إنه الطفل الذي علّم العالم درسا


فوزي بن يونس بن حديد
2015 / 9 / 3 - 10:24     


مثل الطفل السوري الذي رماه البحر على شاطئه ليذكّر المسلمين أنهم في غفلة، الطفل الفلسطيني محمد الدرة الذي رماه الكلاب الصهاينة برصاصهم القذر الذي أصاب جسده أمام كاميرات العالم وأسياد العالم الإسلامي والغربي، ولو كان طفلا أمريكيا أو غربيا لأقيمت الدنيا عليه ولحُوكِم من كان سببا في هلاكه بهذه الطريقة البشعة، منظر اهتزّ له البحر وأبت الأسماك نهشه إجلالا، إنه الطفل الغضّ الطريّ الذي لم يعرف الحياة حتى يفقه الموت، رماه البحر ليكون عبرة ونغصة في حلق المتكبّرين من أبناء الأمة والمتخاذلين عن نصرة الضعفاء والمساكين، والنائمين في قبوهم، والناعمين والمتدثرين بأغطية من حرير.
إنه الطفل الذي نطق جسده حقّا، ولم ينطق لسانه ولم يصدر تغريدة على تويتر ولا نشرة على الفايسبوك يستجدي العالم الإسلامي أن ينقذه، العالم الذي بات منشغلا عن قضاياه بقضايا غيره، العالم الذي يبحث في أدوات التجميل والطرازات الجديدة والميول الاستباقية والكرة والفن، مات ضمير الإنسانية جمعاء حتى جعل المرأة الحديدية في ألمانيا تطلق صرختها الإنسانية بفطرة أن لا مجال للعبودية والاتجار بالبشر، يكفي ما حصل، جثث مرمية في البحار كل يوم، فضلا عن تخزينها لحوما جاهزة للأكل، كل ذلك أرعب المرأة في ألمانيا ولم يرعب السياسي في الشرق الأوسط ولا في المغرب العربي، يا للخزي والعار ماذا ينتظر المسلمون بعد هذا الحرج؟
إنه الطفل الذي كان آية في المسخ الأخلاقي الذي أصاب الأمة من أقصاها إلى أقصاها، والفساد المتغلغل إلى العنق أبى إلا أن يعبّر عن نفسه في هذا المشهد المأساوي الذي فضّ بكارة الصمت في العالم ولم يتحرك أحد ليعاقب أو يحاسب المتورطين ليشجع بذلك الفاسدين على التمادي في الخطأ إلى أبد الآبدين، وعليه تستمر منظومة الفساد كما لو أن شيئا لم يحدث من قبل.
لماذا اهتز المسلمون عندما رأوا مشهد الطفل السوري فقط ولم يهتزوا عندما يموت العشرات أو المئات منهم تحت القصف السعودي في اليمن وفي الحرب الشعواء في سوريا، وفي الغارات المتواصلة للكلاب الصهاينة في فلسطين وأثناء اجتياح الحلف الأطلسي لليبيا وفي الحروب الداعشية بالجملة، اغتصاب واستغلال جنسي وتجنيدي، وإهمال لحقوق الطفل العربي، إذ صرخت اليونسكو اليوم تحديدا أن هناك 13 مليونا من الأطفال في البؤر الحربية ممن لا يتلقون التعليم، كيف سيكون الجيل القادم؟ هل سيكون أقسى من داعش نفسها؟
لماذا لا يحرك المسلمون ساكنا لحل قضاياهم التي صارت بالجملة تتكدس يوما بعد يوم مثل القمامة في بيروت؟ أم أنهم رضوا بالهوان والضعف والاستكانة للكفار والمشركين، أم انهم في كل مرة يفورون ثم يبردون؟ هكذا تعوّد المسلمون ينددون وينعتون من يفعل ذلك بالكفر والجبروت ثم ينسون ما قالوا وما اجتمعوا من أجله، هذه هي حال الميتين الذين لا يجدون حلا لأبسط مشكلاتهم فكيف بمشكلة الطفل الصغير.
إنه الطفل الذي يرفع شكواه لله بعد أن يئس من وعود البشر، بعد أن حلّ الظلام واكتسح السواد وجُمّدت الأطراف والمنظمات مات الطفل يأسا، مات الطفل كُرها، مات الطفل ليعلن الحداد على المسلمين إلى يوم يبعثون، مات ليبعث رسالة للعالم أني لم أمت وإن كان جسدي قد ألقى به البحر بعيدا، لم أمت سأظل أراقبكم في يقظتكم ونومكم، سأظل شاخصا للبصر في كل قمة تعقدونها، سأظل أنا ومعي من الأطفال الملايين نلعنكم إلى يوم الدين، أنكم لا تفقهون معنى الحياة، ففضلتُ الموت على حياتكم التي عمها الفساد، لا أرضى أن أعيش بين الأوغاد ولا بين الكسالى وذي الأوتاد.