عن المقاطعة


محمد دوير
2015 / 9 / 2 - 12:44     

حديث المقاطعة يثير اللغط دائما، ويدفع البعض الي المداولة من جديد حول قيمة وأهمية المشاركات السياسية من أجل تعميق وجودنا في الوعي الجمعي للجماهير.ويعيد تجديد مقولات الفكر الثوري وتفسيرها وتأويلها ، ثم إعادة قراءة الواقع بالقطعة حسب الموقف من السياسة الجارية. حديث المشاركة أو المقاطعة هو صوت كل مرحلة ما قبل كل انتخابات، ولا شيء يتغير ، ننزل السباق وغالبا ما ننكسر ولا نتعلم ، أو نقنع أنفسنا بانتصار لا أراه متراكما في الوعي الجمعي.
مائة سنة من نضال الاشتراكيين المصريين علي أرض هذا الوطن كحصاد الهشيم ، مائة سنة يشعرونك أن القرن مجرد ساعات قليلة لا تكفي لتصميم بناء نستمد منه حقيقة وجودنا ..فنطرح دائما سؤال بلا إجابة .. وماذا بعد ؟؟ سأناقش هنا باختصار معني المقاطعة بالنسبة لي..ولكن في البداية دعونا نسأل ...
1- ما معني المشاركة ؟ : كل تيار سياسي يشارك في كل انتخابات لهدف ما أو أهداف محددة ، يصب هذا الهدف أو تلك الأهداف في استراتيجيته أو علي أٌقل تقدير رؤيته السياسية ، بحيث تصبح كل خطوة هي نقلة نوعية علي صعيد الفعل السياسي ، ونقلة كمية علي الصعيد الايديولوجي، وهذا يشترط عدة شروط منها ،
أ – وجود حزب يحمل رؤية وتصور لمستقبل الوطن وتقييم اللحظة بحيث تكون المشاركة عملية ضرورية يترب علي تجاهلها انكسار أو تراجع أو تأخر الفعل السياسي والثوري.
ب- كادر مؤمن بقضيته متواجد بها في مفاصل المجتمع ، مؤثر من خلالها في الواقع المحيط به ، ذو فاعلية حقيقة متمثلة في حيثية ما " عضوا في نقابة عمالية – مهنية – نقابة مستقلة – اتحاد طلاب – عضوية مجلس ادارة شركة ...نشاط ما ملحوظ ومؤثر .
جـ - رموز تقدمية جماهيرية ذات وزن نسبي في المجتمع المحلي وتحمل رؤية واضحة لمشكلات الواقع المحلي والقومي ويمثل رمزية معلومة بوصفه تعبيرا عن صورة الاشتراكي في المجتمع ، وهذه قضية في منتهي الأهمية .وعندما تغيب تلك العناصر الثلاثة ، يصبح خوض النزال الانتخابي إما مجرد قضية شكلية أو تحويل لمسار الفكر لصالح مدارات السياسة ، وفي تقديري تصبح اشكالية تمثل خطورة علي الفكر، ذلك أنه من المفترض أن يقود الفكر السياسة لا العكس...
وبالتالي فالمشاركة في أية انتخابات بالنسبة للاشتراكي هي جزء من مشروع ايديولوجي نعمل من أجله ، فاذا غاب المشروع ذاته بطل كل معني أو قيمة لكل مشاركة ، كان خوض لينين لانتخابات الدوما 1912 ضمن مشروع ثوري مثلت عملية انتخابات الدوما بالنسبة لهذا المشروع منصة دعاية ثورية – أكررها ثورية - لا أكثر، ولم يكن يهدف علي الاطلاق السعي من أجل تعديل قوانين داخل المجلس أو كسب ثقة الجماهير عبر الحل البرلماني وما يدعم ذلك هو خوضه تلك الانتخابات بعدد محدود من مناطق عمالية ملتهبة ثوريا.
2- لماذا المقاطعة ؟ لان الانتخابات تتم في نفس أجواء برلمان 2010 تقريبا حيث تتصاعد الاعتصامات والاضرابات العمالية التي تخطت حاجز ألفين اعتصام واضراب خلال عام 2014 فقط ولم تزل قضايا الطبقة العاملة معلقة لا ينوي النظام الحالي حلها أو تجاوز حدوده الطبقية واعادة النظر في طبيعة القوانين التي صدرت في السنوات السابقة دون العاملين بالدولة مثل قانون العمل والفصل التعسفي والحد الأدني والأقصي للاجور ، والاستثمار وعدم أحقية التقاضي والخدمة العامة والتظاهر والكيانات الارهابية ....الخ . علي جانب آخر سنجد تجاوزات غير مسبوقة علي صعيد الحريات التي طالت جزءا كبيرا من شباب ثورة يناير اذ تتم كل هذه الاعتقالات وعمليات التضييق علي الحريات العامة تحت مظلة قانون التظاهر الذي فتح الطريق واسعا أمام الداخلية للعودة الي سابق عهدها.
إننا لا يمكن أن نثق في انتخابات تتم تحت شعار تصفية ثورة يناير والتكر لشعاراتها المتعلقة بالحرية والعدالة الجتماعية ... فلم يزل النظام كما هو تابع بحكم الطبيعة البنيوية له والتي لا يلوح في أفق النظام التخلص منها ، وعلاقته بالكيان الصهيوني لا تقل تماسكا عن علاقة نظام مبارك به ، لم يزل ملف حوض النيل يدار بذات العقلية السابقة ، لم يزل الفقراء يتضورون جوعا ويتخلصون من حياتهم بالانتحار ، لم يزل الاعلام المصري يمارس ذات الاساليب الرخيصة في تزييف وعي المواطن ووعده برخاء كاذب ، لم تزل القوي السياسية تلهث خلف السلطة من عمر سليمان حتي السيسي ، لم يزل الارهاب كما هو يمثل خطرا علينا وكل سبل محاربته غير مقنعه ، لم يزل الازهر والكنسية والسلفيين ورجال مبارك هم أعمدة النظام الاساسية مع الجيش والقضاء والشرطة ، لم يزل كل شيء يسير في الاتجاه الخاطيء ،،،، فلماذا الانتخابات اذن ، وما الذي يمكن أن تغيره في الواقع ، الحقيقة أن الانتخابات البرلمانية ستقوي السلطة الحالية بانحيازتها الواضحة ضد مصالح الفقراء والمهمشين، وستكسبها مشروعية مضافة الي ما يملكه من مشروعية ما بعد 30 يونيو، وكأننا نسهم في تقوية نظام بدأت تتأكل شعبيته تدريجيا بعدما فشل في حل أزمات المجتمع بدءا من أسعار السلع الي محاربة الإرهاب...إن كل مشاركة في انتخابات برلمانية أو محلية أو رئاسية هي دعم مباشر للنظام وتثبيت أركانه في مقابل مزيد من الانسحاق للقوي السياسية التي تصر علي المغالبة وخوض غمار كل تجربة جماهيرية وهي لا تملك ثمن يافطة قماش أو عدد محدود من الكوادر يسير خلف مرشحهم ، ناهيك عن قدراتهم السياسية والجماهيرية المتواضعة..
3- ...ما العمل ؟؟؟.. في تقديري أن خوض انتخابات ما ونحن غير مؤهلين لها هو مضيعة للجهد والوقت والسمعة السياسية واحباط للروح المعنوية للكوادر المحدودة أصلا ويولد مزيد من الشعور بالاغتراب عن المجتمع... وبالتالي ليس أمامنا سوي بداية الطريق من حيث يجب.. من بناء الكادر في معارك جماهيرية بسيطة ومتراكمة ومتنوعة بحيث تنتج في النهاية قادة طبيعيين قادرون علي بناء مستقبل للحركة الاشتراكية .. بناء كادر سياسيا وثقافيا ..بحيث يتمكن في دعم تنظيمه السياسي وتمكينه في الشارع المصري.. ليبقي في النهاية خوض أية انتخابات قطرية هي نتاج مجموع الحركة والتفاعلات مع الشارع والواقع...أما ما يتبعه اليسار المصري من منهج في التعامل مع ملف الانتخابات فهو أبعد ما يكون عن المنهجية العلمية.. التي تقول بضرورة وجود مقدمات لنحصد نتائج... اكررها مرة أخري ..ضرورة وجود مقدمات لنحصد نتائج ... والمقدمات لا ترقي لخوض تجربة انتخابية متواضعة..لا ترقي لسمعة اليسار واهدافه وأحلامه..ناهيك عن أن النزعة الفردية هي المعيار في الترشح..بمعني أن شخصا ما وجد نفسه قادرا فتقدم..بغض النظر عن مدي قدرته علي التعبير عن افكار حزبه ..او عن الفكر الاشتراكي أو عن قضايا المجتمع...كل ما يملكه مقوله تافهة .. " نحاول ان ندخل المجلس اكبر قدر من الشرفاء"... وتناسي ان النظام نفسه سيكون أحرص منه علي دخول بعض الشرفاء ليكونوا مصلا مضادا للانفجار ، مصل يمنح البعض حق الصراخ... فهل توافق علي اعتبار نفسك هذا المصل..؟؟؟ حتما سأري من بعض اليساريين من يوافق علي ذلك...ذلك أن في اليسار كما في اي تيار آخر سنجد الانتهازيين..الذين يرفعون شعار المشاركة وفي نفوسهم غايات خاصة .. والله أعلم بالقلوب...
4- أعلنها مرة أخري..لقد قاطعت الدستور لاحتوائه علي مواد تخالف قناعاتي الفكرية... وقاطعت انتخابات الرئاسة لاعتقادي أنها مسرحية هزيلية سخيفة.. وكذا اعتراضي علي خوض رئيس الجيش الانتخابات واجتماع المجلس العسكري لعدة ساعات لتقرير مصير السيسي..وهذا تدخل من الجيش في السياسة لا يقل خطورة عن تدخل الدين في السياسة... وها أنا اكمل ثلاثيتي واقاطع انتخابات البرلمان المصري 2015 للاسباب سالفة الذكر...لأكون بذلك اليساري الذي اعترض علي خارطة الطريق وقاومها... اليساري الذي نزل في 30 يونيو و3 يوليو و26 يوليو..ضد ارهاب الإخوان... سوف انزل في كل مرة ضد نظام السيسي... لأنني ضد الثورة المضادة بجناحيها ..العسكري والديني..وسأبقي اشتراكي بهذا المعني...لا لتدخل الجيش والدين في السياسة..دمتم رفاق