موقف لينين العدواني من ثورة السوفييتات عام 1905


أنور نجم الدين
2015 / 9 / 29 - 09:15     

تمهيد:

لم تكن ثورة السوفييتات الروسية عام 1905م، سوى الصدى البعيد للعلاقات الجديدة في مستوى المجتمع الدولي والمحلي أيضًا، فقد كانت ثورة تعبر عن الحياة الكومونية التي تمارسها البروليتاريا بصورة مسبقة في علاقات العمل التعاونية. ومثلما خلفت ثورات البرجوازية الأوروبية أثرها على روسيا البرجوازية، فخلفت ثورات البروليتارية الأوروبية أيضًا -وبالذات ثورة كومونة عام 1871م- أثرها العميق على الثورة الروسية الجديدة. ولا يمكننا الاتفاق مع الاشتراكية - الديمقراطية الروسية، وعلى الأخص لينين في تعريف هذه الثورة بثورة برجوازية اطلاقا، فحسب لينين:

"قد أخذت سوفييتات نواب العمال في بعض مدن روسيا تضطلع أكثر فأكثر بدور الحكومة الثورية المؤقتة"، أو "كانت الثورة الروسية عام 1905 ثورة برجوازية ديمقراطية (لينين، خطتا الاشتراكية - الديمقراطية في الثورة الديمقراطية).

على عكس لينين، فقد قام الجنود والبحارة بتشكيل منظمة اجتماعية جديدة وتوحيدها في سوفييتات نواب العمال تستهدف هدم القاعدة الاقتصادية للعمل المأجور. ففي الدوامة التاريخية للنضال البروليتاري، تشكلت السوفييتات، ثم جمعيات المندوبين عن جميع المصانع على نفس الشكل الذي أنتجتها الكومونة الباريسية بل أقوى منها في شموليتها. وقامت السوفييتات بمحاولة تنظيم المجتمع من جديد على شكل باريسي، فروسيا القرن العشرين ومدنها الصناعية الكبيرة تتقدم وتكتسب شيئًا فشيئًا تركيبًا اجتماعيًّا شبيهًا بالتركيب الباريسي للكومونة. لذلك فإن ثورة السوفييتات تتقدم بخطوة على ثورة الكومونة في انتشارها السريع في البلاد، ففي عام 1905، وبتأثير ثورة المدن البروليتارية، انتشرت الاضرابات، والمظاهرات، والانتفاضات بين البروليتاريين الريفيين في عموم البلاد، وقام المنتفضون بالقضاء على العقارات الكبيرة للنبلاء، والاستيلاء وتوزيع وسائل المعيشة على البروليتاريين الريفيين. فالسوفييتات إذًا كانت تتخطى الحدود الباريسية للكومونة في استقطابها الطبقي.

اسباب ثورة السوفييتات عام 1905

في عام 1904 دخلت روسيا القيصرية الحرب ضد اليابان خوفا من التحرك الثوري المتصاعد في عموم البلاد ابتداء من عام 1903. ولكن منيت روسيا بهزائم كبيرة في الحرب التي جلبت لها مصائب أكبر، فتحول الحرب إلى حركة بروليتارية شاملة تشمل كل انحاء البلاد. فالإضراب العام الذي اجتاح جنوب روسيا في عام 1903، أصبح أساسا لتعميم الحركة في البلاد وإيجاد طرق ووسائل العمل المشترك بين البروليتاريين المدينيين والريفيين، كما أصبحت الجامعات الروسية ساحات واسعة للمظاهرات الطلابية دعما لحركة الكومونة، فالحركة البروليتارية شملت كل المدن الصناعية في روسيا وانتشرت بسرعة إلى أوكرانيا وشمال القفقاس وبولونيا .. إلخ.

بداية ثورة السوفييتات عام 1905

في الصباح الباكر من يوم الاحد، 22/1/1905، كتب عمال بتروغراد عريضة، حددوا فيها مطالبهم وأهمها تحديد ساعات العمل اليومي بـ 8 ساعات، وتوجهوا مع زوجاتهم وأطفالهم نحو قصر قيصر الشتوي. ولكن قامت قوات القيصرية بمجابهة المتظاهرين بالحديد والنار.

في 23/1/1905 شهدت مدينة موسكو اصطدامات عنيفة بين البروليتاريا والشرطة والقوات العسكرية، كما أضرب (500) ألف عامل تقريبا من عمال المصانع، وامتدت موجة من الاضرابات في كل انحاء البلاد.

وانفجرت انتفاضات بروليتاريا الريف في مختلف مناطق روسيا في شهري كانون الثاني وشباط 1905، وفي هذه الاثناء أُنشئت أول منظمة للعمال في روسيا في مدينة بتروغراد، وضمت ممثلي العمال وكانت مهمتها تنظيم الإضرابات المختلفة وقيادتها، وأثناء تطور الثورة، طرح لينين ضرورة تحقيق الانتصار للثورة البرجوازية الديمقراطية بحجة عدم القفز على المراحل التي لم توجد إلا في عقول ساسة الاشتراكيين - الديمقراطيين.

أما العمال فأسسوا جمعية النواب المفوضين من هيئات المنتخبة من ممثلي كافة المصانع والمعامل المضربة.

هكذا نشأت أول سوفييتات (مجالس العمال) في روسيا في عام 1905. ولقد بلغت ثورة السوفييتات قمة تطورها في ديسمبر عام 1905 في مدينة موسكو. فالآلاف من العمال قاموا بالهجمات المتكررة على القوى العسكرية للدولة خلال 9 أيام على التوالي. ولم يكن لأي حزب من الأحزاب السياسية أي إسهام رسمي في الثورة البروليتارية الروسية. بل كان كل الأحزاب عبارة عن مجموعات متفرجة صغيرة من المثقفين الذين يعشقون المراكز في السلطة وقاموا علنًا بمحاربة أهداف الكومونية لثورة السوفييتات حين سنحت الفرصة لهم فيما بين الموجتين الثوريتين الأولى 1905 والثانية 1917، وكانوا يطلبون مثل ما كان يطلب لينين: توزيع الاراضي على الفلاحين، وتحقيق الحد الأدنى لبرنامج الاشتراكية - الديمقراطية بدل المساهمة في ثورة السوفييتات وأهدافها الاشتراكية البحتة. وهم بهذا المعنى استخدموا كل قواهم لشل الثورة البروليتارية وتشويه أهدافها الكومونية، وفيما بين ثورتي السوفييتات، كرست الاشتراكية - الديمقراطية كل قوتها لنشر وباء قاتل ضد ثورة الكومونة وتحضير البرولتاريا للمباريات البرلمانية في سلطة القيصرية. وفيما بين عامي 1905 و1917، ساهمت الاشتراكية - الديمقراطية وبقيادة شخص لينين، في البرلمان القيصري، وحسب لينين:

"استخدمت البلاشفة بنجاح ربما يكون أكبر من نجاح أي حزب آخر في العالم، إذ إننا ظفرنا بكل مقاعد العمال في الدوما الرابع من عام 1912 إلى عام 1914 - لينين".

أما بعد انقلاب أكتوبر وأثناء سيطرة السوفييتات واستيلاء المعامل من قبلها في المدن والأراضي في القرى، قام البلاشفة بسرعة بحل السوفييتات، وتحويلها إلى أجهزة سلطة الدولة، وإغلاق كل التعاونيات الاستهلاكية التي اكتشفتها السوفييتات العمالية بنفسها، وحلت محلها تعاونيات الدولة. وحسب مرسوم جمهوري من قبل لينين، ففي 20/ 3/ 1920، أُخْضِعت هذه التعاونيات كلها لمفوضية المواد الغذائية وانتشرت بعد هذه الاجراءآت مجاعة في روسيا لا مثيل لها حتى اليوم في تاريخ العالم.

هكذا كان موقف لينين من ثورتي المجالسية عام 1905 وعام 1917 أيضا، فبدأ لينين بمحاربة ثورات الكومونية اعتبارا من أول ثورة اشتراكية في روسيا في عام 1905