سياق معادلة اللقف والتلاقف بين مستويين ثقافيين سيعيد فيه الإعتبار لثقافته بشكل حميمي: "أفروديت، أليسيا، ديانا...إلخ لسن إلا تجليات إزيس إلهة الجمال بشمال إفريقيا ومصر الفرعونية بالتحديد"، جميل جدا أن في يسارنا أيضا من ذهب إلى أن اول ثورة اشتراكية في العالم كانت ثورة الزنوج على الدولة العباسية، والحقية، الرائع في الأمر، أنه ينبع من حضور نرجسي مبهج ينتصر للحياة ضدا على العدمية، وهو شيء يشحن تماما تلك العلاقة اللوكيوسية بين المثاقفة والملاقفة، إنه تميز غريزي انتصارا للذات، الأنا الفردية وحتى الجمعية. لا أدري هل علاقتنا بماركس تمشي في هذا السياق؟ شخصيا أنطر لليسار العربي الماركسي (لا أريد هنا أن يلتبس علينا اليسار بوجود يسارات أخرى: اليسار عندي هو من ينتصر لتحرير موارده ويسخرها في صالح مواطنيه، يسار الخوصصة، يسار الإستثمارات الأجنبية، اليسار العلماني بدون هوية اجتماعية حتى لا أقول طبقية بشكل يجرح النفوس الحرة،اليسار المتدين بميل كوني للخضوع للقوى الغاشمة ليس يسارا عندي في شيء)أنظر لهذا اليسار أنه لم ينتج تجربة يمكن على إثرها محاكمته، أقصد تجربة سياسية، ثورة معينة ناجحة، كل ما انتجه يسارنا هو تجربة مناضلين ضحوا عمليا، معدمون (من الإعدام)، سجناء، مختفون، بشكل عام يسار نجح في خلق آيات من التضحية وسط شعوب لم تستيقظ بعد وتعي أن مواردها الطبيعية والبشرية تستغل بشكل فظيع.. في الاخير نحن جيل استيقظ على خرافات التوازنات الدولية، شيء مبهم نراعيه في كل تقييماتنا السياسية، جيل مهيمن عليه بثقافة الأمر الواقع، ثقافة الإكراهات التي، الأحزاب الشيوعية عندنا، هي أيضا تتقن أبجديتها.. هذا ما ورثناه من جيل أمثال عصام الخفاجي، جيل هم بكل حق أساتذة في مادة التاريخ حول : لينين، ستالين، ماو، خروتشوف، وغيرهم من أساتذة دار موسكو، جيد جدا ان نفهم أيضا أن كل هؤلاء "تحولوا" إلى حمار ذهبي أمريكي مع سقوط جدار برلين وأصبحت بين عشية وضحاها، أصبحت الراسمالية ثورية، والحقيقة أنها ثورية بالفعل، فهي تخضع الشعوب بالقوة، حتى الآن لم أفهم كيف فهم الدكتور عصام الخفاجي استعمال سلاح اليورانيوم في العراق وهو يدلي بمهمة جديدة لليسار حول البيئة؟
لم أفهم جيدا حوار السيد عصام الخفاجي، شخصيا يبدو لي من الحوارات العابرة للقرات، حوار عولمي بمعنى ما، لكن في كل هذا العبور القاري لم ينبس ولو بشفتة حول أمريكا اللاتينية، بشكل تبدو الحديقة الخلفية للولايات المتحدة محرجة جدا في التحليل، لا أنتقد اليسار عند شعوبنا لانه ببساطة لم يخلق تجربة عليها يمكن أن نصدر احكاما بخلفيات معينة، نحن الشعوب الوحيدة التي حسمت الموقف تجاه مفكرينا الجيدين من امثال المهدي بن بركة، عمر بن جلون، مهدي عامل وحسين مروة وشهدي عطية الشافعي وسمير قاسم وآخرون، قوانا تغتالهم بخفاء أو تقتلهم في محاكمات صورية وتسجنهم في أحسن الأحوال ويبقى لنا هذا الرصيد من المتثورين على الثقافة العربية الإسلامية أمثال أدونيس، أخيرا، حيث يثور على ثقافة هو واحد من اهم منتجيها، هل نصدق الآن نقد عصام الخفاجي لليسار، حتى المعطيات التي خلص إليها بدعوته إلى يسار جديد لا تتناسب مع مجمل تحليله، اليسار الجديد في أوربا هو يسار ماركسي بكل تأكيد، بقراءة جديدة تأخذ مجمل التحولات في البنية الإقتصادية، هو يسار يطرح من جديد فهما آخر للتحرر هو نفسه الفهم عند حركة التحرر الوطني بشكل متفاوت فقط، إن الطبقة العاملة التي ترسخت عند العرب بشكل ميكانيكي هي الطبقة العاملة العضلية، الآن بفضل التحول التكنولوجي الطبقة العاملة أصبحت فنية بالتعبير الماركسي نفسه: البروليتاري عند ماركس هو من لا يملك سوى قوة عمله ليبيعها كانت هذه القوة عملا فنيا أو عملا جسديا، الموظفون الذين يصفهم عصام الخفاجي خارج التأطير ليسوا مالكين لراس المال، هم عمال بغض النظر عن حمولتهم الإيديولوجية، بغض النظر عن قربهم أو بعدهم لنظام الريع الخليجي (هذه ظاهرة يجب على اليسار في هذه الدولة أن ينتجها ماركسيا).
اليسار الجديد في أوربا يعتمد ظاهرة حقيقية لم يتكلم عنها ماركس، وإن في الحقيقة بشكل غير مباشر تكلم عنها، إن قاعدة الحق المدني لدى الشعوب الاوربية هي المساوات في الضرائب، بشكل ما الضرائب يدفعها المستهلك، بتقييم حراري وليس مالي، بشكل متفاوت، نتساوى في الإستهلاك، نتساوى في تناول وجبات درجتها الحرارية متساوية: أن تاكل بيضا في خمس نجوم هو نفسه البيض في صفر نجوم، هي نفس النسبة الحرارية، في خمس نجوم تزاد قيم العاملين في ذلك الفندق لخمس نجوم، لكنها هي نفس الكمية الحرارية ودون التوغل في هذا التحليل، فإن المستهلك هو من يدفع كل الضرائب وهذا ما يعطيه الحقوق المدنية الكاملة، في سياق آخر، لدرء الترف، يناضل اليسار الجديد في أوربا لتحرير الحق من الترف الإقتصادي، يناضل ضد ترسخ الثقافة البنكية وهذا ما لم يشر له تحليل السيد عصام الخفاجي، يناضل من أجل تحرير منتوجه المحلي،يناضل لأجل أبناك تساعد في التطور وليس تساعد في نهب الثروة المحلية. إن قاعدة يسار بدون خلفيات طبقية تستند إلى هذا المضمون الإستهلاكي وهو ما غاب عند الدكتور عصام الخفاجي، تستند إلى فهم آخر في تحديد البروليتاري بناء على قاعدة استهلاكية وليس قاعدة وظيفية، إن ماركس يبقى مهيمنا فكره حتى الآن لانه واحد ممن أسس لهذا العلم، ماركس أيضا في الراسمال تكلم عن القاعدة الحرارية، وليست علما جديدا (في هذا السياق، برغم الغختلاف الكبير بيني وبين الرفيق وليد من العراق، أشير إلى أنه أثار هذه المسألة دون أن يتعمق فيها في سياق حديثه عن الإقتصاد الحقيقي والاقتصاد الفني ).
إن الإقتصاد الحقيقي هو أساس الثروة الإجتماعية (وهذا ردي على ماركسيين أصدقاء) الإقتصاد الحقيقي هو ما ينتج النفع للإنسان، هذا يكفي، الإقتصاد الرأسمالي هو ما ينتج ثروة للرأسمالي، هذا أمر مخالف للتعريف الأول (ماركس عندما يتكلم عن فائض القيمة لا يتكلم على نفع اجتماعي عام، يتكلم فقط عن نفع الراسمالي، عندما نقول بان الخدمات تخلق فائض قيمة لا يعني الامر أنها تخلق نفعا للمجتمع بل فقط للرأسمالي ، وهذا وضحه بشكل جيد رفيقي حسن علوان في مقال خاص له بالحوار المتمدن مستندا على نصوص ماركسية واضحة في مقاله: قطاع الخدمات في النظام الراسمالي من وجهة نظر ماركس).
عصام الخفاجي عندما يقلب الأمور راسا على عقب، هل يلوم عصام ماركس على حلمه، بالتأكيد سبقى ماركس عنيدا لأجل حلمه وهذا حقه، لكن قلب الأمور شيء خبيث عمليا وهذا ما فعله عصام : تاريخ بيان ماركس كان سنة 1848 وتاريخ النص الذي أدرجه عصام من سنة 1859 مما يفترض قلب المعادلات عنده .
لكن يبقى أمر البرمجة مثيرا حقا، هل الراسمالية لا تبرمج أم ماذا؟ وهل برامجها لا تؤثر في الواقع أم ماذا؟ وكيف يفسر الدكتور عصام تدخل المؤسسات المالية في وضع دولة معينة كما تفجر في أزمة اليونان الأخيرة، أليس هذا الأمر برمجة راسمالية؟؟ على اليونان فعل كذا وكذا برغم إرادة شعبها، هل يفهم الدكتور عصام كيف أن ألمانيا تمتلك أكثر من نصف مطارات اليونان دون التحدث عن جزيراتها، أي تقدم هذا الذي يمتص خيرات شعب لصالح شعب آخر يعيش كل الرفاهية المطلقة؟؟؟
صحيح أن الأنساق، وهذه المرة بلغة ألتوسير، هي من يقود التاريخ، لكن أيضا هناك الكوانتية (جدلية البسيط بالمعقد) هي أيضا نسق، يعني ان البرنامج قد يؤثر وهو عمليا ما يفعله صندوق النقد الدولي ..
جميل أن نتحدث عن البيئة، لكن أيضا، ليس جميلا أن نضمر الحديث عن دور الراسمالية في تدمير البيئة وهو أمر لم يثره إطلاقا السيد عصام خفاجي.