من رفض الأسد إلى الهرولة لإنقاذه


خليل كلفت
2015 / 9 / 15 - 09:22     


صار عالم السياسة أعجب من عالم الأساطير. ويُقال: فتِّش عن المصلحة؟
ولكنْ ما المصلحة؟ إنها ما يسمَّى بالأمن القومى وكذلك الطريقة التى يُصان بها فى واقع متغير.
وكنا نعتقد أن سياسة الطبقة تُوضع وفقا لمصلحتها، وأن المواقف السياسة للطبقات تتفق مع مصالحها. غير أن هذه الصيغة أو الصياغة معيبة بل خاطئة. ذلك أن سياسة هذه الطبقة أو تلك، الحاكمة أو المحكومة، عملت فى كثير من الأحيان ضد مصلحتها وأمنها الطبقى، وضد مصلحة بلادها وأمنها القومى.
وحالة الطبقات الحاكمة قابلة بوجه خاص للنقاش بحكم النُّضج المفترض لمنطق قراراتها، وبحكم تأثيرها الكبير، سلبا أو إيجابا، بحكم تركُّز المعرفة السياسية والاقتصادية والإدارية والعسكرية والقدرة العملية هناك فى الأعلى.
ولولا هذه المسافة بين مصلحة الطبقة الحاكمة وإدراكها لها، وبالتالى السياسة المرسومة على أساس هذا الإدراك، لتغيَّر وجه التاريخ بتناقضاته وصراعاته المرتبطة بطريقة فهمها لمصالحها.
وفى كثير من الحالات لم تتطابق مصلحة الطبقة مع سياستها، نتيجة لعدم إدراكها لحقائق المصلحة أو لعدم فهمها لها ولقدرتها على تحقيقها.
وتبدو انتصارات السياسة لفترة ما دليلا على صوابها غير أنه يمكن أن يثبُت فى وقت لاحق أنها كانت سياسة خاطئة بل مدمرة. وهناك بالطبع سياسات عدوانية مثل الفتوحات الاستعمارية التى قد تجنى الطبقة التى تنتهجها ثمارها قرونا كاملة، وتكابد ويلات مقاومة مضطهَديها.
ورغم عدوانية تلك الفتوحات إلا أنها كانت تتفق مع مصلحة الفاتحين فى تكوين وتطوير اقتصادها الجديد الذى غيَّر وجه العالم، وربما كانت تتفق مع فهم ساستها ومفكريها لطبيعة تلك المصلحة والتغنِّى بأمجادها.
وبهذا تم خلق عالم جديد بقدراته ومعرفته لذاته. ويصعب الحكم على تلك الفتوحات ككل رغم وحشيتها بالصواب أو الخطأ، رغم أنه يمكن الحكم بكل موضوعية بالصواب أو الخطأ على مواقفها وسياساتها طوال الطريق الطويل لتطورها.
وعلى سبيل المثال، ماذا جنت ألمانيا الهتلرية من حربها غير تدمير نفسها مع تدمير العالم، بحكم إدراكها القائم على خداع النفس لطبيعة مصلحتها السياسية والاقتصادية والأمنية وحقائق وأوهام قدراتها؟ أما الدول التى حاربت الفاشية وهزمتها فقد عملت بإدراك واضح تماما لمصلحتها فى بقائها وفى بقاء العالم، ومع إدراك أنه لا يوجد حل وسط مع النازية والفاشية، وأنه لا سبيل سوى الحرب.
وماذا جنى نظام صدام حسين الطائفى السنى والعروبى بحربه ضد شعبه وخاصة مع شماله الكردى وجنوبه الشيعى، ومع جواره الإيرانى والكويتى، ثم مع العالم الذى شن حربه على العراق لتحرير الكويت ثم لإسقاط صدام.
وكانت الكويت مجرد فاتح لشهية صدام، غير أن كوارث تداعيات الحرب الأمريكية على صدام ونظامه فاقت كل الكوارث التى كان يمكن توقُّعها من استمراره، وكانت أمُّ كوارث تلك الحرب الاستباقية تحوُّل الإسلام السياسى الذى بدأ بمحاربة الأجنبى الروسى والأمريكى، وتفرَّغ بعد ذلك لمحاربة العرب والمسلمين، وتفرَّغ أخيرا لحروب إقامة الدولة أو الخلافة الإسلامية التى طرحها الإسلام السياسى الإخوانى قبل داعش بوقت طويل، مع إطلاق خطاب مضلِّل ضد الصهيونية الإسرائيلية والصليبية الأمريكية والغربية مع الابتعاد التام عن أىِّ مواجهة معهما.
ونجد أنفسنا الآن إزاء انقلابات هائلة فى التحالفات التى صارت تنضوى تحت ألويتها دول المنطقة والعالم، وصارت الحرب ضد داعش كلمة السر، وأساس تغيير المواقف، ومعيار المعاداة والتحالف.
فرغم معاداة تركيا وعدد من دول الخليج، للأسد ووقوفها بالدعم المالى والسلاح إلى جانب ما تسميه هذه الدول بالثورة، ومن قواها بالطبع داعش، صارت تنتقل بالتدريج إلى موقف القتال ضد داعش دفاعا ضد هجومها أو سيطرتها على مَنْ ساهموا فى خلقها ودعمها ونُصرتها.
وكان هذا هو نفس موقف الغرب مع اتضاح خطر داعش عليه فى عقر داره، وعلى إسرائيل فى حالة قيام دولة داعشية على حدودها. وانقلب المعادون للأسد إلى مدافعين عن بقائه مدركين أهميته القصوى فى هذه المرحلة، لأن المعادلة صارت إما داعش ضد الجميع وإما الأسد ضد داعش رغم استمرار حربه ضد شعبه.
أما روسيا فقد التزمت، بحكم مخاوفها منذ وقت طويل من الجماعات الإسلامية الإرهابية القريبة جدا من حدودها، بالدفاع عن نظام الأسد ضد الإسلاميين، مع أن مذابحه الرهيبة ضد شعبه تحكم عليه بألَّا يبقى فى حكم سوريا، وبالتالى فإنه لا مصلحة لروسيا معه فى المستقبل. وهى تنتقل الآن إلى مرحلة جديدة فى الدفاع عن نظام الأسد بالمعدات الحربية الثقيلة والقوات التى تنقلها الآن إلى سوريا رغم انتقادات الغرب. والحقيقة أن موقف روسيا هو التطبيق العملى لموقف الغرب، موقف إما داعش طوال مستقبل طويل وإما الأسد مرحليًّا فى المدى المنظور، حيث يمكن أن ينجح داعش فى اكتساحه، مهدِّدا إسرائيل والغرب والشرق، إنْ لم يتمّ دعم الأسد بقوة لمنع إسقاطه. وربما كانت انتقادات أمريكا لروسيا مجرد نفاق لأنها تُدرك أن الأسد سيسقط بدون هذا الموقف الروسى، ولن تنقذه الحرب الجوية الأمريكية وحدها.