الماركسية والمسألة الدينية , تعقيب على ما نشره أتحاد الشيوعيين في العراق على موقع الفيس بوك


سعد محمد حسن
2015 / 8 / 20 - 07:59     

ما من شك بأن نقد ماركس للمسألة الدينية قد شابه الالتباس والغموض والتشويه , ليس من أعدائه فحسب بل من مريديه , حين راح البعض منهم على ترديد القول بأن " الدين أفيون الشعوب " دون الوعي الحقيقي بمنطق ماركس النقدي ودون استحضار لكامل النص الذي وردت العبارة فيه بغية تأكيد دلالة النص المعرفية , ناهيك من العبارة نفسها قد نزعت من النص الكلي , بل أن النص نفسه منزوع هو الأخر عن السياق النقدي لكتابات ماركس وعن سياق تطور الفلسفة الغربية عموما وخاصة بالنسبة لتطور فلسفة التنوير وموقف الفلاسفة من الفكر الديني وأيديولوجية الكنيسة , بل ومن التراث العقلاني برمته والذي ارتبط ظهوره بالفكر العلماني والتشكيكي الذي أخضع كل ما هو ديني وروحي وغيبي إلى آليات تحليل عقلانية تنفي من حيث المبدأ التصورات الغيبية .,. ليتم تقديم ماركس بعد ذلك بوصفه أكثر الساخطين أو الناقمين على الدين خاصة والمقدس كبعد حاسم فيه , أكثر من كونه فيلسوفا أو مفكرا هيمن على حد كبير على الأفق الفكري للأزمنة الحديثة وشغل خطابه السجالي .

لقد ترك غياب الوعي النقدي بهذا الشكل إلى تغييب الطابع المعرفي لمنهجية ماركس النقدية فعبارة " الدين أفيون الشعوب " والتي وردت في سياق النص التالي " أن الشقاء الديني هو من جهة تعبير عن الشقاء الواقعي , ومن جهة أخرى احتجاج على الشقاء الواقعي , الدين هو تنهيدة الكائن , قد اقتلعت من نصها الأصلي وقد لوي عنق هذا المقتطف وأخذ بدلالة غريبة عما قاله ماركس في هذا المضمار, ليعني ضمنا أن الدين أفيون الشعوب بصيغة الجمع والإطلاق .
.
لذلك فأن وضع نقد ماركس للمسألة الدينية في سياقه المعرفي والتاريخي , يعد معرفيا بمثابة الخطوة الأولى على طريق استيعاب منهجية ماركس وسبل معالجته للقضايا الفلسفية والاجتماعية, ولعل من الضروري التأكيد هنا بأن ماركس حين كتب نصه الأنف الذكر , كان لا يزال تلميذا لفورباخ و أن تحليله للدين , كان لا يتميز بأية أحالة طبقية ومع ذلك فأن هذا التحليل قد أستوعب الطابع المتناقض للطاهرة الدينية ,فهي في بعض الأحيان إضفاء الشرعية على النظام القائم وهي في بعض الأحيان تمثل احتجاجا عليه , ولم تبدأ الدراسة الماركسية المحددة للدين , بوصفه علاقة اجتماعية وتاريخية ألا فيما بعد , كما هي في كتاب " الإيديولوجية الألمانية " 1846 , ففيه يرى ماركس أن الاستلاب الديني هو في حد ذاته نتيجة لاستلاب أخر أعمق في دلالته الواقعية , هو استلاب العلاقات الاقتصادية في المجتمع الرأسمالي , لذلك يجب البحث عن أصل الداء في موضعه الأصلي أي في المجتمع وليس في الدين .
أن نقد الدين يجب أن يأتي في أطار نقد الوضع السياسي والاجتماعي وليس العكس , وعلى خلاف فورباخ لا يربط ماركس كذلك أنجلس بين الدين والجوهر الإنساني و إنما يجعلانه نتاجا من نتاجات المجتمع , حيث أن إنتاج الأفكار والثقافة والفن والدين والوعي يرتبطان قبل كل شيء وبصورة مباشرة بنشاط البشر الاقتصادي والمادي . وهو أحد الأشكال الكثيرة لإيديولوجية الإنتاج الروحي لشعب ما , أنتاج الأفكار والتمثلات والوعي والتي تعتبر كلها مشروطة بالإنتاج المادي والعلاقات الاجتماعية المتناسبة معها.