الماركسية السلفية وعلاء الصفار


سامى لبيب
2015 / 9 / 19 - 06:20     

ليس من عادتى تناول كتابات الزملاء بالحوار , ولا يرجع عزوفى هذا من رؤية متعالية ولكن نظراً لأننى لدى الكثير من الكتابات فى أجندتى تطلب النشر علاوة أننى أفضل أن يكون مقالى صالحاً للإطلاع دوماً متناولاً لقضية فكرية وليس معالجاً لمشهد خاص , ليأتى تناولى لكتابات الأستاذ علاء الصفار كأول رد على كتابات زميل معتنياً بأفكار يسارية منحرفة كان لها حضور منذ سبعينيات القرن الماضى ويبدو أنها حاضرة حتى الآن لأرى أن هذه الرؤى مُضللة ومُنحرفة تشوش البوصلة وترمى الجماهير فى حضن القوى اليمينية الرجعية .. يُجدر الإشارة أننى أنقد أفكار الأستاذ علاء وليس معنى ذلك وجود خلافات شخصية بل على العكس فقد كان له حضور سابق فى مقالاتى مع توافق فكرى شبه تام .
يتبنى الأستاذ علاء الصفار فكرة مناهضة وإزدراء الكتابات النقدية للأديان لينفى عنها التنوير ويصفها بالهجوم العنصري على الدين الإسلامي والعمالة للإمبريالية والنيل من مشاعر مليار مسلم , فهكذا إعتدنا من الأستاذ علاء فى هجومه الشرس على من يخالف أفكاره وتوجهاته فلا يتورع عن التشويه والإزدراء والنعت بالعنصرية والعمالة , ولكنه لم يمنحنا فى خضم هجومه الشرس رؤية فكرية عن سر القبح فى نقد الإسلام على الأخص سوى توصيفاته المستاءة , ولنسأل ماهى العنصرية الناتجة من نقد الإسلام , وهل يوجد فى قضايا الفكر والتنوير نظرية مراعاة مشاعر المعارضين فهذا يعنى بقاء الحال كما هو عليه من الجمود والتمسك بمفاهيم خاطئة لإرضاء ذوق الجمهور لذا نُسمى هذا سلفية , أما توصيف العمالة للإمبريالية لمجموعة من البشر تعتنى بالفكر والفلسفة والمنطق والعقلانية فلا يمكن قبوله وتبريره ولن نكتفى بدفع هذه التهمة عنا بل سنثبت للأستاذ علاء أن أصحاب الفكر اليسارى الماركسى المتميع هم عملاء وطابور خامس للإمبريالية بنهجهم بدون وعى , فمن المؤكد أن رؤيتهم المتميعة تتم بلا وعى ولا تنسيق ولا تخطيط لتصب فى صالح الإمبريالية , وإذا كان الاستاذ علاء يطالبنا الآن بالكف عن نقد الإسلام فأتصور الخطوة القادمة سيطالب الكف عن نقد أى حزب وفصيل إسلامى شيعى أو سنى يراه يرفع رايات مناهضة الإمبريالية .!

- نبدأ من ألف باء حرية تعبير .
الأستاذ علاء يستنكف ويستنكر نقد الملحدين واللادينيين لفكرة الله والأديان لينسى أو يتناسى ألف باء حرية المتمثلة فى حرية الفكر والإعتقاد والتعبير , فأليس من حق جماعة من البشر التعبير عن أفكارهم وإثبات صحتها ونشرها ولا يعنى هذا تعدى على مقومات المجتمع الروحية فهذا ما يقوله السلفيين يا أستاذ علاء , فاللادينيون والملحدين غير مقتنعين بتلك المقومات والثوابت , وانت كماركسى يُفترض أن لا تعتقد بشئ إسمه ثوابت ومقومات ذات ديمومة فهى إنتاج المجتمع فى ظرف زمكانى فلا ديمومة ولا تقديس لها حتى إذا كان هناك من يُقدسها , فمن حقى ألا أقدسها ولا أدع حجر على حجر فى بناءها فهذا إسمه حرية فكر وتعبير لا تقبل المساومة أو التأجيل أو المهادنة أو المغازلة .

- لماذا ننقد الاديان ؟.
هناك منهجين لنقد الأديان , المنهج الأول فكرى فلسفى لمن يعتنى بهذا الشأن الفكرى أى للخاصة إذا صح التعبير كتناول إثبات عدم وجود إله , وأن الأديان بشرية الفكر , والإثنان إبداع خيال إنسانى وفقا لمعارفه وتصوراته وهنا نحن نتكلم عن فكر وفلسفة ومنطق فلا يحق لأحد القول فلتكفوا عن النقد وأن هذا مسئ للمشاعر والمقومات الروحية فنحن أمام قضايا فكرية خاصة وحرية تعبير كما ذكرت .
المنهج الثانى يعتنى بنقد الأديان لما تصدره من إنتهاكات لإنسانية الإنسان فى مجتمعاتنا وتشد المجتمعات للتمرغ فى مستنقع التخلف من خلال ثقافتها التى ترسيها لنحظى على الجمود والقولبة والإنبطاح وقتل الروح الإبداعية وترسيخ مفاهيم العبودية والإستبداد والوصاية والمسخ .
نحن لا نناهض الاديان يا أستاذ علاء من منطلق أنها تصدر قصص ساذجة متهافته فقط ولكن لأن الدين ثقافة تشكل وعى ونهج وطرق تفكير ومعالجات وسلوك ومنها يمارس الدينى حياته فلا تقل نيل من قيم روحية , فهذه الثقافة هى التى تصرف الإنسان عن الفكر الموضوعى وترميه فى مستنقع المسلمات والثوابت والخرافات فهل تتوقع مجتمع سيتطور من هكذا تفكير؟.. الثقافة تعنى سلوكيات تجاه المرأة والآخر وشتى تمظهرات الحياة وأنت تدرك حجم الإنتهاكات للمرأة والتعصب والتناحر الطائفى ولك الصراع السنى الشيعى فهو نتاج ثقافة إقصائية عدائية نابذة إستنفرها الشيوخ والمرجعيات وفق قناعاتهم واستثمرتها الإمبريالية .
لى ما يقرب من مائة مقالة يتناول الدين الذى ينتهك انسانيتنا , ولماذا نحن متخلفون , لأثبت أن جذر التخلف والإنتهاك كامن فى ثقافة الفكر الإيمانى والتراث الدينى فهكذا تقوم الثقافة بفعلها المهيمن على شعوبنا فعندما نجد الدين يقصى السؤال ويُقبحه , ويُعلى من التقرير والنقل قبل العقل , ويدعو للعبودية والإستبداد والعنصرية ليجعل كل مسلم مستبد ووصى , ويعلن عن العداء لثقافات الآخرين والتوجس منهم , علاوة على تجذير علاقات قميئة تنال من المرأة والآخر والمغاير لتأتى حضرتك بعد كل هذا تستنكر من ينقد الإسلام .!

أنت تريد نهج الطبطبة لتشوه أى فكر ناقد لتصفه بالعاطفى المُنفعل المُسئ وأتفق معك فى جزئية تتمثل فى نقد الدينيين لأديان بعضهم , فهو نقد مشحون بالكراهية والإنفعال والإزدواجية واللامصداقية ولكنك تغفل أن هذا النقد نتاج معاناة وتجارب ومواقف حياتية وليس نقد صالونات , فالمسيحى الذى ينقد الاسلام ماكان له أن ينتقد إلا بعد إنتهاكات نالت منه على يد مسلمين ونهج الإسلام , وله العذر فى ذلك فهم تحت الألم , ولكننا نقول علينا التعامل بموضوعية مع النقد ونأمل أن يتطور العقل العربى مع الحرية ليكون أداءه موضوعياً لكن من السخف طلب الكف عن النقد .

تقول : (أنا مع نقد الدين و ليس الهجوم على المسلمين و مقدساتهم, أي أن هناك تعمية و هناك تدبير من قبل البعض الذي يدعي التنوير ليقوم بإهانة المسلمين و مقدساتهم و نبيهم ) نعم لا لإهانة البشر بل لنقد للأفكار والمنهج مع تحفظى فلا قداسة لأفراد فى العموم وخاصة من يروجون القبح والبشاعة , كما أن هناك خيط رفيع لا يستطيع تمييزه إلا الناقد الموضوعى فلن نقدر أن نقيم إختبار للنوايا ومدرسة للنقد الموضوعى , فالصراع الفكرى هو من يفرز ويقصى الغث من السمين , كما أن قولك هذا يفتح شهية الرجعية الدينية بالقول أن نقدك يهين مقدساتنا ونبينا ومهما تنازلت ستجدهم يحتلون الخطوة التى تراجعت عنها لتكون هذه الرؤية بمثابة حجة للتحصين والقهر والحظر الفكرى يستخدمها الكهنه والشيوخ والمتعصبين لقمع أى فكر ناقد بحجة إزدراء الأديان والمقدسات , ولا تنسى أن الناقد لا يحمل قداسة لهذا الفكر بل يناهضه وهذا من حقه .

إقتباس من مقاله "تنويرٌ لتعيرْ المنافقين بكلماتِ بعضِ العباقرة " : (نقد سلطة الكنيسة ليس مهاجمة الدين تم على يد هؤلاء المفكرين الأحرار. و لو نرجع إلى الحقيقة, نرى أن أغلب الأحرار جاءوا من عباءة الدين. فرجال الدين القساوسة و الأئمة كانوا في سابق العصور هم الفئة الواعية و المثقفة, وهم من رأى مظالم لرجال الدولة و الساكتين عن الحق فقاموا بالبحث و الاجتهاد, من اجل شق الطريق للشعب نحو الخير. فأي دعوة لمهاجمة الإسلام و المسلمين هي موجة عنصرية في زمن حرب العولمة, بأدوات أمريكية من دولة وهابية و داعش) إنتهى .
أنت يا عزيزى تريد نقد سلطة الكنيسة والجامع وعدم الإقتراب من الدين فكيف يكون هذا , فالدين هو البوتقة والمحتوى الذى خرج منه كل السلبيات .. أما القول أن أغلب القيادات خرجوا من عباءة الدين فهذا صحيح وإن كان لنا بعض التحفظات , فالظرف المجتمعى هو من يفرز قياداته تحت عباءة دين أو لادين وهذا ما يقوله الفكر الماركسى الجدلى , كما لا يعنى على الإطلاق أن يستمر الحال والمنظومة القديمة كما هى عليه فى ديمومة لذا قولك (أي دعوة لمهاجمة الإسلام و المسلمين هي موجة عنصرية ) هو قول تقريرى تعسفى بلا معنى ولا مبرر .

ينسى او يتناسى الاستاذ علاء مقولة كارل ماركس " أن الدين أفيون الشعوب" أو قل يعلمها ولا أعرف كيف يفهمها , فماركس قال الدين كمنظومة فكرية ولم يقل الكنيسة أو الجامع الذى يريدنا علاء أن نكتفى بتوجيه سهامنا للأحزاب والمؤسسات الدينية الرجعية ليتغافل أن حضور الأديان فى عالمنا المعاصر بثقافتها ورؤيتها هى بمثابة تخدير الجماهير وتضليلها عن فهم ماهية الحياة والوجود , وصرفها عن حقوقها وصراعها الطبقى ومنح مظلة للقوى والطبقات الرجعية للهيمنة فهكذا فكر كارل ماركس , وهذا ما يثبته لنا الواقع والتاريخ .

إقتباس آخر : ( فهنا ارجع للمقولتين التي أشرت لها أن الأفراد الذين ظهروا و قادوا ثورة التنوير أكدت دور الفرد في التاريخي, في حين السادة المهاجمين للإسلام يحشرون أنفسهم طواعية في صف الجهلاء و دورهم في التاريخ, إذ الطرفين يلغي الآخر فالأول رجعي سلفي يكفر, و الثاني المعادي للإسلام يلغي بهوس مشاعر مليار مؤمن, فلا يعي الأمر التاريخي والطبقي و بلا أي حس أخلاقي, بهجوم على المسلمين ينفخ في قربة الحروب الصليبية للعولمة) إنتهى .
كلام إنشائى سبابى بلا أى معنى أو مدلول ويحمل نفس مفردات الخطاب السلفى ليعزف على إستنكار مشاعر مليار مسلم بلا أى حس أخلاقى ولا مانع من إستحضار الحروب الصليبية فلا تعلم أين الأخلاق التى أهدرت وما الداعى لحشر الحروب الصليبية سوى أن هكذا خطاب السلفية .

يغالط الاستاذ علاء بقوله أن فلاسفة التنوير لم يعتنوا بنقد فكرة الله والدين لينصب نقدهم على الكنيسة , فلتقرأ لهم لتجد إنهم تناولوا الخطوط العريضة والعميقة لنقد المنهج الإيمانى الكلى ,ثم هناك قضية جديرة بالإهتمام تغفل عنها وهى إنه لا يوجد إستنساخ للتجارب البشرية فليس من الصحة إتباع نفس نهج وخطوات وتكتيكات التنويريين الأوربيين .. إن الفكر الجدلى لا يعتبر تجارب الآخرين مقدسة جديرة بالإتباع , وليس للفكر الجدلى نظرية النقل قبل العقل , فمن يقدس التجارب يا أستاذ علاء هم السلفيين وهم سبب نكبة هذه الأمة , وللأسف وجد الفكر المقدس النقلى التلقينى صدى فى صفوف اليساريين لنجد إجترار تجارب وأقوال ومواقف تاريخية للثورة الروسية والصينية وإعتبارها نهج يُحتذى فلو كانت تجرية الاوربيين ذات نهج معين واذا كانت الثورة البلشفية ذات مسار وصراع محدد فلا يعنى أن نسقط تجارب ومفردات الآخرين على مجتمعاتنا فنحن نعيش أجواء مغايرة تماما فلنا ثقافة مختلفة ذات حضور وفعل ولها نهجها وأيدلوجيتها المغاير لفعل الكنيسة , فلدينا ثقافة الإسلام بكل زخمها جعلت من كل مسلم مؤسسة دينية ومنهجية إستبداد و وصاية بالرغم أن الإسلام بلا كهنوت كما يدعون .

لم يقل أى ملحد او لادينى أنه يريد إقصاء الدين بالقوة فنحن نحترم حرية الفكر والاعتقاد حتى من يريد أن يتعبد لنملة كما نعتقد بإستحالة وأد أى فكر بالقوة والمصادرة , فالافكار تواجه بأفكار وبتغير وتطور علاقات المجتمع الانتاجية ولتثبت الافكار الصحيحة صحتها ولتضمر الافكار المتهافتة مع الزمن .

يخلط الاستاذ علاء الأوراق عن عمد ويحاول جاهداً أن يستخرج نتائج تصب فى رؤيته فليس لديه مانع من توظيف أقوال ماركسية بعد لويها فهو يقول : ( الدين هو النظرية العامة لهذا العالم، خلاصته الموسوعية، منطقه في صيغته الشعبية، مناط شرفه الروحي، حماسته، جزاؤه الأخلاقي، تكملته المهيبة، أساس عزائه وتبريره الشامل. إنه التحقيق الخيالي لكينونة الإنسان، إذ ليس لكينونة الإنسان واقع حقيقي. إذن، النضال ضد الدين هو بصورة غير مباشرة، نضال ضد ذاك العالم الذي يشكل الدين عبيره الروحي. إن الشقاء الديني هو تعبير عن الشقاء الواقعي، وهو من جهة أخرى، احتجاج عليه. الدين زفير المخلوق المضطَهَد، قلبُ عالم لا قلبَ له، كما انه روح شروط اجتماعية لا روحَ فيها؛ إنه أفيون الشعب) إنتهى .
إلتفافات غريبة وإقرار بمغالطات فهو يعتبر الدين منطق فى صيغة شعبية وهذا صحيح ولكن هل عليك كشيوعى أن تخضع لمنطقه البائس وطالما هو منطق شعبى أى بشرى فلماذا تسلم بديمومته , كما يعتبر الدين جزاء الأخلاقى فهل الأمور هكذا أم أن الإخلاق نتاج الإنسان ومنظومته الإجتماعية وعلاقاته الإنتاجية , وهل الشيوعيين بلا أخلاق فهم بلا دين . ولتنظر لمقولتك السلفية الخطيرة ولتعتذر عنها (النضال ضد الدين هو بصورة غير مباشرة، نضال ضد ذاك العالم الذي يشكل الدين عبيره الروحي ) فأنت هنا لا تختلف عن أى سلفى لتلوح بحد الردة فأين ذهبت ماركسيتك .!
لامانع أن يستعير علاء قول ماركس : (الدين زفير المخلوق المضطَهَد، قلبُ عالم لا قلبَ له ) لأسأله طالما أن الدين زفير المخلوق المضطَهَد و قلب عالم لا قلب له فلماذا تستنكر نقده كمنظومة لسحق الإنسان وإضطهاده كما تقر .

تستشف من كتابات الأستاذ علاء أنه يتبنى فكرة فلتنقد التيارات والدول الإسلامية الرجعية ولا تنقد الدين الإسلامى كحال القول فلتنقد وتلعن هتلر ولكن لا تقترب من فكر النازية وكتابها " كفاحى " وكأن الصراع مع أشخاص ورموز وليس مع فكر فنحن لا نحمل كراهية لرموز الأديان القديمة فيمن يطلق عليهم أنبياء بل نناهض فكر ومنهج متواجد على الأرض يمارس حضوره وفعله وأى ناقد موضوعى لا يقف موقف عدائى من تاريخ , فهكذا هو تاريخ إنسانى نتاج ظروفه وتطوره ومعارفه , بل يمكن أن نشيد بثورية هذا الفكر فى زمانه ,ولاحظ فى زمانه فقط , ليكون عدائنا عند إسقاط الفكر والنهج القديم على واقع مغاير .

داعش التى تلعنها هى نتاج ثقافة إسلامية بل منشأ أى تيار وفكر سياسى إسلامى هو حضور تلك الثقافة ليظهر أطياف من تلك الثقافة بغض النظر أنها تمثل الرؤية الصحيحة للإسلام أم لا ولكنها من لحمية هذه الثقافة , فالداعشيون مسلمون وليسوا ماركسيون أو إمبرياليون لذا علينا بتجفيف ينابيع هذه الثقافة التى تنتج هؤلاء وهنا لا تقل لنا أن النقد عاطفى ينال من مشاعر مليار مسلم أو ذو توجه عنصرى إمبريالى .

الأستاذ علاء يعلن بإلحاح أن القضية الرئيسية التى تتضائل أمامها كل القضايا هى مقاومة الإمبريالية لذا يرى أن نقد الإسلام مثلا هو نيل من تراث الأمة الروحى وإضعافها فى مواجهة الهجمة الإمبريالية الشرسة لأرى أن العكس هو الصحيح , فالأستاذ علاء بمنهجية الطبطبة والتحذير من عدم الإقتراب من نقد الإسلام يسير فى نهج وفلسفة الإمبريالية العالمية , فلا تندهش من عداءه الشديد للإمبريالية فهو مخلص فى مبادئه وعداءه ولكن ليس معنى ذلك أنه مناهض حقيقى للإمبريالية فأنت ترى أكثر الشعارات العدائية للرأسمالية والإمبريالية والصهيونية رفعتها الأنظمة القومية والتيارات الإسلامية الجهادية , ولكن هل هى تناهض فعلا أم تخدم السياسات الأمريكية , لذا يحلو للإمبريالية أن تكون زاعقاً ناعقاً ضدها حتى يحظى خطابك على القبول الجماهيرى , ليبقى المهم ماذا ترمى سياساتك فى النهاية .
الإمبريالية ليست على إستعداد التعامل بالحروب والقتال على الدوام وليس من مصلحتها ذلك لتتبنى غزو الشعوب فكريا والتلاعب على التناقضات الداخلية فيها فهناك عشرات مراكز الابحاث الإستراتيجية التى تدرس كل صغيرة وكبيرة فى ثقافة المجتمعات لتبنى على إثر ذلك السياسات التى تحقق الهيمنة على تلك المجتمعات , ومثال ذلك "الفوضى الخلاقة " التى يُطلق عليها المتحمسون " ثورات الربيع العربى " كنموذج لمن يفطن لفكرة إعداد الساحة من مخاض الثقافة , كما لك مثال العراق فالحرب والغزوة الامريكية الشرسة ليست السبب الوحيد فى تدمير العراق , فاليابان والمانيا تم تسويتهم بالأرض لتقوم هذه الشعوب على رجلها ثانية وتتقدم وتزدهر فما السبب ؟ السبب أن لدينا ثقافة إستثمرتها أمريكا فى إثارة النعرات الطائفية والعرقية وتجذير التخلف والتناحر والتقسيم بينما الوضع كان مغايراً فى ألمانيا واليابان لذا أمريكا والإمبريالية حريصة على حضور الثقافة الدينية فى المجتمعات الإسلامية والتصعيد من حضورها فلا تحتضن فقط السعودية بل كل التيارات الجهادية والمشاعر المتعاطفة التى تعمل فى هذا المجال , فمن هذه الثقافة سيتحقق الخراب والدمار والتخلف وستُنجز مشاريع فى النهاية , لذا عندما تعلن إستياءك من النقد الموجه للثقافة الإسلامية فأنت تعمل فى صالح المشروع الإمبريالى بإخلاص وبلا وعى وليس نحن يا أستاذ علاء .

هناك خلل ما فى رؤيتك الفكرية والفلسفية يا أستاذ علاء وهو عدم إدراك ماهو تناقض رئيسى من تناقض ثانوى لترفع الشعار الخشبى بمعاداة الإمبريالية كتناقض رئيسى , وهنا لا نختلف معك فى مناهضة الإمبريالية ولكن ليس كتناقض رئيسى بل أراه ثانوى , فعليك الإعتناء بالخلل الذى فى بيتك أولا فالبيت قذر خرب مُدمر مُتهالك تستغله الإمبريالية للمزيد من سحقك أى أن ثقافتك الخربة هو التناقض الرئيسى ومتى إستطعت أن تهذبها وتكبح جماحها فبعدها فلتخوض صراعك مع الإمبريالية , من الأهمية بمكان إدراك ماهو تناقض رئيسى من ثانوى , فالغفلة وسوء التقدير قد يؤدى بك إلى التحالف مع داعش أو أى فصيل ومرجعية شيعية وسنية فى النهاية .

لن يجدى نهج الطبطبة والمغازلة بمحاولة إستمالة الإسلاميين وتقديم خطاب يطلب رضاهم سعياً وراء يافطة يمين اليسار أو الخطاب اليسارى المرن المتسامح أو كسب تحالفات سياسية , فلن يرضى عنك الإسلاميين حتى تتبع ملتهم لتجد نفسك تثبت وتدعم وجودهم وتعمل فى مشروعهم وآفاقهم ويصير الخطاب الماركسى بمثابة المُحلل الشهير.

النقد الموجه للإسلام كونه الدين الشعبى والثقافة السائدة فى المنطقة العربية الأكثر حضوراً وتأثيراً على فكر الجماهير مشكلاً ثقافة طاغية أفرزت سلوكيات مجتمعية ومشاهد سياسية ومن هنا جاء نقدنا للفكر الإسلامى خاصة وعليك أن تدرك معنى كلمة ثقافة فهى وعى ونهج وطرق تفكير ومعالجات لمشاهد الحياة بمنظور محدد لتنتج سلوكيات تراها قميئة داعية للتخلف والجمود والمسخ الإنسانى ومن هنا تستطيع إدراك معنى شعوب متحضرة واخرى متخلفة , فشعوب كألمانيا واليابان إستطاعت أن تسترد ذاتها بعد خراب هائل وتقف على أرجلها ثانية وذلك من ثقافة شعب وليس لكون هذا الشعب ذو عرق أفضل , ولك أن تنظر لحال دولنا العربية على مدار التاريخ والواقع وكيف أن الأمور نحو مزيد من التردى والتخلف كلما إقتربت من ثقافتها وتشبثت بها .. لذا مازالت مُصر على مقولتى أنه بدون تغيير وتطوير ثقافتنا ومنظومتنا الفكرية وإستبدالها بثقافة أكثر تقدمية فكل الإصلاحات السياسية والإقتصادية المرجوة كمن يحرث فى الماء .

دمتم بخير وتقبل محبتى واحترامى .
-"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته" - حلم الإنسانية القادم فى عالم متحررمن الأنانية والظلم والجشع .