الحلقة الخامسة: الصراع الفكري، وحاضنات الارهاب التكفيري!!


طلعت الصفدي
2015 / 8 / 20 - 15:33     

الحلقة الخامسة والأخيرة
الصراع الفكري، وحاضنات الإرهاب التكفيري

في البدء، دعونا نتساءل عن القوى، والجهات والدول التي ترعى الإرهاب التكفيري، وتشكل حاضنات له، تمده بكل الوسائل والآليات اللوجستية والبشرية والفكرية، لهد حيل الشعوب العربية والإسلامية، وتهديد مصيرها ووجودها، وتحويلها إلى هشيم وجحيم دون استثناء؟؟؟ وللإجابة على هذه التساؤلات هناك مجموعة من الأسئلة، ربما تقودنا إلى معرفة أعشاش الدبابير الدموية، واكتشاف مصالحهم وأهدافهم في تفتيت العالم العربي، وتأجيج الصراعات الداخلية الدموية في كل البلدان العربية وإلهائه عن قضاياه المصيرية والجوهرية؟؟؟ من له مصلحة في تقسيم كل بلد عربي على حدة جغرافيا وسياسيا، وإفراغ مقوماته، كدولة ذات أرض وشعب وسلطة شرعية، وتحويلها إلى إقطاعيات ومشيخات وإمارات وقبائل طائفية ومذهبية وعرقية ؟؟؟ ومن له مصلحة بتعطيل تطور العالم العربي السياسي والاجتماعي والاقتصادي والفكري والثقافي والحضاري؟؟ ؟ ولمصلحة من يجري إعادة العالم العربي إلى عصور الظلام، والتخلف والرجعية، ومحو لغة العقل والعلم والمعرفة والإبداع والديمقراطية ،وتعطيل دوره الإنساني؟؟؟. .
حركة الأخوان المسلمين، تشكلت في عشرينيات القرن الماضي بزعامة الشيخ حسن البنا، ردا على ثورة أحمد عرابي، وتصاعد الحركة الوطنية المصرية ضد التدخل الأجنبي الاستعماري، واستخدام العنف والتمييز ضد المصريين، ورفضا لسياسة الخديوي توفيق باعتبار الشعب المصري عبيدا، مما دفع احمد عرابي بمقولته الشهيرة: " لقد خلقنا الله أحرارا ولم يخلقنا تراثا أو عقارا"، وأيضا ردا على ثورة 1919 بزعامة سعد زغلول ضد السياسة البريطانية في مصر عقب الحرب العالمية الأولى، وتصاعد الاحتجاجات والمظاهرات، وتعاظم دور الجماهير المصرية بكل أطيافها السياسية والمجتمعية، مما دفع الحكومة البريطانية، للبحث عن مواجهة تلك التحركات الشعبية بعناصر من الداخل المصري، وتطبيقا لقاعدة فرق تسد، فوقع الاختيار على الشيخ حسن البنا، وتنظيم حركة الأخوان المسلمين التي قامت بدور رجعي، ومناهض للثورات، وتقديم الدعم المالي لهذه الحركة لتقويتها، وقيامها بالدور المشبوه، وبهذا تكون بريطانيا الحاضنة الأولى للإرهاب الدموي في مصر . حاولت حركة الأخوان المسلمين في البداية استغلال الدين كوسيلة لتجميع الفئات والطبقات، وخصوصا الطلبة والفئات الفقيرة والريفية، وبعض عناصر الطبقة المتوسطة مستخدمة العنف والسيوف والجنازير، لتخويف الجماهير، وفرض مجموعات تكفيرية تحت حجج الدفاع عن الدين ضد الآخرين. وما السيفان المغروسان في رايتهم، سوى تعبير عن شعاراتهم التي تفرق بين مجتمع الإيمان الصحيح، ومجتمع الباطل وهم باقي المسلمين، والسيف الأول يرمز الى المجتمع المصري ومحاربة من يقفون ضد الدين على حد زعمهم، والثاني موجه إلى الخارج كوسيلة لفرض الدين للتحكم في العالم وإنشاء دولة الخلافة .

ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية، وانتصار الاتحاد السوفييتي على الفاشية والنازية في الحرب العالمية الثانية، فقد تغيرت الخارطة السياسية في العالم، وخلقت واقعا جديدا تسوده الحرب الباردة، ساهمت بانتعاش حركات التحرر العربية، والعالمية التي اعتبرت إحدى القوى الثورية الثلاث في العالم، والتي لاقت دعما سياسيا وعسكريا واقتصاديا كاملا من الاتحاد السوفييتي، أدت إلى تحرر العديد من البلدان في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وبقيت بعضها تصارع الاستعمار القديم والجديد حتى نالت استقلالها الوطني أخيرا، وكان لتشكل الجبهات الوطنية الموحدة في كل بلد من القوى الوطنية والأحزاب اليسارية والشيوعية، والتزام مكوناتها ببرنامج الحد الأدنى، وبأدوات ووسائل نضالية متعددة، دور هام في تحقيق أهدافها الوطنية، فيما انتكست الحركة الوطنية الفلسطينية، بقيام دولة إسرائيل في 15 مايو عام 1948 على جزء كبير من الأرض الفلسطينية تجاوزت حتى قرار التقسيم، باعتبارها قاعدة أمامية للقوى الامبريالية في المنطقة، وبهذا فان الثالوث بريطانيا والحركة الصهيونية والأنظمة العربية الرجعية هي المسئولة عن خلق القضية الفلسطينية.
وجاء عدوان حزيران عام 1967 ،ليلحق الهزيمة بالجيوش العربية، وبالفكر القومي الناصري والبعثي الذي راهنت عليه الجماهير العربية في معركتها القومية ضد العدو الإسرائيلي، والغرب الاستعماري، والأنظمة العربية الرجعية، وخلقت انتكاسة حقيقية للوحدة العربية، واتسعت دوائر الإحباط لدى الشارع العربي، وفقدت الثقة بالشعارات التي لا تستند إلى الواقع والمعرفة، مما وفرت بيئة وحاضنة جديدة، وفرصة للقوى الإسلامية الأصولية، بتبرير الهزيمة وهجومها على الفكر الناصري والقومي والماركسي، وتفسير الهزيمة بالغيبيات، والابتعاد عن الدين، ووجدت بعض التيارات الإسلامية ضالتها في رفع شعارات مثل : الإسلام هو الحل، والدعوة إلى الحكومة الإسلامية، والحاكمية الإسلامية ومقولات متعددة تحمل نفس المفاهيم، وراجت حركة في الجامعات تدعم هذه المقولات، دون أن تطرح التيارات الإسلامية في أدبياتها، كيفية الخلاص من نتائج العدوان الإسرائيلي على البلدان العربية، وكأن الأمر لا يعنيها، وغابت حاجات الجماهير عن برامجها وشعاراتها برغم الهزيمة المرة، ولم تعد المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية جزءا من اهتماماتها، سوى الشماتة والحقد الدفين، وتساوقت مع أطروحاتها مجموعات من المثقفين المتذبذبين وبعض المفكرين المتأثرين بأفكار ابن تيمية وأبو الأعلى المودودي وسيد قطب، وحاولوا مواجهة التيارات والفكر اليساري والقومي، باستخدام العنف والتطرف الديني وكأنهم يملكون الحقيقة المطلقة، وتولت بعض المجموعات من خريجي الولايات المتحدة الأمريكية، فتح قنوات مع الغرب الاستعماري، انتقاما من النظم الحاكمة العربية خصوصا في مصر وسوريا والعراق، وساعدها على ذلك تراجع القوى الوطنية والتقدمية واليسارية والشيوعية، مما ساعدها على استعادة نشاطاتها السرية والعلنية والدينية تحت يافطة نشر الدعوة الإسلامية، ولكن جوهرها هو الوصول إلى الحكم والسلطة .

ويأتي انهيار الاتحاد السوفييتي وبلدان المنظومة الاشتراكية، ليخلق تغييرا خطيرا في موازين القوى لصالح الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الاستعماري، ويخضع العالم إلى هيمنة القطب الأوحد، والتفرد بمصير العالم، وتحولت أمريكا إلى سيدة العالم دون منازع. كما أصيبت البلدان والنظم الديمقراطية والتقدمية بضربة موجعة، خصوصا في منطقة الشرق الأوسط، وبهذا ضمنت إسرائيل تفوقها العسكري في المنطقة مما ساعدها على العدوان المتواصل على الشعوب العربية، وعلى الشعب الفلسطيني، وتهربها من تنفيذ قرارات الشرعية الدولية . لقد وفر هذا المناخ بيئة مواتية للحركات الإسلامية، خصوصا بعد دعم الولايات المتحدة الأمريكية للقاعدة في مواجهة السوفييت في أفغانستان، والتي تلقت دعما هائلا من دول الخليج العربي في مقدمتهم المملكة العربية السعودية، ساهم في تعبئة أوساط كبيرة من الفئات المهنية والشبابية،والطبقات المتوسطة، وبهذا فقد تحالفت كل من الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج العربي، حاضنة لها حيث قدمت لها كل الدعم، خصوصا أن الحركة الوهابية الأصولية المتطرفة انطلقت من أراضي المملكة العربية السعودية وبتحالف المال السعودي، مما أكسبها أولا المشروعية في الشارع الخليجي، وثانيا في بلدانها جراء تقديم الخدمات المختلفة للجماهير الفقيرة والمسحوقة، وبهذا شكلت قاعدة جماهيرية كبيرة إما ملتزمة بها أو مناصرة لها جراء مصالحها الخاصة، ولم تغب الدول المانحة، بتقديم ملايين الدولارات لها بهدف سياسي.
لا شك إن الأوضاع في البلدان العربية والإسلامية كافة غير مستقرة، ولم تنجح الأحزاب والقوى السياسية التي خاضت النضال ضد الاحتلال والاستعمار، ورفعت شعارات إيجابية وتقدمية لصالح الجماهير، مما جعلها تلتف حول قيادتها، ولكن عند استلامها السلطة فقد أدارت ظهرها للجماهير، وبدأت تبحث عن مصالحها الخاصة مما أفقدها البعد الجماهيري الحقيقي، وأدى إلى انهيار الأوضاع المعيشية، وتفاقمت الأزمة الاقتصادية، واتسعت الفجوات الطبقية بين الجماهير، وتعمقت أزمتها بسبب تبعيتها للرأسمالية العالمية وخصوصا الأمريكية، وتقاعسها عن مواجهة عدو الشعوب العربية إسرائيل. لقد رافق ذلك التخلف الاجتماعي والاقتصادي، وتفاقم الفساد، وغياب القانون والحياة الديمقراطية، وتدخل الأجهزة البوليسية والأمنية في الحياة الخاصة للمواطنين، واستخدامها القمع والقهر ضد المعارضين، وتبني سياسة الانفتاح الاقتصادي وبيع القطاع العام، وما رافقه من ضعف وتراجع القوى الديمقراطية والتقدمية واليسارية، كل هذا العوامل بالإضافة إلى سياسة التجهيل في الجامعات ومراكز البحث السلطوية، وغياب الحداثة والإبداع وحرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة، فقد خلقت داخليا مناخا ملائما للحركات الأصولية، أدت ببعض هذه الدول من التساوق معها لحماية سلطتها وحكمها، وبقصر نظرها وفسادها، شكلت حاضنة للحركات الإسلامية كما كان لمؤسسات التنشئة الاجتماعية كافة تناقضات جوهرية مع العلم والعقل والمعرفة. .
لقد ساهمت البيئة الداخلية والموروث الديني والفتاوى الرجعية للدول العربية والإسلامية، والبيئة الخارجية وتفرد الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الاستعماري، والعدوان على الشعوب العربية في فلسطين ولبنان، وخصوصا تعرض الشعب العراقي للإبادة الجماعية، وتقسيمه مذهبيا وطائفيا، بمشاركة بعض الدول العربية، واحتضان الجماعات الإرهابية المتطرفة التي استخدمت وسائل الاتصال الجماهيري، والانترنت والتواصل الاجتماعي الذي فتح لها الأبواب للتعبئة المتطرفة تحت يافطات الدفاع عن الدين، وتصوير الجنة والبنات الحور كأنها بانتظارهم وفي استقبالهم . إن أحد أهم أسباب بروز ظاهرة التطرف هو التهميش والفقر الذي تتعرض له الجماهير، وتقاعس الدول العربية والإسلامية عن التنمية الحقيقية، وتفاقم البطالة والمشاكل الاجتماعية. لقد تحولت دور العبادة والمساجد إلى مدارس شبابية ترعى الفكر الإرهابي، وخصوصا ما تقدمه من فتاوى تتناقض مع العلم والمعرفة، وتشحنهم بكتب ونشرات ومجلدات وكتيبات خاصة بهم ومطابع خاصة، كما أن الجامعات بدلا من تحولها إلى منابر للإشعاع العلمي والفكري والإبداع والبحث عن حل المشاكل التي يعانيها المجتمع كافة، فإنها تتحول إلى حاضنة للإرهاب وللفكر الإرهابي المتعصب الذي يولد ممارسة دموية وقتل جماعي للبشر المسلمين وغير المسلمين، ولا شك فان بعض الدول الإقليمية والعربية كتركيا وقطر والسعودية والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل هي داعم أساسي للتطرف الأصولي الإسلامي، وحواضن، تقدم لها كل الدعم اللوجستي والمالي والتقني، وتسلحها بكل أنواع الأسلحة الفتاكة، وأول من يقع فريسة للواقع الكارثي هم الشباب، فهم ضحايا الإرهاب والتطرف، والفهم الخاطئ للدين. .