العالم يتراجع والأسد يتألق


فوزي بن يونس بن حديد
2015 / 9 / 28 - 19:25     

أدرك العالم مدى الخطر الداهم على المنطقة بعد أن تفجّرت ينابيع داعش على اليمين وعن الشمال، وقد كانت قضية توطين اللاجئين من بين القضايا العسيرة التي هزت أوروبا بأكملها، ولعلها هي الحافز الأكبر نحو ضرورة التسوية السياسية في سوريا الآن أكثر من أي وقت مضى، بل بات العالم يفهم اللعبة جيدا لأن مصالح الدول جميعها بدأت تتشابك كخيوط العنكبوت، وبدأت تتداخل حتى لا يعرف الخيط الأبيض منها من الخيط الأسود.
ما قلناه نعيده، إن ما يحدث في سوريا ليس ثورة بالمعني الكلاسيكي، والحقيقي، وإنما الذي يحدث تدمير كامل لبنى المقاومة التي وقفت يوما في وجه إسرائيل، فبشار الأسد وقبله صدام حسين من أشد المعادين للسامية واليهود دبّر لهما الغرب مكيدة للانهيار التام، فانهارت العراق على وقع حرب كان عنوانها القضاء على أسلحة الدمار الشامل وباطنها سرقة ثروات البلاد من النفط الخام والقضاء على مكتسبات البلاد ورجالات الدولة العلماء وإشاعة الفوضى والخوف والرعب حتى يرجع العراقيون إلى نقطة الصفر، تنبهت سوريا للخطر القادم، تماسكت إلى حد كبير ولم تستسلم لمناورات الغرب مع عملاء له في الشرق كانوا أحرص على تغيير النظام بأي وسيلة حتى ولو انهارت جميع البنى التحتية فيه وتشرّد جميع أفراد شعبها فذلك لن يضر الدول التي تبجحت يوما بما يسمى ثورة في سوريا.
وفجأة ظهرت تنظيمات متعددة بمسميات مختلفة ومتباينة صنعتها أمريكا والسعودية وقطر وغيرها لإشاعة الفوضى في البلاد وحرقها وتدميرها لأنها تناوش إسرائيل ويعيش على ترابها مقاومون فلسطينيون كما ضربت يوما إسرائيل تونس وتحديدا حمام الشط بدعوى وجود إرهابيين في المنطقة وكما فعلت قبل من اغتيال أبوجهاد في تونس أيضا، فإسرائيل لها مخالبها تعرف متى تصطاد عدوها وكيف تصطاده وبأي وسيلة ممكنة، ولأن إسرائيل هذه التي صنعها الغرب شوكة في حلق العرب الذين لم يستطيعوا إزالتها منذ ستين عاما، فانغرست فيه أشواك أخرى كانوا هم سببا في جلبها ، فإن هذه الشوكة ازدادت ايغالا في الحلق لتصل إلى آخر بقعة وتدنسها.
سوريا يبدو أنها ستخرج من الأزمة أكثر قوة من ذي قبل وستحاكم الخونة من العرب وستطالب بجلب من كان سببا في هذه الحرب الدائرة اليوم بعد أن يتم الاتفاق بين أوباما وبوتين الرجل الأقوى في العالم كما يظهر على صفحات المجلات والجرائد ووسائل الإعلام المختلفة، وسيظهر مسار العدل وأين كانت البوصلة متجهة، لأن الذي يحدث في العالم لاينبغي أن يستمر طويلا وإلا تشقق ميثاق الأمم المتحدة وانشرخ، ويصبح ما فعله القذافي يومها حقيقة، إذ مزق هذا الميثاق بكلتا يديه ورماه على الأمين العام للأمم المتحدة للتعبير على الغضب العارم الذي بدأ ينتشر في العالم العربي نتيجة السياسات الخاطئة التي يتبعها الغرب من أقصاه إلى أقصاه.
لقد تغيرت مواقف الزعماء الأوروبيين بعد أن رفضوا مشاركة الأسد في أي عملية سياسية بل إن بعضهم أصر على رحيله قبل عقد أي اتفاق، واتجهوا إلى ما يسمى بالمعارضة السورية التي لا تعرف من أين تبدأ العمل السياسي، واحتضت تركيا العدو الأول لنظام بشار الأسد عناصر المعارضة المنحلة ولم تفلح في إزاحة الأسد بل تحملت عبء اللاجئين السوريين وبدأت تتلظى هي الأخرى بنار الحرب التي كانت سببا في إشعالها يوما، واليوم يظهر أردوغان بجانب بوتين ليعلن أنه لا يعارض إشراك الأسد في أي عملية سياسية، هذا التذبذب العالمي في القضية السورية إنما يدل على عدم وجود رؤية واضحة للأزمة السورية وقد حان الوقت اليوم أن ينزع الغرب عن وجهه قناع التخفي ويجلس على طاولة واحدة للحوار مع أي طرف فاعل في القضية ليخرج برؤية واضحة المعالم متماسكة الأطراف، تخدم جميعها البلد الذي مزقته الحرب طوال ما يقارب الخمس سنوات، يعيش تحت صوت القنابل والصواريخ ولم يهدأ له بال حتى ضجّ الشعب وبدأ في عملية للنزوح الجماعي مما أقلق جموع الأوروبيين وزعزع أركان السياسة ومنظمات حقوق الإنسان.